بعبوة عصير أو كوب من العرقسوس أو التمر أو حفنة من البلح، انطلق مئات الأطفال والشباب والسيدات فى الطرقات والميادين يوقفون السيارات والمارة، ويوزعون الوجبات الجاهزة والعصائر المعلبة والمياه المعدنية لسد رمق أفواه الصائمين. سيارات نصف نقل محملة ببراميل زرقاء بلاستيكية كبيرة الحجم بداخلها مشروبات مختلفة الأنواع منها « العرقسوس» و«التمر هندى»، بخلاف البلح الصعيدى، والمياه الغازية، والوجبات الغذائية.. وجميع هذه المشروبات والمأكولات توزع على القادرين وغير القادرين. التقرب إلى الله «الثواب إحساسه رائع».. بهذه الجملة البسيطة بدأ حديثه محمد على، «33 عامًا»، ويقطن فى منطقة الطلبية، قائلاً: «فعل الخير لم يكلفنا إلا القليل، لكننا نعيش أجواء الفرحة والارتياح النفسى، ونسعى جاهدين إلى كسب رضا الله عز وجل». وأضاف: «يعمل 70 شابًا و30 فتاة وطفلاً، على جمع مبلغ 150 جنيهًا كل يوم، من أهالى منطقتنا، لنقوم بصرفه على أبواب الخير، سواء وقت الإفطار أو السحور». والتقطت أطراف الحديث، رقية محمود، «27 عامًا»: «نحن نشعر بسعادة غامرة، عندما نرى الابتسامة على وجه الصائمين، فالإنفاق فى الخير، هو عادة المصريين التى تتكرر كل عام، خلال شهر رمضان الكريم.. وننتظر الجزاء من الله». أحمد محمود، «43 عامًا»، يقطن فى منطقة الهرم: «نأمل فى التوسع فى تقديم أوجه الخير اللازم للمسلمين، فنحن عددنا 60 شابًا نقوم بتوزيع المياه المعدنية والبلح الصعيدى على كل السيارات والمارين، حتى أن أغلب الشباب «مش بينام»، حتى أذان الفجر، وما نريده هو كسب رضا الله، ولسنا تابعين لأحد». واستكمل الحديث، محمود عطا، «19 عامًا»، ويقطن فى منطقة الدقى، قائلاً: «العمل الصالح «سنة حسنة» فى حياة المؤمن، دليل على انشغال قلبه بطاعة الله، ونأمل فى أن تزيد أفعال الخير، حتى لا تنقطع صلة الإنسان بالله وتبقى دائمة باستمرار، والبعد عن الآثام، والمعاصى». ثم تقابلنا مع أحد المواطنين بمنطقة الدقى، ويدعى ناصر عطية، «55 عامًا»، «موظف»، يقول: «اللهم بارك فى أمتنا، وشبابها الصالحين، لأنهم قوة المجتمع، والأمل الحقيقى للبناء والإصلاح الحقيقى، حيث يمدون يد العون والمساعدة للصائمين، وأيضًا يسهرون على راحة الجميع لوقت متأخر فى الشوارع والميادين لتقديم أفضل المأكولات والمشروبات، إرضاء لوجه الله، وللفوز بالثواب العظيم». المسئولية الاجتماعية وعن تسابق الشباب لفعل الخير يرى الدكتور محمد سمير عبدالفتاح، أستاذ علم النفس كلية الآداب جامعة عين شمس، عميد المعهد العالى للخدمة الاجتماعية ببنها، الخبير السياسى: أن المداومة فى أفعال الخير، قادرة على زرع الحب والثقة فى النفس والإخاء تجاه الآخرين، والأمل فى مستقبل أفضل، وهو مطلب أساسى للابتعاد عن الظواهر السلبية، وتقربًا إلى الله، كما أنه يعطى الانطلاق والتجديد، ويحقق الاستقرار النفسى والتوافق الاجتماعى. ويضيف أستاذ علم النفس: هؤلاء المتطوعون يعملون من منطلق الرحمة والعطف الإيجابى فيما بينهم وبين الآخرين، لأنهم يشعرون بقيمة أنفسهم، ويسعون إلى إرضاء ضمائرهم، وقبل ذلك إرضاء لله ورسوله الكريم، لتظهر أجمل وأجل صور العدالة الاجتماعية بين المواطنين بعضهم البعض، وتتبلور فى الظواهر التى نراها فى مصر جلية قبل وقت الإفطار، فى خروج الشباب لتوزيع التمور والمشروبات والمياه الغازية والوجبات الغذائية الجاهزة على المارة. ويطالب أستاذ علم النفس الأغنياء بتقديم الرعاية الواجبة نحو الفقراء، بما يتطلب إذكاء روح التعاطف والإيمان الحقيقى منهم تجاه من يحتاجون لعطفهم. التكافل الاجتماعى ومن جانبه، قال فضيلة الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الإفتاء الأسبق بالأزهر الشريف: إن التكافل الاجتماعى «فريضة واجبة» فى الإسلام، فهو يقوم على عناصر الرحمة والشفقة بالتصدق مهما كان المال قليلاً، وعلى تعهد أحوال الفقراء والمساكين والتعرف على حاجاتهم فى المعيشة التى أكتوى بها البشر، بسبب ارتفاع الأسعار المستمر.. فشهر رمضان الكريم تمتاز أيامه بالمواساة والتراحم والتكافل، عن طريق توزيع المأكولات والمشروبات على المسلمين، ومساعدة المحتاجين ماليًا ومعنويًا، وتلبية بعض متطلباتهم، وتحقيق بعض حوائجهم، وهى من أفضل الأعمال عند الله، التى دعا إليها الإسلام.. فالتكافل والمواساة يظهران فى العطف على الأخوة، وما يمثله ذلك من خروج مجموعة كبيرة من الشباب فى كل محافظات مصر يسارعون فى مساعدة للقادرين وغير القادرين، وإشعارهم بالمحبة، والعطف والتعاطف، فى هذه المناسبات الدينية. ويضيف رئيس لجنة الإفتاء الأسبق بالأزهر الشريف: إن تقديم أوجه الخير لإخواننا المسلمين، جاءت صريحة فى الآيات القرآنية: «وتعاونوا على البر والتقوى»، و«لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير»، و«ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين».. وكلها آيات تؤكد حب فعل الخير، واستثمارها فى الطاعة.