ولأن تقديرات المسؤولين البريطانيين لم تتجاوز بضعة آلاف فقد اعتبر تأثير توسع الاتحاد الأوروبي ضئيلا بالنظر إلى قوة عمل تصل إلى 30 مليون نسمة. لكن الواقع يشير إلى أن عدد العمال المهاجرين الذين وفدوا الى بريطانيا تجاوز نصف مليون عامل، ثلثاهما من البولنديين الذين يمتهنون الصنعة ذاتها التي يمارسها \"ميلر\" وغيره من العمال البريطانيين. لذا يقول \"ميلر\" مع بعض الاستياء والقلق \"لم يعد الأمر سهلاً في بريطانيا كما كان في السابق، فإذا قمت بإنجاز تقدير ما لأحد البيوت، ثم رجعت بعد أسبوع لمتابعة العمل أخبرت بأن العطل قد تم إصلاحه، ولم يعد هناك حاجة لخدماتي. وبالطبع استعان صاحب البيت بخدمات سمكري بولندي ما دام يقوم بالعمل ذاته، لكن بتكلفة أقل\". \r\n \r\n وقد أصبحت المخاوف التي عبر عنها \"ميلر\" مؤشراً واضحاً عن التردد السائد في أوروبا حالياً تجاه فكرة التوسيع لتتوارى فكرة توحيد أوروبا تحت سقف واحد ونشر السلام والازدهار في جميع أركانها تحت وطأة التساؤلات الملحة. هذه التساؤلات التي أصبحت على كل لسان مثل هل سيؤثر انضمام دول أوروبا الشرقية على الرفاهية في دول أوروبا القديمة؟ أو هل سيسرق اللحام الليتواني مثلاً عمل زميله في أوروبا الغربية؟ وهل أصبح النادي الأوروبي أكبر من أن يدار على نحو صحيح وفعال؟ وفي ظل هذا الوضع لم يكن سهلاً على بلغاريا ورومانيا أن يحصلا على الضوء الأخضر من الاتحاد الأوروبي لدخول فردوسه في شهر يناير من السنة المقبلة ليرتفع عدد دول الاتحاد إلى 27 دولة بإجمالي سكان يصل إلى 500 مليون نسمة. فقبل منحهما الموافقة المبدئية فرضت عليهما العديد من الشروط والالتزامات، بما فيها وضع قيود على عدد العمال المهاجرين إلى أوروبا الغربية. وإلى غاية الساعة لم تبدِ سوى فنلندا رغبتها في استقبال عمال من بلغاريا ورمانيا للعمل فوق أراضيها. \r\n \r\n وفي السياق، أشار المسؤول الأعلى في الاتحاد الأوروبي \"خوسي مانويل باروسو\" إلى أن الوقت ربما حان كي يلتقط الاتحاد الأوروبي أنفاسه قليلاً قبل انضمام أعضاء جدد، موضحاً \"نحن لسنا في وضع يسمح لنا بإدماج المزيد من الدول الأوروبية دون إدخال إصلاحات مؤسسية على الاتحاد تساعد على الرفع من قدرته على استيعاب دول أخرى\". وبالرجوع إلى تاريخ الاتحاد الأوروبي، نجد أنه قطع أشواطاً كبيرة على طريق الوحدة وإدماج الدول الأوروبية في كيان واحد، حيث بدأ باتفاق تجاري متواضع ضم ست دول سنة 1957. وبحلول 1982 توسع الكيان ليضم 12 دولة، وارتفغ العدد بعد عقد واحد إلى 15 دولة، ثم فجأة إلى 25 عضواً عندما انضمت 10 دول جديدة أغلبها من أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004. غير أن التوسع الجديد رغم السلاسة التي رافقته والآمال العريضة التي بعثها في نفوس الأوروبيين بتحقيق حلم أوروبا الموحدة، أوجد إلى جانب ذلك نوعاً من التخوف ظهر بشكل أوضح لدى دول وسط أوروبا مثل ألمانيا والنمسا التي تقع بالقرب من دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثاً إلى الاتحاد. وتتخوف تلك الدول خصوصاً من التأثيرات السلبية للعمالة المهاجرة على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الدقيقة في الدول الغنية. \r\n \r\n وفي الوقت الذي تعمل فيه دول أوروبا الغربية جاهدة على مكافحة البطالة لدى سكانها أنفسهم، ومعالجة الاختلالات الاجتماعية الناجمة عنها تجد نفسها أمام أفواج جديدة من العمال المهاجرين الذين يزاحمون مواطنيها. لكن مع ذلك هناك من يقلل من شأن تلك المخاوف مثل عضو البرلمان البريطاني وأحد وزراء الاتحاد الأوروبي السابقين \"دينيس ماكشين\"، معتبرا أن الخوف من التوسع الأوروبي، إنما هو راجع بالأساس إلى تأثير العولمة، وليس التوسع في حد ذاته. فالعمال المهاجرون سيستمرون في التدفق على البلدان الغنية سواء كانوا من داخل الاتحاد الأوروبي، أو من خارجه، كما أن المصانع والشركات ستواصل رحلتها إلى أماكن رخيصة بصرف النظر عن انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، أم لا. ويوضح \"ماكشين\" وجهة نظره قائلاً: \"إنك لا تستطيع تفادي المشاكل بإبعاد العمال المهاجرين عن الاتحاد الأوروبي لأنك لا تستطيع منع الناس من القدوم، كما لا تستطيع تفادي التأثيرات السلبية المترتبة عن الجريمة والفساد\". ويضيف موضحا \"وبضم دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي تكون بذلك مجبرة على إدخال إصلاحات والالتزام بمعايير الاتحاد\". وبعبارة أخرى تدفع رغبة دول أوروبا الشرقية للالتحاق بالاتحاد الأوروبي إلى الإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان كي تنسجم مع المعايير المعمول بها داخل الاتحاد. وهي الإصلاحات التي تطال أيضاً حقوق العمال وقطاع الصحة في الدول الجديدة ما يجعل تكلفة العمل متساوية تقريباً في عموم الفضاء الأوروبي. \r\n \r\n وفي بريطانيا التي اعتبر أحد الأكاديميين بأنها تشهد أكبر موجة للهجرة في تاريخها استفادت من الوافدين الجدد في توفير الخدمات للمستهلكين بتكلفة أقل، بدلاً من ندرة الأيدي العاملة، التي عانت منها بريطانيا لوقت طويل. وفي هذا الصدد يقول عامل البناء البولندي \"ماريك فلازكا\": \"العملاء مسرورون لما نسديه لهم من خدمات، فنحن نقدم نفس الضمانات لكن بسعر أقل\". ومع ذلك قررت بريطانيا منع دخول العمال البلغاريين والرومانيين للعمل فوق أراضيها، حيث يسود اعتقاد واسع بأن التدفق الكبير الذي شهدته البلاد في عدد المهاجرين بعد التوسع الأخير للاتحاد الأوروبي سنة 2004 خلق العديد من الاختلالات، وأحدث تكدساً في بعض المناطق، وهو ما أثقل عبء السلطات المحلية وعقد من مهامها. \r\n \r\n \r\n