"من فات قديمه تاه" مثل شعبي يجسد حنيننا إلى الزمن المنسي، والماضي الجميل، لم يبق القول مجرد مثلاً شعبياً، بل أصبح حقيقة في بيت السناري "بيت العلوم والثقافة والفنون" بالسيدة زينب، الذي استضاف أمس مهرجان يحمل اسم " من فات قديمه تاه" للحرف اليدوية في دورته الثالثة، افتتحه السفير الهندى، بمشاركة من السفارة الهندية بالقاهرة. ما أن تطأ قدمك بيت السناري حتى تستقبلك فرقة فنون شعبية بالعزف على المزمار، للترحيب بالزائرين، ثم تدهشك المعروضات المتنوعة لأصحاب الحرف المصريين، التي تبقى شاهدة على تميزهم وأصالتهم. "محيط" تحدث إلى د.خالد عزب رئيس قطاع المشروعات فى مكتبة الإسكندرية عن المهرجان، حيث أكد أنه الدورة الثالثة للحرف اليديوية والأنتيك، في كل عام نضيف شيئاً جديداً، الجديد هذا العام هو وجود الهند ضيف شرف بحرفة تقليدية، بالإضافة إلى مشاركة مدينة فوة ورشيد، ووجود حلويات من المدن المصرية. لافتاً إلى أن المهرجان لن يكتفي بإنتاج القطع التقليدية، بل سيدخل الطعام والشراب كجزء من موروث الشعب المصري. وأكد عزب أن السفير الهندي علّق أثناء تفقده للمعروضات على ثلاثة أمور، الأول هو أن المعروض ذكره بالتراث الهندي في مدينة "أجرا"، و"أحمد آباد"، وأنه يرى أن التعاون في مجال الحرف التقليدية يجب أن يزيد بين مصر والهند، وأن الهند من الدول القليلة التي اعتبرت أن مصر ليست منطقة محظورة للهنود، بل بها مناطق كثيرة آمنة وشجع على زيارة مصر. يواصل: شاركت الهند بقطع الآلات الموسيقية الهندية القديمة لأن المصريين لا يعرفونها جيداً، وآثروا افتتاح المشاركة برقصات هندية ينفذها راقصات مصريات. "النوبة" ومشغولات ساحرة أثناء تفقد المعروضات تجذبك بسمارها الهادئ، وابتسامتها الجميلة سألناها فعرفنا أنها "هاجر" من النوبة جاءت لتشارك في المهرجان للمرة الأولى بمشغولات نوبية من إكسسوارات استخدمت بها خرز نوبي قديم وأدخلت عليه خرز جديد كما تقول ليجذب الجميع. لم تكن هذه فقط معروضات "هاجر" بل تضم أيضاً "الهوايات والطواقي النوبية المميزة" و"الحريرة" التي تزين اليد، وتستخدم لديهم في الأفراح، بالإضافة إلى ال "كرج" الذي يعلق على الحائط النوبي. تركنا "هاجر" بعد أن أكدت لنا أنه ستكرر مشاركتها بالمعرض نظراً لخلوه من أية مشكلات تنظيمية. وثائق نادرة "أحب الطوابع منذ الصغر ثم قادته هوايته إلى جمع الوثائق النادرة" هكذا أكد لنا نبيل سيف عاشق الوثائق الذي يقتني مجموعة من أندر الوثائق المصرية. فتضم "فاترينة" العرض الخاصة به وثيقة خاصة بأول شهادة ثانوية عامة في مصر عام 1924 عليها ختم مائي وآخر من وزارة المعارف. كذلك دفتر إشهار طلاق، ويؤكد "سيف" أن قيمته في الأختام التي يحملها وترجع الوثيقة إلى قرن من الزمان، هناك كذلك عقد إيجار أطيان قديمة في صعيد مصر، تعود مدته إلى حوالي 95 عاماً مضت، ويلفت صاحبه أن العقود الحديثة تخلو من تفاصيل عقود "زمان" فعقد الأطيان يشمل سن المشتري، وتفاصيل عن الشاهد وغيرها، معلقاً بقوله: "عقود الإيجارات القديمة تحكي التاريخ!". وروى "سيف" كيف أنه يحصل على مثل هذه الوثائق النادرة من تجار أوراق، وباعة "الروبابيكيا" وبعض المزادات غير المعلنة، مضيفاً أن أغلى وثيقة ابتاعها