وزير الخارجية: إثيوبيا تتعمد حجب مياه النيل وتسببت في غرق السودان    وزيرة التنمية المحلية ومحافظ بورسعيد يتفقدان نموذج تطوير أسواق الحميدى    مجلس الوزراء يكشف حقيقة بيع الدولة لمصانع الغزل والنسيج    وزارة التعليم توجه بإطلاق مسابقة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية    وزير التموين ومحافظ القليوبية يفتتحان المركز النموذجي بالغرفة التجارية    وزير جيش الاحتلال: لن نخرج من غزة وسنقيم منطقة أمنية داخل القطاع    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    أحدهم حليف ستارمر.. ترامب يمنع بريطانيين من دخول أمريكا.. اعرف السبب    أجواء احتفالية في لبنان مع عودة كثيفة للمغتربين خلال موسم الميلاد    أمم أفريقيا 2025.. صلاح ومرموش في صدارة جولة تألق نجوم البريميرليج    أمم أفريقيا 2025| مدرب السودان: سنعالج أخطاء لقاء الجزائر قبل مباراة غينيا بيساو    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    ضبط 4 متهمين بالتنقيب غير المشروع عن الآثار داخل عقار بروض الفرج    تصادم سيارتين على الطريق الصحراوي الغربي بقنا| وأنباء عن وقوع إصابات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤر إجرامية بالإسكندرية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    موعد حفل تكريم الفائزين بجائزة ساويرس الثقافية في نسختها ال 21    وزير الصحة: نقل تبعية «الحوض المرصود» لهيئة المعاهد التعليمية ورفع كفاءته الفنية والإدارية    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    قرار هام مرتقب للبنك المركزي يؤثر على تحركات السوق | تقرير    وزير الخارجية: سنرد بالقانون الدولي على أي ضرر من سد النهضة    الصور الأولى لقبر أمير الشعراء أحمد شوقي بعد إعادة دفن رفاته في «مقابر تحيا مصر للخالدين»    وزير الخارجية يلتقي رئيس مجلس الشيوخ    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    «مدبولي»: توجيهات من الرئيس السيسي بسرعة إنهاء المرحلة الأولى من حياة كريمة    عون: لبنان الجديد يجب أن يكون دولة مؤسسات لا أحزاب    توسع النزاع يهدد صادرات النفط…تصاعد الأعمال العسكرية بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    التطرف آفة العصر، ساويرس يرد على كاتب إماراتي بشأن التهنئة بعيد الميلاد    «تغليظ عقوبات المرور».. حبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    استقرار نسبى فى اسعار الأسمنت اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    أشرف فايق يطمئن الجمهور على حالة الفنان محيى إسماعيل: تعافى بنسبة 80%    أحمد البطراوي: منصة "مصر العقارية" الذراع التكنولوجي لوزارة الإسكان وتستوعب مئات آلاف المستخدمين    التشكيل المثالي للجولة الأولى في كأس الأمم الإفريقية.. صلاح ومرموش في الصدارة    