ما أستغربه ألا يرى أحد فيما يجري أي تهديد للأمن القومي العربي يستدعي تحركاً من أي نوع هناك عدة أسباب تشجع إسرائيل على توجيه ضربتها العسكرية لإيران قبل نهاية الصيف أرجو ألا ينسينا الربيع العربي أن ثمة حريقا في المشرق تعد له إسرائيل بغارتها على إيران، التي لن يسلم العالم العربي من تداعياتها. (1) الخبر ليس جديدا.اذ منذ نحو عشر سنوات، حين قررت إيران الشروع في تخصيب اليورانيوم للمضي في برنامجها النووى، ولجأت الى ذلك بعدما رفضت الدول الغربية تزويدها بالوقود النووى، فان إسرائيل أشهرت «الفيتو» وأعلنت أنها لن تسمح لإيران بذلك.وكانت قد بعثت بالرسالة ذاتها الى كل من يهمه الأمر، حين قصفت المفاعل النووي العراقي في سنة 1981.ولم يهدأ لها بال الا حين نجحت في اقناع ادارة الرئيس بوش بتدمير العراق كله واخراجه من معادلة القوة في المنطقة في عام 2002. كانت إيران قد بدأت برنامجها النووي لاستخدام الطاقة في الأغراض السلمية، قبل الثورة بالاتفاق مع بعض الشركات الألمانية ولكن قيام الثورة في عام 1979 أوقف المشروع، ودفع الألمان الى التراجع عن الاتفاق.تدخلت موسكو على الخط منذ بداية التسعينيات.ومنذ ذلك الحين و«الفيتو» الإسرائيلي يلاحق خطوات المشروع.وهذه الملاحقة استخدمت منها أربع وسائل على الأقل.الأولى تمثلت في التحريض السياسي والاعلامي الذي استهدف التخويف من البرنامج الإيراني وخطره على إسرائيل ومنطقة الخليج والعالم بأسره.الثانية تمثلت في الضغوط الاقتصادية التي أريد بها خنق إيران، وانتهت بقرار دول الاتحاد الأوروبي بمنع تصدير النفط الإيراني الى العالم الخارجي ابتداء من شهر يوليو المقبل.الوسيلة الثالثة لجأت فيها إسرائيل الى اغتيال علماء الذرة الإيرانيين (قتلت أربعة حتى الآن) ومحاولة تخريب المنشآت العسكرية.الرابعة تمثلت في الحديث صراحة عن القيام بعمل عسكري يستهدف تدمير المنشآت النووية. الوسائل الثلاث الأولى استخدمتها إسرائيل طوال السنوات التي خلت، أما الرابعة فقد ظلت رسائل تطلق في الفضاء الاعلامي والسياسي بين الحين والاخر، الا ان ثمة قرائن عدة تداولتها الصحف الغربية والإسرائيلية أخيرا، دلت على ان العام الحالي سيشهد على الأرجح خطوة حاسمة في هذا الصدد.سأشرح لك كيف ولماذا؟ (2) في الثالث من فبراير الحالي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالا للكاتب المقرب من الادارة الأمريكية ديفيد اجناتيوس ذكر فيه ان وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا «يعتقد بأن ثمة احتمالات قوية لأن تضرب إسرائيل إيران خلال الأشهر الثلاثة المقبلة (أبريل أو مايو أو يونيو) قبل ان تدخل إيران ما يصفه الإسرائيليون بأنه منطقة حصانة للبدء في تصنيع القنبلة الذرية». أضاف صاحبنا ان الهجوم الإسرائيلي سيكون محدودا وسيوجه الى منشأة «ناتانز» وأهداف أخرى، أما منشأة «قم» للتخصيب فيصعب استهدافها جويا.وانما يتطلب الأمر شن حرب قصيرة تستغرق 5 أو 6 أيام من الضربات الإسرائيلية، يليها وقف للنار بوساطة الأممالمتحدة. ما كتبه اجناتيوس نموذج لتحليلات متواترة ظهرت في وسائل الاعلام خلال الأسابيع الأخيرة تتحدث عن ان البرنامج النووي الإيراني سيدخل مرحلة حاسمة قبل نهاية الصيف المقبل.وكانت صحيفة هاآرتس قد ذكّرت في 1/16 تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في نوفمبر الماضي التي قال فيها ان وقف البرنامج النووي الإيراني يجب ان يتم قبل سنة.وفي كلامه تحدث عن «الخط الأحمر» الإسرائيلي قائلا انه «منذ اللحظة التي يتم فيها نقل قسم مهم من التخصيب في موقع آمن.فان إيران تكون قد دخلت مجال الحصانة، ويتعين شطب الخيار العسكري الإسرائيلي من جدول الأعمال».