قراءة متأنية من جانبي بشأن سياسة الدولة المصرية، في التعامل مع الأشقاء العرب، ملخصها في جملتين : لم الشمل والارتفاع فوق الخلافات. وأتذكر جيدا أن الرئيس السيسي التقى فى السنوات السابقة ثلاث مرات وزراء الإعلام العرب وأعضاء اتحاد الصحفيين العرب، وسمعوا منه أحاديث محترمة لزعيم عربى، يؤمن بالعروبة والعمل العربي المشترك، ويرفض التدخل فى شئون الغير ، ولا يقبل التدخل في الشأن المصري، ويرى فى وحدة الصف العربى قوة لا يستهان بها. ومنذ تولى الرئيس الحكم ، لم يتحدث فى حق دولة عربية أو حاكم عربى إلا بالخير، ولم تتلوث الايدى المصرية بنقطة دماء عربية واحدة ، ولم تدس أنفها فى النزاعات الدائرة هنا وهناك. وملخص الرؤية فى علاج الأزمات هى ضرورة استرداد الدولة الوطنية، باعتبارها المظلة الجامعة للشعوب، والإطار الذى يعيد للجيوش الوطنية دورها فى حماية الأوطان، بعيداً عن الميليشيات والفوضى والحروب الأهلية، والتجارب المأساوية التى مرت بها المنطقة أكدت أن غياب الدولة الوطنية هو الباب الواسع لانهيار المجتمعات، وأن استعادتها هو الطريق الآمن للسلام والتنمية. وفى ملف القضية الفلسطينية تلعب مصر الدور الرئيسى فى مواجهة محاولات إسرائيل على مدار السنوات الأخيرة تصفية القضية عبر سياسات التهجير وفرض الأمر الواقع، وأعادت مصر إحياء القضية فى وجدان الأمة وفى ضمير المجتمع الدولى ، وكانت القاهرة الصوت الأعلى الذى يذكّر العالم بقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين كخيار وحيد لتحقيق السلام العادل، وبحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. لقد بعثت مصر الأمل فى نفوس الفلسطينيين، وأكدت لهم أن قضيتهم ليست وحدهم، بل هى قضية العرب جميعاً والإنسانية كلها. واتسمت السياسة المصرية بالهدوء والعمق والحكمة، وابتعدت عن الانفعال والقرارات المتسرعة، فى زمن الارتباك والملفات المتشابكة وفى الوقت الذى انحاز فيه الغرب لإسرائيل تحت ذريعة «الدفاع الشرعى عن النفس»، كان صوت مصر يعلو فى المحافل الدولية مدافعاً عن الحق الفلسطيني، كاشفاً زيف الادعاءات، ومذكراً العالم بالعدالة الإنسانية التى لا يجوز أن تخضع لمعايير مزدوجة. وما يميز مصر فى إدارتها لهذه الملفات الشائكة هو أنها لا ترفع شعارات ولا تختار الصمت، بل تتحرك بوعى ومسئولية، فتفتح قنوات الحوار وتجمع الفرقاء على طاولة واحدة، وتقدم المبادرات العملية التى تترجم ضميرها الحى وتاريخها العريق فى الدفاع عن فلسطين ، إنها سياسة تستند إلى الشجاعة والوطنية، لا إلى المزايدات أو المكاسب الضيقة. وأثبتت التجربة أن مصر حين تتحدث، فإنها تفعل ذلك من موقع الثقل التاريخى والجغرافى والسياسي، فهى ليست مجرد دولة، بل هى قلب العالم العربى وركيزته الأساسية. وفي ظل ما يشهده العالم من استقطاب حاد وتداخل مصالح وصراعات كبرى، تظل مصر عنواناً للحكمة وصوتاً للعقل، وتحرص على أن تظل بوصلتها منحازة للحق والعدالة، مؤمنة بأن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر الحوار، وان السلام لا يقوم إلا على أسس عادلة.