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي ويؤكد دعم تطوير المنظومة الصحية    أزمة فيديو ريهام عبد الغفور.. رئيس شعبة المصورين بالصحفيين: من أمن العقاب أساء الأدب    بعد زيادة الطعون عليها، توفيق عكاشة يطالب الهيئة الوطنية بإثبات صحة انتخابات البرلمان    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    وزير الثقافة: المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا في الأنشطة الداعمة للمواهب والتراث    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حين يكون الخطر قريبًا.. كيف تحمي الدولة أطفالها من الاعتداءات الجنسية؟    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهيارالعولمة وإعادة اكتشاف العالم
تأليف‏:‏ جون رالستون سول
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 01 - 2010

عندما صدر كتاب انهيار العولمة قبل انهيار سوق المال في وول ستريت‏,‏ وبداية الأزمة الاقتصادية الحادة التي اجتاحت العالم ولم يبرأ منها حتي الآن‏,‏ تصور دعاة الليبرالية الجديدة وكهنة العولمة أن الفيلسوف الكندي جون رالستون سول يسعي إلي إعادة الساعة إلي الوراء‏,‏ انتقد اليمين الرأسمالي رالستون‏,‏ واتهموه بأنه يعيش في أوهام الاشتراكية التي ماتت تحت أنقاض سور برلين‏.‏
لكن الأصوات التي ارتفعت بالهجوم علي رالستون أعادت حساباتها بعد أن اجتاحت عواصف الأزمة الاقتصادية أسواق العالم‏,‏ فالعالم بعد ثلاثين عاما من العولمة لم يشهد أي سلام‏,‏ وعجلة النمو توقفت‏,‏ وديون العالم الثالث تضاعفت‏,‏ والفقراء زادت أعدادهم ولم يعد في قدرتهم شراء الطعام والدواء اللذين ارتفعت أسعارهما‏,‏ والحروب والنزاعات العرقية تشتعل‏,‏ وفجوة التفاوت بين الأثرياء والمعدمين اتسعت بما يهدد أمن واستقرار عدة مجتمعات‏,‏ باختصار كشف المؤلف في كتابه عن عورات العولمة التي تختبئ وراء أوراق مزيفة‏,‏ وأعلن أن سقوطها الوشيك قد اقترب‏,‏ فالعالم يحتاج الآن إلي نظام عالمي جديد‏.‏
المؤلف يؤمن بأن الغرب في حاجة إلي نهضة جديدة تحرر الفكر من جميع قيود الأيديولوجيات والأحكام المسبقة‏,‏ وتقوده إلي نظام عالمي جديد‏.‏
‏***‏
تعود بدايات العولمة إلي السبعينيات‏,‏ وكأنها جاءت إلينا من المجهول‏,‏ أما المدافعون عنها والمؤمنون بها فيتحدثون بجرأة شديدة بأنها سوف تعيد توحيد العالم في الاتجاه الصحيح‏.‏ لقد تحولت العولمة بفضل جماعة ينتمون لمدرسة من الاقتصاديين إلي سياسة وقانون يحكم العالم علي مدي ثلاثين عاما منذ بداية الثمانينيات‏,‏ لكن بعد ثلاثة عقود‏,‏ من الواضح أن هناك إنجازات هائلة وفشلا ذريعا‏,‏ ومجموعة من التداعيات الأليمة‏.‏
