حين تدخل البيت النوبى، فى الأقصر، تدهشك تلك القطع الفنية، التى تمتلىء بها جنبات المكان، فهنا أوانٍ من الخزف بتشكيلات رائعة، وحلى متنوعة من الخرز، وشنط ومقتنيات خاصة من خوص النخيل، وهناك طرح وأغطية للرأس بألوان بديعة، و سجاد وكليم برسوم وألوان تنم عن ذوق رفيع جميعها منتجات أبدعتها أيادى العاملين به من أصحاب البشرة السمراء. لكن دهشتك وفرحك سرعان ما يتحولان إلى حزن وألم، حين تعلم أن زوار ذلك القصر من سياح العالم، قد هجروه، وصار يبحث عن زوار، تستمتع بمقتنياته، وتشترى إنتاج مبدعيه من نساء وفتيات النوبة فى الأقصر. فقد امتدت آثار الأزمة السياحية، التى تمر بها مصر بوجه عام، والأقصر بوجه خاص، إلى البيت النوبى، وألقت بظلالها على العاملين به. ليبقى الأمل فى أن تمتد يد المسئولين إلى ذلك المكان المدهش، لتأخذ بيد العاملين به، وتقوم بوضعه على خريطة برامج الزيارة لرحلات الشباب والمصريين، وليجرى تسويق منتجاته ببلدان العالم، التى تعشق تلك المشغولات والمنتجات اليدوية التى تتفرد بها البيئة المصرية، خاصة وأن هناك مئات البيوت فى أوروبا، وبلدان العالم، تتزين جنباتها بإبداعات العاملين بذلك البيت النوبى، الذى يعد معلمًا بارزا، من معالم مدينة الأقصر. وكما تقول الباحثة أسماء مناع، فقد انشىء البيت، أو المركز الحضارى النوبى فى الأقصر بهدف الحفاظ عليها وهو أحد مشروعات التنمية الشاملة لمدينة الأقصر، وقد تكلف إنشاؤه قرابة 15 مليون جنيه، وجاء إنشاؤه ليعكس الاهتمام الكبير بالتراث النوبى وتقديم نموذج فنى للحياة المعيشية فى المجتمع النوبى وأشهر منتجات أهل النوبة فى محافظة الأقصر والتى تتم بخبرات وايدى شبان وفتيات قرية منشية النوبة جنوب مدينة الأقصر والملاصقة للمركز الحضارى النوبى. تاريخ عريق للنوبة: وحول قصة إنشاء البيت النوبى، تقول أسماء مناع إنه أقيم بهدف الحفاظ على الحرف النوبية التى يتقنها أهل النوبة المقيمون على مقربة من البيت النوبى، بعد أن هُجروا عام 1964 بعد بناء السد العالى، حيث يقيمون في منطقة تبعد عن الاقصر 7 كم جنوبا ويتبعها 6 نجوع الشوشاب والغربياب والسنبلاب والانصار والسكوراب والوليباب وهى أسماء عائلات عريقة بالنوبة فى حين استقرت عائلتا العقيلات والمالكى فى قرية البغدادى منذ عام 1933، وتضيف أن الانسان النوبى جاء إلى الأقصر، وهو يحمل معه ثقافته الخاصة وعالمه الثرى لكافة الفنون وعاداته وتقاليده التى ظل حريصا عليها حتى الآن، وتشير إلى أن التراث النوبى يشمل أوجه الحياه المتعددة من أزياء ولغة وأطعمة وطقوس خاصة فى الافراح والمواسم والاعياد، حيث أقيم البيت النوبى بهدف الحفاظ على هذا التراث النوبى بجميع مشتملاته، وخاصة الحرف والمنتجات البيئية والحرفية واهمية استمرارية نقلها من جيل إلى جيل أو من خلال التدريب الذى يقوم به المركز الحضارى النوبى فى الأقصر. وتقول نجوى البارون، الخبيرة السياحية وعضو المجلس القومى للمرأة فى الأقصر، إن الانسان المصرى حافظ على تراثه عبر العصور المختلفة. وإن المركز الحضارى النوبى هو مؤسسة تحرص على التدريب فى المقام الأول باعتباره أداة لزيادة الخبرات وتعلم الحرف القديمة بالاضافة للخبرات الشخصية والحياتية، والتميز القروى والقدرة على التعامل والتكيف وقبول الآخر، وأضافت أن الحرف اليدوية تُعلم الكثير من القيم مثل الصبر والتركيز، وإتقان العمل، علاوة على الذوق والحس والفن، بجانب أنها مصدر للدخل والرزق. وأضافت ان البيت النوبى يشمل خمس حرف اساسية وهى الجريد والخرز والسجاد والكليم والخزف والفركة، لكنه ينقصه اضافة حرفة سادسة وهى نقش الحنة. وأوضحت شيرين النجار رئيسة جمعية إيزيس الثقافية فى الأقصر، ان هناك مساعي لتحقيق التطوير والأفكار الخلاقة من المنتظر تنفيذها فى المرحلة المقبلة لهذه الحرف الجميلة لتسويق منتجات البيت النوبى و ايضا اعداد مكتبة تتضمن كل ما يتعلق بالتراث والفن النوبى لتطوير فكر المشغولات اليدوية، لكننا نحتاج دعما كافيا من الهيئات الحكومية المعنية.