تصاعدت حدة الخلاف بين الحكومة والفلاحين مع بداية موسم حصاد القمح، ففى حين قررت الحكومة استلام القمح من الفلاحين ب 555 جنيها للإردب، رأى الفلاحون أن هذا السعر مجحف تماما لهم، فى الوقت نفسه بدأ التجار لعبتهم فى جمع المحصول من الفلاحين على رؤوس الحقول مقابل مبلغ 575 جنيهاً، وهو ما جعل نقيب الفلاحين يؤكد أن صوامع الحكومة ستعانى نقصا فى توريد القمح، فى حين تدخل البرلمان فى المشكلة، وأكد أن السعر العادل للقمح هو 650 جنيهاً، إلا أن الحكومة ما زالت تصر على دعم الفلاح الأجنبى بالاستيراد من الخارج فى حين تركت الفلاح المصرى يعانى الأمرين. كان موسم حصاد القمح يعد احد الأعياد لدى الفلاحين فى مصر، فيه تتزوج البنات، وتمتلئ البيوت الخاوية بالخير، إلا أن هذا الوضع تغير وأصبح موسم «هم» للفلاح، فبعد انتظار شهور طويلة وبعد كل ما انفقه من أموال ومجهود يجد العائد قليلا، فالسعر الذى تفرضه الحكومة لتوريد القمح سعر غير عادل كما يرى الفلاحون، حيث أكد فراج ابراهيم أن تكاليف الزراعة زادت جدا، ويكفى أن نذكر أن ايجار الفدان أصبح يصل إلى 7 آلاف جنيه فى العام، ومعظم الفلاحين يؤجرون الأرض من ملاكها، هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الزراعة نفسها، فالفدان يحتاج إلى شيكارتي تقاوى على الأقل سعر الواحدة 160 جنيها، و5 أو 6 شكائر كيماوى سعر الواحدة 220 جنيها، كما أن أجرة العمال الزراعيين ارتفعت لتصل إلى 60 جنيها من الصباح حتى أذان الظهر، لذلك فالفلاح يدفع الكثير ولا يجد ما يكفيه بعد بيع القمح بهذه الأسعار. والتقط محمد ابراهيم أطراف الحديث، مشيراً إلى أن ارتفاع تكلفة الزراعة جعل الفلاح يعانى كل يوم، وموسم الحصاد لم تعد له فرحة كما كان من قبل، لكن عزاءنا الوحيد هو أننا نخزن قمح فى منازلنا ليكفينا شر السؤال، وأضاف: نظراً لعدم وجود المياه فى الترع باستمرار أصبح رى الأرض مشكلة بالنسبة لنا، حتى بلغت تكلفة رى الفدان حوالى 1500 جنيه فى السنة، ومع ذلك الحكومة تحدد سعر بيع قليل والتاجر يشترى منا بأقل من هذا السعر ب 20 أو 25 جنيهاً مكسبا له، ونحن نبيع للتجار لأنهم يحملون القمح فى سياراتهم من على رأس الغيط، فلا نتكلف نففة تحميل ولا نقل، لذلك نفضل البيع للتجار عن التوريد للحكومة مباشرة. ويكشف نزيه محمد حسن عن مفاجأة بقوله إن شون الحكومة مغلقة، فشونة شبلنجة القريبة من قريته ميت السباع بالقليوبية مغلقة منذ فترة طويلة، وكنا فى الأعوام الماضية نقوم بتوريد القمح إلى شونة مسطرد، ولكننا لا نحصل على السعر إلا بعد شهرين من التوريد، لذلك لم يعد أمامنا سوى البيع للتجار الذين قرروا أن يحصلوا عليه بمبلغ 575 جنيها للإردب، ورغم أنه سعر منخفض بالنسبة للتكلفة التى ترتفع من عام لآخر، إلا اننا مضطرون لذلك. وأضاف نزيه أن الجمعية الزراعية تصرف للفدان 3 شكائر أسمنت فقط بالسعر الرسمى (150 جنيها) لزراعة القمح، والفدان يحتاج 5 شكائر على الأقل لذلك نضطر لشراء الباقى من السوق السوداء بسعر 220 جنيها للشيكارة، وتأجير ماكينة الرى ب15 جنيهاً فى الساعة، وأجرة العمال ارتفعت ل 120 جنيها فى اليوم الواحد، والفدان لا ينتج سوى 12 أو 15 إردباً على الأكثر، وبالتالى فسعر البيع لا يكفى المصاريف. وكان أعضاء لجنة الزراعة بالبرلمان قد طالبوا الحكومة برفع سعر توريد القمح إلى 650 جنيها بدلا من الأسعار التى حددتها الحكومة ب 555 جنيها للإردب نقاوة 21، و565 جنيها لنقاوة 23، و575 جنيهاً للأردب نقاوة 23.5، وطالب النائب هشام الشعينى، رئيس لجنة الزراعة، فى اجتماع اللجنة بضرورة رفع أسعار التوريد لمواجهة ارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج، لأن هذا ينعكس على حالة الفلاح المصرى، مشيرا إلى أن الحكومة لا بد أن تدعم الفلاح المصرى بدلا من دعم الفلاح الأجنبى، وذلك برفع سعر توريد القمح، خاصة أن القمح المصرى أفضل من المستورد، مؤكداً أن الفلاحين لجأوا لترك أرضهم أو زراعتها فاكهة بسبب زيادة أسعار الخامات ومستلزمات الزراعة والعمالة. وهو أيضا ما أكده محمد جودة أحد المزارعين الذى راح يتحسر على موسم حصاد القمح الذى كان عيدا للفلاح، مؤكدا أن الزراعة أصبحت همًّا على الفلاحين بعد أن زادت تكاليف الانتاج، ولكنها مهنتنا منذ سنوات ولا يمكن التخلى عنها، قائلاً: «القمح ما عدش بيأكل عيش، لكن ما نقدرش ما نزرعش». مشيراً إلى أن الفلاحين امتنعوا عن زراعة القطن بسبب ارتفاع التكاليف وعدم البيع بسعر جيد، فهل نتوقف عن زراعة القمح أيضاً؟ الشون خالية فيما أكد فريد واصل نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، أن شون الحكومة ستعانى نقصاً شديداً هذا العام فى كميات القمح الذى سيتم توريده من الفلاحين، بعد أن رفع التجار السعر إلى 600 جنيه للإردب بدلا من السعر الذى حددته الحكومة، وهو ما يعنى أن التجار سيقومون ببيع القمح للمطاحن لحسابهم الخاص، فيما ستجد الحكومة - التى تستهدف استلام 4.2 مليون طن قمح من الفلاحين - أن هذه الكمية غير متوفرة فتلجأ لمزيد من الاستيراد من الخارج، حيث يقدر استهلاك المصريين من القمح ب 16 مليون طن سنويا، منها 9.4 مليون طن انتاجا محليا، والباقى يتم استيراده من الخارج، وفى كل عام تشهد عملية التوريد مشكلات كبيرة تبدأ بالسعر الذى تحدده الحكومة والذى يصفه الفلاحون وممثلوهم فى البرلمان بغير العادل، ثم تأتى مشكلة الوسطاء الذين يقومون بتجميع القمح من الفلاحين وتوريده للحكومة، وهى المرحلة التى تشهد عمليات غش كبيرة، حيث يقوم بعض هؤلاء التجار باستبدال القمح المحلى بآخر مستورد رديء، حيث إن سعر القمح المستورد لا يزيد علي 1500 جنيه للطن بينما المحلى يصل إلى 2700 جنيه، يستفيد التجار من فرق السعر، وهو ما دفع الحكومة فى العام الماضى لإصدار قرار بمنع الاستيراد طوال موسم توريد القمح الذى يبدأ من منتصف ابريل وحتى آخر مايو من كل عام، هذا بالإضافة إلى غش القمح بخلطه بالرمال والشوائب، وهو ما كشفت عنه قضية فساد القمح التى تم الكشف عنها منذ عدة أشهر، ورغم محاولات الحكومة فيما مضى للقضاء على مشكلة السماسرة بمنع توريد القمح إلا بموجب الحيازة الزراعية وإعداد كشوف بأسماء الفلاحين الذين سيتم استلام القمح منهم، إلا أن مشكلة نقص الصوامع وبعدها عن القرى الصغيرة جعل يد التجار هى العليا فى استلام القمح من الفلاحين وتوريده، لتتكرر نفس المشكلات من عام لآخر دون وضع حلول حقيقية لها.