اللهجة المتشددة والصمت التكتيكي والمراوغة احد المعالم الهامة في المشروع لقد استخدمت الازدواجية في الخطاب السياسي من اجل دفعنا نحو الحرب‚ فعندما يحصل تقدم ولو بسيط نجد ان الطبول تقرع والهتاف يتعالى والتفاؤل يسود‚ ولكن اذا لم يحصل شيء او حصل شيء يدفع المشروع الى الخلف نجد صمت اهل القبور يسود وتختفي الاصوات ويلتزم الجميع بفضيلة الصمت‚ \r\n \r\n التقييم النزيه والواقعي لما يحدث في العراق يدفع المرء للاستنتاج بأن الامور هناك ليست مجرد سيئة بل هي في غاية السوء‚ لقد وعد العراقيون جنة عدن ديمقراطية وبدل ذلك وجدوا انفسهم يغرقون في مستنقع العنف والخوف وعدم التأكد‚ لقد تم انقاذهم من قبضة صدام وبدل تمتعهم بالحرية وجدوا انفسهم ضحايا لوحوش مصغرة اكثر احتقارا للحياة البشرية ويكادون لا يختلفون عن دموية ووحشية صدام في شيء‚ \r\n \r\n كل التقارير الصحفية الخارجة من بغداد تقول انه لا يوجد في ذلك البلد اي شيء اسمه الامن‚ فمغادرة المرء منزله تعني تعريض نفسه لمخاطر القتل او الاصابة بانفجارات القنابل التي تزرع على جانب الطريق ومن هجمات الانتحاريين او من النيران الاميركية الصديقة‚ والبقاء داخل المنازل ايضا لا يعني السلامة‚ \r\n \r\n شيء عادي ان يقتل الشيعة من السنة وان يقتل السنة من الشيعة فالجميع الآن يأخذ بمبدأ العين بالعين والسن بالسن‚ عمليات الاختطاف تطال كل شخص يتوسم الخاطفون في اهله القدرة على الدفع وبالتالي ليس من المستغرب ان الكثير من العراقيين يغادرون للاستقرار في الخارج‚ \r\n \r\n ضاحية المنصور التي كانت في يوم من الايام تعتبر حي الاغنياء في بغداد اصبحت خالية من سكانها‚ \r\n \r\n وهناك ما يقارب 150 الف عراقي غادروا الى الاردن طلبا للامن ينتظرون استقرار الاوضاع في بلادهم من اجل تحقيق حلم العودة‚ هؤلاء اللاجئون ليسوا اناسا عاديين فمنهم رجال اعمال واطباء ومحامون ووجودهم ضروري لاقامة المثال الديمقراطي العراقي الذي وعد به بوش‚ \r\n \r\n يعيش الشعب العراقي مأساة حقيقية في الوقت الذي يلقي الصيف القائظ بلهيبه على بغداد وغيرها من المدن العراقية الاخرى‚ فالكهرباء لا تتوافر سوى ساعة واحدة كل ست ساعات والبنزين يوزع بالبطاقات مرة كل خمسة ايام‚ \r\n \r\n من الاخبار الجيدة النادرة ان المياه عادت لتصل الى المنازل بصورة طبيعية‚ والعمليات الانتحارية تبدو اقل من المعتاد وربما يكون السبب في ذلك ان الانتحاريين ومن يقفون خلفهم سيستجمعون قواهم وانفاسهم للحريق الكبير الذي يتوقع له ان يندلع بعد اقرار مسودة الدستور‚ \r\n \r\n قبل ايام طافت مجموعة من الصحفيين شوارع وضواحي بغداد من اجل البحث عن شيء ايجابي او تسجيل تقدم ولو كان هزيلا وكانت النتيجة المحزنة انه بعد ساعات طويلة من اللف والدوران توصل هؤلاء الى نتيجة مفادها ان الامور لا تشهد اي تحسن بل تسير من سيىء الى اسوأ‚ \r\n \r\n خارج العاصمة العراقية قد تكون الحياة نسبيا اكثر امنا ولكن لا علاقة لها بشيء اسمه حكم القانون وفي الكثير من المناطق نجد ان الميليشيات المحلية هي التي تنشط وهي تتصرف بحرية وتفعل ما يحلو لها دون خوف من حسيب او رقيب‚ \r\n \r\n في القطاع البريطاني الواقع حول البصرة نجد ان الجيش والشرطة العراقية قد دخلت في بيات شتوي طويل تاركة شوارع المدينة تحت سيطرة وسلطة الاصوليين الشيعة‚ \r\n \r\n المحتلون بالكاد قادرون على حماية انفسهم وعاجزون الى حد الخجل عن توفير اي حماية لافراد ذلك الشعب الذي ادعوا كذبا انهم جاءوا من اجل تحريره‚ \r\n \r\n الحكومة العراقية تتخندق داخل اسوار المنطقة الخضراء قانعة بسلطة المكاتب وكل ما تطلبه هو السلامة ولا شيء بعدها‚ \r\n \r\n المقاومون حافظوا على مستوى محدد لقتل الاميركيين فالثلاثون يوما الماضية كانت من اكثر الايام دموية في الحرب فلقد قتل 42 جنديا من جنود الاحتياط واعضاء الحرس الوطني مما ساهم في توزيع الخسائر البشرية على اكبر رقعة من المدن الاميركية وهذا شيء ساهم في تراجع التأييد