\r\n \r\n \r\n فعادة ما يجري ترشيح أحدهم أو إحداهن، عقب مداولات داخل اجتماعات مجلس الأمن الدولي، ثم يعرض اسم المرشح أو المرشحة أمام الجمعية العامة للمصادقة عليه. وعادة ما تجري خلف الكواليس كذلك، مناقشات حادة مُحتدمة، ومساومات وأخذ ورد وجدل طويل. وعلى سبيل المثال فقد نقلت عن بريطانيا مطالبتها بالحصول على مناصب مرموقة في المنظمة الدولية، قبل إعلان تأييدها لترشيح \"بان كي موون\". وكما جاء في تعليق أحد الدبلوماسيين، فقد كان ذلك التأييد، أشبه بالتهام الدول الأوروبية لإفريقيا في القرن التاسع عشر. والأكثر إثارة للقلق، أن لعبة الكراسي لا تزال مستمرة فيما يبدو. والواضح أن دور الفوز بالكرسي الدولي، قد جاء من نصيب القارة الآسيوية هذه المرة. وبعدُ فهل من محض التفلسف النظري البحت، القول إنه كان من الواجب أن يمنح هذا المنصب لأفضل شخصية عالمية في قرننا الحالي؟ أتمنى ألا يكون الأمر كذلك. \r\n \r\n صحيح أن كوفي عنان سيغادر منصبه الحالي، بعد أن أمضى فيه عشر سنوات بالتمام والكمال، وبلغ من العمر 67 عاماً. وصحيح أيضاً القول إن هذا المنصب يستتبع مسؤوليات جساماً، وإن تحدياته أضحت أكبر مما كانت عليه من قبل، وإنه يتطلب جهداً وطاقة كبيرين. ولا خلاف كذلك على أن التغيير أصبح لزاماً وواجباً. على أنني أقر هذا دون مداراة إعجابي الكبير بالسيد كوفي عنان. فقد كنت أتولى منصب رئيس المجموعة البرلمانية البريطانية للأمم المتحدة في عام 1997، فتسنى لي اللقاء به مراراً وفي مناسبات مختلفة، من بينها خلال زياراته المتكررة لبريطانيا. ولكوفي عنان أصدقاء كثر في لندن، وقد بذلت الخارجية البريطانية جهوداً جبارة من أجل تعيينه في منصبه الحالي أصلاً. ومن خلال كل تلك اللقاءات، فقد ذهلت لشخصيته، باعتباره تجسيداً حياً لرجل دولة الكومنولث، بينما وقفت زوجته السويدية سنداً قوياً له في كل الأوقات. \r\n \r\n هذا وقد سيطرت الحرب العراقية، على معظم جدول أعمال عنان طوال توليه لمنصب الأمين العام للمنظمة الدولية. وإنه لغني عن القول إن ذلك الجدل الحاد المحتدم داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، ثم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أفضى في نهاية الأمر، إلى شن ذلك الغزو اللاشرعي الغاشم على العراق، مما خلف وراءه جراحاً عميقة غائرة لم تندمل بعد. وكما نعلم فقد جرى نسف مقر الأممالمتحدة في بغداد في أغسطس 2003 بإلقاء قنبلة عليه، مخلفاً وراءه ما يزيد على العشرين من المسؤولين الدوليين، ونحو مئة من الجرحى والمصابين داخل ذلك المقر. وكان من أبرز ضحايا ذلك الهجوم، سيرجيو دي ميلو، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، الذي سحق سحقا ًولقي حتفه المأساوي البطيء بين أنقاض ذلك المبنى. على أن برنامج \"النفط مقابل الغذاء\" الذي نفذته المنظمة الدولية مع نظام صدام حسين، هو الذي ألحق الدمار الأشد خطراً بسمعة كوفي عنان الشخصية. وعلى رغم أن إخفاقات عنان في تنفيذ ذلك البرنامج، لم تكن لها صلة بتلقي العمولات والرشاوى، وإنما في عدم الانتباه والاحتراز لما كان يجري حوله، إلا أنه أخفق في إجراء ما يلزم من تحقيق