غرفة عمليات محافظة البحر الأحمر: اليوم الاول من انتخابات النواب مر دون معوقات أو شكاوى    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز والسلع الغذائية ب أسواق الشرقية اليوم الثلاثاء 11-11-2025    أسعار الطماطم والبطاطس والفاكهة في أسواق الشرقية اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    سوريا تنضم إلى تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش    بينها حالات اغتصاب.. نزوح جماعي وانتهاكات بحق النساء في الفاشر (تفاصيل)    العراقيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    وزير العمل يتابع حادث انهيار سقف خرساني بالمحلة الكبرى.. ويوجه بإعداد تقرير عاجل    بسمة بوسيل تقف إلى جانب آن الرفاعي بعد طلاقها من كريم محمود عبد العزيز    أسرة الراحل إسماعيل الليثى تنتظر الجثمان أمام كافيه ضاضا وتؤجل العزاء إلى غد.. وعمه يطالب جمهوره بالدعاء له بالرحمة.. وجيران الليثى: كان بيساعد الناس.. أطفال: كان بيشترى لينا هو وضاضا كل حاجة حلوة.. فيديو    بتوقيع عزيز الشافعي...بهاء سلطان يشعل التحضيرات لألبومه الجديد بتعاون فني من الطراز الرفيع    طبقًا لإرشادات الطب الصيني.. إليكِ بعض النصائح لنوم هادئ لطفلك    موعد مباراة السعودية ضد مالي والقنوات الناقلة في كأس العالم للناشئين    «متحف تل بسطا» يحتضن الهوية الوطنية و«الحضارة المصرية القديمة»    أبرزها "الست" لمنى زكي، 82 فيلما يتنافسون في مهرجان مراكش السينمائي    ترامب: ناقشت مع الشرع جميع جوانب السلام في الشرق الأوسط    سلطنة عمان تشارك في منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2025 وخطوات استخراجها مستعجل من المنزل    بكين ل الاتحاد الأوروبي: لا يوجد سوى صين واحدة وما يسمى ب «استقلال تايوان» محاولات فاشلة    أسامة الباز.. ثعلب الدبلوماسية المصرية    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    إصدار تصريح دفن إسماعيل الليثى وبدء إجراءات تغسيل الجثمان    يمهد الطريق لتغيير نمط العلاج، اكتشاف مذهل ل فيتامين شائع يحد من خطر النوبات القلبية المتكررة    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    أمطار على هذه المناطق.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    وزارة الداخلية تكشف ملابسات واقعة السير عكس الاتجاه بالجيزة    انهيار جزئي لعقار قديم قرب ميدان بالاس بالمنيا دون إصابات    الحوت، السرطان، والعذراء.. 3 أبراج تتميز بحساسية ومشاعر عميقة    ريم سامي: الحمد لله ابني سيف بخير وشكرا على دعواتكم    التعليم تعلن خطوات تسجيل الاستمارة الإلكترونية لدخول امتحانات الشهادة الإعدادية    أسعار العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    مع دخول فصل الشتاء.. 6 نصائح لتجهيز الأطفال لارتداء الملابس الثقيلة    أهمهما المشي وشرب الماء.. 5 عادات بسيطة تحسن صحتك النفسية يوميًا    النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    نيسان قاشقاي.. تحتل قمة سيارات الكروس أوفر لعام 2025    بسبب خلافات الجيرة.. حبس عاطل لإطلاقه أعيرة نارية وترويع المواطنين بشبرا الخيمة    استغاثة أم مسنّة بكفر الشيخ تُحرّك الداخلية والمحافظة: «رعاية وحماية حتى آخر العمر»    بعد لقاء ترامب والشرع.. واشنطن تعلق «قانون قيصر» ضد سوريا    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    مشهد إنساني.. الداخلية تُخصص مأمورية لمساعدة مُسن على الإدلاء بصوته في الانتخابات| صور    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    تجنب المشتريات الإلكترونية.. حظ برج القوس اليوم 11 نوفمبر    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    لماذا تكثر الإصابات مع تغيير المدرب؟    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقوع الولايات المتحدة في التجربة الامبريالية
نشر في التغيير يوم 14 - 02 - 2005

أن هذا التغني بالعظمة يعطي فكرة عن الغبطة الإمبريالية التي استحوذت على اليمين الاميركي منذ انتهت الحرب الباردة وكلما ابتعد بنا الزمن عن الثمانينات يوم كان كتّاب مثل بول كينيدي يظنون أنهم تمكنوا من تبيّن قرائن بنيوية على ضيق مجال الهيمنة الأمريكية.
