أعلنت هيئة مكافحة العنصرية في وكالة مجلس أوروبا في تقريرها السنوي (2010) أن الأزمة الاقتصادية قد تسببت في تفشي العنف العرقي في أوروبا، مما جعل مشاكل المهاجرين في صدارة مشكلات المجتمعات الأوروبية في المرحلة الراهنة، وخلص تقرير هيئة مكافحة العنصرية إلي أن تداعيات الأزمة الاقتصادية قد ضاعفت من الأشكال المعاصرة للعنصرية، وعمليات التمييز القائمة علي العرق واللون واللغة والدين والجنسية. وكانت إيطاليا قد شهدت مؤخرا أحداث الشغب التي قام بها عدد من المهاجرين،وحطموا خلالها السيارات ونوافذ المتاجر، احتجاجا علي الهجوم الذي استهدف عمال المزارع الأفارقة، والذي شنته "عصابة محلية " من الشبان البيض، جنوبي البلاد. ووسط تكهنات بأن مشكلات المهاجرين تنذر بتطورات علي نطاق أكثر اتساعا في دول الاتحاد الأوروبي، دعا الكاتب الأمريكي سانديب غوبالان، الذي يترأس كلية القانون في جامعة أيرلندا الوطنية في مدينة مينوث، دعا الدول الأوروبية إلي تقبل اختلاف الثقافات، والسعي إلي حل مشاكل المهاجرين، غير أن الكاتب الأمريكي اقترح علي الدول الأوروبية حماية حدودها في مواجهة المهاجرين غير الشرعيين باستخدام الجدران والأسيجة الإلكترونية، وتوفير التمويل اللازم لإعادة هؤلاءالمهاجرين إلي بلدانهم الأصلية. يذكر أنه في السنوات الأخيرة، بدأت تلوح في أفق الدول الأوروبية المخاوف والتصريحات، حول نتائج تدفق المهاجرين علي الدول الأوروبية، ومايؤدي إليه ذلك من ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع الأسعار، وذلك لاستيلاء المهاجرين علي فرص العمل والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، مما ضاعف من العبء علي الحكومات الأوروبية، فقررت إلغاء الكثير من برامج الرعاية الاجتماعية. المهاجرون.. أزمة أوروبية تعترف دوائر أوروبية بالصلة الوثيقة بين أزمة النظام الرأسمالي العالمي،وانتعاش " العنصرية " في المجتمعات الأوروبية، حتي وصل الأمر إلي قيام منظمات سياسية بتوجيه اتهامات مزيفة إلي المهاجرين المختلفين في الأصل أوالجنس أوالعنصر أوالدين أواللون، لأسباب سياسية أوانتخابية، مما ضاعف من أسباب الكراهية والعداء العنصري في ظل مناخ الأزمات الاقتصادية. ويؤكد تقرير هيئة مكافحة العنصرية في وكالة مجلس أوروبا ازدياد المواقف المعادية للأجانب، والتي تترافق مع حملات لفظية حادة، وحوادث عنف، بالإضافة إلي شعور متزايد بأن تدفق المهاجرين يؤثر تأثيرا سلبيا علي البلدان المعنية، وأن النظرة السلبية للمسلمين بصفة خاصة تؤثر تأثيرًا عميقا علي الحياة اليومية لعدد كبير من الأشخاص، وأن معاداة السامية لم تختف من أوروبا، بل إن بعض الأحداث والأزمات المالية تعتبر ذرائع لإعادة انبعاثها. وبينما كانت أوروبا الغربية في ستينات القرن الماضي نقطة جذب للمهاجرين من افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في إطار سياسة "الباب المفتوح " والسماح بتدفق المهاجرين والعمالة الأجنبية التي تحتاجها الصناعة الأوروبية، فقد بدت مؤشرات قوية حاليا علي البدء في انتهاج سياسة " الباب المغلق " أمام تدفق المهاجرين علي أوروبا، والذين ارتفعت معدلاتهم السنوية الإجمالية من 5.1 مليون مهاجر في عام 2000 إلي 2.4 مليون مهاجر في 2007. وتظهر الاحصاءات أن دول الاتحاد الأوروبي هي الوجهة الرئيسية للمهاجرين من تركيا وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ونجد أن معظم المهاجرين إلي إيطاليا من أصول مغربية وألبانية، ومعظم المهاجرين إلي فرنساوألمانيا وهولندا من أصول تركية وأندونيسية