كانت بخمسة آلاف جنيهاً وهي خطاب لنابليون قائد الحملة الفرنسية على مصر موجهاً إلى مشايخ الأزهر. وأعرب صاحب الوثائق النادرة عن حزنه لبيع الورثة لمقتنيات الأديب الكبير أنيس منصور، مؤكداً أنه حاول أن يشتريها لكن المبلغ المطلوب كان ضخماً على حد قوله ومن ثم أصبح من نصيب العرب!. تضم معروضات "سيف" صورة أصلية لمحمد علي باشا لا يوجد مثلها، نشرتها مجلة "المصور" في أول أعدادها، ويعود عمر الصورة إلى 125 عام. كذلك صورة لوليات العهد شقيقات الملك فاروق وهو يتوسطهم منذ حوالي 80 عام نشرتها "المصور" أيضاً، أيضاً صورة "الخديو إسماعيل" وهي صورة طبيعية غير موجودة الآن. أهم ما يميز معروضات "سيف" أنها متنوعة، فبجانب الصور والوثائق هناك أيضاً عقود الأفلام القديمة فمثلاً عقد فيلم لملك الشاشة "فريد شوقي" ومعه الفنانة نجلاء فتحي التي كان أجرها في الفيلم 1250 جنيه، والفنان حسن مصطفى كان يتقاضى 250 جنيهاً، وهكذا الفنانة الراحلة سهير الباروني، لافتاً إلى أنه يملك عقود أفلام فريد شوقي كلها. هناك كذلك عدد من جريدة "المحروسة" يعود لعام 1932 ويؤكد صاحبها أن أغلى ما في الجريدة حالياً هي الأختام والدمغات التي تحملها، ويصل سعر الدمغة الواحدة إلى 2000 جنيه، لأنها أقدم من الجريدة نفسها. هناك وثيقة أيضاً عن التأمين على المستخدمين في عهد الملك فاروق، وقد كان شعار النقابة العامة للمستخدمين هو "فليحيى جلالة الملك". ولفت "نبيل سيف" إلى أن مشاركته بالمهرجان هي الأولى، فاقتناؤه للوثائق هي هواية شخصية ولم يظهر معروضاته من قبل، وهي هواية بدأت منذ 10 سنوات، حيث كان في البداية يجمع طوابع وعملات نادرة، لكنه من حبه للوثائق التي وجد أنها تضيع في زمننا الحالي قرر أن يبحث عن النادر منها ويقتنيه، فهو يملك أيضاً وثائق أكثر بكثير من المعروض كما أكد لنا، فهو يملك أغلب مقتنيات نجيب الريحاني، ولديه وثائق عن اليهود في مصر وإذن دفن يهودي، يعود لأكثر من 150 عام. يواصل: إذن الدفن به اشتراطات غريبة منها مثلاً أن يدفن المتوفى في مقابر بعيدة عن مقابر المسلمين، وأن يحتفظ بالشهادة مدى الحياة، بالإضافة إلى روشتات طبيعية تعود لأكثر من 170 عام، خاتماً بقوله "أبحث في الوثائق عن الزمن الجميل الضائع". سيارات أغرب من الخيال "سيارات ودراجات بخارية مصنوعة من الخرطوش والقنابل ومواد البيئة" هي أبرز معروضات الفنان عزت حامد كهربائي السيارات، الذي استخدم بواقي "المحل" وأدخرها ثم فرز هذه البواقي ثم أخرج هذا الفن الذي ليس به قطعة مكررة مع غيرها. استخدم "عزت" القنابل المسيلة للدموع حيث يسكن في شارع محمد محمود وهكذا "المحل" الخاص به، فقد شاهدت كثيراً هذه القنابل وطلقات الخرطوش، واستخدمتهم في معروضاتي. ويؤكد الفنان أنه يعشق "الخردة" لذلك آثر استخدامها في كل أعماله الفنية، وأخذ يشرح لنا معروضاته، فهذا "موتوسيكل" مصنوع من مروحة كمبيوتر، وأنبوبة فريون، و"طاسة" عجلة وخرطوم. وآخر مصنوع من فانوس سيارة مكسور، ومن قنابل الغاز المسيل للدموع، لافتاً إلى أنه لا يعرف الشكل النهائي مسبقاً، لكنه يحدد في البدء ماذا يريد أن ينفذ. من بين المعروضات "موتوسيكل شرطة" استخدم به يد مكواة مكسورة ووظفها كما يريد، بالإضافة