العولمة هي فكر اقتصادي خاضع للتجربة‏,‏ في رأي المؤلف‏,‏ ولكن أصحابها يقدمونها علي أنها حقيقة لا تقبل النقاش‏,‏ وهم لا يريدون أن يعترفوا بأنها تجربة حاولوا من خلالها إعادة تشكيل الاقتصاد والسياسة والقضايا الاجتماعية‏,‏ جانب كبير من أفكار العولمة يختفي الآن‏,‏ لكن جزءا منها سوف يبقي‏,‏ فالعالم يمتلئ بأفكار أخري منافسة‏,‏ وأيديولوجيات ومعتقدات بعضها إيجابي والآخر كارثي‏,‏ وفي هذا المناخ المضطرب لا أحد في قدرته أن يعلن ما هو الفكر الذي سوف يطغي في المستقبل بعد انهيار العولمة‏.‏
أنبياء العولمة الذين طالبونا بالخصخصة يعترفون الآن بأنهم كانوا مخطئين‏,‏ فالمصلحة الوطنية أكثر أهمية‏,‏ والاقتصاديون منقسمون بشدة حول ما إذا كنا نفرض رقابة أو نترك الحرية للسوق‏,‏ والدول التي حققت إنجازات اقتصادية مثل البرازيل تتحدي حكمة الاقتصاد العالمي‏,‏ وشركات الأدوية المتعددة الجنسية تجد نفسها الآن مضطرة لأن تنحني أمام العاصفة‏,‏ وتندمج مع بعضها حتي تتجنب حركات الاحتجاج ضدها‏.‏ نحن في مرحلة تحول يقودنا إلي فراغ‏,‏ لكنه فراغ مشوش‏,‏ الغريب أن المسئولين عن هذه الحالة ينكرون خطأهم‏,‏ والفوضي تخيف الذين قادوا العالم إلي هذا الاتجاه‏.‏ المؤسف أن الخيارات غير واضحة‏.‏
يقول المؤلف‏:‏ هذا الكتاب حول قدرتنا علي الاختيار‏,‏ وحول إلي أين سوف تقودنا اختياراتنا‏.‏
ما هي العولمة؟ ماذا سيبقي منها؟ وأي الجوانب سيختفي؟ ليس هناك مفهوم محدد‏,‏ والأفضل أن نتعرف عليها من خلال المظاهر التي تربطها أو مضمونها‏.‏
ليس هناك من المفكرين أو الاقتصاديين من يستطيع أن يؤكد ماذا سيبقي منها أو يختفي‏,‏ لكن المؤلف يحذر من العودة إلي حالة الانغلاق الوطني وما صاحبها من حماية كمبدأ دولي في القرن التاسع عشر‏.‏
إذا نظرنا حولنا فسوف نجد نماذج ناجحة للعولمة‏,‏ أهمها النمو في حركة التجارة‏,‏ ولكن هناك نماذج أخري لفشلها‏,‏ ويضرب المؤلف المثل بنيوزيلندا والأزمة الاقتصادية التي واجهتها‏,‏ وكيفية علاجها‏,‏ واضطرار حكومات عدة دول للتدخل لإعادة تنظيم عمل شركات الطيران العالمية في محاولة لإنقاذها‏.‏ هناك أيضا أزمة ديون دول العالم الثالث المستمرة منذ ثلاثة عقود‏.‏
نحن نعيش الآن فراغ فكر اقتصادي‏,‏ وهو ما يضيف عنصرا آخر لحالة الحيرة‏.‏ الاقتصاد يخضع الآن للعواطف ولعواصف المصالح‏,‏ وهو مثل موضات أخري‏,‏ فالحقائق تتغير بسرعة طبقا للأهواء‏.‏ الحضارات والأديان واللغات والثقافات والدول قامت لتبقي قرونا‏,‏ ولكن بالنسبة للاقتصاديين فربع قرن يكفي‏,‏ وإذا استمرت نصف قرن فهو أمر غير طبيعي‏.‏
شهد العالم في بداية القرن السادس عشر نهضة ثقافية تمثلت في حركات الإصلاح الديني في شمال أوروبا التي قادت إلي كنيسة واحدة قوية‏,‏ فالتوتر الذي كان قائما بين الفيلسوف اللاهوتي إيرازموس‏,‏ ولوثر أكد أن الاختيار ممكن‏.‏
المؤمنون في أوركسترا العزف علي العولمة نسوا أن حرية التجارة في أوروبا في القرن التاسع عشر كانت تحركها إمبراطوريات كبيرة‏,‏ وقد اعتبرت العالم وحدة واحدة‏,‏ وقد أعلن الاقتصادي جون كينز عام‏1914‏ أهمية الارتباط الاقتصادي داخل القارة الأوروبية‏.‏
