فالرئيس الأميركي جورج بوش كان قد استضاف لتوه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في واشنطن كما توقف في أوكرانيا في طريقه إلى بوخارست وكل ذلك من اجل هدف واحد وهو تعزيز مطلب الدولتين في الحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي \"الناتو\" \r\n وكان ذلك يوما جديا في تاريخ الناتو عندما تخلت الدول الأساسية في المنظمة عن تجميع كلمتها حول مسائل حيوية للأعضاء وأيضا عندما لم تحقق الولاياتالمتحدة مأربها الذي تسعى اليه. وهذا التصدع الذي بدا واضحا بين الحلفاء في بوخارست انعكس على تزايد الانقسام بين الأولويات المتباينة للولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين وتزايد نفوذ روسيا. \r\n فعندما توسع الناتو شرقا في التسعينيات للمرة الأولى لم يكن هناك سوى القليل من الخلاف الداخلي حول الأهمية الاستراتيجية للتوسيع. فكانت ألمانيا بعد توحدها تسعى إلى توسيع حدود الغرب شرقا وبالطبع كان هناك ما يبرر تلك الرغبة في حين ان بولندا وباقي أوروبا كانوا يتوقون الى الامن والقيمة الرمزية التي يمثلها الحلف. اما روسيا فكانت ضعيفة وغير قادرة على أن تفعل أكثر من تجرع مشاعر الاكتئاب ردا على توسع الناتو جهة الشرق. \r\n ومنذ ذلك الحين انتقل الناتو من أوروبا الوسطى إلى دول البلطيق والبلقان والآن يرنو ببصره إلى أوكرانيا وجورجيا. وهناك توافق أقل سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو بين جانبي الأطلسي حول مدى الحاجة الملحة إلى توسيع الحلف إلى أقصى المشرق بهذه السرعة. \r\n ويكمن جزء من المشكلة في عبء التوسع الذي يوضع على كاهل اوروبا. فالاتحاد الأوروبي والناتو لا يزالان يحاولان استيعاب توسعاتهما الأخيرة فيما يتأهبان لدخول الأعضاء الجدد في البلقان. \r\n وهناك قلق آخر يتمثل في مدى جاهزية أوكرانيا وجورجيا للسير في طريق العضوية. فأوكرانيا مقسمة بين نصفها الغربي الذي يشتهي الاندماج في المؤسسات الغربية والنصف الشرقي الذي يفضل السير في المركب الروسي. كما أن جورجيا ما تزال بعيدة عن تسوية أوضاع المنطقتين الانفصاليتين : أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وهو ما يمثل للناتو احتمال الدخول في نطاق نزاعات اقليمية خطرة. كما أن أيا من الدولتين لم تنتلقا بعد انتقالا تاما الى الديموقراطية الليبرالية المستقرة. \r\n علاوة على ذلك فإن روسيا قد عادت ومن ثم فاستعداؤها بات يكتنفه مخاطر أكبر مما كان عليه الامر في التسعينيات. والمؤكد أن روسيا لا ينبغي عليها ان تعترض على قرارات الناتو ولكن أخذ القلق الروسي في الاعتبار لا يعني الاذعان لموسكو ولكنه ضرب من الحنكة الدبلوماسية. وفي ظل حاجة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التعاون الروسي في أفغانستان وكوسوفو وايران والدفاع الصاروخي ومراقبة الأسلحة وامدادات الطاقة والعديد من القضايا الأخرى فالوقت الآن ليس مناسبا بحال لإثارة الدب الروسي من خلال توسيع الناتو إلى القوقاز. \r\n وبتنحية قضية توسيع الحلف جانبا فقد جاءت قمة بوخارست لتؤكد على عزم الحلف من جهة ولكنها أبرزت أيضا هشاشته وعدم استقراره. فالحلف لم يوافق على المزيد من القوات إلى أفغانستان لتعزيز عمليات التحالف هناك كما أنه أعطى الضوء الأخضر لأنظمة الدفاع الصاروخي بيد انه لم ينجح في تقليص الاختلافات حول مهمة الناتو وعلة وجودها. \r\n فمن منظور واشنطن تمثل أفغانستان اختبارا لقدرة الناتو كقوة يعتمد عليها خلال القرن الحادي والعشرين ورؤيتها للحلف رؤية توسعية ، فالجمهوريون والديموقراطيون على السواء يتحدثون عن تحويل الناتو إلى تحالف دولي للديموقراطيات وأن يكون ذراعا للقوة لمواجهة أية تهديدات في اي مكان وزمان. \r\n ومن وجهة نظر العديد من العواصم الأوروبية فالناتو قد توسع إلى درجة بعيدة كما ان الحكومات في أنحاء أوروبا تتعرض لضغوط قوية من أجل الإبقاء على الداعم السياسي للالتزامات الحالية في أفغانستان ناهيك عن التوسع في البعثات التي تضغط واشنطن من أجلها. \r\n وبالنسبة لكثيرين فالناتو لم يعد أداة للدفاع المشترك بقدر ما هو مركبة تسحب أوروبا إلى صراعات بعيدة غير مرغوب بها. \r\n وهذا التباين والاختلاف كان متوقعا إلى حد بعيد. فعندما وجد الناتو نفسه أمام خيار الخروج عن نطاقه المكاني او نطاقه العملي كان اختياره الخروج عن المهمة التقليدية للدفاع عن الأراضي الاقليمية وكانت البداية بإرسال قوات إلى منطقة البلقان ثم إلى أفغانستان فيما بعد. بيد أنه وبعد غياب الاتحاد السوفيتي لم يعد الحلفاء يتفقون على طبيعة التهديدات التي تواجههم. \r\n والسؤال الرئيسي للحلف ليس ما إذا كان بمقدوره التغلب على مثل تلك الاختلافات ولكن مدى قدرته على تحملها والتغاضي عنها. فالناتو في طريقه وبصورة متزايدة إلى أن يفقد جانبه العملي كما أن الاتفاق بين أعضائه بات أكثر مراوغة. وربما كان الأفضل للحلف أن يضع خطة لكي يظل فاعلا في عالم لم يعد يتيح له فرصة الراحة في ظل الوحدة. \r\n \r\n تشارلز كوبتشان \r\n أستاذ الشئون الدولية بجامعة جورج تاون وباحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية \r\n خدمة انترناشونال هيرالد تربيون خاص ب (الوطن) \r\n