إلى ملعقة بلاستيكية، وخرطوش، وربع جنيه لإثبات مصرية العمل الفني على حد قول صاحبه. هناك بين المعروضات سيارات سباق وموتوسيكلات بأحجام مختلفة، بالإضافة إلى حيوانات من السلك. لم تكن هذه فقط معروضات "عزت" بل تضم طاولة العرض أشكال كثيرة من القواقع التي يعشقها أيضاً، لكنه قال "أفضل الخردة لأنها تجعلني متفرداً، فلم يسبقني بها أحد". وزارة الثقافة و"قصورها" يشارك من وزارة الثقافة من مركز الحرف التراثية التابع لصندوق التنمية الثقافية أحمد وحيد المشرف الفني، ويعرض حرف تراثية مختلفة منها الخاص بالعمارة وأشغال الصدف، والتطعيم بالقشرة، وحرف مختلفة من النحاس، بالإضافة إلى أعمال النجارة. لفت انتباهنا مشغولات صدفية رائعة تتجاوز أسعارها المائتي جنيهاً رغم صغر أحجامها، وأكد لنا "وحيد" أن الصدف المستخدم طبيعي 100% لذلك ترتفع أثمان القطع وهو مستورد من اليابان وأستراليا. هناك كذلك "كرسي خشب زان" يصل سعره إلى 2500 جنيه وهي من أعمال النجارة المشاركة في المهرجان، وثمنه مرتفع نظراً لخامة الخشب، والمهارة المستخدمة في تزيينه، هناك كذلك أعمال نجارة مطعمة بالقشرة. ولفت المشرف الفني إلى أنه كثيراً ما يشارك في مهرجانات ثقافية خارج مصر، مثل فرنسا والصين التي عادة ما يكون الإقبال فيها على شغل الصدف والنجارة. وكانت ملاحظته الوحيدة على مشاركته بمهرجان "من فات قديمه تاه" هو أن مكان العرض محدود. تشارك كذلك "قصور الثقافة" في المهرجان عبر الإدارة العامة للفنون التشكيلية والحرف البيئية، وتعددت المعروضات بدءاً من أعمال نحتية وصلت إلى ستة كما أكدت لنا سهير شكري مدير إدارة الحرف البيئية. كذلك تشارك "القصور" بأشغال حلي، وأعمال الزجاج المعشق من إنتاج ورشة في الحوض المرصود بالسيدة زينب. وهناك كذلك أعمال الكليم من إنتاج قصر ثقافة "فوّة" في كفر الشيخ. "بصمة" تبحث عن الزمن القديم هو فنان تشكيلي ومخرج مسرحي واستشاري العلاج من خلال الفن، أول مرة يشارك في المهرجان، تحدثنا مع "شريف القزاز" عن مشروعه "بصمة" حيث يقدم من خلاله أشكال متنوعة مثل التابلوهات والرسم على التي شيرت، وتصميم دعوات فرح بطرق مبتكرة، مؤكداً أنه يعمل على إعادة التدوير واستغلال ما نتخلص منه. رغم تنوع ما يقدمه المشروع، إلا أن "القزاز" أكد أنه يعمل بمفرده، من أجل إعادة إحياء تراث زمن الفن القديم، فعلى طاولته تجد عمالقة الفن، رشدي أباظة وعبدالحليم حافظ ونعيمة عاكف وغيرهم، لم يكتفِ بالصور بل حولهم إلى إكسسوارات نقتنيها، منها "القرط، والخاتم، والميدالية". ويعلق بقوله: نحن نحب نجوم هذا الزمن، وليس كافياً أن نشاهدهم في الأفلام فقط لأنها محددة بمدة وتنتهي، لذلك جاءت الفكرة في تصميم أشياء تبقى معنا فترة طويلة ونقتنيها". ولفت إلى أن إقبال الفتيات يكون على الإكسسوار، أما الكبار فيقبلون على الصور التقليدية لنجوم "زمان". وعن الأسعار قال "القزاز" أسعارنا تبدأ من 10 جنيه، إلى 200. يشارك الجناح الهندي بمعروضات وصور من الهند، وقد افتتح المهرجان بعرض رقص هندى لفرقة الرقص الهندية بالقاهرة ثم عرض أزياء هندى، ثم فقرة الرقص للراقصة الهندية المشهورة " سانجيتا" واختتم حفل الإفتتاح بمشاركة فرقة دراويش القاهرة للتنورة المصرية.