هاجر تعرض منتجاتها من تراث النوبة عندما تشتد الظروف وتمر الأيام بصعوبة وثقل، لابد للواحد منا أن يجد له مخرجا منها، وفي هذه المرة وجدت في دعوة كريمة لحضور مهرجان ملاذا للحنين للماضي ودروسه وفنونه وحرفه التي أبدعها بشر مثلنا كانت لهم أيام لها تاريخ يشبه أيامنا بأحزانها وآلامها، ورغم كل ذلك أبدعوا بفطرتهم السليمة وتركوا لنا فنونا وحرفا شعبية رائعة ومشغولات يدوية بديعة الصنع، فأخذنا منها ما استطعنا وأدخلنا عليها تطويرا وتعديلا يناسب عصرنا.. وكانت زيارة خاطفة لبيت السناري بالسيدة زينب صاحب الدعوة ومشاهدة المعروضات التي جاءت من بلاد الهند ضيفة شرف المهرجان ومن محافظات مصر البعيدة قبل القريبة ، كفيلة بأن أستمد طاقة أمل وشعاع نور، بأن من يتمسك بقديمه لن يتوه أبدا، خاصة إذا كان هذا القديم شيئا عظيما صنعه الأجداد وتوارثه الأبناء والأحفاد من بعدهم. في العصر الحالي نفتقد البساطة والحنين للماضي.. هكذا يري رأفت الخمساوي أحد عشاق جمع التراث القديم بالإسكندرية وتوثيقه للزمان والذي جاء معه شابان يسيران علي نفس الدرب هما يونس عيد وأسامة عثمان والثلاثة من محبي التراث ويبحثون عنه في المزادات والروبابيكيا والأواني والأدوات المنزلية التي تحمل عبق التاريخ، وقد جاءوا جميعا وتحملوا المشاق في سبيل التعريف بتراث مصر القديمة، وإن كانوا قد قبلوا بعدم وجود جمهور غفير هذا العام، وكان ضمن مقتنياتهم الجديدة أبريق نحاس دقيق الصنع وميزان إنجليزي وعلم الوحدة بين مصر وسوريا ودفاية خضراء ألمانية الصنع، وطالبوا الدولة أن تحافظ علي التراث القديم وتحترمه وأن تعيد للجنيه المصري قيمته كما كان قديما وأن تصنعه من خامة لها قيمة فعلية تعادل قيمته مثل النحاس والكوبر نيكل، لافتين النظر إلي أن الجاليات اليونانية والأرمنية واليهود بالعطارين كانوا أكثر ناس اهتماما بجمع واقتناء التراث، فاليهودي كان يقسم ثروته إلي ثلاثة أقسام الأول للتجارة والثاني للتحف والإنتيكات والثالث للأراضي والعقارات! وأترك الثلاثة بعد أن مليت عيني بالفرجة علي أشياء جميلة صنعها بشر مثلنا وتمتعوا باستخدامها وجاء أجلهم، فغادروا دنيانا وقد تركوها لنا من ورائهم، للعظة والعبرة وقبلها للتعريف بهم وبأحوالهم. وبجوارهم كانت تعرض علي الحوائط مجموعة من القطع الفنية من الكليم والسجاد اليدوي بديعة الصنع.. اقتربت منها وشاهدتها عن قرب، وقد تحدثت مع رمضان الطناني فني صناعة بمؤسسة نهضة فوة للكليم والسجاد اليدوي الذي قال إن محافظة كفر الشيخ تدعم المؤسسة ماديا التي أخذت علي عاتقها تطوير النول لتلافي عيوب المنتج النهائي بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة الذي جاء لهم بخبير فرنسي من أجل ذلك.. مضيفا أنهم اشتركوا في العديد من المعاض الداخلية والخارجية، وأقاموا 5 دورات تدريبية لشباب المحافظة بالاشتراك مع مؤسسة ساويرس لتنمية المجتمع.. وقد تدخل في الحديث عبد القادر موسي مورد المؤسسة موضحا أن الظروف التي تمر بها البلاد وراء عدم تسويق المنتجات بشكل مرض وبيعها للتجار بأبخس الأسعار، ورغم ذلك لايستطيعون تسديد قيمة القرض الذي حصلوا عليه من صندوق خدمات المحافظة والذي استفاد منه 400 أسرة تعمل في صناعة الكليم والسجاد اليدوي بها ويطالب المحافظة بأن تعفيهم من سداد بعض الأقساط التي امتنعوا عن سدادها نظرا لضيق سعة اليد. وأنزل من سلالم الدور الثاني لأجد بعض العارضين وقد جاءوا لرفع الغطاء عن معروضاتهم في انتظار الجمهور.. وأجد امرأتين بينهما شبه واضح جدا، فإذا هما أختان من الوادي الجديد جاءتا تمثلان محافظتهما بصحبة رجلين وطفلة إحداهما.. وقالت لي عبير جداوي