وعربية، أما العمال فمعظمهم من شرق آسيا وجنوبها وغرب افريقيا، بهدف التحول إلي مواطنين في دول الاتحاد، وفي عام 2007 تحول مايقرب من 707 آلاف إلي مواطنين، انخفضوا إلي 696 ألف شخص في عام 2008، ويقال إن دولا أوروبية عديدة أصبحت متعددة الأعراق. لكن في عام 2008، بدأت بريطانيا في وضع سقف لعدد المهاجرين إليها من أصحاب المهن الحرة، وكان رئيس الوزراء الجديد ديفيد كاميرون قد وعد بالعمل علي تحديد عدد المهاجرين اعتبارا من 2011. وفي ألمانيا اقترح عدد من أعضاء الحزب الحاكم أن يتم إخضاع المهاجرين إلي اختبارات الذكاء بدعوي أنهم يأتون من دول تعاني انخفاض مستويات التعليم، الأمر الذي يهدد بانخفاض متوسط الذكاء في ألمانيا، غير أن هذا الاقتراح لاتزال تكتنفه عدة صعوبات. إشكالات أوروبية الهاجس الأوروبي الأول الذي يقلق جميع الأوساط يتمثل في الخوف علي " مستقبل منطقة اليورو من آثار الأزمة الاقتصادية "، وذلك علي اعتبار أن تكرار سيناريو الأزمة اليونانية، واحتمالات انهيارها المالي في دولة مثل إسبانيا، سيعني مباشرة نهاية اليورو، خاصة وقد وصلت معدلات البطالة في إسبانيا إلي 18 % نتيجة الأزمة العالمية، ومواكبة ذلك مع توجه دول الخليج وإيران لاستبدال الاحتياطي المالي لديها من اليورو والدولار بمعدن الذهب. غير أن الاشكالات الأوروبية تمتد إلي نطاق أوسع من ذلك في جوانبها الاجتماعية ، كما أوضحتها المعلومات التي جاءت في "مؤشر السلام العالمي " لعام 2010، وتضمنت توقعات بحدوث اضطرابات عميقة في منطقة اليورو، وتحديدا في إسبانيا والبرتغال وأيرلندا وإيطاليا واليونان، وذلك علي أساس الترابط والعلاقة المتبادلة بين مؤشرات الأزمة الاقتصادية ونتائجها السلبية من ناحية، وعناصر الحفاظ علي الترابط الاجتماعي والحالة المجتمعية من ناحية أخري. إن الواقع السكاني/الديموجرافي الأوروبي يجعلها دائمًا في حاجة ماسة للمهاجرين لاحتياجات سوق العمل، من هنا فإن المجتمعات الأوروبية تعيش في تناقض مزمن بين الخوف المرضي من الأجانب، وتحميل هؤلاء مسئولية مشكلات أوروبا الاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه، استمرار الحاجة إلي مزيد من المهاجرين، الأمرالذي يمكن أن يستمر لسنوات، ما لم يتم إنجاب المزيد من الأطفال، وحسب الاحصاءات فإن عدد السكان في دول الاتحاد الأوروبي سيتناقص بنحو 48 مليون نسمة بحلول عام 2060، خاصة مع انخفاض معدلات الخصوبة للمرأة الأوروبية، وتشير احصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلي أن عدد المهاجرين المقيمين بصورة منتظمة في دول الاتحاد الأوروبي وصل إلي 41 مليون نسمة في 2006. الحد من الهجرة علي الرغم من هذه الاشكالات الأوروبية، والاعتراف بالحاجة إلي المهاجرين، فإن الحركات اليمينية الأوروبية، وأيضا دوائر رسمية وشعبية ترفع شعارا مؤداه أن المهاجرين في أوروبا " قنبلة موقوتة"، ويترافق ذلك بالطبع مع الحديث عن الإسلام، والمسلمين، باعتباره من موضوعات الساعة، حيث تدور المناقشات حول ما إذا كانت تشريعات المسلمين، ومنظوماتهم الأخلاقية، وأشكال حياتهم الاجتماعية قابلة للتلاؤم مع قيم المجتمعات الأوروبية العلمانية، التي يعيشون فيها باعتبارهم أقليات. وبوجه عام، يمكن القول إن الحديث عن المهاجرين في أوروبا هو في جوهره حديث عن التمييز، وانعدام العدالة الاجتماعية، في العمل والتعليم والرعاية الصحية والسكن ومستويات المعيشة. فالرئيس نيكولا ساركوزي قام عقب توليه السلطة باستحداث وزارة جديدة تحت اسم " وزارة الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتطور المشترك "، بهدف تطبيق قواعد ومعايير فرنسية للاختيار والمفاضلة بين المهاجرين، وحصر القبول فيما بينهم وفقا لاحتياج قطاعات ومهن معينة، وعلي حسب مقتضيات الاقتصاد الفرنسي. ومنذ عام 2007 بدأت فرنسا في خفض عدد الهجرة العائلية، ورفع هجرة العمل من 7 % إلي 50 %، واستحداث بطاقة " العمال الموسميين ". ويقول باحث عربي: إن " المطاردة " تظل هي الواقع الذي يغلف حياة المهاجرين في فرنسا، خاصة من المغاربة، ويخضع 40 % من المهاجرين لسياسات تمييزية، خاصة بين الشباب من 25 35 سنة، وأصبح من الشعارات الانتخابية في فرنسا ودول أوروبية أخري "استبعاد المهاجرين والأجانب من أوروبا "، وهناك منظمات وأحزاب سياسية أوروبية تبحث عن الشعبية عبر سياسات عنصرية، وتحّمل العامل الأجنبي المسئولية عن كل مشكلات المجتمعات الأوروبية. ويحذر الكاتب سانديب غوبالان من أن دول الاتحاد الأوروبي قد تعود إلي ما كانت عليه في العصور الوسطي، بعد انتشار العنصرية، والخوف غير المبرر من الأجانب، وقيام السلطات نفسها بالتمييز علي أساس عرقي. وتحذر منظمات وجماعات حقوق الانسان من قيام عصابات الجريمة المنظمة باستغلال المهاجرين غير الشرعيين في بعض البلدان الأوروبية، عبر تشغيلهم في ظروف صعبة وبائسة، في مصانع مهجورة، بدون مياه صالحة للشرب، وبدون كهرباء، وهوما يطلق عليه " الاستعباد الوظيفي ". أحوال عالمية وبالطبع، فإن أزمات الدول، ومشكلات المهاجرين في أوروبا لا تحدث في الفراغ، ولكنها تجري ضمن أحوال عالمية. وتقول دراسة علمية إن هناك علاقة وثيقة بين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي يعلنها البنك الدولي، واتخاذ القرارات بالاستثمار في مناطق العالم، ومن ثمة المستويات التنموية التي تتحقق. وبنظرة أشمل تقول الدراسة إن الأزمة المالية العالمية أدت إلي تراجع " السلام العالمي " من خلال إذكاء العنف، ومعدلات الجريمة، والاضطرابات الاجتماعية، وإن العنف يكلف الاقتصاد العالمي 7 تريليونات دولار سنويا، وإن أقل البلدان سلاما في العالم هي العراق والصومال وأفغانستان والسودان. وتستنتج الدراسات أن خفض مستوي العنف في العالم بنسبة 25 % سيوفر حوالي 1.7تريليون دولار سنويا، وهوما يكفي لسداد ديون اليونان، وتمويل أهداف الألفية للتنمية التي وضعتها الأممالمتحدة، وتمويل جهود الاتحاد الأوروبي لبلوغ اهدافه المناخية. وهنا يمكن أن نلاحظ العلاقة بين الحروب وموضوع الهجرة، ففي عام 2003، حصل ما يزيد علي 8 آلاف أفغاني علي جنسية الاتحاد الأوروبي، وارتفع الرقم إلي 10 آلاف في 2008، كما حصل نحو12 ألفا من العراقيين علي جنسية الاتحاد الأوروبي في 2003، ارتفع إلي 20 ألفا في 2008. ويري باحث أوروبي أنه من أساليب مواجهة مشكلة انفجار الهجرات نحوالدول الأوروبية أن توجه دول الاتحاد الأوروبي استثماراتها نحو دول العالم الثالث، والدول النامية، في محاولة لحل مشكلات الفقر بها. وعلي نفس المنوال، تطالب الأممالمتحدة دول مجموعة العشرين خلال اجتماعها القادم في نوفمبر " بالاستثمار في الفقراء باعتباره ضرورة لاسترداد المكاسب الإنمائية التي خسرها العالم بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية "، حيث من المتوقع أن يواجه العالم " صدمة الفقر" عندما يقع 53 مليون نسمة فريسة للفقر حتي عام 2015، بالإضافة إلي العدد الحالي والذي يبلغ أكثر من مليار شخص، وعندما يلقي مليون طفل حتفهم بسبب الأزمة المالية مابين عامي 2009 2015 ، وحينها لن توفر الأزمة العالمية مكانا في العالم بدون أن يتأثر بها جذريا.