ميزان التجارة فى مصر يمثل أزمة حقيقية للبلاد ولموارد النقد الأجنبى الذى تعانى منه حاليًا نتيجة لتحول الدولة من التصنيع والتصدير إلى استيراد الغث والسمين فى كل شىء حتى أصبحنا نستورد ورق التواليت والصابون ومختلف السلع التى من الممكن أن يتم تصنيعها محليًا وتكفى البلاد عبء تدبير استيرادها بالنقد الأجنبى. وعلى رغم تراجع عجز الميزان التجارى بمعدلات كبيرة إلا أن الواردات ما زالت تمثل قيمة كبيرة النسبة الأكبر من هذه الواردات المنتجات الغذائية والمنتجات البترولية والحديد والصلب والمفترض أن يكون ميزان التجارة للمواد الغذائية مثلا متكافئاً وكذلك فى البترول والسلع الأخرى إلا أن ما يتم استيراده يفوق عشرات ومئات الأضعاف لقيمة التصدير وأرقام الصادرات والواردات لفترة قصيرة مثالاً على الوضع القائم فى مصر. وكشفت بيانات البنك المركزى عن ارتفاع قيمة الواردات بالنقد الأجنبى إلى 61.3 مليار دولار خلال العام المالى 2014-2015 وبلغت الصادرات الوطنية 22.4 مليار دولار وكانت قيمة الواردات العام السابق 60.8 مليار دولار والصادرات 28 مليار دولار. وهناك ملاحظات كثيرة على واقع التجارة المصرى أهمها الاتجاه إلى الاستيراد بشكل أكبر بكثير من التصدير حيث ارتفعت الواردات من 54.1 مليار دولار عام 2010/2011 إلى 59.2 مليار دولار عام 2011/2012- ومن الملاحظ أيضاً أنه رغم الارتفاع الكبير فى الواردات فقد تراجعت الصادرات بدرجة كبيرة من نحو 27 مليار دولار عام 2010/2011 لتصل إلى 22.2 مليار دولار فى 14/2015. وهناك دول لا تتناسب الصادرات المصرية إليها مع حجم الواردات منها حيث يتم الاستيراد منها بشكل مبالغ فيه مثلا الصين نستورد منها ما يقرب من 2.5 مليار دولار ونصدر لها بنحو 155 مليون دولار فقط وفقا لآخر أرقام عن 6 شهور من يوليو إلى ديسمبر 2015، ونستورد من الولاياتالمتحدةالأمريكية بنحو 1.3 مليار دولار ونصدر لها بنحو 717 مليون دولار فقط خلال نفس الفترة. وبالتالى فإن موازين التجارة بين مصر ودول العالم خلال الفترة الأخيرة على سبيل المثال كلها ليست لصالح مصر بنسبة تصل إلى 100% حتى مع الدول العربية منها مثل الكويت والسعودية ودول إيطاليا وألمانيا وسويسرا وروسيا وتركيا وهولندا والإمارات العربية، وهو ما يتطلب إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية والتصديرية للبلاد وتحديد المسئول عن هذا الوضع سواء فى الحكومة أو القطاع الخاص وتحديد المشكلة والتعامل معها لعودة التصدير إلى معدلات متوازنة مع الاستيراد، والنظر أيضاً إلى تراخيص الدولة للمستوردين والمصدرين حيث من الواضح أن هناك توسعاً فى تراخيص الاستيراد لا يتناسب مع سجلات المصدرين. ويجب على الدولة النظر إلى أوضاع السلع التى يتم استيرادها أو خاماتها من الخارج وحجم المصدر منها بعد التصنيع حيث إن الكثير من السلع يتم استيراد كميات كبيرة منها بالنقد الأجنبى ولا يتم التصدير إلا بقيمة ضعيفة للغاية وهناك العديد من المؤشرات ومصادر البيانات التى تؤكد هذا. ويكشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن انخفاض الصادرات الوطنية من البترول ومنتجاته بنحو 36.7% وبلغت قيمتها 273 مليون دولار فى شهر مايو 2016 مقارنة بالفترة المماثلة ممن العام الماضى بينما ارتفعت قيمة الصادرات غير البترولية بنسبة 22.4% وبلغت قيمتها ملياراً و805 ملايين دولار مقابل مليار و475 مليون دولار الفترة المماثلة. ويشير الجهاز إلى انخفاض الواردات البترولية بنحو 30.1% لتصل إلى 742 مليون دولار مقابل مليار و61 مليون دولار، كما انخفضت الواردات غير البترولية بنحو 9.5% لتصل إلى 4 مليارات و202 مليون دولار مقابل 4 مليارات و645 مليون دولار. ويوضح الإحصاء ارتفاع الصادرات من السلع نصف المصنعة وبنسبة 31.2% لتصل إلى 567.2 مليون دولار مقابل 432.2 مليون دولار خلال نفس الفترة، بينما انخفضت الصادرات الوطنية من السلع تامة الصنع وهى التى ليس بها مدخلات من مواد خام أجنبية بنحو 8% وبلغت قيمتها 950 مليون دولار مقابل مليار و33 مليون دولار. ويلفت الجهاز إلى تراجع الصادرات لعدد كبير من السلع منها الأسمنت إلى 4.8 مليون دولار مقابل 5.8 مليون دولار والمنسوجات إلى 66 مليون مقابل 89 مليون دولار والملابس إلى 112 مليونا مقابل 147.3 مليون دولار وثبتت صادرات الزجاج عند 25.9 مليون دولار. بينما ارتفعت صادرات الحديد والصلب إلى 70.2 مليون مقابل 79.5 مليون دولار والأدوية إلى 21.4 مليون مقابل 17.1 مليون دولار، كما ارتفعت صادرات المنتجات الغذائية إلى 513.3 مليون دولار مقابل 465.2 مليون دولار. كشفت بيانات الجهاز عن تراجع الواردات من المنتجات الغذائية إلى 812.8 مليون دولار فى شهر مايو 2016 مقابل مليار و172.2 مليون دولار فى الشهر المماثل من العام الماضى. تراجعت واردات الأدوية إلى 127 مليوناً مقابل 179 مليون دولار وواردات المنسوجات إلى 208.3 مليون دولار مقابل 259.1 مليون دولار والملابس إلى 96.6 مليون دولار مقابل 117.1 مليون دولار وانخفضت واردات الزجاج إلى 8.6 مليون مقابل 16.4 مليون دولار وتراجعت واردات الحديد والصلب إلى 406.7 مليون دولار مقابل 590 مليون دولار خلال شهر مايو فقط، بينما ارتفعت واردات الأسمنت إلى 7 ملايين مقابل 6.2 مليون دولار. قضية التجارة الخارجية لابد أن تصبح "أمن قومى" لعلاقتها بموارد النقد الأجنبى وقوة الاقتصاد والعملة الوطنية وكذلك انعكاساتها على مستويات المعيشة فى البلاد.