الناس خائفون من الدولة لأنها لا توحي لهم بالطمأنينة ولا تُوفر لهم الأمان. والدولة محتاطة من الجمهور، ومتيقظة خاصة من بعض الجمهور الذي تتوقع، في كل مناسبة، أن يتجاوز الخطوط المرسومة. أجهزة أمنية تبحث عن "الخلايا النائمة" وغالبا ما تعثر عليها بعد فوات الأوان. تترصد "المشوشين" وتراقب "الصائدين في الماء العكر"، لكنها تعرف أن الخطر الأكبر لن يأتي من هؤلاء. الحزب المُتقد الذهن دائما رغم شيخوخته الطويلة (تأسس قبل 87 عاما) واعتلال جسده يحاول تقليد مُجايله الحزب الشيوعي الصيني، لكنه يتفوق عليه في نسبة عدد المنخرطين إلى عدد السكان. يوصل لمساته الحانية إلى أقصى "مناطق الظل". ويوصل الإعلام الخشبي، بدوره، صدى اللمسات إلى الضوء في آخر بيت عند آخر نقطة من البلاد. لكن اللمسات الناعمة لم تمنع غلق نوافذ الأمل أمام الشباب الباحث عن لقمة عيش أو لقمة طمأنينة أو قطرة حرية. لم تُعطل تفجير الإحتباس الأصولي. من يحكم تونس: البرلمان أم الحزب أم الأمن؟ ربما ... الثلاثة؟ لايمكن ... زف الحزب للناس منذ الآن فوزه في انتخابات ستجري بعد عامين كي يدخل التاريخ بسابقة فريدة: النصر على منافسين قبل أن تُعرف أسماؤهم. بدعم من الجمهور الممنوع من التجمهر. يتغزل أساطين الحزب بالديمقراطية وجمال شعرها وضفائرها لكن لا يسمحون للرعية بالرعي في مراعيها. البلاد جائعة إلى نجاح حقيقي ترتوي به. إلى شهادة استحسان صادقة. إلى بارقة تعطي للعيش نكهة أخرى. لكنها تفوز دائما بكآبات جديدة. مع ذلك هي مؤهلة لدخول التاريخ بسابقة من نوع آخر لو تحررت من شياطين الحزب الواحد. نقلا عن الوسط التونسية