\r\n في 4 فبراير 2003 قام ليزيك ميلر بتوقيع «نداء الثمانية» الذي تم اطلاقه بمبادرة من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس وزراء اسبانيا السابق خوسيه ماريا ازنار من اجل دعم الحرب الاميركية في العراق وفي 13 ديسمبر 2003 كان ميلر نفسه من جديد مع ازنار احد اكبر المسئولين عن فشل قمة بروكسل التي كانت مقررة لدراسة الدستور الاوروبي. \r\n \r\n ان بولندا وخلال عام وحتى قبل انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، خرقت التضامن الاوروبي على الصعيد المالي وهزت التلاحم السياسي والاستراتيجي وسدت آفاق المنظور المؤسسي بحيث ان اوروبا بدت في مطلع العام الحالي اكثر هشاشة واكثر انقساما واكثر استعصاء في حكمها مما عليه في اي يوم من الايام فماذا سنفعل اذن غدا في اطاراوروبا الموسعة؟ وهل سيمكن لاعادة توحيدهاان تصمد؟ \r\n \r\n \r\n ليس المقصود هنا البحث عن «كبش فداء» من اجل تبرير الصعوبات التي تواجهها اوروبا، ذلك ان بولندا ليست المسئول الوحيد عن ذلك وليست ايضا المسئول الرئيسي لكنها وبسلوكياتها، تمثل رمزا لتعقيد عملية توسيع اطار الاتحاد الاوروبي الذي يشمل اعتبارا من الاول من شهر مايو 2004 عشرة دول اعضاء جدداً. \r\n \r\n ويؤكد المؤلف في هذا الاطار بانه لا يريد ابدا محاكمة بولندا، البلد المعروف بصلاته الوثيقة مع الثقافة الفرنسية، كما انه هو نفسه اي المؤلف بولندي الاصل. لكن هذا لا يمنع واقع ان الصدامات التي اثارتها بولندا، وحتى قبل انضمامها رسميا للاتحاد الاوروبي، تدل بوضوح على مدى المخاطر التي يمكن ان تواجه اوروبا ذات الخمسة وعشرين بلدا بعدانضمام بلدان اوروبا الوسطى والشرقية لها، وبعد ما عانته هذه البلدان من تاريخ فريد بعد الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n مسئولية تاريخية \r\n \r\n ان فهم الاستياء الحالي وما يرافقه من صعوبات تواجه اوروبا الموحدة يتطلب العودة الى الينبوع أي اصل سوء الفهم الحالي لمسألة التوسيع الاوروبي، بينما كان هذا التوسيع نفسه بمثابة عيد ومصدر للتفاؤل عندما تم الاعلان عنه ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب في الاعلان بانه من المتحمسين لانضمام وسط وشرق وجنوب القارة الاوروبية الى الاتحاد الاوروبي، وذلك على اساس ان هذا الامر يشكل مسئولية، بل وواجبا تاريخيا فضلا عن الافاق الجديدة التي يفتحها. \r\n \r\n ان عملية التوسيع الجارية ليست كغيرها، وكانت اوروبا الموحدة قد بدأت بستة بلدان خلال الخمسينيات، ثم اصبحت اوروبا التسعة بعد انضمام ايرلندا والدانمارك وبريطانيا لها في سنوات السبعينيات واوروبا العشرة عام 1980 مع انضمام اليونان، ثم اوروبا الاثني عشر بلدا عام 1986 بانضمام اسبانيا والبرتغال لها، واوروبا الخمسة عشرة باضافة النمسا وفنلندا والسويد عام 1995. \r\n \r\n في جميع عمليات التوسيع السابقة هذه كان هناك اشكال من المنطق، مختلفة ومتكاملة في الوقت نفسه اذ كان المقصود باستمرار هو توسيع وتعميق السوق الاوروبي الداخلي بالنسبة للجميع وربط بريطانيا بالقارة، على الرغم من تردد الجنرال ديغول طيلة وجوده بالحكم، وتكريس الديمقراطية