الداخل مفقود والخارج مولود.. عبارة يجب أن تزين بها عيادات الأطباء والمستشفيات فى مصر، فمن يكتب عليه القدر أن يذهب للطبيب سيحترق حتماً إما بنار الفيزيتا أو أسعار الأشعات والتحاليل، أو أسعار الدواء التى وصلت لمعدلات غير مسبوقة، وإذا لم يمت كمداً بكل هذا فسيموت بالتشخيص الخاطئ الذى يتبعه علاج خاطئ وقد يتعرض لخطأ طبى يودى بحياته، إذن فهو مفقود فى كل الحالات، وفى ظل فشل المنظومة الصحية وغياب الرقابة وانعدامها على العيادات الخاصة تبقى المشكلة قائمة، وعلى المواطنين اللجوء إلى الله لينقذهم من عذاب الطب والعلاج فى مصر. الأخطاء الطبية.. عرض مستمر ما زال مسلسل أخطاء الأطباء مستمراً، مواطنون يفقدون أجزاء من أجسادهم، وآخرون يفقدون أرواحهم بسبب هذه الأخطاء، والتى تؤكد التقارير أنها فى تزايد مستمر، تعانى منها عيادات مصر ومستشفياتها فى كل المحافظات، ونتيجة لغياب العقوبة التى لا تزيد على لفت النظر أو الإيقاف عن ممارسة المهنة، فكل يوم نسمع عن مريض أخطأ، وذهب إلى الطبيب فدفع الثمن من حياته. والحديث عن ضحايا الأخطاء وأعدادهم مفزعة، حيث كشف مركز الحق فى الدواء فى التقرير السنوى لعام 2014 عن وجود 594 قضية من قضايا الإهمال الطبى، بينما رصد المركز أيضًا فى الفترة من 1/1/2015 إلى 30/7/2015 نحو 86 واقعة، واستقبل المركز من المرضى وذويهم نحو 79 واقعة، بعضها أدى للوفاة وبعضها أدى لمضاعفات صحية خطيرة وبعضها أدى لفقد أعضاء من الجسم ناهيك عن الضرر النفسى. وفى مؤتمر لمعايير السلامة والجودة الصحية عام 2013، أعلن عن وجود أكثر 5000 خطأ طبى فى مصر. كما تابع المركز على مدى الفترة من 1/1/2014 حتى 30/7/2015 نحو 300 قضية، حفظ منها نحو 70٪ بسبب الطب الشرعى، الذى يصدر تقارير الوفاة على أنها نتيجة هبوط فى الدورة الدموية، لتصب فى صالح الطبيب والمستشفى، وتبعد الشبهة عن وجود إهمال، ومن ثم يتم حفظ المحاضر. حيث تم حفظ 33 قضية إهمال طبى فى نيابة الوايلى و25 فى نيابة مصر الجديدة خلال الشهر الماضى فقط، فى حين أن نسبة ضئيلة من القضايا تتم إحالتها إلى القضاء. لا تشكل نحو 35٪. كما أصدرت وزارة الصحة قرارات بإغلاق 2134 مستشفى وعيادة ومركز علاج طبيعياً بسبب الإهمال الطبى داخل هذه المنشآت، أو لعدم مطابقتها للمواصفات الطبية نماذج كثيرة لمواطنين دفعوا حياتهم ثمناً لهذه الأخطاء، منها الطفل ياسين أحمد مروان الذى لفظ أنفاسه الأخيرة، فى ديسمبر الماضى، بعد بتر ذراعه نتيجة لتركيب «كانيولا» خطأ فى الشريان، بدلًا من الوريد. وفى الإسماعيلية، اتهم محمد الداخلى والد الطفلة منة الله الطاقم الطبى فى مستشفى فايد المركزى بالتسبب فى وفاة ابنته بعد رفضه استقبالها وإعطاءها العلاج اللازم لحالتها الصحية. وقال فى تصريحات صحفية: «شعرت ابنتى بالتعب مساء الخميس 3 ديسمبر 2015. ارتفعت حرارة جسمها وأصابها إسهال. أخذتها إلى الدكتور «ع. ع» فى عيادته الخاصة. ولما كشف عليها قال لى عندها جفاف، ويجب نقلها إلى المستشفى لتعليق مصل لها، لأن الأمصال المطلوبة غير متوفرة إلا فى المستشفيات الحكومية». وأضاف: «أخذتها إلى مستشفى فايد فى العاشرة مساءً، وقابلت الممرض المسئول وأخبرته عن حالتها، لكنه رفض استقبال البنت مما اضطرنا إلى مغادرة المستشفى. انتظرت حتى الثامنة صباحاً، موعد تغيير نوبة الممرض المسئول، وذهبت إلى المستشفى مرة أخرى، وهنالك كشف عليها الطبيب المناوب وحوّلها إلى مستشفى الإسماعيلية العام». حيث تبين أنها تعانى من جفاف شديد. وأبلغونى بأن حالتها متدهورة لأنها تأخرت فى أخذ المصل والأمر يستلزم إحالتها على العناية المركزة فى أسرع وقت. وهنا بدأ فصل جديد من المعاناة، لأننا لم نجد مكانًا فى العناية، فماتت». وفى القاهرة توفى الطفل رجب المهدى، عشر سنوات، عقب خضوعه لجراحه تجميل فى الأذن، فى ديسمبر الماضى، داخل مستشفى الساحل