لن يكون اعتصام عمال شركة «أمونيستو» وقبله «طنطا للكتان» الأخيرين، بل بداية لسلسلة من الاعتصامات النسيجية، التى أصبحت معتادة، فحالة المصانع فى تدهور صعب لم تطور منذ بداية الثمانينيات برغم خصخصة بعض شركات القطاع العام العاملة، حتى إن «شبرا الخيمة» التى كانت قلعة من قلاع النسيج تحولت إلى أطلال، وتسلل هذا التدهور إلى الكثير من مصانع المحلة الكبرى وميت غمر وإمبابة مثل الشوربجى وويلتكس، رغم أن هذه الصناعة تساهم بنسبة 25% من إجمالى الصادرات، ويعمل بها تقريبا 950 ألف عامل يمثلون حوالى 30% من حجم القوى العاملة. «روزاليوسف» قامت بجولة واسعة بين المصانع الخربة لترصد مشاكل العمال الحقيقية على أرض الواقع، خاصة أن محالج ومغازل القطن أغلق معظمها ولم تعد تستلم محصول القطن واعتمدت على الغزول المستوردة مما ألحقت خسائر فادحة بمصانع النسيج والتى وصلت وفق أحدث تقرير لغرفة الصناعات النسيجية إلى حوالى 200 مليون جنيه ل 120 شركة لفارق السعر بين الغزول المحلية والغزول المستوردة، والتى كانت تستخدمها الشركات لانخفاض أسعارها بنسبة قد تتجاوز ال50%. تقليص أعداد العمالة على بعد عدة أمتار قليلة من سوق إمبابة الشهير يقع مصنع الشوربجى أحد المصانع الكبرى فى الغزل والنسيج لا تسمع فيه ضجيج المكن وأنت تسير فى طريق طويل يؤدى إلى صالات الإنتاج، يوجد عمال وبرر لنا أحد العمال ويدعى صفوت عبدالكريم هذه الحالة بقوله: إن هذا الفناء كان يمتلئ بالعمال منذ عشرين سنة قبل أن تتقلص أعداد العمالة حيث وصلت إلى 800 عامل بعد أن كنا نتجاوز ال 7 آلاف عامل، واستطرد: قضى المعاش المبكر على العمالة المهرة ونحن اليوم لا نجد عمالة بسبب انخفاض الأجور لفترات العمل الطويلة التى تتجاوز 8 ساعات وأجر العامل لا يتعدى 30 جنيهاً يومية، وبالتالى يلجأ معظمهم لأى مهنة أخرى ولم نعد زى ما كنا بنردد صناعة كثيفة العمالة، وتركته لأتجول فى المصنع فدخلت إحدى صالات النسيج والتى ضمت 40 ماكينة أغلبها متهالكة وبجوار أحدهم وجدت قطع ملقاة على الأرض متشحمة بالزيت وخلت الصالة من العمال ولم يكن بها سوى عشرة عمال فقط فسألت أحدهم ويدعى حسن عبدالمجيد، وقال: لى كان لدينا 3 صالات نسيج الأولى كان بها 120 ماكينة والثانية كان بها 170 ماكينة أما الثالثة وهى التى تبقت اليوم فبها 40 ماكينة فقط فى حالة تهالك تام فلم يتم تجديدها أو إدخال أى تكنولوجيا فى قطع الغيار بها منذ 1982 تقريبا، فلم يتم ضخ أى استثمارات فى هذه الصناعة سوى 5 ملايين جنيه فقط، تم ضخها فى الصباغة واستكمل كلامه قائلا: إن هذه الماكينات لا تصنع سوى 100 متر يوميا بعكس الماكينات الحديثة التى تنتج حوالى 400 متر يوميا. أرض فراغ وعلى مقربة من صالة 3 للنسيج الوحيدة التى تبقت فى المصنع لاحظنا أن هناك «أرض فراغ » داخل المصنع تحولت لمقلب للزبالة والماكينات المعطلة وقطع الحديد الخردة وأثناء تفقدى الصالة وجدت