التي عادت لليونان واسبانيا والبرتغال، بعد حكومات عسكرية في اليونان، ووفاة سالازار في البرتغال وفرانكو في اسبانيا. \r\n \r\n كذلك كانت هناك قواسم مشتركة كثيرة بين بلدان اوروبا الخمسة عشرة فجميعها تمثل امماً غنية وتتبنى اقتصاد السوق وكانت تنتمي كلها اثناء فترة الحرب الباردة الى «كتلة» الغرب في مواجهة الاتحاد السوفييتي و «كتلته» باختصار كانت تشكل مجموعا متجانسا على الاصعدة الاقتصادية والسياسية، اي ان حدود الاتحاد الاوروبي كانت مترابطة بشكل ما بسبب التهديد الخارجي الذي مثلته المجابهة بين الغرب والشرق وايضا بفعل وجود الحلف الاطلسي. \r\n \r\n ان المسألة مختلفة بالنسبة لعملية التوسيع الحالي لاطار الاتحاد الاوروبي. هناك اولا عدد البلدان الاعضاء الجديدة اذ ان الامر يتعلق بعشرة بلدان دفعة واحدة، وهناك تباين كبير آخر من حيث طبيعة المشكلات المطروحة. ان الامر يتعلق هذه المرة بعملية اعادة توحيد حقيقية للقارة، بعد حالة الشقاق التي عاشتها بعد الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n والدول الاعضاء الجديدة كانت كلها باستثناء قبرص ومالطة تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق. وكانت تنتسب لحلف وارسو في مواجهة الحلف الاطلسي، وكانت انظمتها شمولية وفي الوقت الذي كانت بلدان اوروبا الغربية تعيد بناء نفسها وتعزز قوتها بفضل المساعدة الاميركية التي مثلها مشروع مارشال وبفضل جهودها الوطنية والمغامرة الاوروبية، كانت بلدان اوروبا الشرقية تحت وطأة اقتصاد موجه وبيروقراطي وما ينجم عن ذلك من عملية افقار لاغلبية شرائح المجتمع. \r\n \r\n وفي الوقت نفسه جرى قمع كل اشكال المعارضة والمقاومة الداخلية بقسوة، بينما تكفلت الالة العسكرية السوفييتية بسحق اشكال المقاومة الجماعية، وهكذا سحقت الانتفاضة الشعبية في المجر خلال شهري اكتوبر ، ونوفمبر 1956، وبنت جدار برلين عام 1961، ودخلت قواتها الى تشيكوسلوفاكيا باسم «حلف وارسو» لتسحق ما يسمى ب «ربيع براغ» عام 1968 اما بالنسبة لبلدان البلطيق، فقد تم ضمها بكل بساطة للاتحاد السوفييتي. \r\n \r\n هذا التاريخ المؤلم هو تاريخ اوروبا، وهذه المعارك هي معاركها، وكانت اوروبا الغربية قد اهتزت تعاطفا مع امري ناجي ومع الكسندر دوبتشك القائدين الشيوعيين اللذين تمردا في المجر وتشيكوسلوفاكيا ضد الهيمنة السوفييتية كما اظهرت اعجابها بفاكلاف هافل، الذي اصبح فيما بعد رئيسا لجمهورية تشيكيا. \r\n \r\n ورافقه ليخ فاليسا، مؤسس نقابة التضامن في بولندا في نضاله من اجل الحرية، وبالتالي لم يكن باستطاعة اوروبا الغربية هذه ان تبقى لا مبالية بعد انتصار نقابة التضامن في بولندا وسقوط انظمة «الديمقراطيات الشعبية» وخاصة سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989. \r\n \r\n ولم يكن باستطاعة اوروبا الغربية ايضا ان تكون لا مبالية بمصير الشعوب الاوروبية المحرومة من الحرية ومن الديمقراطية ومن الازدهار في ظل منظومة شيوعية كانت في طريقها للانهيار، وكان من المطلوب امام هذا كله تحديد الاطار السياسي لاوروبا التي اعيد توحيدها من جديد بعد الشرخ الذي احدثته الحرب العالمية الثانية في صميم المشروع الاوروبي. \r\n \r\n حتمية توسيع الاتحاد \r\n \r\n هل كان الاتحاد الاوروبي قدراً وكان الانضمام اليه بمثابة السبيل الوحيد؟ لعله قد فات الاوان على مثل هذا النوع من الاسئلة، وبالتالي ينبغي للاجابة ان لا تغير الآراء الصادرة حيال عملية توسيعه. \r\n \r\n لكن هذا لا يعني اعتبار طرح مثل هذه الاسئلة امراً محرما، بل ربما كان بالامكان بل ربما من الواجب العمل بطريقة اخرى، وكان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران قد اقترح صيغة اخرى اذ كان قد طرح في الكلمة التي وجهها للشعب الفرنسي بمناسبة حلول عام 1990 منظور قيام «فيدرالية اوروبية» تعتمد تنظيم اوروبا الكبرى في دوائر حول نواة تتألف من البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. هكذا يمكن لمجمل بلدان القارة ان تشترك في حوار سياسي وفي تعاون ملموس. \r\n \r\n كانت الفكرة لامعة لانها قالت بضرورة وجود مجال سياسي اوروبي مشترك ومن دون المساس بتلاحم الاتحاد الاوروبي. لكن الولاياتالمتحدة الاميركية واوروبا عامة لم تستقيل الفكرة بشكل جيد. لقد رأى الاميركيون فيها نوعا من بروز حنين قديم لدى الدبلوماسية الفرنسية تمثل باستمرار في الميل الى اقامة تحالف مع روسيا، وكانت اغلبية بلدان المجموعة الاوروبية ليست متحمسة للفكرة اذ رأت فيها نوعا من «منظمة الاممالمتحدة الاوروبية ومن مجلس اوروبي آخر (مكرر) بعيدا عن الاميركيين وبالتقرب مع روسيا». \r\n \r\n لقد كان مثل ذلك المشروع غير قابل للحياة لان طرحه قد جرى قبل اوانه ولان الاعداد له لم يتم بشكل جيد، باختصار لقد «ولد ميتا» لا سيما وانه يقول بالانفتاح على روسيا ويتضمن نوعا من العداء «الكامن» للولايات المتحدة الاميركية وكان الرئيس التشيكي، «فاكلاف هافل» هو الذي اطلق عليه رصاصة الرحمة عندما فضل عليه بوضوح اقتراح الشروع باندماج اوروبي. \r\n \r\n بالتوازي مع ذلك المشروع، تم فتح باب الانتساب الى الاتحاد الاوروبي مع شيء من الغموض المتبادل من قبل الغرب والشرق. كانت البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوروبي تتقاسم الشعور بانها تتحمل مسئولية حيال بلدان اوروبا الوسطى والشرقية وبان عليها استحقاقا تاريخيا ينبغي تأديته، كما انها كانت تريد ان تصبح بحدودها الجديدة اكبر سوق داخلي في العالم، لكن في الوقت نفسه كانت هناك عدة مشاريع متباينة تتنافس فيما بينها اذ ان المانيا طرحت نفسها بمثابة «المحامي» عن المرشحين الجدد، وذلك على اعتبار انها هي نفسها قامت باعادة توحيد شطريها، وبانها تستطيع ان تلعب دورا رئيسيا في المجموع الجغرافي الجديد. \r\n \r\n وكانت بريطانيا ميالة ايضا لتوسيع الاتحاد الاوروبي لانها كانت ترى بان ذلك سيؤدي في المنظور البعيد الى اضعاف البنية السياسية المشتركة: كما انه سيؤدي الى دخول بلدان جديدة الى الاتحاد تتقاسم مع بريطانيا الخيارات الاطلسية. وكانت فرنسا من جهتها تأمل بان يكون لها مناطق نفوذ جديدة في شرق القارة مما يغذي حلم القوة لديها وامكانية تشكيل ثقل مقابل للولايات المتحدة الاميركية. \r\n \r\n وكان الغموض موجودا ايضا على جهة «الشرق» اي من جهة البلدان المرشحة للانتساب الى الاتحاد الاوروبي، لكنه كان غموضا يقوم على قاعدة الجهد وعدم المعرفة، لقد بدا الانتساب بمثابة الخيار النهائي للتحرير ولولوج سبيل الديمقراطية وبلوغ الازدهار. \r\n \r\n لقد كان مثل هذا المفهوم مصدرا لسوء الفهم؟ ذلك ان البلدان المرشحة لم تنظر جيدا للمستلزمات التي يرفضها الانتساب وانما بالغت في الوقت نفسه بالمكاسب التي سوف تجنيها من ذلك مباشرة وهذا يعود الى انها دخلت مرحلة جديدة من تاريخها من دون ان تمتلك رؤية واضحة للطبيعة السياسية للمشروع الاوروبي كذلك لم تقم البلدان المرشحة المعنية بخيار واضح بين الحلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي. هذا بالاضافة الى تفضيلها للتضامن الاطلسي. \r\n \r\n لقد أصبح امل الانتساب الى الاتحاد الاوروبي بمثابة دافع لا تمكن مقاومته، بعد ان فشلت «الفيدرالية الاوروبية» واصبح انتساب بلدان اوروبا الوسطى والشرقية للاتحاد بمثابة هدف اساسي اثناء اجتماع للمجلس الاوروبي في كوبنهاغن خلال شهر يونيو من عام 1993، هذا بالاضافة الى مالطة وقبرص. \r\n \r\n وتحددت في ذلك الاجتماع المعايير السياسية والاقتصادية المطلوبة من اجل الانضمام للاتحاد الاوروبي بحيث تمثلت في امتلاك مؤسسات ثابتة وضمان الديمقراطية وسيادة دولة القانون واحترام حقوق الانسان وحقوق الاقليات وقبول اقتصاد السوق القادر على مواجهة ضغوط المنافسة وتلبية الشروط المنصوص عليها في النصوص القانونية الاوروبية. \r\n \r\n ان توسيع الاتحاد الاوروبي ليطال شرق القارة وجنوبها كان مفروضاً إذن كضرورة تاريخية وجيوسياسية أكثر مما هو كمشروع يتفق عليه الجميع وكانوا قد قاموا كلهم بتصميمه. وهذا يشكل مكمن قوته وخصوصيته ولكن ايضاً محدوديته. \r\n \r\n إن المسيرة الطويلة والصعبة التي سبقت القرار النهائي قد عززت من الطموحات بحيث اصبح الدخول الى الاتحاد الاوروبي بمثابة سباق طويل وشاق للحواجز وكانت المجر وبولندا اول بلدين وقعا على اتفاقيات مشاركة مع الاتحاد الاوروبي في شهر ديسمبر من عام 1991، وكانتا ايضا أول من أعلن ترشيحهما للانضمام إليه عام 1994. \r\n \r\n وكان لابد من انتظار شهر ديسمبر 1997 كي تبدأ في اللوكسمبورج مفاوضات انضمام مجموعة أولى من ستة بلدان للاتحاد الاوروبي هي بولندا وهنغاريا وتشيكيا وقبرص وسلوفينيا واستونيا؟ ثم وبعد عامين بدأت المفاوضات حول دخول ستة بلدان اخرى للاتحاد الاوروبي هي ليتونيا ولتوانيا وسلوفاليا ومالطة ورمانيا وبلغاريا. \r\n \r\n هكذا بدأت مفاوضات طويلة حول انتقال اليد العاملة والنقل والامن النووي والامن الغذائي والعدالة والشئون الداخلية وقبل كل شيء الزراعة. وقد تطلب هذا احياناً اضافة (80000) صفحة من التشريعات والتفاسير والقوانين الاوروبية في التشريعات الوطنية لبعض البلدان واصلاح الادارات أو ربما انشاء ادارات جديدة للتماشي مع مستلزمات دولة القانون أو مع اقتصاد السوق. \r\n \r\n وفي شهر ديسمبر من عام 2002 ثم الاتفاق على أن عشرة بلدان تستوفي الشروط المطلوبة للانتساب الى الاتحاد الاوروبي والذي خصص 5,42 مليار يورو لتمويل عملية توسيعه لفترة 2004 2006 وبحيث ينبغي على بلغاريا ورومانيا الانتظار حتى عام 2007 للانضمام للاتحاد. \r\n \r\n النجاح ممكن؟ \r\n \r\n تنبغي العودة للاصول من اجل فهم التناقضات التي تعرفها اوروبا، حتى قبل توسيعها. هذا التوسع غدا بمثابة ضرورة وواجب بعد سقوط الشيوعية ولكن دون ان يتم التأمل فعلياً من الطرفين عما اذا كانت شروط نجاحه متوفرة. لا شك بإن الطريق التي تم قطعها منذ سقوط جدار برلين هي طويلة وان الحماس الذي عرفته البدايات قد خفّ وحيث كان دون شك ايضاً، قد جرى التقليل من حجم الصعوبات. \r\n \r\n ولم تفهم براغ ووارسو وبودابست تصريحات بعض قادة دول الاتحاد الاوروبي الرئيسيين حيال المطالب والآمال الناقصة لاوروبا الموحّدة.. وسرعان ما ساد المنطق السياسي البيروقراطي للمفاوضات من قبل المفوضية الاوروبية، وبعد ان بدت عملية التوسيع في البداية كشعار قوي تحولت سريعاً إلى منفعة لها بالتالي متطلباتها. \r\n \r\n وكانت الحرارة احياناً قوية لدى البلدان المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي على قاعدة عدم ادراكها الحقيقي لما هي عليه اوروبا ولهويتها باعتبارها مجموعة سياسية ونموذجاً اجتماعياً ومنظومة للقيم. ولم تر بها غالبا سوى مشروع اقتصادي وبديل عن النظام السوفييتي السابق. \r\n \r\n ان هذه الامم قد خرجت منذ فترة وجيزة فقط من حربين كونيتين ومن اربعين عاماً من الستالينية وبالتالي لم تعرف الديمقراطية الا قليلاً بينما كانت معاناتها كبيرة، وبالتالي هي متعطشة كحصيلة لهذا كله لاستعادة هويتها والتمتع بسيادتها التي حصلت عليها، الامر الذي يجعلها غير متحمسة لاي اتحاد سياسي، وهناك مأزق آخر ذو طبيعة فكرية ثقافية ويخص الرابطة الاوروبية الاطلسية. \r\n \r\n إن علاقة بلدان اوروبا الغربية مع الولاياتالمتحدة الاميركية هي علاقة معقدة وتقوم على تحالفات مشتركة ولكن على نوع من الحذر ايضاً، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي اعلنت باستمرار تعلقها باستقلالها الذاتي بأي ثمن. اما المشاعر في بلدان اوروبا الشرقية فهي أكثر بساطة ذلك ان الضمانة الامنية التي تقدمها بها القوى الاميركية العظمى هي اكثر طمأنة وفعالية مما هي ضمانة الاوروبيين. هكذا لا يمكن لمسألتي السياسة الخارجية الاوروبية والدفاع الاوروبي ان تكونا بالنسبة لهذه الدول المعنية بعد انضمامها للاتحاد، سوى مسألتين مكملتين وفي حقيقة القول ثانويتين في العلاقة مع الحلف الاطلسي. \r\n \r\n هذه الامور كلها تفسر المناخ الغريب السائد حيال عملية توسيع الاتحاد الاوروبي. الكثير من سوء الفهم ومن خيبات الآمل جاءت كي تشوش المشروع الأوّلي؟ اذ هناك نزعة مزدوجة من «الشك الاوروبي» بعد موجه التضامن التي اعقبت تحرير بلدان اوروبا الوسطى الشرقية من الغير الشيوعي، ان التوسع غداً لدى شرائح كبيرة من مجتمعات اوروبا الغربية مرادفاً لتدفق اعداد اضافية من المهاجرين ومن زيادة عدم الاستقرار على الصعيد الامني ومن عمليات نزوح جديدة ومن تناقص الاموال لدى الفلاحين وكذلك تضاؤل التضامن الاوروبي حيال المناطق التي تواجه صعوبات. \r\n \r\n وعلى جهة الشرق يرى الكثيرون بأن الانضمام للاتحاد الاوروبي يعني بصورة ما، سيطرة بعض البلدان الكبرى، وخاصة فرنساوالمانيا، مع ما يمثل هذا من تهديد للسيادة الوطنية وللهوية. \r\n \r\n ان اوروبا الخمسة والعشرين اعتباراً من الاول من شهر مايو 2004 غدت واقعاًک لكن على خلفية مشاعر يشوبها الحذر. والسؤال هو معرفة اذا كانت سوف تنجح؟ لقد اصبحت بملايينها ال 450 أكبر سوق داخلي في العالم وقوتها الاقتصادية تعادل قوة الولاياتالمتحدة الاميركية، ويمكنها ان تثبت نفسها غداً على الصعيد السياسي. \r\n \r\n كما أن ثروتها الثقافية هائلة ومتنوعة. وسيلحق اقتصاد بلدان اوروبا الوسطى والشرقية المتأخر اقتصاد بلدان اوروبا الغربية المتقدمة بسرعة. ولاشك بان هذا كله يدفع للتفاؤل. فإذا كانت اوروبا قد خشيت باستمرار من عمليات التوسع التي قامت بها كانت المخاوف كبيرة أثناء انضمام اسبانيا والبرتغال للاتحاد الاوروبي فإنها قد نجحت فيها كلها مع ذلك؟ وربما باستثناء واحد يتعلق ب «زواجها غير المكتمل» من بريطانيا، ان القوة التوحيدية الاوروبية سوف تفوز من جديد وذلك في اللحظة التي يلتقي فيها تاريخ اوروبا مع جغرافيتها «كما قال ذات يوم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران. \r\n \r\n التقدم بعيون مفتوحة \r\n \r\n على الرغم من التفاؤل الذي يثيره مشروع التوحيد الاوروبي، فإنه يواجه مع ذلك ثلاثة تحديات رئيسية هي: تحدي العدو وتحدي التنوع وتحدي التضامن. لم يجد اي تحد من هذه التحديات الثلاثة أي حل مع التوسيع الجديد للاتحاد الاوروبي اعتباراً من اول مايو 2004، هذا لا سيما وان هذا التوسيع والى جانب كونه مغامرة انسانية رائعة ورهاناً تاريخياً طموحاً، يحمل بالنسبة لاوروبا خطر ضياع الهوية المشتركة. \r\n \r\n ويمكن لاوروبا الموحّدة ان تشكل امبراطورية جديدة سالمة ومزدهرة ومزودة بقيم قوية ويمكنها ان تكون عنصراً فعالاً في العالم وان تساعد في اعادة انتشار نزعة التعددية وفي اصلاح المؤسسات الدولية لكنها يمكن ان تكون ايضاً مجموعاً سياسياً متراخياً متكونا من امم غير متكافئة فيما بينها وتحمل في طياتها مشاريع متناقضة، هذا فضلاً عن انها منقسمة على الصعيد الاستراتيجي وعاجزة في مواجهة الولاياتالمتحدة الاميركية ومكتفية بالعيش في اطار منطقة شاسعة للتبادل الحر دون رؤية قاعدة مشتركة ودون قدرة على اتخاذ اية قرارات هناك اذن امكانية للوصول الى مثل هذا «السيناريو» أو ذاك؟ \r\n \r\n أو اي «سيناريو» آخر بينهما. وبكل الاحوال من الصعوبة بمكان العودة الى الوراء ولا ينبغي ان يكون التوسيع بمثابة حمل اضافي على أية دولة من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي قد يمكن الحديث طويلاً عن كون ان عملية التوسيع قد جرت دون تعميقها الى درجة كافية. \r\n \r\n \r\n المطلوب اذن هو الترحيب بالاعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي، ودون اي تردد. لكن ينبغي عمل هذا والجميع مفتوحو العيون مع ادراك ان اوروبا تثير من الامل بقدر ما تثير من القلق.. بتعبير اخر يمكن ان تجلب افضل الاشياء أو اكثرها سوءاً وتبقى الخطوة الاولى في النجاح هي اصلاح المؤسسات الاوروبية في سبيل اصلاح اوروبا الموحدة نفسها. \r\n \r\n