فُتحِت أبواب القاعة ليدخل القاضى ونادى الحاجب على القضية المرفوعة من «سكينة. ع» صاحبة ال100 عام ضد نجلها تطالبه بالالتزام بدفعه نفقة مالية، تقف الأم بمساعدة أصدقائها ويقف الابن أمام القاضى ووسط الهدوء التام بالقاعة تنهار الأم فى البكاء وتصرخ «سيدي القاضى.. أنا متنازلة عن حقى فى قضية النفقة التى رفعتها على ابني لأن كان الغرض منها ليس المال ولكن هو أن أرى ابني أمامى». «أنا مش عاوزه فلوس ولا أى شيء أنا كان نفسى أشوفه قبل ما أموت ولم أجد أمامى غير هذه الفكرة لكى أراه خاصة أنني أحتضر كل يوم وهو يرفض أن يحضر لرؤيتى لآخر مرة»، «سيدى القاضى» تزوجت منذ 72 عاما.. أنجبت ولدين وبنتا وهبت حياتى كلها لزوجى وأولادى حتى توفى زوجى، وتزوج أبنائى ولكنهم نسوا أن لهم أما. تمسح الأم دموعها التى انهمرت وتتابع ابني الكبير كان دائما يفضل زوجته على ويعاملنى بقسوة، حتى فارق الحياة وكانت هذه الصدمة الأولى لى فراق ابنى وهو فى ريعان شبابه، لكن صبرت على ذلك لأنها إرادة الله، سكت جميع المتواجدين بقاعة المحكمة إنصاتا لحديث الأم المكلومة التى أخذت فى سرد حكايتها والحديث عن ابنتها التى قالت إنها متزوجة فى إحدى القري ودائما مشغولة بزوجها وأولادها وكنت أنا على هامش حياتها معتمدة على شقيقها الأصغر انه يقوم بخدمتى، انتهز ابني الفرصة وتلاعب بحصة الميراث الخاصة بى أنا وشقيقته وقام بالاستيلاء على شقتى وأوهمنى أنه سوف يأخذنى للإقامة معه لخدمتى والعمل على راحتى، اندهشت جدا من قراره واستغربت متسائلة: أحقا تغير الي الأفضل وتحسنت معاملته السيئة التى اعتدت منه عليها؟ فهو لا يحب سوى نفسه ومزواج تاركا زوجته الأولى وأبناءه دون نفقة ولا يسأل عنهم ويتبرأ منهم، عم الهدوء فى القاعة وأنصت الجميع وواصلت الأم حديثها «خدعت نفسى وقلت يمكن العروسة الجديدة طلبت منه أن يحضرنى لتخدمنى هى ويكون اتغير حاله»، ولكن للأسف كانت حيلة منه لابعادى عن الشقة للاستيلاء عليها وقام بالحصول على الختم الخاص بى واستغله لصالحه بالاستيلاء على جميع أموالى، والأغرب من ذلك أنه أخرجنى من منزلى استقل تاكسى وفوجئت به يذهب على دار المسنين كانت الصدمة الثانية لى ظللت أتوسل اليه أن يتركنى فى منزلى ولم أطلب منه شيئا ولم أحمله شيئا، ولكن للأسف جحوده لم يرحم توسلاتى ودموعى التى ظلت تنهمر على يده وانا أقبلها واطلب منه تركى في شقتي، إلا أنه رفض وقام بالقائي فى إحدي دور المسنين الحكومية، وقام بسداد قيمة أول شهر للدار فقط. قلب الأم أرغمنى على قبول الوضع واخفبت ألمى بداخلي وأوهمنى انه سيحضر لزيارتى كل اسبوع وقام بأخبار مديرة الدار برقم هاتف محمول خطأ حتى لا يتمكن احد من الوصول اليه، وأوهم الجميع بأننى أعيش معه خوفا من الفضيحة، وبقيت أكثر من 5 سنوات أنتظره يحضر لزيارتي ولكن للاسف كانت مسئولة الدار تبحث عنه ولكن دون جدوى. ترفع الأم صوتها قائلة هذا الرجل الشامخ الذى يقف أمامكم وهو ميسور الحال ويظهر على وجهه وجسده ذلك ، تناسى تماما مدى المعاناة التى تحملتها من أجله وأشقائه تناسى أننى أمه وأنا مسئولة منه ولكن الأموال عمت قلبه، على الرغم أنه ليس محتاجا لأنه كان يعمل فى مركز مرموق قبل خروجه على المعاش ولديه أموال كثيرة، ولكن للأسف غضب الله عليه لأنه غير صالح وقاسٍ. وأضافت الأم خلال حديثها داخل المحكمة جلست أفكر فى حالى كنت أستيقظ من نومى أبكى من شدة شوقي لأبنائي رغم ما فعلوه بي تمنيت أن أضع رأسى على صدر أحدهما قبل مماتى مع تدهور صحتى، شعرت بقرب أجلى وأنني في أيامي الأخيرة لذلك قررت أن أجبر أبنائي على رؤيتى وكانت فكرة رفعى قضية نفقة، هى الحل الوحيد، وليس هدفى المال كنت أريد أن أراه وأحتضنه حتى لو كانت هذه اللحظة هى آخر يوم فى عمرى، وبقيت أنتظره عدة جلسات وأحضر للمحكمة وأنا مريضة والجميع يساعدنى لكى أمشى إلا أننى لم أفقد الأمل في رؤيته والآن بعدما رأيته فهذا كان طلبى الأخير. واختتمت الأم حديثها بالتنازل قائلة: «أنا متنازلة عن حقى لنجلى فهو فلذة كبدى ولكن الطلب الوحيد اللى بطلبه من نجلى أن يضمنى له ويسامحنى لأننى فعلت ذلك فهذه كانت هى الوسيلة الوحيدة لكى أراه، ووسط الحاضرين سقطت الأم بالقاعة تم نقلها على الفور للمستشفى ولفظت أنفاسها الأخيرة فور وصولها لينهمر الجميع فى البكاء، وتبقي حسرة الابن تلاحقه حتي نهاية عمره.