\r\n
\r\n
ولم يعد المجال يضيق بهذه الهيمنة، فالولايات المتحدة باتت منذ العام 1991 تحتل موقعا فريدا لا مثيل له في التاريخ الحديث. وهي، وبعكس الإمبراطورية البريطانية التي واجهت في أواخر القرن التاسع عشر بروز المنافس الألماني، لا تواجه أي خصم استراتيجي قادر في المدى المنظور على الإخلال بالتوازنات الكبرى. زد على ذلك أن منافسيها الاقتصاديين الرئيسيين، من أوروبيين ويابان هم حلفاء استراتيجيون لها. وعلى الصعيد السياسي فقد تمددت دائرة سيطرتها كما اتسع أمامها هامش المناورة، فيما على المستوى الاقتصادي هي تحدد القواعد والمعايير وفرائض النظام الدولي [4] .
\r\n
\r\n
وقد أصبح الحفاظ على الوضع الراهن الهدف الأول للسياسة الخارجية الأمريكية منذ العام 1991، لكن يجري تطويع هذا الهدف في أشكال متفاوتة بحسب الطابع التعاوني أو القسري للوسائل المعتمدة. ففيما أعطت إدارة كلينتون الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية وفي بعض الحالات للتعاون المتعدد الطرف، تنزع الإدارة الجديدة الى مزيد من التوسع في حدود الهيمنة الأمريكية عبر القوة والتصرف من جانب واحد.
\r\n
\r\n
فما كاد يمضي ستة اشهر على تولي السيد جورج دبليو بوش وفريقه السلطة، حتى أفسدوا الى أبعد حد العلاقات الثنائية مع الصين، وأخلوا بمعاهدة نزع الأسلحة الباليستية عندما قرروا تطوير نظامهم المضاد للصواريخ، وأعلنوا رغبتهم في عسكرة الفضاء الخارجي ورفضوا بروتوكول كيوتو حول البيئة، وعطلوا عمل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمراقبة الجنات الضرائبية، وأعلنوا بكل وضوح أنهم، في مجال خلافهم مع الاتحاد الأوروبي حول ضرائب \"الأوفشور\" الموضوعة على الشركات الأمريكية، سيتحدّون جهاز تسوية الخلافات التابع لمنظمة التجارة العالمية اذا ما أقر معاقبتهم [5] . وتعمل إدارة بوش حاليا على إفشال محكمة العدل الدولية التي التزم بها أخيرا الرئيس بيل كلينتون [6] .
\r\n
\r\n
ويوما بعد يوم تطول لائحة هذه \"التصرفات المحرقة\"، اذا ما استعنا بالعبارة الموحية التي استخدمها ستانلي هوفمان، من جامعة هارفرد. فهم يعبرون عن رغبة متماسكة في صون العمل من طرف واحد وعن رفضهم رؤية السيادة الأمريكية مطوقة، وإن من أدنى الدرجات، بواسطة الاتفاقات المتعددة الطرف والقانون الدولي. ففي مجلس خاص، أكد أخيرا السيد جون بولتون، المساعد الجديد للسيد كولن باول في الشؤون الخارجية أن \" لا وجود للقانون الدولي\".
\r\n
\r\n
ولفهم هذا الارتداد الى سياسة الطرف الواحد، يجب العودة الى الوراء. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان أمام الولايات المتحدة العديد من الخيارات الاستراتيجية الكبرى التي يمكن اختصارها في ثلاثة، أولها إيلاء الأهمية للتعاون والسياسة المتعددة الطرف من زاوية الإدارة المشتركة لنظام عالمي كان مقبلا على تعددية القطب وإحلال السلام (بين الدول الرئيسية). وثانيها اعتماد سياسة توازن القوى الكلاسيكية الشبيهة بسياسة بريطانيا الكبرى في القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر. وثالثها ترسيخ سياسة القطب الواحد عبر \"استراتيجيا التفوق\" كما يتمنى السيد هلمز وأصحابه. أما الخياران فهما يحتملان إمكانيات الدمج كما تبين من عملية دوزنة التعاون والضغط التي اعتمدت منذ العام 1989 في إدارة العلاقات الثنائية مع الصين. لكن قواعد القوة والضغط أخلت الساحة كليا أمام الخيار الثالث.
