وجاء زعماء الغرب إلى مصر فى أكتوبر الماضى بوعود وإغراءات وضغوط، وتوهموا بأنهم يقدمون حلاً سحرياً لإسرائيل، للتخلص من حماس بالتهجير إلى سيناء، فأدركوا منذ اللحظة الأولى أنهم يواجهون زعيماً مصرياً وطنياً على رأس المؤسسة العسكرية العظيمة، التى حررت سيناء مرتين بالدماء والتضحيات، من إسرائيل ومن الإرهاب. ولم يتغير الموقف، بل ازداد صلابة وإصرارًا، وأكده الرئيس السيسى للعالم كله، مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، وسيناء لن تطأها أقدام غير مصرية. وواجه الغرب زعيماً وطنياً استطاع أن يعبر بالبلاد من الفوضى إلى الاستقرار، ومن الجحيم العربى إلى الخلود المصرى.. ومن مؤامرات التفكيك إلى دولة القوة والتنمية والبناء. هذه هى الظروف التى صاحبت أحداث غزة، واتسمت المواقف المصرية بالوضوح الذى لا يقبل التأويل، فمصر هى التى قدمت أكبر قدر من المساعدات لأهالى غزة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، وبذلت جهوداً كبيرة لإدخالها عبر منفذ رفح، ووقف المصريون جميعاً خلف زعيمهم فى مبادراته الإنسانية لوقف النزيف الدموى الرهيب، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية. ومصر هى التى أعادت من جديد إحياء القضية، التى حاولت إسرائيل إنهاءها وتصفيتها والقضاء عليها بمؤامرة التهجير الساذجة، وأعادت تذكير العالم بقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين وإحياء الأمل فى نفوس الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة. واتسمت الرؤية المصرية بالعمق والحكمة والهدوء والبعد عن الانفعال والقرارات المتسرعة، رغم تعقيدات الأزمة واستفزازات بعض الأطراف. وارتفع صوت مصر عالياً أمام العالم كله، خصوصا قادة وزعماء الغرب، الذين ضربوا بالعدالة الإنسانية والشرعية الدولية عرض الحائط، وهم يدافعون عن إسرائيل، تحت مظلة كاذبة اسمها الدفاع الشرعى عن النفس. وطرح الرئيس منذ بداية الأزمة أفكاراً جديدة، ساهمت فى تغيير مواقف الدول الأوروبية المنحازة لإسرائيل، لتصبح أكثر اعتدالاً وقبولاً للطرح المصرى. فى كل مرة يتم الحديث فيها عن السلام تهدأ الأمور قليلاً ثم يعود الصراع أشد مما كان، وهذا ما يحدث مع التهدئة الحالية، وجهود مصر بأن تؤدى إلى وقف إطلاق النار، وأصبح العالم كله - إلا إسرائيل - مقتنعاً برفض التهجير القسرى، نتيجة الموقف المصرى الحازم والمبنى على أسباب واقعية ومقنعة، وآخرهم الرئيس بايدن الذى يؤكد رفضه التام للتهجير القسرى. وأسفرت الجهود المصرية عن وضع المجتمع الدولى أمام مسئوليته تجاه تهديدات نتنياهو، والدعوة لوقف لإطلاق النار وبدء الإعمار، ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وظل الموقف المصرى قويًا وصلبًا، ويؤكد الرئيس السيسى لقادة وزعماء العالم أن الحل لن يكون فى التهجير وتوسيع نطاق الصراع ولا بديل عن حل الدولتين. وبقراءة متأنية للتصريحات المصرية، التى تتسم بالعمق والهدوء، فكل الشواهد تؤكد دراسة كل الاحتمالات تبعًا لتطورات الأحداث، وتحذير إسرائيل بشدة من التداعيات الخطيرة للاقتحام، واقتصار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلى على الهدنة ووقف الحرب، ولم تتناول مسألة التهجير المرفوضة تمامًا. المأساة لا يتم علاجها بمأساة أكبر لسكان غزة الذين مر عليهم الشتاء القاسى، وما أدراك ما برد الصحراء والجوع والمرض والأوبئة وأهوال القصف بكل أنواع الأسلحة، ويواجهها أهل غزة بجلد وصبر تحت غارات الطيران والصواريخ والدبابات والأسلحة المحظورة دوليًا، التى تستهدفهم ومدنهم وشوارعهم وبيوتهم، فلم يكن أمامهم إلا الصبر على غارات الموت والحياة البائسة.