فى القمة العربية الإسلامية بالرياض، اختار الرئيس السيسى أن يخاطب أصحاب الضمائر الحرة فى العالم عن جدوى أى حديث عن العدالة والإنصاف، فى ظل إراقة يومية لدماء الشعب الفلسطينى، الأطفال والنساء والشيوخ ، ووضع مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق، وعدوان غير مقبول على الأراضى الفلسطينية واللبنانية، يضع النظام الدولى بأسره على المحك. وتميز الموقف المصرى منذ اندلاع الأزمة بالواقعية الشديدة ولم ينقطع يوما طرح الأفكار، وعكست مبادرات الرئيس منذ بدء الأزمة النفاذ المباشر إلى قلب المشكلة، والسعى نحو الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، ووضع حد للمعاناة المستمرة منذ أكثر من 75 عاماً، وإسرائيل تذبح وتهدم وتغتال وتحفر المقابر الجماعية، والشعب الفلسطينى صامد ولم يتنازل عن قضيته وحقه فى إقامة دولته المستقلة. مصر التى تحملت مسئولية إطلاق مسار السلام فى المنطقة منذ عقود، وحافظت عليه رغم التحديات العديدة، وما زالت متمسكة بالسلام كخيار إستراتيجى، السلام القائم على العدل، واستعادة الحقوق المشروعة، والالتزام الكامل بقواعد القانون الدولى. ورئيس مصر يتحمل كثيرا، ويتحلى بأقصى درجات الصبر والأمانة وهو يدير ملفات شائكة وفى غاية الصعوبة، والظاهر منها أقل بكثير مما فى الخفاء، فى عالم السياسة الملىء بالحيل والمناورات والمؤامرات. وأغلقت مصر منذ البداية ملف التهجير القسرى ، وواجه الرئيس كل قادة العالم سواء الذين حضروا إلى مصر بعد السابع من أكتوبر ومن خلال الموقف الحازم، وبعبارة قاطعة لا تقبل التأويل «لن نسمح ولن نناقش ولن نقبل أى حديث بشأن التهجير، سيناء خط أحمر، ولن تكون موضوعاً لأى مباحثات». واتسمت الرؤية المصرية بالعمق والحكمة والهدوء والبعد عن الانفعال والقرارات المتسرعة، رغم تعقيدات الأزمة واستفزازات بعض الأطراف. مصر هى دولة الجوار، وتتحمل الأعباء الكبيرة للقضية، ولم تتخل يوماً عن التزاماتها، ومواقفها الثابتة التى تصب فى صميم الأمن القومى العربى، ومخطئ من يتصور أنه بعيد عن الخطر. رسائل شديدة اللهجة إلى إسرائيل لم تنقطع يوما بأنها لن تنعم بالأمن والسلام والاستقرار والعلاقات الطبيعية فى المنطقة، إذا لم تتوقف الحرب، وتستجب لرغبة العالم كله بحل قيام الدولتين. وارتفع صوت مصر عالياً أمام العالم كله ، خصوصا بعض قادة وزعماء الغرب، الذين ضربوا بالعدالة الإنسانية والشرعية الدولية عرض الحائط، وهم يدافعون عن إسرائيل، تحت مظلة كاذبة اسمها الدفاع الشرعى عن النفس. لا يخفى أن بعض الدول كانت تريد إصدار قرارات غير قابلة للتنفيذ، بهدف اللعب على مشاعر الجماهير العربية والإسلامية، مع أن المشاعر الغاضبة وصلت ذروتها، بفعل وحشية إسرائيل وهمجيتها فى غزة، ولم تتطلب سوى التوصل الى قرارات واقعية ، ورسائل محددة الى الرئيس الامريكى الجديد. وهذا هو موقف مصر فى تحذير المجتمع الدولى من مغبة عدم تحقيق الأمن والسلام لأجيال جديدة تولد فلا تجد حولها إلا العداء والكراهية ، فالسلام الحقيقى لا يتحقق بإغتصاب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وإنما بفتح أبواب الأمل .