ولايضاح هذه النقطة ذكرت «هاآرتس» أنه خلال العام الحالي سيتم للإيرانيين ادخال مشروعهم الذري الى عمق كبير تحت الأرض، وحينئذ سيصبح الهجوم الجوي أقل فعالية، وهو ما عناه باراك حين تحدث عن شطب الخيار العسكري في هذه الحال. الى جانب هذا السبب الرئيسي هناك أسباب أخرى تشجع اسرائيل على توجيه ضربتها العسكرية الى إيران قبل نهاية الصيف في مقدمتها ما يلي: ان الرئيس الأمريكي الذي لا تحبذ ادارته التورط في حرب جديدة سيكون في أضعف حالاته، لأنه سيكون مشغولا بانتخابات التجديد له (في 4 نوفمبر)، وسيكون حينذاك في أشد الحاجة الى أصوات اليهود، وبالتالي فانه لن يستطيع ان يتحفظ على القرار الإسرائيلي . ان الاتحاد الأوروبي الذي ظل مترددا في مواجهة إيران طوال السنوات الماضية ذهب بعيدا في تأييده للسياسة الإسرائيلية، حتى تبنى قرار خنق إيران عن طريق وقف تصدير نفطها الى الخارج وكل تعاملاتها المالية التي تتم من خلال البنك المركزي . ان سورية اذا لم يكن نظامها قد سقط فانه على الأقل سيكون عاجزا عن تقديم أي عون لإيران أو لحزب الله الذي سيصبح محدود الحركة، وقد كان مفهوما ان نظام الأسد والحزب يقومان بتأمين إيران وحراسة ظهرها في مواجهة أي عدوان إسرائيلي . ان إسرائيل قلقة من أجواء الربيع العربي، وعبرت عن مخاوفها في تقريرها الاستراتيجي الأخير من تنامي مشاعر الرفض العربي لها وعن عدم اطمئنانها الى استمرار معاهدة السلام مع مصر، وأمامها فرصة الآن لكي تحاول تدمير القوة الإيرانية لاضعاف الصف المناوئ لها وتأكيد زعامتها للمنطقة. ان مزاج المجتمع العربي ليس مستريحا للسلوك الإيراني في السنوات الأخيرة، سواء في موقفه المساند للنظام السوري على الرغم من فظائعه أو في تمدده المقلق بالعراق الذي أثار حساسية وغضب أهل السنة.وهي التصرفات التي سحبت الكثير من رصيد ايجابيات الموقف الإيراني الداعم للمقاومة الفلسطينية والرافض للهيمنة الأمريكية. (3) كل ما سبق ليس آخر كلام في الموضوع.فليس هناك ما يثبت ان إيران بصدد توجيه برنامجها النووي للأغراض العسكرية.كما أنه ليس هناك ما يؤكد ان إسرائيل أصدرت قرارا نهائيا بتدمير ذلك البرنامج بالقوة العسكرية.ولكن الثابت ان إسرائيل تريد وقف ذلك البرنامج بأي طريقة.وان هناك استعدادات عسكرية إسرائيلية وأمريكية للتعامل مع الخيار العسكري . وفي تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات الوطني الأمريكي، الذي يضم 17 وكالة استخبارية ويغطي الأعوام 2010-2007 ان إيران توقفت عن تطوير الأسلحة النووية في سنة 2003، ولا يوجد دليل على أنها غيرت موقفها.وفي عام 2009 حذر روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي الأسبق من النتائج الخطيرة لأي هجوم على إيران.وهذا التحذير ردده بشدة في 2010 رئيس الأركان المشتركة للجيش الأمريكي مايك مولن.وفي عام 2011 اعترض مائير داجان رئيس الموساد السابق على فكرة الهجوم.بل ان التقرير الاستراتيجي الاسرائيلى لسنة 2011 يقول صراحة انه «لا توجد رغبة حقيقية للقيام بعمل عسكري ضد إيران، لا في اسرائيل ولا في الولاياتالمتحدة».وذهب الكاتب البريطاني باتريك سيل المختص بالشرق الأوسط الى أنه ليس من المرجح أبدا شن هجوم على إيران في المستقبل القريب.فلن تجرؤ إسرائيل على مهاجمة إيران بمفردها.فيما أوضح الرئيس أوباما بشكل تام ان الولاياتالمتحدة لا تنوي السماح لنفسها بالانجرار الى حرب كارثية أخرى في الشرق الأوسط (بعد ورطتها في العراق وأفغانستان) الحياة اللندنية 1/27. رغم كل هذه الخلفيات فالحاصل على الأرض يمضى في اتجاه آخر.ذلك ان هناك اقتناعا أمريكيا بأن الثنائى الإسرائيلي نتنياهو باراك ماض صوب العملية العسكرية قبل نهاية الصيف كما سبقت الاشارة.