أن تعيش في وطن ينشر في أرجائه المتطرفون الفزع والرعب، فهذا أمر مقلق، أما أن تعيش في وطن هو من ينشر الخوف والتهديد، فهذا يهدد الوطن والمواطن. إحساس صعب تعيشه أكثر من 40 ألف عائلة مصرية، بعد اختفاء أبنائهم منذ 2013 حتى الآن، فمنهم من عثر عليه جثة هامدة وآخرين لم يجدوا لهم موطنًا، ليمر عامًا تلو الأخر ويظل هؤلاء في غيابات الظنون، لا يعلم عنهم شيء إلا قليل. بحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" صدر في فبراير الجاري، فإن عدد المسجونين في مصر منذ أحداث 3 يوليو 2013 وصل إلى أكثر من 40 ألف مسجون، بجانب المئات من حالات الاختفاء القسري التي تتم بشكل يومي بحق المعارضين للسلطة الحالية، كما تعرض أكثر من 3200 طفل قاصر للاعتقال، ويقبع أكثر من 800 منهم في السجون ودور الأحداث والمؤسسات العقابية حتى الآن. ويستكمل التقرير: "لقى أكثر من 350 مسجونًا حتفهم داخل السجون المصرية نتيجة التعذيب والإهمال الطبي الذي تعرضوا له، ومنذ بداية عام 2015 فقط قُتل 59 مسجونًا داخل السجون ومراكز الاحتجاز المصرية نتيجة الإهمال الطبي بحسب التقرير. "بوابة الوفد" ترصد قصص هذه الأسر وحكايات ذويهم المختفين قسريًا الذين طالت معاناتهم لسنوات في انتظار مكالمة هاتفية من شخص مجهول "ابنك عندنا". اختفى عمرو متولي، طالب بكالوريوس بأكاديمية طيبة للهندسة، في 8 يونيو 2013، حيث ألقت قوات الأمن القبض عليه بشارع الطيران، على مقربة من ميدان الحرس الجمهوري عقب الأحداث، ليسجن بأحد السجون السرية ويتنقل من سجن لآخر ولم يعرض على النيابة العامة، حيث انقطعت أخباره حتى الآن. ويروى والد عمرو: نعيش أيامًا صعبة، فالأسرة جميعها في انتظار مكالمة توضح لنا أين هو، وما هو مصيره، مضيفًا "لا ندري إن كان مات تحت التعذيب أم لا يزال حيًا"، وأكد أنه تقدم ببلاغ لنيابة شرق القاهرة والنائب العام مرفقه بشهادة الشهود التي تؤكد القبض عليه من قبل الأمن إلا أن أحدا لم يحرك ساكنًا حتى الآن. وبحسب تقارير حقوقية، فإن عمرو متولي، احتجز لفترة كبيرة بسجن "وادي النطرون" لينقل بعد ذلك إلى سجن "العزولي". أما إسلام حمزاوي، وهو من مواليد 1994، ومقيم بقرية العياط التابعة لمحافظة الجيزة، فتم القبض عليه من داخل مدرسته في 3 يناير الجاري، خلال تأديته لامتحان عملي في إحدى معامل المدرسة حيث تم اصطحابه لجهة غير معلومة من قبل أفراد الأمن الوطني بحسب أسرته. وتقدمت أسرة حمزاوي، ببلاغ رقم 41 لسنة 2016 للمحامي العام بجنوب الجيزة وتم إرساله للنيابة الجزئية برقم 38.، كما أرسلت أسرته تليغراف لوزير الداخلية برقم 597/462، وآخر للنائب العام برقم 598/462، وبلاغًا رقم 2408 لسنة 2016 عرائض النائب العام. ويروى والد إسلام "أخشى من تعرضه للتعذيب والمعاملة القاسية، نعيش في قلق وحزن بعد الأنباء التي ترددت حول وجود داخل محتجزات تابعة للأمن الوطني، والتي يتم فيها إخفاء مصير الأشخاص وانتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب المميت". وكان للطبيب محمد الأحمدي، مدير الوحدة الصحية بجزيرة محمد حالة خاصة، حيث تم إلقاء القبض عليه من مقر عمله بالوراق، من قبل قوة من أفراد الشرطة مكونة من 4 سيارات بوكس وأخرى ميكروباص، في 7 نوفمبر 2015. وبحسب أحد المفرج عنهم من مقر أمن الدولة، فإن الأحمدي يتعرض للتعذيب بشكل ممنهج ومستمر منذ اختطافه وحتى الآن وأعلنت أسرته تخوفها من مقتل ابنها، في إطار حالات التصفية الجسدية المستمرة للمختفين قسريًا. أما عادل عبد الجواد، مبيض المحارة، الذي ذهب مسرعًا للبحث عن جثمان ابنه بعد إبلاغه أنه قتل خلال فض اعتصام رابعة العدوية، حيث تؤكد زوجته أنها تلقت اتصالًا منه يبلغها بالعثور على جثمان ابنهما لينقطع الاتصال به منذ 2013 وحتى الآن. وتشير معلومات غير رسمية، أن عبد الجواد موجود بسجن "العزولي". لم يتوقف الاختفاء القسري على المصريين فقط، بل طال الأجانب أيضًا، حيث اختفى طالبين تركيين من منزلهما منذ أكثر من أسبوع ولم يتم تحديد مصيرهم حتى الآن. ووصلت ظاهرة الاختفاء القسري للأجانب أيضًا، حيث عثر على جثمان "جوليو رجيني" الطالب الإيطالي الذي يدرس الدكتوراه في القاهرة، بعد أيام من اختفائه قسريًا. وبحسب جريدة " الإندبندنت" فإن الجثمان كان يبدو عليه آثار مختلفة من التعذيب، منها جروح نتيجة طعن بآلة حادة وكدمات شديدة وحروق بسبب إطفاء السجائر، مؤكد أن ممثل النيابة أكد لها قائلًا "ريجيني مات ببطء". ويجرى الجانبين المصري والإيطالي تحقيقًا مشتركًا لفك لغز مقتل "ريجيني".