حتى الأقمشة متهالكة وملقاة على الأرض دون أى استغلال، ووجدنا عامل يدعى «مصطفى السيد» - فنى دهانات - قال لنا إن الديون التاريخية التى على المصنع أثرت بشكل كبير على إنتاجيته فنحن وحدنا قد تصل مديونياتنا إلى «900 مليون» جنيه منذ 24 ساعة تقريبا، فالفوائد المركبة ساهمت فى ارتفاع قيمة الدين، والغريب إننا لم نجد أى مبادرة من وزارة الاستثمار التى يتبع لها بنك الاستثمار المدينين له فى إسقاط ديوننا للعودة مرة أخرى إلى الإنتاج، فبنك القاهرة أسقط حوالى 5 ملايين جنيه وكذلك بنك الإسكندرية ،ولكن لم يقم بنك الاستثمار بأى مبادرات لإسقاط هذه الديون، مشيرا إلى أننا لو أسقطت مديونياتنا ستحقق الشركة أرباحا بضخ استثمارات كما أن أجور العاملين سترتفع إلى ما يقرب من 50 جنيهاً فى اليومية. خسائر الشركات ولخص لنا العامل محمد سليمان خسائر شركات الغزل والنسيج بقوله إن السر فى اللجوء إلى الغزول المستوردة، برغم أنها أقل جودة باختلاف سوقها سواء كان السورى أو اليونانى أو حتى الأمريكى، فسعر قنطار القطن المزروع محليا وصل إلى 125 جنيهاً وبذلك يزيد على القنطار السورى أو حتى اليونانى بنسبة 25% مما يدفعنا للجوء إليه برغم أن القطن المصرى يتميز بأنه طويل التيلة إلا أننا أصبحنا ننتج أصنافاً أخرى فى الغزول المستوردة ومنها الأقمشة النمطية كالمفروشات التى لا تحتاج لجودة قطن عالية، فمتوسط التيلة من هذه الأصناف المستوردة يعطينا جودة عالية، واستطرد قائلا: إن كل دول العالم تدعم هذه الصناعة بدءا من زراعة القطن وصولا به إلى المحالج والمنازل ، فلو القنطار بيكلف مثلا «100» جنيه فالدولة تدعمه ب 120 جنيها عكس ما نفعل نحن، فالمدخلات عندنا لا ندعمها وندعم فقط المخرجات، مشيرا إلى أن أزمتنا أننا ندعم المنتج النهائى وليس على القيمة المضافة، فمثلا لو أضاف المستثمر قيمة على المنتج بنسبة 10% فنحن نعطيه دعما 8% على ال 10% التى يحصل عليها، وهنا نحن ندعم الفلاح وصانع القماش الأجنبى بدلا من دعم هذه الصناعة الاستراتيجية. بدايات الأزمة وأرجع «محمد إمام» - رئيس اللجنة النقابية بالشوربجى -: الأزمة إلى بدايات الثمانينيات من القرن الماضى مع تحول التوجه الاقتصادى إلى اقتصاديات السوق والتحرر الاقتصادى ولم يستطع قطاع الغزل والنسيج مواكبة هذا التحول فى الوقت الذى تخلت فيه الحكومة عن دعم سعر بيع المنسوجات الشعبية التى كانت تمثل 80% من إنتاج المصانع، فلجأت إلى البنوك للاقتراض بفائدة وصلت إلى 20% لتمويل عمليات الإحلال والتجديد، مضيفا إن تهريب المنسوجات من أخطر الممارسات التى تواجه الصناعة الآن، حيث يلجأ بعض المهربين إلى استيراد المنسوجات من آسيا والصين التى تنتج منسوجاتها بأسعار متدنية لا سبيل لمنافستها وتكتب عليها «صنع فى مصر»، ويتم تصديرها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وتخصم من حصة مصر التصديرية إلى السوق الأمريكية