التعليمى. وقال أحمد المهدى، عم الطفل، إن نجل شقيقه كان يتذمر من سخرية زملائه فى المدرسة منه، بسبب شكل أذنه «الخفاشية»، فسارع والده لإجراء عملية تجميل له على يد طبيب يُدعى «محمد. س»، مضيفًا أنه اتفق معه على إجرائها فى عيادته الخاصة بمدينة نصر. وأوضح عم الطفل أن الطبيب طلب نقل مكان العملية إلى مستشفى الساحل رغم رفض أهل الطفل. وأضاف: «بعد بدء العملية التى لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة، فوجئنا بدخول الطفل فى غيبوبة ونقله إلى غرفة العناية المركزة، إثر تعرضه لأزمة فى التنفس، دون إتمام العملية». وكانت النتيجة أن الطفل فارق الحياة. وفى مستشفى الزقازيق الجامعى فى الشرقية، دخل الطفل حسام محمد، فى ديسمبر الماضى، لإجراء جراحة إزالة ورم فى الجيوب الأنفية، لكنه خرج فاقدًا للبصر فى إحدى عينيه. فى الإسكندرية اتهمت أسرة الطالب عمر أحمد طبيبًا فى مستشفى الطلبة بإجراء جراحة خاطئة لنجلهم، ما تسبب فى عجزه عن الحركة وشعوره بألم مستمر. وتؤكد منظمة الصحة العالمية تزايد حالات الوفاة نتيجة الخطأ الطبى خاصة الدول النامية، حيث تعرف المنظمة الأخطاء الطبية بأنها انحراف الطبيب. أو المرض عن السلوك الطبى العادى والمألوف، فى حين فرض جامعة هارفارد فى دراسة لها أجريت عام 2013 وجود ما يقرب من 1٫1 مليون إصابة بسبب الإهمال الطبى، مشيرة إلى أن معظم الأخطاء الطبية سجلت فى مجالات النساء والولادة بنسبة 27٪، والجراحات التقليدية الأولية 24٪، والحوادث العلاجية وأخطاء التشخيص 19٪. أما فى مصر للمركز المصرى للحق فى الدواء تنوعت صور الإهمال الطبى، بدءاً من التأخر فى التدخل الطبى لعدم وجود الطبيب المختص أو غيابه أو عدم التزامه بأوقات العمل فى النوبتجية، والتعامل الطبى الخاطئ (التشخيص) أو إعطاء الدواء الخطأ، وكذلك رفض استقبال الحالات المرضية الطارئة من قبل المستشفيات الخاصة بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء باستقبال تلك الحالات لمدة 48 ساعة بالمجان، فيما يعد مخالفة صريحة لنص المادة 18 من الدستور، وأيضا الإهمال فى تقديم الرعاية الطبية والمتابعة، وفساد الأجهزة المصاحبة للطبيب وتعطلها وعدم جاهزيتها، والمستوى المتدنى من النظافة والسلامة الصحية ووجود مصادر للعدوى داخل غرف العمليات، كما ظهر أمام المركز سبب مهم يضاف لأسباب وقوع الأخطاء الطبية وهو استمرار العمل للطبيب لنحو 24 ساعة متواصلة. وقد اكتشف المركز من خلال شهادات المرضى وجود ما يقرب من 200 سبب للخطأ الطبى تقع يوميًا منها تقديم جرعات الدواء بشكل خاطئ، أو إعطاء دواء بالخطأ، أو تأخير عناية الممرضات لساعات بسبب الزحام مع نقص توفير العدد المناسب لضغط المستشفى، أو اتخاذ إجراءات طبية دون تدريب صحيح، كما كشف المركز أن نحو 65٪ من الحالات يعالجون بواسطة أطباء غير متخصصين، فيما كانت العقوبات المخصصة لردع هذه الجريمة تتراوح بين اللوم والتنبيه، والغرامة المالية، والإيقاف المؤقت أو الدائم عن ممارسة مهنة الطب. ومن جانب آخر فوفقًا لقانون العقوبات، يتحمل الطبيب كل المسئولية، فى حين أن هناك واجباً ومسئولية على الدولة التى تمنح الاعتماد والترخيص للمعاهد العلمية، أو للمؤسسات الطبية، أو مقدمى الخدمة والتى عليها ألا ترخص للمعاهد العلمية لمنح شهادات إلا بمراجعة قدراتها العلمية والتنظيمية والأكاديمية، أما المؤسسات الطبية فلا يسمح لها بممارسة العمل إلا بعد استيفاء شروط محددة مسبقًا للمبنى، والأجهزة والمعدات، وتوفر العمالة المؤهلة. ويحكم على الأطباء والمنشآت الطبية القانون رقم 51 لسنة 81 والمعدل بالقانون رقم 153 لسنة 2004، وكذلك قانون رقم 415 لسنة 1954 المنظم لمزاولة مهنة الطب، ولكن أى من هذه القوانين لا يحمل فى مواده تعريفًا محددًا للخطأ الطبى أو عقوبة عليه. اقرأ أيضًا.. المسح الشامل ضرورة للقضاء على فيروس "c"