وتحاول القيادة الكورية الشمالية إقناع الدول الست التي تشكلت لإجراء المفاوضات مع بيونغ يانغ بنفس هذا الاتجاه الداعي إلى تجميد نشاط إعادة صنع القنابل النووية مقابل شروط تحققها الولاياتالمتحدة لكوريا الشمالية اقتصادياً وسياسياً. وإذا كان هذا التوجه يمثل ما يمكن اعتباره أنباء جيدة بعد زيارتي التاسعة لكوريا الشمالية التي بدأت في 5/4/2005 وانتهت في 9/4/2005 فإن الأنباء السيئة هي أن بيونغ يانغ لم تعد على استعداد لمناقشة نزع أسلحتها النووية الموجودة لديها حتى الآن وهو ما تجري المفاوضات حوله بينها وبين الدول الست. فقد أبلغني النائب الأول لوزير الخارجية الكوري الشمالي كانغ سوك جو أثناء مقابلة أجريتها معه في نيسان/ أبريل 2005 أن بلاده لن تشارك في أي نقاش يجري معها حول نزع أسلحتها النووية ما لم تضمن الولاياتالمتحدة تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع بلاده وما لم تقدم التعهدات الموثوقة بعدم استمرار النشاط الأميركي الهادف إلى تغيير الحكم في بيونغ يانغ. وإن أول ما يحمله هذا الموقف من معنى هو أن بيونغ يانغ تنوي الاحتفاظ بأسلحتها النووية التي تزعم الآن بأنها موجودة لديها لكنها على استعداد لاستبعاد إمكانية زيادة حجم ترسانتها النووية عن طريق تجميد العمل على زيادتها بعد مفاوضات تجري بينها وبين الفرقاء وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدة الخصم الأساسي في هذه العملية. \r\n \r\n \r\n كوريا دخلت النادي النووي \r\n \r\n وكنت قد اجتمعت أثناء زيارتي الأخيرة في نيسان/ ابريل الماضي مع عدد من المسؤولين الآخرين في بيونغ يانغ ومنهم: رئيس الجمهورية الوطنية العليا (البرلمان) كيم يونغ ناميه نام لمدة ساعتين ونائب وزير الخارجية كانغ سوك جو لمدة خمس ساعات خصوصاً وأنه الممثل الرسمي لكوريا الشمالية في المفاوضات الجارية مع الدول الست في بكين، ومع الجنرال ري تشان بوك الممثل الكوري الشمالي العسكري ولمدة ساعتين. وأكد الجميع أن كوريا الشمالية تعتبر نفسها الآن دولة نووية على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة وأن المطالبة بعدم وجود أسلحة نووية في شبه الجزيرة الكورية (أي كوريا الشمالية والجنوبية) غير منطقية بسبب وجود خطر نووي أميركي على شبه الجزيرة الكورية وما يجاورها من دول وأن هذا الخطر سيظل قائماً إذا ما نزعت كوريا الشمالية أسلحتها النووية. وقد أعربت القيادة الكورية الشمالية عن هذا الموقف بشكل عميق ومفصل في الإعلان الذي صدر في 31 آذار/ مارس الماضي عن وزارة الخارجية الكورية الشمالية وطالبت فيه بيونغ يانغ بنزع الأسلحة النووية التي تقول إنها مخزونة بشكل سري في منطقة كونسان الكورية الجنوبية وفي بعض القواعد العسكرية الأميركية التي أنشئت في كوريا الجنوبية. ومع ذلك كان من الواضح أيضاً أن مثل هذه المطالب الكورية الشمالية لا تعد مطالب جدية وفورية. وأخبرني من اجتمعت بهم من القادة الكوريين الشماليين بأن تفتيش القواعد العسكرية الأميركية في كوريا الجنوبية من المنطقي أن يترافق مع تفتيش على المنشآت النووية الكورية الشمالية، لكن مثل هذه التبادلية بين الدولتين أميركا وكوريا الشمالية لا يمكن أن تحدث من ناحية عملية إلا بعد أن تقيم واشنطن وبيونغ يانغ علاقات طبيعية بينهما وتنشأ الثقة المشتركة أيضاً. وما ترغب به بيونغ يانغ الآن هو البدء بتطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة عن طريق عقد محادثات ثنائية بين الجانبين. ولا شك أن أي حوار