سوق عالمية
إذا أعدنا تجميع تعهدات الشركات المتعددة الجنسية‏,‏ التي عرضها في السبعينيات القادة السياسيون والأكاديميون والكتاب ورجال الأعمال وبنوك المعلومات‏,‏ نجد أن العولمة وعدتنا بما يلي‏:‏
‏*‏ تضاؤل قوة الدولة‏,‏ وهذه الدول المتعارف عليها من الممكن أن تموت أو تختفي‏,‏ والمستقبل يشير إلي أن القوة سوف تعتمد علي الأسواق الدولية‏,‏ فالاقتصاد وليس السياسة أو القوات المسلحة هو الذي سيشكل الأحداث الإنسانية‏.‏ هذه الأسواق الدولية التي سوف تتحرر من المصالح القومية الضيفة سوف تصنع بالتدريج التوازن الاقتصادي‏,‏ ولأن الرخاء سوف ينتشر في العالم‏,‏ فسيقوم الأنداد بتحويل الدكتاتوريات إلي أنظمة ديمقراطية‏,‏ لكن هذه الديمقراطيات لن تكون لها في البداية سلطة الدولة القديمة‏,‏ لذلك سنري أحداثا تطغي عليها المصلحة القومية‏,‏ والعنصرية‏,‏ والعنف السياسي‏,‏ وعلي الجبهة الاقتصادية تتطلب السوق الجديدة شركات عملاقة‏,‏ وكلما زادت قوتها قلت مخاطر إفلاسها‏,‏ وهذه الشركات ستكون مصدرا آخر للرخاء الاقتصادي‏.‏
التجارة في القرن ال‏19‏
لكن جذور العولمة هي في الواقع أبعد كثيرا من السبعينيات‏,‏ فقد عرف العالم هوية التجارة في القرن التاسع عشر وحتي الحرب العالمية الأولي‏,‏ واستطاعت أوروبا إسقاط الحواجز التجارية‏,‏ ودول أوروبا انضمت مع الإمبراطورية الأمريكية الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر‏,‏ ونشر هذا التجمع الجديد أساليبه في السياسة والاقتصاد والاجتماع حول العالم‏,‏ وكما أشار كينز كانت المواد الأولية والصناعات والبضائع تتدفق في كل اتجاه‏.‏
لكننا إذا أردنا أن نلخص الأفكار التي تناولت العولمة‏,‏ نستطيع أن نقول إنها شكل من العالمية‏,‏ حيث تولد الحضارات من رحم الاقتصاد‏,‏ والقيادة هناك تكون للأفراد‏,‏ بل لقوة اقتصاد السوق‏,‏ وهناك مئات بل آلاف من التعريفات والوعود والتهديدات‏,‏ لكن أكثرها دقة تشير في بساطة إلي أن خفض أسعار المواصلات والاتصالات من شأنه أن يقود إلي التكامل العالمي للإنتاج والاستهلاك‏,‏ لكن الهدف أكبر من ذلك‏,‏ فألفريد إيكس رئيس اللجنة الدولية الأمريكية السابق للتجارة يصف الهدف من العولمة كعملية نري فيها التكنولوجيا والاقتصاد والاستثمار والاتصالات‏,‏ وحتي السياسة تقوم بإسقاط الحواجز في الأمن والمساحات التي كانت سببا في فصل المجتمعات عن بعضها‏.‏
المعلق المنحاز لاقتصاد السوق دانييل برجين يقول‏:‏ إن الحكومات فقدت سيطرتها علي قيادة اقتصادها الوطني‏,‏ وبالتالي قدرتها علي التطور الاقتصادي‏,‏ وحماية سيادتها والحفاظ علي مصالحها القومية‏,‏ لكنه لا يذكر عدم قدرتها علي تشكيل وتمويل الخدمات العامة‏,‏ لأنه ربما لا يؤمن بأنه طبقا لقوانين العولمة تستطيع الحكومات تمويل المشروعات التي تحتاجها الجماهير‏,‏ لكن رجال الأعمال الذين ينتقدون العولمة الآن أمثال جورج سوروز‏,‏ فيقولون‏:‏ إن العولمة تدور حول خلق أسواق مالية عالمية غير قابلة للرقابة أو السيطرة من جانب الحكومات‏,‏ والنمو الهائل للشركات المتعددة الجنسية وقوتها المتزايدة علي الاقتصاديات الوطنية‏.‏ فالدول قد تحولت إلي ديناصورات تنتظر الموت‏,‏ طبقا لرأي الاقتصادي الياباني كينيشي أوهماي‏.‏