\r\n
\r\n
وقد صيغت استراتيجيا التفوق المزعومة هذه في أروقة البنتاغون في العام 1992 في تقرير سري عنوانه \"ديفانس بوليسي غيدنس\" (ترشيد السياسة الدفاعية)، أعده كل من بول وولفويتز وآي. ليويس ليبي، وهما اليوم على التوالي مساعد وزير الدفاع ومستشار الشؤون الأمنية لدى نائب الرئيس ديك تشيني، وفي سياق النص توصية \"بمنع أي قوة عدوة من السيطرة على مناطق ذات موارد قد تساعدها في احتلال موقع القوة الكبرى\" و \"بإحباط أي محاولة من الدول الصناعية المتطورة لتحدي زعامتنا أو لقلب المعادلة السياسية والاقتصادية القائمة\" و \"بالتحسب لبروز أي منافس على الصعيد العالمي مستقبلا [7] \". وهذه التوصيات كتبت في عز \"الزمن الأحادي الطرف\" بعد قليل من سقوط الاتحاد السوفيتي والحرب ضد العراق.
\r\n
\r\n
ولهذا الأمر التفصيلي أهميته ذاك أن حرب الخليج قد أدت دورا حاسما في إعادة استنفار القوات المسلحة الأمريكية. فقد بررت التمسك بالموازنة العسكرية المرتفعة وشرعت الحفاظ على الجزر العسكرية التابعة للولايات المتحدة في أنحاء العالم، أي على الشبكة العالمية لقواتها المسلحة، تلك الشبكة التي باتت توجه ضد \"الدول المارقة\" القادرة بحسب زعمهم على تهديد التوازنات الاستراتيجية الإقليمية. ففي شباط/فبراير من العام 1991 اعتبر السيد تشيني، وزير الدفاع آنذاك أن هذه الحرب هي بمثابة \"تجربة نموذجية مسبقة لنوع الصراعات التي يمكن أن تواجهنا في العصر الطالع[. . . ]. فإضافة الى جنوب غرب آسيا، إن لنا مصالحنا المهمة في كل من أوروبا وآسيا والمحيط الهادىء وأميركا اللاتينية والوسطي، فعلينا أن نقدر سياساتنا وقواتنا بشكل يسمح بردع على مثل هذه التهديدات الإقليمية في المستقبل أو بالفضاء سريعا [8] \"
\r\n
\r\n
وفي الإجمال فان هذه الحرب قد أنقذت البنتاغون والمركب الصناعي العسكري القلقين إزاء الخطة الرامية الى عمليات تسريح واسعة في قطاع الجيش والناشئة طبعا عن زوال الاتحاد السوفيتي. لكن، كما أكّد في حينه روبرت تاكر وديفيد هندريكسون، إذا كان \"البرهان على أن القوة العسكرية تبقى دائما ذات مغزى في العلاقات بين الدول\" فان البعض \"في الولايات المتحدة قد رأى فيها ضربة قاسية، وربما قاضية، ترفع في وجه التطلع الى عالم متعدد القطب\". فقد تبين أثناء الحرب أن المنافسين الألماني والياباني، المحدودي السيادة، \"مرتهنان أكثر من أي وقت للقوة العسكرية الأمريكية [9] \".
\r\n
\r\n
خلال ولاية كلينتون وضعت استراتيجيا التفوق في الثلاجة، إذ انه أولى اهتمامه لمتابعة المصالح الوطنية عبر المؤسسات المتعددة الطرف (الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، ولنقل اتفاقا) ولتنفيذ استراتيجيا ليبيرالية على المستوى الدولي تمحورت حول مبدأ الشمولية الذي حقق نجاحات مهمة إذا ما نظرنا في ما أتى به من مكاسب.
