بعد ما يقرب من ثلاث سنوات علي توسع الاتحاد الأوروبي إلي الجنوب الشرقي تحول القلق البريطاني من تدفق المهاجرين- القادمين من دول أوروبا الشرقية- إلي مطالبات بغلق حدود المملكة المتحدة أمام مواطني بعض هذه الدول. بعد الكشف عن نتائج دراسات تؤكد ارتفاع معدل ارتكاب هؤلاء المهاجرين للجرائم.. فهل تستطيع الدول الأوروبية تجاوز هذه الأزمة؟. أم ينفرط عقد الاتحاد أمام الجريمة, خصوصا أنها ستنسف مبدأ حرية حركة المواطنين الذي يعد أحد المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي؟. فرغم نجاح دول الاتحاد الأوروبي في تجاوز العديد من الحواجز اللغوية والدينية والعرقية منذ توقيع اتفاقية روما في مارس1957- التي كانت نواة للاتحاد الأوروبي-, لتقيم فيما بينها قوة اقتصادية كبري علىأمل علي تجاوز المشاكل التي تعترضها لتحقيق الاندماج الاقتصادي والسياسي والنقدي. إلا أن بعض المشكلات التي تدور في كواليس العلاقات المشتركة بين دول الاتحاد أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لبقائه بهذه الصورة علي الأقل وبعيدا عن الخلافات السياسية بين الدول الأوروبية حول المسائل الجوهرية مثل الدستور والعملة الموحدة وسياسة الدفاع الأوروبية. أصبحت الهجرة من دول الاتحاد الشرقية إلي الدول الغربية تمثل هاجسا للسياسيين والشعوب الغربية, حيث اعترفت الحكومة البريطانية بأن الهجرة القادمة إلي المملكة المتحدة من دول أوروبا الشرقية تجاوزت كافة التقديرات المبدئية وهو ما أثار جدلا حادا حول استعداد بريطانيا لاستيعاب المزيد من الأجانب, وقالت مصادر وزارة الداخلية البريطانية أنه منذ أن قام الاتحاد الأوروبي بضم10 دول جديدة فإن عدد الذين سجلوا أسماءهم في شرقي انجلترا بلغ83 ألفا تقدموا بطلبات رسمية للعمل في بريطانيا, وهذا العدد لا يتضمن المهاجرين غير الشرعيين الذين لا تمتلك الحكومة البريطانية أي حصر دقيق لهم. زيادة أعداد المهاجرين الشرقيين في أوروبا الغربية ومنها بريطانيا خلقت عددا كبيرا من المشكلات الاجتماعية والأمنية نتيجة للتغير الحاد في التركيبة السكانية, فقد نقلت صحيفة' الديلي تليجراف' البريطانية عن قائدة الشرطة في مقاطعة كامبريدج جولي سبينس قولها إن واحدة من بين كل خمس جرائم تقع في لندن يرتكبها مهاجر من أوروبا الشرقية. وأضافت أن مقاطعة كامبريدج علي سبيل المثال شهدت خلال الفترة الأخيرة زيادة في نسبة الجرائم المرتبطة مباشرة بالهجرة ومن هذه الجرائم القيادة تحت تأثير الكحوليات التي ازدادت بنسبة17% بزيادة عدد الأجانب في المقاطعة. كما ظهرت' أبعاد أجنبية' لبعض الجرائم بما فيها تجارة الحشيش والبشر والاختلاس من بطاقات الائتمان, وهناك استخدام المهاجرين للأسلحة الحادة للدفاع عن النفس وفي التقرير الذي عرضته قائدة الشرطة في مقاطعة كامبريدج أمام' منتدي تأثير الهجرة' الذي نظمته وزارة الداخلية البريطانية لدراسة مواطن القلق في المملكة المتحدة حول تأثير الهجرة عليها . ذكرت سبينس أن ضباط الشرطة في مقاطعة كامبردج يتعاملون الآن مع مهاجرين يتكلمون100 لغة فيما هم يفتقرون إلي المهارات اللازمة لذلك وتضيف أن هذا الوضع كلف الشرطة800 ألف جنيه استرليني كرسوم ترجمة. وإضافة إلي المخاطر الأمنية التي سببتها الهجرة الكثيفة من دول أوروبا الشرقية المنضمة إلي الاتحاد الأوروبي إلي بريطانيا والدول الغربية هناك مخاوف من تأثير هذه الأعداد المتزايدة علي كفاءة مؤسسات الخدمات العامة في تلك الدول مثل المدارس والمستشفيات ووسائل المواصلات إضافة إلي ارتفاع نسب البطالة بين مواطني أوروبا الغربية نتيجة قيام المهاجرين بقبول أية أعمال تتاح لهم بأي مقابل حتي لو كان زهيدا وهو ما يجعل أصحاب العمل يفضلون تشغيل المهاجرين. ولهذه الأسباب وغيرها تتجه بريطانيا نحو غلق حدودها أمام مواطني عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعلي رأسها رومانيا وبلغاريا- كما نشرت صحيفة التايمز البريطانية- وهو ما يهدد أحد أهم أسس الاتحاد الأوروبي الذي يكفل حرية الحركة للمواطنين بين دوله, ويعزز هذا التوجه من جانب الحكومة البريطانية تراث عميق من التوجس من الأجانب يسود بين بعض البريطانيين, وتخشي حكومة العمال أن يؤدي إلي تعزيز وضع الحزب القومي البريطاني اليميني المتطرف. وقد بدأت مانشيتات الصحف البريطانية بالفعل تثير المخاوف من تدفق العمال الأجانب الذين يأتون إلي البلاد لينافسوا البريطانيين علي الوظائف ويسببوا المزيد من التزاحم علي المدارس والمستشفيات التي تمولها الحكومة ويستفيدوا من منظومة المنافع والمزايا التي توفرها القوانين البريطانية, كما تحاول حكومة براون بتوجهها إلي غلق الحدود البريطانية أمام المهاجرين إلي قطع طريق المزايدة في هذا الموضوع علي حزب المحافظين المعارض. حيث أنه من أشد الداعين إلي فرض قيود علي تدفق المزيد من العمالة ويسعي تقليديا للحصول علي دعم انتخابي من الأصوات التي يقلقها تأثير المهاجرين علي اقتصاد بريطانيا ومنظومة الخدمات الاجتماعية فيها. قرار بريطانيا بفرض قيود علي دخول مواطني بعض الدول الأوروبية إليها- في حال تطبيقه بشكل معلن- يمكن أن يسبب أزمة تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي, خصوصا إذا اتخذت دول أخري إجراءات مماثلة.