نعيش مرحلة عصيبة وصعبة وقد نكون أمام مجهول.. هكذا وضع الكاتب الكبير يسرى الجندى يده على الجرح النازف، راهناً الخروج من المأزق الذى يعيشه العرب على كافة المستويات بعودة مصر إلى دفة القيادة مرة أخرى، مؤكداً أن العالم العربى يكبو عندما تكبو مصر. الجندى الذى لخص الأزمات التى تعيشها الدراما والسينما والمسرح، اتهم الإعلانات وذوق الجمهور الذى تلوث، وجهاز الاستقبال الذى تشوش عنده، حيث فقد القدرة على التلقى والتمييز، كما حمل الزعيم عادل إمام مسئولية تدهور الكوميديا، مؤكداً أنه لو حافظ على مستواه فى الدراما التليفزيونية وقدم مثلما كان يقدمه فى «دموع فى عيون وقحة» أو «أحلام الفتى الطائر» ولم يتخل عن قيم الجودة التى تمس الجماهير لاختلفت الصورة. ورأى الجندى أن غياب رموز كبيرة كانت مساندة بقوة مثل نور الشريف ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخرانى ويسرا وإلهام شاهين وليلى علوى وسيطرة الإعلانات وقيم الكسب السريع، وفرض شروط السوق كل ذلك أدى إلى تهميش الكاتب وغياب الدراما الجادة، وهو ما ينطبق أيضاً على السينما والمسرح. وتحدث عن التقدم الذى ما زالت تحرزه الدراما السورية، رغم الظروف الصعبة التى تعيشها، ودعا للالتفات بجدية إلى مسرح الثقافة الجماهيرية باعتباره قاطرة مهمة لنهضة المسرح المصرى من كبوته، وتطرق إلى تراجع الدراما التاريخية فى سياق الحوار التالى. ما تقييمك لدراما رمضان هذا العام؟ - لو حاولنا تأصيل الدراما التليفزيونية فى مصر بشكل عام فى السنوات الماضية أستطيع أن أقول إن هناك رموزاً كبيرة كانت مساندة بقوة لإنجاح هذه الأعمال، مثل وجود نور الشريف ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخرانى ويسرا وإلهام شاهين وليلى علوى. هذه النماذج كانت تقدم أعمالاً جيدة وفى وجودها كان هناك اجتهاد وكذلك فى الكوميديا كانوا يحافظون على مستوى ما يقدم أيام وحيد حامد وشريف عرفة وأصبح عادل إمام زعيماً أو عمدة الكوميديا وفقاً لهذا فقد اختاره الناس بقناعة وحينما تخلى عن تاريخه وأعماله التى لا تزال فى الذاكرة، نرى ما نراه الآن. وأنا أقول إن عادل إمام يتحمل مسئولية تدهور الكوميديا، الزعيم لو كان محافظاً على مستواه ويقدم مثلما كان يقدمه فى «دموع فى عيون وقحة» أو «أحلام الفتى الطائر»، وأغلب أعماله فى السينما كانت فى هذه الفترة ناجحة بكل المقاييس وكانت تمس أحلام الناس، ولكن تخلى الزعيم عن قيم الجودة التى تمس غالبية مشاعر الجماهير. كانت المسائل موزونة وتحكمها معايير الجودة، أما الآن فكل شىء تغير، موسم السينما حالياً كنموذج نرى فيه أسلوبا متكررا منذ سنوات ينتفى فيه الفن ويتعاظم عنصر الاتجار باستثناء فيلم «من ثلاثين سنة» تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة وفيه حشد من النجوم أحمد السقا ومنى زكى وميرفت أمين وشريف منير وغيرهم، ولكن غير ذلك فهو موسم هابط تعودنا عليه مثل كل مواسم الأعياد والإجازات، وبالتالى انسحب على وضع السينما المنهار. وأعود إلى كارثة أخرى هى غياب الرقابة الواضح، فكأن الرقابة تشجع هذا الوضع الذى من شأنه انتشار الإسفاف وتدنى الأخلاق والقيم وشخصية الأفلام الأمريكية التى تصدر لنا بكل ما تحمل من عنف وجريمة ومطاردات وبلطجة. ويواصل الكاتب الكبير يسرى الجندى حديثه عن دراما رمضان ويقول: ولكن باستثناء يحيى الفخرانى ومحمود عبدالعزيز ويسرا ونيللى كريم وشوقى الماجرى ومريم ناعوم، قدموا أعمالاً ذات قيمة، نيللى مثلاً قدمت فى «سقوط حر» نموذجا فنيا مميزا، المسلسل يبدأ بجريمة ولكن لا تلهث وراء المجرم، بل هو مدخل لحالة مرضية سيكوباتية ومريم ناعوم حاولت تكرار نجاحها مع كاملة أبوذكرى فى مسلسل «سجن النساء» حالات نسائية مختلفة مجسدة درامياً وفى «سقوط حر» حكايات بالسرد وهذا أضعف المسلسل ويحسب لنيللى كريم الأداء الصعب للدور، ويحسب لشوقى الماجرى وهو مخرج جاد ومعدود فى العالم العربى، وكنت أتمنى أن يراجع النص مع مريم ناعوم، كانت الإضافة ستكون أكبر، نيللى مستمرة فى نجاحها وأصبح لها رصيد مهم فى الدراما، خاصة بعد نجاحها فى رواية «ذات» لصنع الله إبراهيم، ومن المسلسلات الناجحة «أفراح القبة» و«جراند اوتيل» لتامر حبيب ولا ننسى نجاح ليلى علوى والصاوى. قلت للكاتب الكبير يسرى الجندى: هل هناك مؤامرة لقتل الإبداع الحقيقى.. أو قتل الكاتب المؤلف؟ - الإعلانات أصبحت تسيطر سيطرة كاملة على الدراما ولم تعد مقاييسها الجودة ولكن فقط الكسب السريع، ولهذا تم تهميش الكاتب، وهى محاولة لوفاة المؤلف، المؤلفون فى هذا الموسم أصبحوا قلة، لأن إنتاجهم ينضوى تحت شروط السوق. مَن مِن الكتاب الشباب تجد فيهم نبوغ الإبداع الحقيقي؟ - عبد الرحيم كمال نموذج لكاتب حقيقى اختار موضوعات جيدة وقدمها بقيم فنية عالية، وهذا نموذج لمجموعة من المبدعين. مفاجأة.. صمود الدراما السورية وسط المذابح الهمجية التى تحاول الإطاحة بسوريا وبحضارتها هل سقطت الدراما السورية بعد أن كانت متصدرة المشهد الفنى العربي؟ - من العجيب أنه رغم الظروف المهولة التى يمر بها المجتمع السورى، إلا أننى أفاجأ بأعمال جيدة جداً ولا أعرف كيف تم تصويرها وأين ومتى، أنا أوجه التحية لصمود الفنانين السوريين وبعضهم هرب إلى مصر وأهلاً به ولكن الذى صمد وأكمل المسيرة فى بلده حقق نجاحاً آخر.. دراما جيدة وأفلام جيدة جداً.. يدهشنى هذا المشهد ويجعلنى أثق بأن الفنان العربى لايزال موجوداً ولايزال يملك ضميره المهنى والوطنى، نجد أسماء مثل سولاف فواخرجى وأيمن زيدان بطلي «سقوط الخلافة» وغيرهما العشرات ظهروا فى قمة إبداعهم. حال المسرح العربى بعيداً عن الدراما نعود إلى المسرح كيف ترى حاله اليوم وهل أنت متفائل بمستقبل وسط هذه التحديات اليومية الهدامة؟ - أنا لم أتابع ما يعرض.. ولكن قياساً على الواقع أرى أن الواقع اختل، وبالتالى اختلت الفنون وكل أشكالها وصولاً للتليفزيون، وأنا كتبت أكثر من مرة: أنقذوا التليفزيون المصرى، ومن أطلق الرصاص على التليفزيون المصرى، ولم نجد صدى لذلك ورغم وجود صفاء حجازى على قمة جهاز التليفزيون، إلا أنه لا يزال غارقا فى الديون، وأضعف من القنوات الخاصة.. وأذكر حينما كان التليفزيون المصرى بقوته كان يقدم أعمالاً معقولة ويضع اعتبارا للمخرج والمؤلف.. وبعد أن تخلصوا منه انفتح السوق على كل من يكسب من أقصر الطرق. وكيف إذن تنهض فنوننا بعد عزلة التليفزيون؟ - لا شك هناك محاولات ولكن مسرح الثقافة الجماهيرية لو تم الالتفات إليه بجدية يمكن أن يكون فاتحة لتحسين المسار، وأنا أناشد الدكتور سيد خطاب أن يولى المسرح بالذات أهمية قصوى لأن هذا سيؤثر على الثقافة ككل.. لكن كل الأمور مرهونة بالوضع العربى والإقليمى. أنت أحد رواد استلهام التاريخ فى المسرح.. هل تراجع هذا اللون حالياً؟ - طبعاً تراجع وتراجعه معروف مصدره، لأنه يتعارض مع شروط الإنتاج التى خلقتها الإعلانات، لا يهمهم النص ولا الموضوع ولا المخرج، المهم أن يكون قليل التكلفة ومن الممكن أن يكون أجر النجم 40 مليون جنيه والإنتاج كله مليون جنيه، وهذه شروط لا تثمر.. ووسط هذا الجو لا يمكن أن تكون هناك مسلسلات مثل «الطارق» و«محمد رسول الله» و«عمر بن عبدالعزيز» وغيرها.. وهذا سبب رفضى أن يعمل التليفزيون المصرى «شجرة الدر»، فإما أن تنتج على مستوى عالٍ، أو توضع فى الأدراج، وأيضاً مسلسل «همس الجذور»، للأسف الأعمال التاريخية ليس وقتها الآن، لأن ذوق الجمهور تلوث وجهاز الاستقبال عنده تشوش وفقد القدرة على التلقى والتمييز. هل هذا مخطط صهيوني؟ - لا أعرف وليس لدى اتهامات معينة.. ولكن أرى أن البداية إزاحة التليفزيون المصرى.. وانسحب هذا على كل الفنون. وما الحل فى رأيك الكفيل بعودة جماهيرية المسرح والأدب الجاد؟ - الخروج من عنق الزجاجة التى وقع فيها العرب جميعهم، المأزق يواجهنا جميعاً، ومرهون به أن تقود مصر مرة ثانية لو استطاعت لتمكنا أن نعود.. فالعالم العربى يكبو عندما تكبو مصر.. ونحن نعيش مرحلة عصيبة وصعبة..وقد نكون أمام مجهول.