د.محمد سعيد رسلان يكتب : تحقيق التوحيد

النَّاسُ أَحْيَانًا يَتَمَسَّكُونَ بِمَا يُسَاوِى قُلَامَةَ الظُّفُرِ فِى الْإِنْسَانِ الْحَيِّ، وَيَتْرُكُونَ مَا يُوَازِى الْقَلْبَ وَالرُّوحَ وَالْعَقْلَ وَالنَّفْسَ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلِطُونَ، وَهَذَا مَعِيبٌ جِدًّا، لِأَنَّهُمْ يَتَحَصَّلُونَ فِى النِّهَايَةِ عَلَى إِسْلَامٍ مُشَوَّشٍ مُشَوَّهٍ، لَيْسَ هُوَ الَّذِى أَرَادَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ خَلْقِهِ.
فَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْيَا بِقَلْبِهِ، وَالْقَلْبُ مَلِكُ هَذَا الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ، وَالْأَعْضَاءُ كُلُّهَا كَأَنَّمَا هِى مِنْ جُنُودِهِ، تَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، كَذَلِكَ فِى الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ قَلْبُهُ وَرُوحُهُ وَحَقِيقَتُهُ: تُوْحِيدُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَمَنْ لَمْ يُحَقِّقْ هَذَا وَأَخَذَ بِمَا هُوَ دُونَهُ فَهُوَ تَمَامًا كَالَّذِى يُقَدِّمُ الظُّفُرَ عَلَى الْقَلْبِ، وَالشَّعْرَ عَلَى الْمُخِّ وَالْعَقْلِ!! فَهَذَا يَأْتِى بِشَيْءٍ مُشَوَّهٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَظِمَ مِنْهُ مَا يَنْفَعُهُ لَا دُنْيَا وَلَا آخِرَة.
لِذَلِكَ بَدَأَ كُلُّ نَبِى وَكُلُّ رَسُولٍ قَوْمَهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ {اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، فَيَبْدَأُ بِهَذَا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
وَالنَّبِى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَرْسَلَ مُعَاذًا إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ دِينَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَأَنْ يَدْعُوَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ قَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، لَا تَبْدَأْ بِمَا هُوَ قَبْلَ هَذَا الْأَصْلِ الْأَصِيلِ، «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ وَأَطَاعُوكَ فِيهِ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِى أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». قَالَ: «وَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ».
فِى الْحَدِيثِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ جِدًا، وَلَكِنَّ الَّذِى نُرِيدُهُ هَاهُنَا -وَكُلُّ الْحَدِيثِ مُرَادٌ- هُوَ قَوْلُهُ: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، وَ(لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) هِى الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، لِأَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلِأَجْلِهَا قَامَتِ الْمَعْرَكَةُ بَيْنَ جُنْدِ الرَّحْمَنِ وَجُنْدِ الشَّيْطَانِ، مِنْ أَجْلِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، مِنْ أَجْلِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) أَنْزَلَ اللهُ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، مِنْ أَجْلِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) يُقِيمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- السَّاعَةَ، وَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، وَتَتَطَايَرُ الصُّحُفُ، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ.
مِنْ أَجْلِهَا يُضْرَبُ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ -أَيْ: عَلَى ظَهْرِ- النَّارِ؛ فَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَنَاجٍ يَطِيرُ طَيَرَانًا، وَنَاجٍ كَالْبَرْقِ، وَنَاجٍ كَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ، وَنَاجٍ يَعْدُو عَدْوًا، وَنَاجٍ عَلَى الصِّرَاطِ يَحْبُو حَبْوًا وَنُورُهُ فِى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ تَحَرَّكَ، وَإِذَا مَا أُطْفِئَ وَقَفَ، وَالنَّارُ تَحْتَهُ، وَعَلَى جَانِبَى الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مِنْ حَدِيدٍ مَعْقُوفٍ -الكَلُّوبُ: هُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِى يُنْشَلُ بِهَا اللَّحْمُ- تَخْطفُ النَّاسَ خَطْفًا عَلَى حَسَبِ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُهَذَّبُوا وَأَنْ يُنَقَّوْا وَأَنْ يُطَهَّرُوا؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ هِى دَارُ الطَّيِّبِ الْمَحْضِ، هِى دَارُ السَّلَامِ، هِى بَيْتُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِى الْآخِرَةِ، يَأْوِى إِلَيْهَا كُلُّ طَيِّبٍ، فَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا الطَّيِّبُ الْمَحْضُ.