من الواضح أن المصريين ينزعجون عندما تناقش القضايا المصرية في المحافل الدولية وخاصة تلك القضايا والأحداث التي تمس فئات من المجتمع كالأقباط وغيرهم. ومن المعروف أن بعض المصريين في المهجر يتولون طرح هذه القضايا في الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي علي اعتبار أنها تتعلق بحقوق الإنسان. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية التي تولي اهتماما خاصا لحقوق الإنسان في دول العالم الثالث لا تبذل جهدا مماثلا للبحث عن حلول للأزمات والأحداث العنصرية التي تعاني منها مدنها. من المعروف أن الولاياتالمتحدة التي يعتبر دستورها من أكثر دساتير العالم دفاعا عن حقوق الإنسان "الأمريكي" تعاني من انتشار الاضطرابات والانتهاكات العنصرية منذ القرن التاسع عشر وصولا إلي القرن الحادي والعشرين. فوفقا لما جاء في كتاب شيريلين ايفيل الذي نشر في عام 2007م تحت عنوان "دهاليز المحاكم: مواجهة قتل الأمريكيين الأفارقة في القرن الحادي والعشرين" فإن حوالي خمسة آلاف أمريكي من أصل أفريقي قد تعرضوا للقتل في الفترة من 1890م حتي 1960م. كما تعرض المواطنون الكاثوليك وباقي المهاجرين للاعتداء في القرن التاسع عشر وكذلك تم الاعتداء علي المواطنين من ذوي الأصول الايطالية في أوائل القرن العشرين وتعرض المسلمون إلي أكثر من 400 اعتداء عقب تفجيرات 11 سبتمبر في الألفية الجديدة وتجدر الإشارة إلي أن الولاياتالمتحدة قد شهدت اضطرابات عنصرية عديدة اندلعت معظمها بسبب مقتل مواطنين من أصول افريقية، منها أحداث الشغب التي اندلعت عقب اغتيال مارتن لوثر كنج في عام 1960م وأحداث ميامي عام 1980م وأحداث لوس انجلوس 1992م وأحداث كاليفورنيا في 2009م وأحداث سنسيانتي 2001م. ولا تختلف الأحوال كثيرا في دول أوروبا الغربية حيث ينتشر التمييز العنصري والعنف ضد الأقليات الاثنية. لقد أوضح توماس بيتيجرو في بحث يحمل عنوان"مواقف تجاه الأقليات الجديدة في أوروبا الغربية" أن الملايين من سكان أوروبا الشرقية قد تركوا أوطانهم وهاجروا إلي أوروبا الغربية كلاجئين سياسيين أو بحثا عن العمل والإقامة غير أن هؤلاء المهاجرين مازالوا يشعرون بالغربة ولم يحصلوا علي جنسية البلدان التي هاجروا إليها حيث يواجهون التمييز والعنف. الغريب أن المواقف المعادية للمهاجرين ازدادت في الفترة من 1988م حتي 1991م ولاسيما بعد أن فشلت كل محاولات مقاومة العنصرية. أما الدليل علي هذا الوضع المتردي في أوروبا فقد ورد في التقرير الذي أصدرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية في 14 ديسمبر 2007م ومفاده أن هنالك تزايدا ملحوظا في الجرائم العنصرية في ثماني دول من إجمالي إحدي عشرة دولة أوروبية. وكما جاء في هذا التقرير فإن الأقليات الظاهرة واللاجئين وطالبي اللجوء السياسي والمواطنين من أصول رومانية يتعرضون لأبشع أنواع المعاملة. ففي شهر نوفمبر 2007م ارتكب مهاجر روماني جريمة قتل في إيطاليا مما دفع الإيطاليين إلي ارتكاب أعمال عنف في حق المجتمعات الرومانية في ايطاليا. والملاحظ أن هذه الممارسات العنصرية التي أيقظتها الأحزاب اليمينية لم تنحصر في مهاجري أوروبا الشرقية فقط بل امتدت إلي اليهود وإلي مهاجري العالم الثالث. فقد تضاعفت أحداث العنف ضد مهاجري العالم الثالث في السنوات القليلة الماضية وخاصة في دول مثل بريطانيا وألمانيا التي ترعرعت في كنفها أحزاب يمينية أقل قوة من مثيلاتها في الدول الأخري. لعل ظهور أحزاب يمينية متطرفة ومناهضة للهجرة ساهم في ترجيح كفة الآراء اليمينية التي امتدت إلي دول أوروبية اشتهرت بالتسامح والتعددية الثقافية. المثير للدهشة أن دولة مسالمة ومحايدة كسويسرا باتت تعاني من الأحداث والمواقف العنصرية الناجمة عن اختفاء التسامح. لقد تعرض معبد يهودي في جنيف في 24 مايو 2007م لإشعال النيران. ووفقا للتقرير السنوي الذي أعدته الهيئة المناهضة لمعاداة السامية فإن الأحداث المعادية للسامية في سويسرا بلغت 67 حالة في 2006م. أما اختفاء التسامح في المجتمع السويسري فقد كان جليا في الاستفتاء الذي أجرته الحكومة السويسرية في 29 نوفمبر 2009م حول بناء المآذن والذي جاءت نتيجته محبطة للمجتمع الإسلامي والعالمي حيث وافق أكثر من 57% من الشعب السويسري علي عدم بناء مآذن للمساجد. ولا غرابة أن هذا القرار أثار حفيظة مفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان التي أدانت القانون السويسري الذي يمنع إقامة المآذن علي اعتبار أنه قرار يقوم علي التمييز العنصري واعتبرت بيللاي مديرة المفوضية أن القرار السويسري يدعو إلي الأسف ويعتبر خطوة غير موفقة في تاريخ سويسرا. وما لم نتوقعه هو أن بيان الفاتيكان جاء مؤيدا للبيان الذي صدر عن مؤتمر الأساقفة السويسريين والذي يدين القرار ويعتبره انتهاكا لحرية الأديان وانتقاصا من تقارب الثقافات.