ثنائي مباشر بينهما سيعد أول بادرة حسن نية جوهرية للاعتراف الأميركي بنظام كوريا الشمالية وشرعنة وجوده عملياً ورسمياً. وإذا كانت المحادثات التي تجريها الدول الستة المعنية بموضوع السلاح النووي في كوريا الشمالية يمكن أن تستأنف وتعقد من جديد فإن ما ترغب بيونغ يانغ بالتأكيد عليه الآن هو إجراء حوار مباشر معها. ومع ذلك يحاول كيم غي غوان أحد المسؤولين في كوريا الشمالية التأكيد على أن كوريا الشمالية لا تسعى إلى فرض شروط مسبقة لاشتراكها في محادثات الدول الست معها وجدول العمل الذي يمكن أن يتطرق أيضاً إلى رغبة واشنطن بمناقشة المطالب التي عرضتها بيونغ يانغ في 31/3/2005. لكنه أضاف أن كوريا الشمالية لن تشارك في مثل هذه المحادثات ما لم تقم واشنطن بتحسين أجواء المحادثات وإعطاء مؤشرات واضحة على عدم سعيها إلى تغيير نظام الحكم في بيونغ يانغ. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n اعتذار أميركي لكوريا الشمالية \r\n \r\n ولذلك تبين أن الموقف الرسمي لكوريا الشمالية هو مطالبة كوندوليزا رايس بتقديم اعتذار عن وصف كوريا الشمالية «بالدولة الاستبدادية». لكن كيم يونغ نام أحد المسؤولين في كوريا الشمالية قال لي: «وإذا لم تكن واشنطن على استعداد للقيام بهذه الخطوة فلا بد من إيجاد طريقة ما توفر لنا مبرراً كافياً لمشاركتنا بمحادثات الدول الست. إنهم مطالبون بإيجاد طريقة مناسبة لتحقيق هذا الأمر، فالكرة في ملعب الولاياتالمتحدة». وبالاتجاه نفسه، قال لي كانغ سول جو: «لم يعد يكفي أن تقول كوندوليزا رايس لنا إن كوريا الشمالية لا أحد ينفي أنها دولة مستقلة وأنا أسأل الآن عما إذا كنا سنرضى إذا ما قالت بأن الولاياتالمتحدة ستحترم سيادة واستقلال ووحدة أراضي كوريا الشمالية وبأنها على استعداد للتعايش السلمي مع جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية رغم الاختلاف القائم بين الدولتين في النظام الاجتماعي والاقتصادي». وأضاف سوك جو وهو يعد من كبار المسؤولين في كوريا الشمالية: «إذا ما تجاوبت واشنطن مع هذه المطالب فسوف نقبل لكننا نرغب بسماع هذا التجاوب مباشرة سواء في مناقشات سرية أو علنية مع الولاياتالمتحدة». ورأى مسؤولون كوريون شماليون آخرون أن كوريا بحاجة إلى قاعدة قفز تجعلها توافق على المشاركة في محادثات الدول الست حتى لو كان ذلك عن طريق إشارة رسمية بأن الولاياتالمتحدة تتعامل معنا باحترام. وقال كانغ: «علينا أن نقنع شعبنا وجيشنا بأن ما نقوم به يتفق مع كرامة وسيادة دولتنا التي يتعين احترامها كدولة قوية من ناحية عسكرية. وليس من الصعب أن نكون مشاركين في محادثات الدول الست لكن هذا لا يعني أن نشارك تحت ضغوط نخضع لها». وعلى الرغم من أن كانغ سوك جو ولي غون مدير الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية الأميركية ذكرا لي أن فترة نزع وتفكيك المفاعل النووي يونغ بيون ستبدأ في هذا الشهر إلا أنني لم أستطع الحصول منهما على معرفة ما إذا كانت عملية تفكيك المفاعل قد بدأت حقاً أو ما إذا كانت ستبدأ في وقت محدد. وبالقدر نفسه، كان ظهر أن جميع الأجوبة التي تلقيتها من عدد من المسؤولين الكوريين الشماليين الذين قابلتهم كانت غامضة ومبهمة ولم تقدم شيئاً حول ما إذا كانت القيادة الكورية الشمالية تعد تجربة تفجير نووي أو أنها تعتبر ذلك ضرورياً دون تحديد موعد للتجربة. وحين سألت كيم يونغ نام عن كيفية معرفته بأن الأسلحة النووية الكورية الشمالية يمكن أن تعمل أو تستخدم من دون حاجة إلى تجربة أجابني