كما أنه ليس قائماً بين أوروبا القديمة وأوروبا الجديدة، على حد وصف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، بسبب الخلاف الذي نشأ بين الدول الشرقية المنضمة حديثا إلى الاتحاد الأوروبي والمؤيدة للمخططات الأميركية بشن الحرب على العراق، والدول المؤسسة للاتحاد كفرنساوألمانيا وبلجيكا التي عارضت الحرب بقوة. ومما لاشك فيه أن رامسفيلد حين تحدث عن ''أوروبا الجديدة'' التي تتطلع إلى المستقبل فإنما كان يقصد الأولى التي تجد نفسها في مواجهة ''أوروبا القديمة'' التي عليها في نظره أن تتنازل عن الزعامة. كلا، فإن كان ثمة فعلا أوروبتان فهما أوروبا المؤسسات التي تجتاز أزمة حقيقية حاليا، وأوروبا المشروعات التي تواصل حصد النجاح تلو الآخر. \r\n علينا أن نقر بأن أوروبا المؤسسات تشهد أزمة حادة حالياً، فقد نشأت بين الدول الأعضاء مؤخراً خلافات كثيرة استغرقت وقتاً طويلا قبل أن تتمكن في الأخير من الاتفاق على ميزانية الاتحاد، كما أن مبدأ التضامن يبدو أنه آخذ في التراجع كلما توسع الاتحاد الذي غدا يضم اليوم 25 دولة عضواً، ذلك أن الجو والشعور المشترك بالانتماء لم يعودا بالقوة التي كانا عليها عندما كان الاتحاد يقتصر على 6 دول أو 12 دولة. ثم إن مشروع الدستور الموحد ووجه برفض خلال الاستفتاءين اللذين نظما في كل من فرنسا وهولندا. ولئن حظي بالموافقة في بعض الدول، فذلك فقط لأن الناس في تلك الدول واعون (باستثناء أسبانيا ولوكسمبورج) بأنه مازال أمامه حاجز البرلمان قبل تبنيه. كما يشير عدد من المؤشرات إلى أنه لو تم عرض مشروع الدستور الموحد على استفتاء شعبي في ألمانيا لكان لقي المصير نفسه الذي لقيه في فرنسا وهولندا، هذا في حين لم يشأ البريطانيون عرضه على الاستفتاء. لكن بالمقابل، لا أحد يمكنه نفي حقيقة أن أوروبا المشاريع تحقق نجاحاً لافتا على صعيد التعاون الاقتصادي والصناعي. \r\n في الثامن والعشرين من ديسمبر، تم إطلاق الصاروخ الروسي ''سويوز'' من قاعدة ''بايكونور'' لوضع جهاز في المدار بهدف اختبار قدرات ''غاليليو''، وهو اسم المشروع الأوروبي الذي يتيح تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية، وذلك تحت إشراف وكالة الفضاء الأوروبية، وهي هيئة مدنية. وإلى جانب الدول الأوروبية، تشارك الصين في هذا المشروع الذي ينتظر أن يضع حداً لاحتكار النظام الأميركي ''جي بي إس'' (نظام تحديد المواقع) الذي يشرف عليه البنتاغون، حيث يعد ال''جي بي إس'' حالياً النظام الوحيد في العالم الذي يسمح بإرشاد السفن والطائرات والسيارات، بل وحتى الأشخاص. غير أنه ينتظر في أفق 2010 أن يسمح نظام ''غاليليو'' بفضل أقماره الاصطناعية الثلاثين تحديد المواقع بدقة أفضل ب10 مرات من نظيره الأميركي ''جي بي إس''. \r\n حينها يرتقب أن يصبح ندا قويا على الصعيد الاقتصادي ل''جي بي إس''، طامحاً إلى أن يحذو حذو طائرة ''إيرباص'' التي أثبتت تفوقها على طائرة ''بوينج''، علما بأنها انطلقت متأخرة ولكنها تمكنت من تدارك الوقت الضائع والتفوق على منافستها الأميركية. ومما يجدر ذكره أن حجم الاستثمار في مشروع ''غاليليو'' يقدر بما لا يقل عن 3,8 مليار دولار، في حين يتوقع أن يبلغ رقم معاملات السوق العالمية لتحديد المواقع بالأقمار الاصطناعية ب250 مليار يورو خلال ،2020 حيث يتوقع أن يشهد الإقبال على هذه الخدمات تزايداً كبيراً. \r\n وعلاوة على ذلك، زكى صاروخ ''آريان'' حقيقة أن أوروبا المشاريع الفضائية تستطيع أن تكون نداً قوياً في الميدان المدني للولايات المتحدة، وتضم شركة ''إيرباص'' حاليا تشكيلة كاملة من الطائرات، ينتظر أن تتعزز بانضمام طائرة إيرباص 380 التي ستصبح أكبر طائرة نقل مدني في العالم، كما أن الإقبال على شرائها ما انفك يتزايد. وبلغة الأرقام، تمكنت شركة ''إيرباص'' من بيع 370 طائرة سنة ،2005 مقابل 290 طائرة لشركة بوينج. \r\n إلى ذلك، ما فتئت أوروبا تحرز تقدما ملموسا في مجالي الطاقة والبحوث النووية في وقت يتزايد فيه القلق إزاء ارتفاع حرارة كوكب الأرض والاحتباس الحراري. وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد أولت أهمية كبيرة لشبكة الطرق البرية، فإن أوروبا آثرت أن تضع نصب أعينها تطوير القطارات السريعة وتعزيز شبكتها على الصعيد الأوروبي بهدف تقريب المسافات. \r\n أما بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات الحديثة، فإن أوروبا بصدد تدارك تأخرها في ما يخص البحث العلمي والتجهيزات. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تسجل تقدما واضحا في مجال التكنولوجيا البيولوجية، فإنه من غير المؤكد أن تخلو جهودها الرامية إلى تطوير المواد المعدلة جينيا من العراقيل. وبخصوص العملة الأوروبية الموحدة ''اليورو''، التي شكك الكثيرون في آفاقها، تجد الإقبال على استعمالها يزداد يوماً بعد يوم من قبل البنوك المركزية غير الأوروبية، ما دفع عدداً من المراقبين إلى توقع أن يصبح اليورو بديلاً للدولار في حال فشلت الولاياتالمتحدة في تقليص عجزها. وفي مجال الدفاع، شهد عدد من شركات صناعة الأسلحة عمليات إعادة الهيكلة عبر عمليات الاندماج التي سمحت بتعزيز مكانتها في السوق العالمية. \r\n والواقع أن قائمة الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما انفكت تكبر، ويبدو أن أوروبا تحظى بشعبية خارج دول الاتحاد أكثر من الداخل. وبالتالي، فمن الضروري تجاوز فشل مشروع الدستور الأوروبي الموحد، والنظر إلى المستقبل ومحاولة إيجاد بديل له. ولكن يبدو في الوقت الراهن على الأقل أنه لا المفوضية الأوروبية ولا أي قائد أوروبي يستطيع إعادة بعث الحياة في مؤسسات الاتحاد من جديد. \r\n