لكن العولمة لم تسهم في استقرار وسلامة المجتمعات‏,‏ فألفريد إيكس يتذكر ما أعلنه كينز في الثلاثينيات من أن عصر الاقتصاد العالم لم يكن ناجحا في تجنب الحرب بما يعني أن التجارة إذن مع رأس المال النشيط كانت دائما تشجع علي الحروب أكثر من الحفاظ علي السلام‏.‏
الحضارة الإسلامية
المؤلف يرجع إلي التاريخ ليؤكد موقفه من العولمة‏,‏ ففي أثينا حيث يصر الغرب علي أنها أم الحضارة‏,‏ كانوا يتفهمون أهمية السوق‏,‏ لكن مصلحة المواطن واحتياجاته كانت تأتي قبل مطالب السوق‏,‏ والتجار لم يكونوا مواطنين برغم أنهم يدفعون الضرائب كاملة‏,‏ وفي روما كان اقتصاد السوق يعتمد علي القطاع العام‏,‏ أما التجارة فهي عملية للمنفعة الشخصية ولا علاقة لها بالأيديولوجية‏,‏ والحضارة الإسلامية التي تمثل جانبا مهما من فكر أرسطو والإغريق والرومان وحضارة البحر المتوسط‏,‏ نقلت أوروبا من عصور الظلام في أواخر الألفية الأولي‏.‏ فالمسلمون أداروا بكفاءة تجارتهم وضرائبهم‏,‏ لكنهم كانوا أكثر اهتماما بالتخطيط العمراني‏,‏ والعلوم والرياضيات والفلسفة والآداب‏,‏ وكانوا أكثر التزاما بالبعد الاجتماعي‏,‏ ويذكر المؤرخ الاقتصادي ر‏.‏ تاوني أنه في كل فترات العصور الوسطي كانت هناك تحذيرات من السماح للاقتصاديين بالتدخل في شئون الدولة‏,‏ فالعمل كقيمة إنسانية يأتي قبل كل شيء‏,‏ لكن التجارة برغم أهميتها فإنها تؤذي الروح ولا تلتزم بأي أخلاقيات‏.‏
كانت هناك تحذيرات مبكرة من المخاطر المرتبطة بالمعتقدات الاقتصادية‏.‏ إنهم يخدعوننا عندما يقولون أن النمو الاقتصادي الذي يشهده العالم خلال سنوات العولمة قد أدي إلي خفض معدلات الفقر‏,‏ وقلل من مساحة التفاوت بين الدول وبين الأفراد‏,‏ ولقد أجري أحد كبار الاقتصاديين دراسة تبين منها أن من يعيشون علي دخل يقل عن دولار واحد ودولارين يوميا قد انخفض عددهم‏,‏ وهذا التقرير الذي لقي ترحيبا كبيرا من كهنة العولمة لم يذكر للأسف الحقيقة الطارئة‏.‏ كان أفضل أمثلة في الدراسة‏,‏ النمو الاقتصادي في الهند والصين‏,‏ أما ما يتعلق بالقارة الإفريقية فيدفعك إلي الاكتئاب‏.‏ لكن وللحقيقة ليس كل ما ذكره عن إفريقيا سيئا‏.‏ ففي‏13‏ دولة إفريقية قل عدد الفقراء ممن يبلغ دخلهم دولار أو دولارين‏,‏ لكن هناك خمس دول من بين الدول ال‏13‏ دولة إفريقية تجدها في قائمة أخري يفتك الإيدز بسكانها‏,‏ وهو المرض الذي يهدم النظام الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول بسبب أن المصابين به هم في سن الشباب من ذوي القدرة علي العمل‏.