قائلاً: «إن الهيئات المختصة لديها قناعة بأن جميع الإعدادات تم وضعها بالشكل المناسب وأن أسلحتنا النووية جاهزة للاستخدام العملياتي». وقال لي الجنرال الكوري الشمالي ري تشان بوك: «لا حاجة لإجراء تجربة وفحص ونحن لا نرغب بإجراء تجربة كهذه حتى لو كانت تحت الأرض لأن ذلك يولد غباراً نووياً يتساقط. ونحن على ثقة بأن ردعنا النووي قادر على القيام بمهمته ونحن جاهزون تماماً لوضع رؤوس نووية على صواريخنا عندما نرغب». ويظهر من هذه التصريحات أن الرؤوس النووية لم يتم وضعها بعد على الصواريخ وهذا ما دفعني إلى السؤال عما إذا كانت قدرة الردع الكورية الشمالية تتشكل من الصواريخ التي تحمل رؤوساً نووية فحسب، ولا تضم طائرات قادرة على حمل قذائف نووية. فأجابني الجنرال بوك: «في هذا القرن الواحد والعشرين من الصعب عليّ أن أصدق أن الدول ستستخدم الوسائط الجوية في استخدام الأسلحة النووية». \r\n \r\n \r\n \r\n الولاياتالمتحدة واستخدام مجلس الأمن الدولي ضد كوريا الشمالية \r\n \r\n يقول دانييل سميث محلل الشؤون العسكرية في مركز دراسات «السياسة الخارجية الأميركية تحت المجهر» إن إدارة بوش أصبحت جاهزة للعمل من أجل استخدام مجلس الأمن الدولي ضد كوريا الشمالية وإيران بسبب استمرار تصميمهما على امتلاك الأسلحة النووية. ويبدو أن واشنطن ستستند أيضاً إلى حقيقة أن الدولتين وقعتا على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وأنهما قامتا بخرق لهذه المعاهدة وأصبحتا تتطلعان إلى التحول إلى دولتين نوويتين، وسوف تتهم واشنطن كوريا الشمالية برفض التعامل مع الهيئة الدولية للطاقة النووية. وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت رسمياً في كانون الثاني/ يناير 2003 أنها تنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ويبدو أن الولاياتالمتحدة بدأت تشعر منذ الآن أنها تواجه دولة نووية جديدة هي كوريا الشمالية، رغم أن عدد الصواعق النووية التي يقدر وجودها لدى بيونغ يانغ لا يتجاوز العشرة. ويحدد سميث ما قامت به كوريا الشمالية في الأسابيع القليلة الماضية على الشكل التالي: 1 - قامت بيونغ يانغ بإيقاف مفاعل الأبحاث النووية عن عمله وهذا ما قاد المراقبين إلى الاعتقاد بأنها بدأت بعملية تريد من خلالها وضع المزيد من البلوتونيوم وتخصيبه للاستخدام النووي العسكري. 2 أنهت كوريا الشمالية ما كانت قد بادرت إليه من ذاتها بالماضي وهو إيقاف تجارب إطلاق وتطوير الصواريخ وقامت بتجربة لإطلاق صاروخ ذي مدى قصير في اتجاه بحر اليابان. وبعد دراسة أجريت من قبل الأدميرال (لويل جاكوبي) من البحرية الأميركية ومدير وكالة المخابرات العسكرية تبين أن بيونغ يانغ قادرة على إطلاق رأس نووي من خلال هذا الصاروخ إذا ما كانت تمتلك رؤوساً نووية. ومع ذلك يبدو أن الولاياتالمتحدة لم يعد في مقدورها أن تقدم الكثير لحل هذه الأزمة، خصوصاً إذا ما استندنا إلى ما جاء في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس بوش في 28 نيسان/ ابريل الماضي وإلى ما أعلنه رئيس هيئة أركان البيت الأبيض في الأول من أيار/ مايو 2005. وكان جون هامر نائب وزير الدفاع الأميركي السابق في عهد كلينتون قد وصف في 2/5/2005 الابتكارات النووية الأميركية بأسلحة قديمة بالية والبنية التحتية الدائمة لها غير قابلة للاستعمال وطالب بإجراء «مناقشة قومية حول دور الأسلحة النووية ومدى مساهمتها بالأمن القومي»، وعرض أهم المواضيع التي ينبغي مناقشتها وهي: 1 على الولاياتالمتحدة امتلاك أسلحة قادرة على ردع الدول الأخرى عن التطلع إلى امتلاك السلاح النووي. 