والأسواق الأوروبية، كما أن هناك نوعاً آخر من التهريب المنظم يطلق عليه نظام «الروباك» والذى حولته مافيا تهريب المنسوجات إلى نوع جديد من التهريب المقنن، حيث يتم استيراد كميات من المنسوجات لتصنيعها وإعادة تصديرها ولكن لا يتم تصدير سوى 50% منها والباقى يدخل فى السوق مهربا عن طريق التحايل فى أذون التصنيع، وفى هذه الحالة تستغل نسبة الفاقد التى تحددها وزارة التجارة والصناعة لهذه المصانع على النسيج المستورد والذى يتراوح بين 20% إلى 50% فى بعض النوعيات بدون دفع أى رسوم جمركية أو ضريبة مبيعات، وبالتالى يكون سعر المستورد أقل من سعر المنتج الوطنى، لذلك نطالب بتطبيق «البرنامج التركى» للحد من التهريب الجمركى ولحماية المنتج المحلى، ويشمل هذا البرنامج وضع تسعيرة على كل مستلزمات الإنتاج بدءا من سعر الخيط سواء ماركة العشرين أو الثلاثين مرورا بتحديد نوع الزرار وحجمه، فكل منتج، إذا تم تسعيره على قيمته الحقيقية فهذا سيدر دخلاً على هذه الصناعة العريقة التى أصبحت للأسف ترانزيت للمستورد. ولم يختلف الوضع كثيرا فى الشركة المصرية لغزل ونسيج الصوف «ويلتكس» وهو أحد المصانع الكبرى والتى كان لها عدة فروع فى شبرا الخيمة المصنع الرئيسى وتم بيعه، وفى العاشر من رمضان و«إمبابة»، فالمبانى قديمة متهالكة أثرت على حوائطها المياه الجوفية ومعظم صالات المصنع كانت مغلقة نهائيا ولم يكن متواجدا أكثر من 3 عمال داخل المصنع فى الصالة الكبرى، وهناك حوالى 8 ماكينات لتدوير النسيج 3 منها تعمل والباقى معطلة، أما الصالة الأخرى فتضمنت 12 ماكينة 10 منها معطلة، وحاولنا أن نتحدث مع عامل كان يقف بجوار ماكينة التدوير إلا أنه رفض الكلام بقوله: «مافيش حاجة أقولها». الضرائب تقتل الصناعة وأوضح: يكفى الضرائب التى تقتل هذه الصناعة منها 18% ضريبة مبيعات على الخامات و10% على الآلات المستوردة، رغم أنه ليس بالمصنع مكن مستورد و30% رسوم جمركية، وحتى أجورنا خدوا عليها ضرائب تبدأ من «2% وحتى 47%»، وقال: حالة الماكينات لا تشجع على الإنتاج «إحنا بنلصمها عشان نشتغل بيها وهى مش بتشتغل أكثر من ساعة عشان بتسخن ونضطر لتبريدها ساعة كاملة حتى تعمل مرة أخرى». تركنا عمال الشوربجى وويلتكس فى مشاكلهم التى رصدناها وتجولنا فى أحد مصانع شبرا الخيمة التى ظلت مفتوحة حتى الآن وسط إغلاق الكثيرين بينما قال لنا العامل «ماهر الدربى» إن أسعار القطن مرتفعة جدا لتميزه إلا أن المستهلك لايهتم بالجودة، بل بالسعر مما يجعلنا نلجأ للغزول المستوردة التى تعطينا جودة عالية فى بعض الأحيان، واتفق معه عبدالرحمن مصطفى فنى قائلا: - إن حالة الماكينات اليوم أصبحت متطورة للغاية ولكن صناعة الغزل لم تعد جاذبة زى زمان، وممكن اشتغل دلوقتى على توك توك، أو منادى على ميكروباص وأحصل على يومية تتجاوز ال 60 جنيها فى الوقت الذى يعطينى فيه صاحب العمل 40 جنيها فى 10 ساعات عمل دون انقطاع.