\r\n
\r\n
وإذا كان جميع الرؤساء الأمريكيين بعد العام 1945، من هاري ترومان الى جورج بوش(الأب) هم \"رؤساء حرب\" بحسب تعبير المؤرخ رونالد ستيل، فقد توافر للسيد كلينتون أن يسلك طريقا آخر. ففي عهده انتقل المركز المحوري للحكم عمليا الى حد ما، من جهاز الأمن القومي الى وزارة المال والمجلس الجديد للأمن الاقتصادي في البيت الأبيض. وقد فرض بعض كبار رجال المال من أمثال السيد روبرت روبن أنفسهم في قيادة السياسة العالمية، منظمين السياسة الشمولية ومديرين أزماتها. وكان الرئيس أساسا قد أعلن في العام 1992، حتى قبل ترشحه، أن عملية تحرير الاقتصاد والمبادلات التجارية ستكون من الآن وصاعدا الوسائل المفضلة للدبلوماسية الأمريكية، وقد تجسد هذا الخيار في معاهدة التبادل الحر مع المكسيك وكندا في العام 1993، وفي الموافقة على إنشاء منظمة التجارة العالمية في العام 1994، وفي تحرير أسواق المال في شرق آسيا وفي سياسة \"الالتزام\" مع الصين وروسيا.
\r\n
\r\n
وقد كان من المنطقي تقديم الاقتصادي على الاستراتيجي، فإذا كانت المواجهة الثنائية القطب قد بررت أربعين سنة من الاستنفار العسكري، فان زوالها فتح الطريق أمام قلب الأولويات، وكان على الدولة أن تغير من أشكال تدخلها لتواكب انفتاح الصين وتستفيد منه، ومن التطور اللامع في الاقتصاديات الناهضة في شرق آسيا ومن عمليات التحول الجارية في أوروبا الوسطي والشرقية. في شكل من الأشكال كان على دولة الأمن القومي أن تخلي الساحة \"للدولة الشمولية\".
\r\n
\r\n
وقد أكد السيد ستيف كليمونز، مدير مؤسسة الأبحاث السياسية الخاصة باليابان، أن الرئيس كلينتون، باقتراحه قلب الأولويات، \"طرح على بساط البحث مسألة الحاجة الى وجود البنتاغون وبنية الأمن القومي الخاصة بالحرب الباردة\". ولأنه كان يؤيد عملية تسريح عسكرية ملموسة \"فقد كانت علاقاته بالجنرالات منذ البداية سيئة جدا\". وفي الواقع كان قد أعلن في العام 1993، بلسان وزير دفاعه السيد لس آسبن عزمه على إعادة النظر في مسألتين رئيستين في سياسة أسلافه الدفاعية، الأولى هي التوجه المعروف \"بالقوة الأساسية\" التي يقول بها السيد كولن باول، وتعني القدرة على خوض حربين إقليميتين كبيرتين في الوقت نفسه، والثانية هي برنامج تطوير الأسلحة الباليستية الذي أطلق في عهد السيد رونالد ريغان. وحتى أن السيد آسبن كان قد تحدث عن \"انتهاء عصر حرب النجوم\".
\r\n
\r\n
غير أن هذه المبادرات لم تنجح. فقد اضطر السيد كلينتون الى الرضوخ بعد بضعة أشهر أمام المقاومة الشرسة من جانب المركب الصناعي العسكري الذي كان يناصبه العداء أساسا، وبالتحديد بسبب معارضته حرب فيتنام يوم كان طالبا في لندن. وبسبب تضافر ضعفه السياسي والشخصي خسر معركتيه الأوليين مع البنتاغون، إذ أهمل اقتراحه بقبول المثليي الجنس في الجيش، وتم إبقاء توجه \"القوة الأساسية\" ( والمثير للسخرية أن الجمهوريين الذين وضعوه يعيدون النظر فيه اليوم). وقد أوضح السيد لورنس كورب العضو في مجلس العلاقات الخارجية أنه \"ابتداء من تلك اللحظة قرر السيد كلينتون أن يساير البنتاغون في توجهاته\". وهكذا في العام 1994، أبقي على الرقم المخصص لوزارة الدفاع 280 مليار دولار، أي ما يعادل 88 في المئة من معدل موازنة الحرب الباردة ما بين 1975 و1989، ثم راح يرتفع على مدى ست سنوات لتبلغ الزيادة في العام 1998، 112 مليار دولار، وذلك تحت ضغط مجلسي النواب والشيوخ الذي سيطر عليه الجمهوريون ابتداء من العام 1994.