2 إن الأسلحة النووية الموجودة في الولاياتالمتحدة الآن لا تتناسب مع الحرب الخاصة بالقرن الواحد والعشرين. 3 إن الولاياتالمتحدة تستلزم حدوث إنتاج ذي درجة بطيئة من الأسلحة الحديثة وتصميماتها لكي تحافظ على فرق العلماء النوويين وعدم تركهم للعمل والخدمة لأن الأسلحة النووية الجديدة لا توضع في الميدان طالما لم يتم الاستغناء عن القديمة التي تظل فعالة منها. 4 إن بنية إنتاج الأسلحة النووية وعددها ينبغي تخفيضه فوراً لكي يتم تقليل فرصة تسربها إلى أيدي منظمات «إرهابية». 5 ينبغي خلق سياسة تجعل امتلاك الأسلحة النووية غير جذاب للدول التي لا يوجد لديها أسلحة كهذه. ويستدل من المقترحات المعروضة للنقاش أن هامر يريد من الولاياتالمتحدة الاستمرار بوضعها النووي المتفوق لكي تردع الدول الأخرى عن الحصول على الأسلحة النووية. \r\n \r\n \r\n \r\n شراكة عالمية لمنع انتشار الاسلحة النووية \r\n \r\n وعلى المستوى دول الثمانية الكبار كان المؤتمر الذي عقده قادتها في حزيران/ يونيو 2002 قد تقدم بمبادرة أطلق عليها اسم «الشراكة العالمية ضد انتشار الأسلحة النووية ومواد أسلحة الدمار الشامل». وتعهدت هذه الدول بتخصيص 20 مليار دولار كميزانية لعشرة أعوام يجري إنفاقها لمنع المجموعات «الإرهابية» من الحصول على هذا النوع من السلاح ومنع دول أخرى من امتلاكه أيضاً. لكن كوريا الشمالية تقترب حقاً الآن وبموجب تقارير مختلفة إضافة إلى تصريحات عدد من المسؤولين فيها من امتلاك المزيد من الأسلحة النووية إلى جانب ما كان لديها من قبل. ويجري الآن بذل جهود متنوعة من أجل إعادة كوريا الشمالية إلى مفاوضات الدول الست لحل النزاع الأميركي الكوري الشمالي على مسألة التسلح النووي. لكن بيونغ يانغ تصر على موقفها الذي يخفي وراءه تهديداً نووياً لبعض دول آسيا المجاورة وتطالب واشنطن بمعاملتها كندٍ نووي وعدم العمل على تغيير النظام فيها. وتحاول واشنطن من جانبها تأليب العالم ضد كوريا الشمالية، وتحرض اليابان وكوريا الجنوبية على زيادة الضغوط عليها حتى بلغ الأمر بإدارة بوش إلى مستوى تحريض اليابان على امتلاك أسلحة نووية لردع كوريا الشمالية عن الاستمرار ببرنامجها النووي العسكري. وقد اختلفت الآراء بشأن نتائج الاجتماع الذي عقده ممثلون عن وزارة الخارجية الأميركية في مبنى الأممالمتحدة مع ممثلين كوريين شماليين في 13/5/2005. فالناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية أعلن أن واشنطن عادت وأكدت أثناء ذلك الاجتماع اعترافها بسيادة واستقلال كوريا الشمالية، وأن الولاياتالمتحدة لن تنفذ أي هجوم ضدها، لكنه عاد وقال بأن بعض المسؤولين الآخرين ما زالوا يهددون بضرب كوريا الشمالية وهذا ما ينبغي وضع حد له. وأشار مسؤولون في اليابان إلى أن أي تجربة نووية جديدة تقوم بها كوريا الشمالية، سوف تدفعها إلى مطالبة الأممالمتحدة بفرض عقوبات من قبل مجلسي الأمن الدولي على بيونغ يانغ التي اعتبرت أن مثل هذا الفرض ستتعامل معه كوريا الشمالية كإعلان حرب عليها. ويستنتج المراقبون أن تطورات المفاوضات التي جرت بين واشنطن وكوريا الشمالية وبين الكوريتين تدل على أن القيادة الكورية الشمالية، تعمل منذ الآن على تثبيت نفسها كقوة نووية ولا تقبل أي مساومات على المستحقات التي تفكر بنيلها على المستوى السياسي والإقليمي في آسيا وشبه الجزيرة الكورية». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n