يؤيد ذلك ان باراك طلب من الأمريكيين تأجيل المناورات العسكرية السنوية بين البلدين المقرر اجراؤها في شهر مايو المقبل. في 1/22 ذكرت صحيفة «معاريف» ان إسرائيل أبلغت رئيس الأركان الأمريكي مارتين دمياسي أثناء الزيارة التي قام بها الى تل أبيب أنها لن تطلب اذن الولاياتالمتحدة بمهاجمة إيران، ولكنها ستمنحها اخطارا قبل الانطلاق في العملية ب 12 ساعة فقط.ونقلت الصحيفة عن الصنداي تايمز البريطانية ان حديثا هاتفيا قاسيا تم بين الرئيس باراك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.بعدما رفض الأخير اشراك البيت الأبيض في تفاصيل الهجوم، حتى لا يبذل باراك أي جهد لمنعه اذا علم به مسبقا. (4) في مقالته التي نشرتها «واشنطن بوست» قال ديفيد اجناتيوس ان الادارة الأمريكية تبحث في عواقب الهجوم الإسرائيلي على إيران.ومن الأسئلة المثارة في هذا الصدد ما تعلق برد الفعل الإيراني، وهل سيستهدف القواعد والسفن الأمريكية في منطقة الخليج، وما هو وضع خليج هرمز الذي هددت إيران باغلاقه (%90 من نفط المنطقة يمر منه بمعدل 16.5 مليون برميل يوميا تمثل ربع الاستهلاك العالمي )، وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي يرهق الاقتصاد الأمريكي الضعيف في سنة الانتخابات. وأشار الكاتب أيضا الى أنه في حالة الهجوم على إيران فقد يطلق حزب الله من لبنان وابلا من الصواريخ، ويقدر بعض الخبراء الإسرائيليين ان نحو 500 شخص يمكن ان يتعرضوا للاصابة جراء ذلك، وفي هذه الحالة فليس معلوما الدور الإسرائيلي على صواريخ حزب الله، ولا صدى ذلك كله في أوساط الشيعة العرب. لا حديث في العلن على الأقل عن وضع منطقة الخليج في هذه الظروف، لكننا نلاحظ ان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقدوا في الأسبوع الماضي اجتماعا في استانبول بهذا الخصوص مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.ومعروف ان تركيا معنية بالملف الإيراني، وسبق ان توسطت مع البرازيل لحل اشكال البرنامج النووي الإيراني . صحيح أنه بوسع إسرائيل ان تحدد موعدا لغارتها الأولى على إيران، لكن ليس بمقدورها ان تسيطر على ردود الأفعال التي تترتب على تلك الغارة، لأن شرارة الحريق معرضة للانتقال الى دائرة واسعة في العالم العربي، علما بأن أحدا لا يعرف تأثير تلك الغارة على منطقة شمال القوقاز المجاورة لإيران، التي تعيش فيها أغلبية اسلامية كاسحة، مسكونة بالتوتر والغضب الذي تتوجس منه الحكومة الروسية. النقطة المهمة التي اتفق على اثارتها كل من ديفيد اجناتيوس وباتريك سيل هي ان واشنطن ملزمة بالدفاع عن أمن إسرائيل بمقتضى اتفاق بين البلدين يصعب التحلل منه خصوصا في سنة الانتخابات الأمريكية، ولذلك فانهما حذرا من اضطرار الولاياتالمتحدة للتدخل لصالح اسرائيل اذا ما تعرضت لأي عمل عسكري من جانب إيران أو حزب الله، كما حذرا من أي خطأ تقع فيه إيران اذا ما تحرشت بالسفن أو القواعد الأمريكية، لأن ذلك قد يصبح ذريعة لاشتراك واشنطن في حرب تريد ان تنأى بنفسها عنها. لكي تخرج دول الخليج سالمة من المواجهة المحتملة، لماذا لا يبادر مجلس التعاون الخليجي الى الدخول في محادثات مع إيران للتوصل الى اتفاق بمقتضاه تتعهد دول الخليج بعدم السماح باستخدام أراضيها لشن هجوم على إيران.وفي المقابل تتعهد إيران بعدم استخدام الشيعة في المنطقة من أجل الاخلال باستقرار الأنظمة السياسية القائمة.وهو ما الذي يمكن ان يعد نقطة انطلاق لارساء تعاون أمني وثيق يحفظ استقرار ومصالح الطرفين. هذا الاقتراح الأخير ليس من عندي، ولكن صاحبنا باتريك سيل أورده بحسن نية في مقالته، وأرجو ألا يكون قد فات أوان بحثه.الا ان ما أستغربه ألا يرى أحد فيما يجري أي تهديد للأمن القومي العربي، ولا يرى أحد ان الموقف يستدعي تحركا من أي نوع للعالم العربي . نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية