بوجهها الملىء بالتجاعيد فقد تجاوز عمرها الستين عاماً نزلت العجوز من «التاكسى» أمام محكمة الأحوال الشخصية بالإسكندرية بعد أن سارع السائق فى فتح الباب لها وساعدها فى النزول، وبخطوات بطيئة تتحسس موضع قدمها قبل أن تصعد السلم وما هى إلا خطوات معدودة حتى وصلت إلى القاعة. وقفت العجوز تحدق فى سقف الغرفة والجدران وكان لسان حالها يقول تلك هى المرة الأولى التى أدخل فيها إلى المحكمة فكيف بعد أن بلغ بي العمر أرزله.. ينظر إليها المتواجدون بالقاعة بعيون تملؤها الشفقة. تدخل القاعة وتجلس فى الكرسى الأول لينادى الحاجب على الست « فايزة» صاحبة دعوى الخلع ضد زوجها « طاهر» تقف «العجوز» نعم سيدى القاضى أنا موجودة، الجميع ينظر إليها ويتعجب السيدة المسنة التى اختفت ملامحها بفعل الشيخوخة تطلب الخلع من زوجها، نظر القاضى إليها كثيراً متعجباً «أنتى متأكدة يا حاجة أنك عاوزة تخلعى جوزك؟»، ابتسمت العجوز قائلة: أنا أعلم تماماً ما يدور داخل عقولكم الآن أنتم تتعجبون لأنى على وشك الموت وأحضر أطلب خلع زوجى، «نعم» أنا بالفعل أريد أن أخلع زوجى لأنه لا يستحق أن أكون زوجته وأتمنى أن تتحقق لى آخر أمنية فى حياتى وهى أن أموت وأنا حرة من قيده وأنا لست على ذمة هذا الرجل الذى عشت معه 42 عاماً قهراً وعذاباً فقد دمرنى وجردنى من كل شىء من أجل نزواته فهو مزواج وخائن. وراحت العجوز فى نوبة من البكاء قائلة «سيدى القاضى فقد تزوجته وأنا عمرى 23 عاماً كنت على قدر من الجمال». كان زواج صالونات وأسرتى وافقت عليه لأن والدتى كانت تحلم بزواجى، لم أكذب عليك بأننى أعجبت به فى بداية الأمر لأنه شاب جميل ووسيم كان يرسم على وجهه الأدب والرومانسية والأحلام الوردية التى تجذب أى بنت، وكانت ليلة العمر أسود ليلة فى عمرى فهو رجل بشع، كل شىء عنده بالإجبار يتعامل مع زوجته وكانه يغتصبها، فهو حيوان فى صورة إنسان. تحملت معه خوفاً من كلام الناس ولكن كل يوم يظهر الجديد من تصرفاته وبخله ويتركنى بلا طعام ولا أموال ويطلب منى الأنفاق على نفسى من راتبى. وبعد أن رزقنا الله بولدين وبنتين لم يتغير حاله وكانوا هم الأكسجين بالنسبة لى وقررت أن أنفق عليهم وأتحمل لأجلهم، كان لدى أمل أن يتغير بعد أن أصبح أباً، ولكن للأسف مع كل طفل كان يثبت لى أنه لم يصلح أن يكون أباً، فهو كان يكره أبناءه ويخفى أمام الجميع أنه لديه أبناء ولكى يظهر دائماً أنه شاب لم يسبق له الزواج، من أجل علاقاته النسائية. وأضافت «العجوز» عانيت أنا وأبنائى الكثير من قسوته فكان دائم التعدى علينا بالضرب للحصول على الباقى من راتبى لإنفاقه على نزواته، فأفعاله أجبرتنا على الأكل من القمامة، وزوجى اللعين ينفق الأموال فى المطاعم على العشيقات، حاولت كثيراً أن أطلب الطلاق ولكن أسرتى كانت ترفض للحفاظ على أبنائى. مرت السنوات وأنا أتحمل الكثير وزادت أعباء أبنائى، كنت أعتمد على وجبة واحدة فى اليوم من أجل توفير الطعام وأموال الدارسة لصغارى، شقتنا أصبحت سجناً ومنعنا من الخروج من الغرفة، تخرج أبنائى من دراستهم وحصلوا على شهادات جامعية، وطلبت منه أن يبدأ فى تجهيز بناته للزواج قام بالاعتداء على بالضرب والسب، لم يتحمل أبنائى الموقف، ووقفوا أمامه لحمايتى فقام بتطليقى وطردى من الشقة، ولكن أبنائى رفضوا خروجى، لم يكتفِ بذلك بل كان يأخذ الأجهزة الكهربائية من الشقة والمفروشات والستائر والملابس لمنزل زوجته الثانية وذهب للعيش معها، لم أعترض وساعدنى أشقائى على تزويج 3 من أبنائى وبعد 10 سنوات عاد الزوج بوجهه القبيح وحاول طردنا من الشقة عندما تصديت له تعدى على بالسب والضرب وأخبرنى بأنه أعادنى لعصمته قبل انتهاء عدتى، وهددنى بأنه سوف يحرر بلاغات كيدية لأبنائى لطردهم من الشقة، فاض بى الكيل من هذا الزوج اللعين، قررت أن أنتصر عليه وأخلعه وأتخلص من جبروته وتعذيبه ولأن بهذا الخلع لم يستطع أن يعيدنى إلى عصمته مرة أخرى، أنا تحملت الكثير ولم أفكر أن أدخل محكمة فى شبابى خوفاً من كلام الناس ولكن الآن لن أبالى بكلامهم، أنا أريد أن أموت وأنا حرة، أريد حريتى سيدى القاضى.. أتمنى أن أنالها قبل الموت.