\r\n
\r\n
ومن تنازل الى تنازل، أعطى السيد كلينتون البنتاغون كل ما أراده تقريبا. وهذا لم يمنع \"الخبراء\" الجمهوريين من إثارة جدل حاد حول سياسته الأمنية والدفاعية. وإذ انضم إليهم الكونغرس بعد العام 1994 قاد هؤلاء حملة فيها من التجريح والخبث على حد سواء متهمين الرئيس بتعريض \"الأمن القومي\". ومن بين الأمثلة الكثيرة على ذلك ما قالته يومها السيدة غوندوليزا راس، المستشارة الحالية لدى السيد بوش لشؤون الأمن القومي، من أن السيد كلينتون قد حول قوات الجيش الاميركي \"عمالا اجتماعيين\" وانحدر بهم الى حال عجز شبيهة بحال العام [10] 1940! والمثير أيضا للاستغراب أن السيدة ليندا تريب، التي كانت في أساس فضيحة مونيكا ليوينسكي، كانت موظفة مدنية في البنتاغون، وقد اتهمتها السيدة هيلاري كلينتون ب \"التآمر مع اليمين المتطرف\".
\r\n
\r\n
وإذا كان السيد كلينتون لم يعرف أو لم يستطع تطويع البنتاغون فإننا نشهد الآن مع السيد جورج دبليو بوش عودة قوية لدولة الأمن القومي. وبعكس إدارة كلينتون فان رجالات الحرب والمخططين المدنيين والعسكريين هم الذين يتولون الآن مواقع القرار من أمثال السادة ديك تشيني وكولن باول ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز وريتشارد ارميتاج وجيمس كيلي وآي. لويس ليبي وجون نغروبونتي [11] ، الذين شغلوا مع غيرهم جميعا مناصب أمنية بارزة في دوائر الدفاع أو المخابرات خلال الحرب الباردة و/أو خلال مرحلة التحول السوفيتي والحرب ضد العراق. فالسيد نيغروبونتي مثلا كان أحد الرجالات الأساسيين في الحرب \"السرية\" التي شنت ضد الثوار الساندينيين في نيكاراغوا. والسيد جيمس كيلي هو من القوى البحرية، والسيد ريتشارد ارميتاج من وزارة الدفاع، والسيدان بول وولفويتز وآي. لويس ليبي هما المنظران لسياسة القطب الواحد في عهد السيد بوش الأب. ومن جهته فان السيد دونالد رامسفيلد قد قاد \"الحرب الباردة في مرحلتها الثانية\" (1975- 1989) ملغيا كلمة \"انفراج\" من القاموس الرسمي، وأمضى الثمانينات والتسعينات في الترويج ل\"حرب النجوم\" وفي استنكار سياسة الديموقراطيين.
\r\n
\r\n
فباختصار، إنها حكومة حرب باردة من دون قيام هذه الحرب، فأعمالها وتشكيلها تنم على رؤية وخيار، رؤية نظام عالمي قائم فقط على لعبة وحيدة هي ميزان القوى، وخيار مواصلة العمل على أهداف الثروة والقوة التي يحددها مفهوم ضيق جدا للمصلحة الوطنية.
\r\n
\r\n
وكما العراق في الأمس، فان \"الخطر الصيني\" المفترض يستخدم اليوم ذريعة لعملية تعبئة عسكرية \"رفيعة التقنية\" ستساعد في رفع موازنة البنتاغون الى 320 مليار دولار في السنة، أي بما يفوق مجموع الموازنات العسكرية لجميع \"أعداء\" الولايات المتحدة المحتملين، فيما تتقلص جميع الموازنات الأخرى، الاجتماعية منها في نوع خاص. ولنفرض أن الصين تريد ذلك، فهي ليست في وضع يسمح لها بقلب التوازنات في شرق آسيا، فكيف على المستوى الدولي. وهذا لا يعني بالتأكيد أن القومية الصينية العدائية لن تهدد الاستقرار مستقبلا في آسيا، لكن المسألة ليست هنا، فالسيد بوش، عندما ينعت الصين خلال الحملة الانتخابية ب\"الخصم الاستراتيجي\"، ثم ب\"المنافس الاستراتيجي\" عندما يصل الى البيت الأبيض، فهو إنما يبني مسبقا من الواقع المزعوم في وصفه.
