حالة من الشلل التام أصابت صناعة الغزل والنسيج فى مصر، فبعد أن كانت الدولة الرائدة فى هذه الصناعة نظرا لتميزها عن جميع دول العالم بقطنها الذى لا مثيل له فضلا عن أن اعتمادها على صادراتها من الغزل والنسيج فى إنعاش الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى مساهمتها فى القضاء على البطالة حيث استوعبت مصانع الغزل والنسيج فى مصر خلال فترة السبعينات حتى أوائل التسعينات النسبة الأكبر من العمالة المصرية، أصبحت هذه الصناعة الآن بلا جدوى فلم تكتف بعدم قدرتها على التصدير للخارج بل لم تعد قادرة على سد احتياجات عمالها ويرجع ذلك إلى عدم توفير القطن بنفس الأسعار التى تساعد على تغطية متطلبات هذه المهنة، الأمر الذى دفع أصحاب تلك المصانع لتقليل العمالة بها، او هدمها وبناء أبراج بدلاً منها وبيعها. ورصدت «الوفد» ما آلت إليه مصانع الغزل والنسيج بمنطقة شبرا الخيمة فضلًا عن معاناة العاملين بها الذين لم يتمكنوا من إيصال أصواتهم للمسئولين رغم نداءاتهم المتكررة من أجل إنقاذ هذه الصناعة وإعادتها لسابق عهدها. مدينة شبرا الخيمة، التى كانت يومًا قلعة صناعية، عمادها الرئيسى الغزل والنسيج، وكانت تعتبر من أكبر مصانع الغزل والنسيج فى العالم لاستخدامها القطن المصرى طويل التيلة، وكانت تحتوى على أكثر من 1100 مصنع للغزل والنسيج، إلى جانب العديد من الورش التى تخدم هذه المصانع، ويحتوى متوسط كل مصنع على أكثر من 200 عامل بداخل أسواره، والتى لم يتبق منها حاليا سوى 473 مصنعاً، بسبب الأعباء المتزايدة على أصحاب تلك المصانع ما تسبب فى لجوء أصحاب تلك المصانع إلى هدمها وبناء أبراج سكنية وبيعها. ويقول سامى الحوفى رئيس مجلس إدارة جمعية النسيج بشبرا الخيمة، وصاحب مصنعين للغزل والنسيج، تقدمنا بالعديد من الشكاوى وقابلنا جميع وزراء الصناعة السابقين، وطرحنا المشاكل التى تواجه أصحاب هذه المصانع، ولكن دون جدوى، مضيفاً ان العوامل التى ساعدت على تفاقم أزمة الغزل والنسيج تتمثل فى زيادة الكهرباء والطاقة، التى ارتفعت ثلاثة أضعافها، ففى السابق فاتورة الكهرباء بلغت 500 جنيه أما الآن ارتفعت لأكثر من 5 آلاف جنيه شهرياً، وكذلك المياه ارتفعت من 100 جنيه شهريا إلى 600 جنيه، وغيرها من مستلزمات تشغيل تلك المصانع التى ارتفعت بنسب تؤدى إلى خسارة اصحاب تلك المصانع، وتساعد على انقراض تلك المهنة التى كانت عصب الاقتصاد المصرى. وأضاف «الحوفى» أن مصانعه كانت تحتوى على أكثر من 250 الف عامل قبل تدهور الأوضاع، ولكن بعد غلق أحد مصانعه وتشغيل المصنع الآخر ب30 % من طاقته، بسبب ارتفاع مستلزماته وحالة الاستنزاف التى مازالت تواصل زحفها، فوصل الأمر إلى تشغيل هذا المصنع ب60 عاملًا فقط، وتشرد العديد من العمال والأسر التى كانت تنتظر الأجر آخر كل نهار، لعدم قدرته على سد أجور العمال، واستهلاكه من الكهرباء والمياه والغاز وغيرها من الاحتياجات. وأشار رئيس مجلس إدارة جمعية النسيج بشبرا الخيمة، أن من بين الطرق التى ساعدت على انهيار هذه الصناعة، هى التهريب عبر المناطق الحرة ونظام السماح المؤقت، بحسب تقرير الشركة القابضة وهو تغيير العينات (ما يتم استيراده هو ما خف وزنه وغلا ثمنه وما يتم تصديره أصناف أدنى بكثير مما تم استيراده) وغنى عن القول إن الأصناف غالية القيمة والثمن تدخل البلاد بدون جمارك أو ضريبة مبيعات أو رسم حماية إن وجد»، مضيفاً الاستفادة من نسبة الهالك التى يتم احتسابها بشكل مبالغ فيه وتصل أحيانًا إلى 50% ويتم تهريبها للسوق المحلية. وعبر مصطفى شلبى رئيس مجلس إدارة جمعية شبرا الخيمة عن حزنه مما آلت إليه أحوال صناعة الغزل والنسيج فى مصر قائلا: «الحال بقى من سيئ إلى أسوأ» لافتا إلى أنه كان يملك ثلاثة مصانع للنسيج بمنطقة أرض عبدالجبار بشبرا الخيمة لم يتبق منها سوى مصنع واحد وذلك نظرا للأزمات التى تواجه صناعة النسيج فى مصر والتى يأتى على رأسها التهريب. وأشار «شلبى» إلى أن قيام بعض المستثمرين بتهريب خامات من خارج مصر دون دفع ضرائب يؤدى إلى ضرب منتجاتهم فى السوق حيث إن هؤلاء المستثمرين يعرضون منتجاتهم بأسعار منخفضة بعكس أصحاب المصانع المحلية الذين يقومون بدفع الضرائب ما يزيد من أسعار منتجاتهم. وأن صناعة الغزل أصبحت عبئًا على العاملين بها فلم تعد أرباحها تغطى خسائرها حيث إن أصحاب المصانع ملزمون بزيادة أجور العاملين سنويا بنسبة لا تقل عن 10% فضلا عن ارتفاع أسعار الخامات التى تستخدم فى الصناعة بنسبة 90%، الأمر الذى يجعل الخسارة أمام الملابس المستوردة من الخارج أمرًا لا مفر منه. وأكد محمد السيد، أحد أصحاب تلك المصانع، «الدولة بتدعم المستثمر اللى قاعد بره ب 18% من قيمة الفاتورة»، الأولى بالدعم هى المصانع التى تشترى غزولًا محلية وتنتج للسوق المحلي، لأن الدعم هنا سيوجه للمستهلك المصرى والصانع المصرى على حد سواء، أما ما يحدث من الدعم للمصدرين فهو فى الحقيقة دعم للمستهلك الأجنبى، نحن كصناع نبيع إنتاجنا للسوق المحلي، ونعانى من عدم المساواة فى مساندة الدولة، أو فى صرف الدعم المقرر لصناعة الغزل والنسيج، كذلك يجب ربط صرف حافز الدعم على التصدير بما تم استخدامه من منتجات محلية فى العملية الإنتاجية، مثل الأقمشة المنتجة من غزل محلى، وذلك إذا أردنا دعم الصناعة المحلية بشكل حقيقى». وأشار «السيد» إلى أن المستثمرين يلجأون إلى «ضرب الفواتير» حيث يقوم برفع قيمة فاتورة المنتجات التى يصدرها بشكل لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية، للحصول على حافز الدعم على الصادرات، ما يعمل على استعادة ضريبة المبيعات مرة أخرى. وطالب أصحاب تلك المصانع المهددة بالزوال، بتدخل المسئولين لحل الأزمة، وشراء القطن الشعر من المستورد مباشرة، حيث إن مصانع الدولة تقوم بشراء تلك الشعيرات من التجار والوسطاء بفارق 600 إلى 1000 جنيه فى الطن، وفى حالة شراء الدولة لتلك الأقطان من منبعها ستوفره لنا بالسعر الرسمى، وليس بسعر السوق السوداء كما يفعل الوسطاء. مضيفين ارتفاع اسعار الكهرباء والغاز والمياه والأيدى العاملة، ولكن الخامة تمثل 75% من التكلفة إذا انخفضت الخامة استطعنا الاستمرارية والمنافسة، مطالبين بوزارة خاصة لصناعة الغزل والنسيج بقيادة وزير لهذه الصناعة أو مجلس استشارى على أعلى مستوى من المتخصصين لإدارة هذه الأزمات.