رسمي حول ما أثير من اتهامات بحق نجله. وتدور تلك الاتهامات حول الضغوط والمساومات التي أجراها نجله كوجو عنان، من أجل ضمان حصول شركة ما على صفقة أممية، مستخدماً فيها عبارة \"جماعتي في نيويورك\". لكن وعلى رغم ذلك كله، فإنني على يقين لا يتزعزع، بأنه وما أن تهدأ عاصفة الحرب العراقية هذه، حتى يعترف الكثيرون لعنان، بأنه كان أميناً عاماً عظيماً للأمم المتحدة، وبأنه استطاع أن يحقق لها الكثير في مرحلة عصيبة متلاطمة الأمواج والتيارات. \r\n \r\n أما خلفه \"بان كي مون\"، البالغ من العمر 62 عاماً، فهو ابن عامل في مطحنة للأرز في إحدى المناطق الفقيرة في كوريا الجنوبية. وتلقى \"مون\" دراسته الجامعية في جامعة سيئول الوطنية، ثم التحق بمدرسة كنيدي لشؤون الحكم بجامعة هارفارد في الولاياتالمتحدة الأميركية. وعندما بلغ سن الثامنة عشرة، كان قد أتيحت له فرصة زيارة الرئيس كنيدي بمكتبه في البيت الأبيض. ويوصف هذا الدبلوماسي الكوري في بلاده بالمهنية العالية، وبحسن الطباع والسجايا كذلك، بصفته أباً لولد وبنتين، تعمل إحداهن بمنظمة اليونسيف في إفريقيا. وقد تصادف ترشيحه لهذا المنصب، مع إعلان كوريا الشمالية عن إجراء اختبارها النووي الأول، وهو الحدث الذي وحد الجزء الغالب من العالم، في حملة شجب واحتجاج دولي واسع النطاق على ذلك الاختبار. وكان قد سبق ل\"مون\" أن مثل بلاده دبلوماسياًِ في المحادثات السداسية المشتركة مع بيونج يانج. \r\n \r\n وفي تصريح له لصحيفة \"نيويورك تايمز\" في السابع عشر من شهر أكتوبر الجاري، قال مون:\"إنني أنوي أن يكون لي مبعوثي الخاص كي يكون عوناً لي، وينخرط في محادثات مع بيونج يانج. وسوف يكون من مسؤوليات ومهام هذا المبعوث، تذليل عملية اتخاذ قرار بشأن قضايا شبه الجزيرة الكورية. كما أتمنى ألا يعترض المسؤولون في كوريا الشمالية على زيارتي لبلادهم. فإنني كوري مثلهم تماماً\". يذكر أن بيونج يانج قد راوغت وتمنعت عن استقبال الأمين العام الحالي، كوفي عنان. \r\n \r\n وإنني ليساورني حدس قوي، بأنه سوف يقدّر ل\"كي مون\" أن يواجه القضايا نفسها التي قضَّت مضجع سلفه، وعكّرت مياه فترته وفي مقدمتها ملفات ساخنة كثيرة: ملف إيران النووي، العراق، النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، معضلة الفقر في العالم الثالث، مشكلة التغير المناخي، ثم كارثة وباء الإيدز. وعلى الأرجح أن تبادر واشنطن أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، في وقت ما سابق لحلول نهاية ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش الحالية. كما يتوقع لإسرائيل أن تخوض نزاعاً مجدداً مع جيرانها العرب، في وقت قريب من الآن. \r\n \r\n وبدافع التفاؤل والأمل، فكم يروق لي أن يدفع الأمين العام للمنظمة الدولية، بالجهود التي بدأها كوفي عنان في إصلاح منظمته وتحسين أدائها ورفع دورها العالمي. فهي في أمس الحاجة لتركيز سطوتها الأخلاقية، وترشيد استخدام مواردها الشحيحة في تلك المناطق والقضايا، التي تستطيع فيها أن تسهم إسهاماً فريداً واستثنائياً، بدلاً من تشتيت سطوتها ومواردها فيما لا يؤثر ولا يسد الحاجة. \r\n \r\n