أنها تدربت منذ سنوات هي واختها نجلاء وأصبحت حاليا مدربة ومسئولة عن المعارض والتسويق والأشغال اليدوية، موضحة أن محافظة الوادي الجديد تتميز بإنتاج العديد من المشغولات اليدوية من الخامات الطبيعية المتوفرة بها، مثل الخزف والفخار والخوص والعرجون والسجاد والكليم والخرز والرسم بالرمل والنحت والنوي.. مضيفة أن تسويق أي شغل يدوي يعتمد علي وجود ناس تقدر قيمته، وأن الحرف اليدوية في مصر بدأت تندثر نظرا لعدم اهتمام المسئولين في الدولة بها واحترامهم للعاملين فيها لكي يصلوا بمنتجاتهم إلي مكانة جيدة، لافتة أنهم من المحافظات المحظوظة، فمنذ جاء أحمد مختار المحافظ حتي الآن والحرف والمشغولات اليدوية أصبحت مقوما من مقومات السياحية بها، فالسائح يتفرج ويسكن ويشتري ويمشي.. ولم تنس عبير أن تحضر معها بعض الكتيبات والخرائط عن محافظتها الجميلة ودعت كل من يتفرج أن يأخذ منها للتعريف بمقوماتها ومعالمها. وقبل أن أغادر المكان أجدها جاءت مسرعة وبكل همة ونشاط أخذت في عرض منتجاتها علي طاولة صغيرة.. وقد لفت نظري تسريحة شعرها أنها هاجر حلبي الفتاة النوبية التي جاءت السناري لعرض منتجاتها هي وأخوها محمد من شغل الخرز والخيط النوبي.. في محاولة منهما لنشر التراث النوبي، فقد عاشا في أسوان فترة طويلة وجاءا القاهرة للدراسة، فقد تخرجت من كلية الزراعة. أما محمد فمازال في كلية الإرشاد السياحي، وقالت أن مهرجان من فات قديمه تاه، فكرته حلوة، موضحة أنها استبدلت شغل الخوص بالخيط بخامات مختلفة نظرا لأن الخامة ليست مثل زمان وأيضا الصبغات الطبيعية غير متوافرة وإن كان حشو الكرج (أطباق للضيافة) لا يزال من عيدان القمح، وهذا الكرج يقدم عليه الفيشار والبلح في الضيافة أو تزيين الحوائط، أما أكثر المشغولات إقبالا فهي الطواقي النوبية التي يطلق عليها طواقي بكار البطل النوبي في الكرتون. أما أشهر الألوان التي تستخدمها هاجر في التربيط فهي الأحمر والأزرق النيلي والبرتقالي المشعش أو الفسفوري وجزء من الأخضر. وقد لفت نظرها موتيفة مستخدمة في الفن الهندي المعروض بجوارها وهي عبارة عن دمعة متداخلة في أخري ،ستحاول أن تدمجها في السبعات والتمنيات التي يتميز بها الفن النوبي في مشغولات الخيط الخاصة بها في المرحلة القادمة، فقد استفادت من المشغولات اليدوية التي تتأملها بجوارها والقادمة من الوادي الجديد والبوادي الأخري في مصر. أما أحمد حسني فقد تعلم الخيامية وأبدعها أبا عن جد ويعمل فيها منذ 16 سنة هو وأخوه أحمد ويقول الخيامية في الأصل صناعة أشكال بالأقمشة الملونة وظهرت في العصر الفرعوني في زهرة اللوتس علي ملابس الفرعون وبدأت تدخل في فنون كثيرة لتزين القصور الملكية حتي كسوة الكعبة المشرفة كانت تصنع منها.. ويضيف أحمد أنها بالنسبة له فن أكثر منها شغل، فقد أدخل فيها الفن التشكيلي وله تابلوهات من تصميمه، وهي فن يحتاج إلي صبر وطول بال وتركيز وأعصاب، موضحا أن الأحوال لو استمرت كما هي، فإن هذه الحرفة في طرقها للاندثار والانقراض، وإن كنا نحاول أن ندخلها في منتجات جديد ة مثل الشنط الحريمي والعبايات والقعدات العربي والإنتريهات.. ويشكو أحمد من عدم دعم الحكومة للعاملين في سوق الخيامية الذي اصبح مخنوقا ب500صانع، وإن كانت هناك مؤسسات أجنبية مثل مؤسسة أغاخان للارتقاء بالدرب الأحمر قامت بعملية تسويق لمنتجاتهم داخليا وإن كنا في أشد الحاجة لمؤسسة مصرية تدعمنا للتسويق في الخارج باسم مصر. ويقول أحمد مهرجان بيت السناري كان في حاجة إلي دعاية جماهيرية أكثر ،ففي كل يوم ولمدة اسبوع كان يقدم حفلة مجانية رائعة، كان من جاء لمشاهدتها يتفرج علي منتجاتنا وأحيانا يشتري بعضها.