الفلول هم بقايا جيش نظام مبارك الذي هزم أمام الثورة. الفلول تلعب من أول يوم في الهزيمة، تدافع عن مصالحها وتتسرب بين أسنان الوحش الجديد. الفلول كانت تحرض جماهير حزب الكنبة.. تحرضهم كل يوم: الثورة ضد لقمة العيش. وذلك إيمان بأنه لا يمكن أن يحصل المصري على لقمة العيش من دون أن يتنازل عن كرامته وحريته. وكأن الفلول الذين يشترون كل شيء من أمريكا وأوروبا ويتغزلون في كل كبيرة وصغيرة تحدث في بلاد بره لايعرفون أن الإضراب والاعتصام والتظاهر حقوق مشروعة ولا تخرب الاقتصاد ولا تقطع الأرزاق. الفلول فشلت في الجولة الأولى، وظهرت أمام المجلس العسكري عارية لأن هذه اللعبة لم تصنع شعبا يحب مبارك ضد الشعب الذي أسقطه. ولأن في الفلول أذكياء وشطارا فقد بدأت اللعبة مرحلتها الثانية الأخطر والأكثر مغامرة. يتكلم الفلول الآن باسم الثورة ويهتفون لها، ويزغردون بكل أغانيها، لكنهم في النهاية يرتدون بدلة الموضوعية، ويتكلمون بكل برود عن وجهة نظر أخرى. وكأن الثورة وجهة نظر في مواجهة وجهة نظر مقابلة، الثورة في مواجهة إحساس الناس بالخوف على لقمة العيش. اللعبة خطيرة، لأنها تعتمد على تحجيم الثورة واختصارها في مقابل إعلاء شأن مخاوف قطاعات واسعة إلى مرتبة أعلى، وتوجيههم إلى المنطقة الخطأ. أولا الثورة ليست وجهة نظر، إنها إرادة انتصرت بذل من أجلها دماء وما زال، ولن تتوقف هذه الإرادة إلا عندما تكتمل مهمتها ولو تكلف ذلك دما جديدا. بمعنى آخر: الثورة ليست مناظرة بين مرشحين، أو حرب على الأصوات في صندوق الانتخابات، إنها إرادة التغيير، لن تنتهي إلا بكامل سقوط النظام وإعادة بناء نظام جديد. لا صوت الآن إلا لهذه الإرادة، لأن القبول باستمرار الفساد أو الترحم على أيام الاستبداد ليست أفكارا يمكن احترامها أو التعامل على أنها وجهات نظر تستحق الوجود من أساسه. يمكن للعبيد أن يبكوا أسيادهم، وهذا سيعني أن أرواح هؤلاء العبيد تحطمت وأصبحت ملك السيد، وهذا مرض وليس وجهة نظر. والجواري في إسطنبول لم يستطعن مغادرة قصر آخر سلاطين الدولة العثمانية لأنهن تعودن على الرضا بإلغاء إرادتهن وحريتهن مقابل الطعام ومكان النوم. هذه إرادة مريضة أقصى احترام لها أن تعامل معاملة جرحى الحرب. لكن أن يتحول الوعي الناتج عن هذه الإرادة المريضة إلى وجهة نظر، في لحظة إعادة بناء الدولة من جديد، فهذا إما سذاجة وإما مؤامرة. السذاجة يفعلها من يتعاملون برومانسية مع الديمقراطية ويرون أنها حق مطلق في التعبير عن وجهات النظر. والحقيقة أنها حق لمن يحترم قيم الديمقراطية، يعني أن تقول إن الرئيس لا يمكن نقده، أو إنه مقدس، فهذه ليست قيمة ديمقراطية تحترم، وإنما تربية أو تقاليد تعبد الجالس على العرش ولو كان لصا وقاتلا. أما المؤامرة فهي التي يدبرها الفلول الآن حينما يضعون الثورة في موقع وجهة نظر تصارع وجهة نظر تطالب بعودة مبارك أو احترامه وتوقف الثورة. اللعب هنا على احتياجات الناس هو سلاح محرم سياسيا، لأنه يوجه نظر القطاعات الواسعة إلى المكان الخطأ، فالخلل الاقتصادي طبيعي، والإجراءات الواجب اتخاذها مسؤولية الحكومة. الحكومة للأسف لا تعرف دورها، ولا تعلم أن هناك ما يسمى اقتصاد الأحداث الكبرى (مثل الثورة والحرب والكوارث)، اقتصاد يخطط وينفذ بالوعي الضروري لعبور الأزمات. حكومة شرف تتصرف بلا خبرات تقريبا، وتتخيل أنها حكومة منتخبة تنفذ سياسات طويلة المدى، وتتعامل بعقلية الحزب الوطني ولجنة السياسات. لقمة العيش مسؤولية الحكومة. والسياحة متوقفة لأن المجلس العسكري لم يتخذ قرارات حاسمة مع جهاز الشرطة، وترك المساحة التي دخلت بها الفلول بين أسنانه ولعبت لعبتها الخطيرة على الجميع