‏ لكن المثير للغرابة ما عرضته الدراسة عن بتسوانا كنموذج للرخاء‏.‏ لقد خفضت بتسوانا نسبة عدد الفقراء الذين يحصلون علي دولار يوميا من‏35%‏ إلي‏1%,‏ وعدد من يحصلون علي دولارين من‏60%‏ إلي‏9%,‏ لكن بتسوانا هي الدولة رقم واحد في قائمة الدول المصابة بالإيدز‏,‏ و‏40%‏ من سكانها الذين أعمارهم تتراوح بين‏15‏ و‏49‏ عاما مصابون بفيروس‏Hiv‏ فكيف تقول الدراسة إن بتسوانا هي واحدة من نجوم العولمة من خلال الأرقام؟
الدراسة التي أجرتها سالا مارتن لم تشرح أسباب الرخاء‏,‏ لكن الإجابة بسيطة‏,‏ وبتسوانا لديها واحد من أكبر مناجم الألماس‏,‏ وعدد قليل من السكان بفضل الإيدز الذي قتل ملايين من أبنائها والباقون يتقاسمون الثروة‏,‏ يضاف إلي ذلك أنها من الدول القليلة التي يحكمها نظام غير فاسد‏,‏ وهذه الأسباب لا علاقة لها بما فرضته العولمة منذ السبعينيات‏.‏
جاءت أيضا رواندا في قائمة الدول الناجحة في دراسة سالا مارتن‏,‏ وهي ضمن الدول الأكثر إصابة بالإيدز‏,‏ وقد تعرض سكان رواندا إلي إبادة جماعية راح ضحيتها‏800‏ ألف قتيل‏,‏ وانهار مجتمعها خلال الفترة التي كانت تبحث فيها دراسة سالا مارتن عن إحصائيات النجاح الاقتصادي‏.‏
ماذا تعني هذه الروايات التي تعكس نجاح العولمة؟ يقول المؤلف إنها تشابه اجتياح الموت الأسود لدولة‏,‏ فبينما مات عدد كبير من السكان فإن الذين قدر لهم أن يعيشوا قد اقتسموا أموال وملكيات الضحايا وتحولوا بذلك إلي أثرياء بينما أعلنت سالا مارتن في دراستها أن عدد سكان العالم ممن يحصلون علي أقل من دولار يوميا قد انخفض إلي‏890‏ مليونا في عام‏1998,‏ لكن تقرير البنك الدولي في عام‏2005‏ يذكر أن‏1.1‏ بليون شخص يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا‏,‏ لقد زاد عدد الفقراء تحت مظلة العولمة طبقا لإحصائيات البنك الدولي‏,‏ الآن من‏2.5‏ إلي‏2.7‏ بليون شخص‏.‏
هذه الأرقام تعني أنه ليست هناك أية مؤشرات علي النمو والرخاء‏,‏ باستثناء الهند والصين‏,‏ ولكن هناك مشكلة التفاوت الفادح بين الفقراء والأغنياء في البلدين‏,‏ وهو ما يسبب مشكلات اجتماعية وقلاقل في البلدين‏.‏
‏***‏
الأزمة الاقتصادية الحادة الأخيرة التي تجتاح العالم‏,‏ والرأسمالية الجشعة التي لا تخضع لأي رقابة من الدولة‏,‏ والتي تسببت في هذه الأزمة‏,‏ وحولت نحو عشرة ملايين عامل في الولايات المتحدة وأوروبا إلي صفوف البطالة هي من تداعيات هذه الأزمة‏.‏ لقد قوضت العولمة سلطة الدولة‏,‏ ودعت إلي خصخصة كل أدوات الإنتاج والخدمات‏,‏ وأعطت الشركات العملاقة القوة والسيطرة‏,‏ وحولت رجال الأعمال الذين زاد ثراؤهم الفاحش إلي حكام خاصة في دول العالم الثالث‏,‏ أما ضحايا هذا الانفلات الاقتصادي فكانت الطبقات الشعبية التي ضاعفت العولمة معاناتها‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.