\r\n
\r\n
في الأول من أيار/مايو عام 2001 أعلن الرئيس قراره تسريع العمل على بناء نظام دفاعي (درع) مضاد للصواريخ الباليستية، ثم في 8 أيار/مايو أعلن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد زيادة كبيرة، من دون إعطاء أرقام، في جهود الدفاع الأمريكية في مجال الفضاء الخارجي. وأكد أن الفضاء سيعطى من ألآن وصاعدا الأولوية في التخطيط الاستراتيجي الاميركي. وتتجلى هذه المبادرة بكل معناها عندما نعيد قراءة الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة التي كان يرئسها السيد رامسفيلد قبل أن يتولى الوزارة. فقد تحدث تقرير رامسفيلد الذي نشر في 11 كانون الثاني/يناير عن \" تزايد خطر تعرض الولايات المتحدة ل\" بيرل هاربر\" فضائية، واقترح التحسب لذلك \"بمنح الرئيس خيار نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي لردع هذه الأخطار المحتملة، وعند الضرورة للدفاع عن المصالح الأمريكية ضد اعتداءات ممكنة\".
\r\n
\r\n
بيرل هاربر؟ خطر متزايد؟ انه عالم يبنيه بالمقلوب السيد رامسفيلد والسيدة راس. والسؤال الذي يشكل الآن موضوع تفكير في البنتاغون هو من الذي يستطيع اذا أن يتحدى الولايات المتحدة في الفضاء الخارجي أو في أعماق البحار؟ أهي روسيا التي تجند السياح الأمريكيين الأثرياء لتمويل رحلاتها الفضائية؟ أم الصين التي يبدو إنها تحتاج فعلا عشرين سنة من السلام كي تثبّت وضعها الاقتصادي والاجتماعي الداخلي؟ هل هي أوروبا؟ أم من إذا؟ تؤكد لجنة رامسفيلد، من دون أن تلتفت الى ما في ذلك من سخافة، أن الخطر قد يأتي من \"أناس مثل أسامة بن لادن قد يتمكنون من الحصول على امكانات في مجال الأقمار الصناعية\". على كل حال، فقد رأى السيد رامسفيلد انه من الحكمة إلا يستعيد في 8 أيار/مايو هذا التبرير المثير للرثاء، كما أنه لم يعط غيره إذ ليس لديه أي مبرر.
\r\n
\r\n
وما وراء كل ذلك يمكن تبين محاولات التعبئة العلمية والتكنولوجية. فالسيد اندرو مارشال، وهو رجل ثمانيني كلفه البنتاغون تحديد الاستراتيجيا العسكرية الجديدة، يحلم بطائرات سكاكية (أي مجالها الجزء الأعلى من الغلاف الجوي)، وبغواصات عملاقة، وبأسلحة لايزر فضائية وبتقنيات قصف بعيدة المدى. . . وفي ذلك طبعا خبر سار لشركات لوكهيد ورايتيون وبوينغ. لكن، وبحسب ما يقوله سايمور ملمان المنتقد من الأساس المركب الصناعي العسكري، \"أن الهدف الاستراتيجي لهذه الجهود هو تأمين الهيمنة العالمية، إنها حسابات السلطة\".
\r\n
\r\n
يبقى أن نعلم كم ستكون هوامش المناورة الحقيقية في السنوات المقبلة، أمام إدارة تبالغ في عجرفتها بما لا يتلاءم ونسبة شرعيتها الشعبية. ففي أواخر أيار/مايو فقد الجمهوريون السيطرة في مجلس الشيوخ وقد يتحولون أقلية في مجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في العام 2000. ولنفرض أن الديموقراطيين اثبتوا تفوقهم، فان مشروع السيد بوش لتجديد سياسة العسكرة سوف يتوقف.
\r\n
\r\n
وفي انتظار ذلك فان على بقية العالم أن يواجه القومية الأمريكية الجديدة. وإذا نظرنا في ردود الفعل الأوروبية والآسيوية الأولى، فان استراتيجيا البنتاغون التفوقية لا تمر بسهولة. لكن، وإن كانت إدارة بوش لا تريد الإقرار بذلك، فان المفارقة في استراتيجيات الهيمنة القائمة على القوة لا بدّ أن تولد في وجهها قوى أخرى. وهكذا فان السعي الى تفوق منفرد لا شريك فيه قد يؤدي ربما الى تسريع الخطى نحو عالم متعدد القطب.
\r\n
\r\n
\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.