\r\n \r\n \r\n وكان رد فعل الرئيس \"كاجييم\"، كما روى بنفسه، أن ابتسم دون أن يقول شيئاً. وبعد ذلك بعدة أيام سافر الرئيس إلى برلين لمشاهدة نهائي كأس العالم، وهناك التقى بالرئيس الفرنسي جاك شيراك وتبادل معه أطراف الحديث، \"فليس هناك أي مشكلة بيننا\" -كما قال. بيد أن الحقيقة هي أنه تحت هذا الرداء الدبلوماسي، تكمن مواجهة متأججة بين الدولتين وصلت إلى ذروتها عندما راحت كل منهما توجه للأخرى اتهامات مريرة، وقامت رواندا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا. \r\n \r\n ففي شهر أكتوبر الماضي، دشنت رواندا تحقيقاً في الدور الذي لعبته فرنسا في المذابح الجماعية التي حدثت فيها عام 1994، والتي نتج عنها مقتل 800 ألف شخص على أقل تقدير. وحسب البيان الصادر عن الحكومة الرواندية، فإن المتوقع هو \"أن يؤدي ذلك التحقيق إلى كشف النقاب عن طبيعة الأدوار التي قام بها أعضاء في المؤسسة الفرنسية في تلك المذابح، وبحث ما إذا كانت تلك الأدوار قابلة للإدانة جنائياً\". \r\n \r\n وبعد انقضاء عدة أسابيع على بدء عمل اللجنة المكلفة بإجراء ذلك التحقيق، أصدر قاضٍ في فرنسا اتهاماً صاعقاً ضد 10 من المسؤولين الروانديين من بينهم الرئيس \"كاجييم\" نفسه يتهمهم فيه بالتورط في عملية إسقاط طائرة الرئيس الرواندي \"جوفينال هابياريمانا\" في السادس من أبريل عام 1994. \r\n \r\n وهذا النزاع الذي احتدم فجأة ليس سوى فصل جديد من فصول العلاقات المضطربة بين فرنسا وإحدى الدول الأعضاء في كتلة الدول المتحدثة بالفرنسية والمعروفة بدول \"الفرانكفونية\". \r\n \r\n والرئيس \"كاجييم\" بالذات أصبح واحداً من أقل الرؤساء تفضيلاً لدى فرنسا. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه أقدم على القيام بأشياء لم يسبقه أحد إليها، حيث حاول مثلاً إخراج رواندا من دائرة النفوذ الفرنسي، وتغيير اللغة الرسمية في الدواوين الحكومية من الفرنسية إلى الإنجليزية، بل وذهب إلى حد التقدم بطلب للانضمام إلى الكومنولث البريطاني. هذا إضافة إلى أن إقدامه على البدء في تحقيق في الدور الفرنسي في مذابح رواندا الجماعية ليس سوى خطوة أخرى جسورة تضاف إلى قائمة الخطوات التي تحدى بها فرنسا. \r\n \r\n يذكر هنا أن الرئيس الرواندي \"هابياريمانا\" الذي حكم البلاد من 1973 إلى 1994 كان من أقرب الأصدقاء للرئيس الفرنسي الراحل \"فرانسوا ميتران\"، بل ومن أوثق حلفائه، وبلغت العلاقات الشخصية بينهما حداً من المتانة إلى درجة أن نجليهما كانا شريكين في مشروع تجاري كان يتعامل كما يقال في تجارة السلاح إلى جانب تصدير واستيراد أنواع أخرى من السلع. \r\n \r\n وسواء كان الرئيس الحالي \"كاجييم\" وكما جاء في قائمة الاتهام التي تقدم بها القاضي الفرنسي متورطاً في إسقاط الرئيس السابق أم لا، فإن هذا الموضوع في حد ذاته قديم. ففي ذلك الوقت لم يتم إجراء تحقيق جدي بشأن الحادث، ثم جاء مرور الوقت لكي يجعل من احتمال الكشف عن الجاني الحقيقي بشكل قطعي احتمالاً ضئيلاً. \r\n \r\n ومما يزيد من صعوبة ذلك أن هناك نظرية أخرى برزت تقول إن \"كاجييم\" نفسه لم يكن متورطاً في الحادث، وإن من قام بتنفيذ العملية هم بعض \"الراديكاليين\" داخل نظام \"هابياريمانا\"، خصوصاً بعد أن كان قد قام في ذلك الوقت بتوقيع اتفاقية سلام منح المتمردين بموجبها تمثيلاً أكبر في الحكومة، وهو ما كان \"الراديكاليون\" في حكومته يرفضونه. فهؤلاء \"الراديكاليون\" كانوا هم الوحيدون الذين يمكن أن يستفيدوا من تقويض عملية السلام، التي كانت قد بدأت في ذلك الوقت، كما جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية. \r\n \r\n والحكومة الفرنسية تؤكد حالياً على لسان وزير خارجيتها \"فيليب دوست- بلازي\" أن الاتهامات الموجهة للرئيس الرواندي وكبار مساعديه، هي اتهامات ذات طبيعة قضائية بحتة وليست ناتجة عن قرار اتخذته الحكومة الفرنسية في هذا الشأن. وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فإن الأمر المؤكد، هو أنه من المستحيل تقريباً معرفة الحقيقة على وجه اليقين. \r\n \r\n ولكن الأمر المؤكد مع ذلك هو أن فرنسا قد وضعت الرئيس الرواندي في دائرة من الشك، وهو ما كانت تقصد من خلاله إرسال رسالة تحذير إلى كل من تسول له نفسه تحدي النفوذ الفرنسي تقول له فيها إن فرنسا لديها العديد من الوسائل التي يمكنها بها أن ترد بقوة على من يتحدى هذا النفوذ. \r\n \r\n \r\n ستيفن كينزر \r\n \r\n مراسل سابق لصحيفة \"نيويورك تايمز\"، ومؤلف كتاب: \"الإطاحة بالأنظمة: قرن أميركي من تغيير الأنظمة من هاواي إلى العراق\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n