لحرب بوش في العراق رقم الالفي جندي من القتلى سيتم تجاوزه قريبا ليبدأ احصاء اعداد القتلى في الالف الثالثة‚ \r\n \r\n اكثر المؤشرات ازعاجا التي رصدها الصحفيون في شأن العراق هو تراجع الامل فالناس اعتادت ان تقول ان الامور ستتحسن عند القاء القبض على صدام ثم قالوا ان الامور ستتحسن عندما تنظم الانتخابات ثم قالوا ان الامور ستتحسن عند اعداد مسودة الدستور الآن كلمة «عندما» كادت تنضب من اي معنى لدى المواطن العراقي الذي بدأ يمل من «عندما واخواتها»‚ \r\n \r\n في ظل هذه الأوضاع الموغلة في السوء على كل المستويات دون استثناء فان الشيء الذي نتوقعه من مهندسي هذه الحرب هو اظهار ولو قدر قليل من الأمانة والشرف‚ بدل ذلك نجد ان بوش وفريقه مستمرون في إظهار «تفاؤلهم» المثير للسخرية في الوقت الذي بدأ يفرك أولئك الذين دعموا الحرب عيونهم غير مصدقين تلك الورطة التي وضعوا بلادهم فيها وهم لا يملكون حتى الآن اي استراتيجية مخرج تمكنهم من الخروج بشرف من العراق‚ \r\n \r\n الوضع في العراق لا يسر والجميع يعرف ذلك مما دفع الرئيس الأميركي بوش لاظهار قدر كبير من التردد في الحديث بصورة مباشرة ومستقيمة مع الأميركيين حول العراق خلال حملة كثيقة للعلاقات العامة استمرت لمدة خمسة أيام حاول بوش اقناع الرأي العام بالحاجة للاستمرار على نفس الطريق في العراق وقدم تنازلات قليلة مست الحقيقة عندما تحدث عن أولئك الذين ماتوا في الغزو الذي شنه على بلد لم يكن على علاقة ابدا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر‚ \r\n \r\n ان ادارة بوش تنظر لموضوع الحديث عن القتل كمصدر للاحراج وبالتالي تتجنب الحديث عنه ما امكن والشيء القديم الجديد ان بوش لا يزال يدعي ان القتال ضد «الإرهابيين» في افغانستان والعراق يعني جعل أميركا أكثر امنا وقال «اننا إذا لم لم نواجههم في الخارج فانه سيتوجب علينا ان نواجههم في يوم من الأيام في مدننا وشوارعنا»‚ \r\n \r\n بعد الغزو بعدة أشهر تداول المسؤولون الأميركيون فكرة مضحكة قيل انها جزء من خطة تهدف إلى جعل العراق نقطة جذب لاعداء أميركا بحيث يتم تجميعهم وابادتهم هناك‚ بعدها انطلقت المقاومة العراقية ثم نظر إلى هذه الفكرة الاقرب إلى قصص الخيال العلمي على انها حقيقة والآن اصبحت بكل بساطة سياسة رسمية‚ والفكرة وراء كل هذا هي ترسيخ فكرة ان الحرب في العراق نتيجة لا مفر منها لاحداث الحادي عشر من سبتمبر في ذهن الرأي العام الأميركي‚ \r\n \r\n هذا المعنى سيتم التأكيد عليه في «مسيرة الحرية» التي سيحييها الموسيقي الأميركي الشهير كلينت بلاك في واشنطن في 11 سبتمبر من أجل تخليد أولئك الذين قتلوا في ذلك اليوم وفي الحروب التي تلت ومن الواضح ان ادارة بوش تبذل جهودا محمومة من أجل ايجاد رابط بين حربها في العراق وهجمات سبتمبر‚ \r\n \r\n كل المؤشرات الآن تدل على ان الأميركيين أصبحوا أقل رغبة في قبول ما تدعيه الحكومة بأن سياستها في العراق تتسم بالتعقل والصواب وفي استطلاع للرأي نظمه مؤخرا غالوب ذكر 57% من الأميركيين ان أميركا أصبحت أقل أمنا وأكثر عرضة لهجمات الارهاب والاحتجاج الذي قادته سيندي شيهان التي فقدت ابنها في العراق والتي أقامت خيمة احتجاج أمام مزرعة الرئيس في تكساس لقي تجاوبا ودعما كبيرين من الرأي العام الأميركي الذي تعاطف معها بدون حدود ولا يخفى على أحد ان تعاطف الأميركيين مع الحرب التي شنها رئيسهم في العراق قد بدأ يضعف ويتراجع مع تزايد أعداد القتلى في صفوف القوات الأميركية ومع اشتداد تعقد الأوضاع في العراق مما سيجبر القوات الأميركية على البقاء لفترة أطول‚ \r\n \r\n بعض أعضاء حزب بوش نفسه بدأوا يظهرون قدرا من التململ يقول نيوث جينكريتش زعيم الأغلبية الجمهورية السابق في مجلس النواب «أي جهد يبذل لشرح الوضع في العراق واستخدام عبارات مثل سنبقى على الطريق أو أننا نحرز تقدما هو الغباء بعينه لأن مثل هذه الأقوال تفتقد للمنطق وتتناقض مع الواقع الذي يعلمه الجميع»‚ \r\n \r\n وإذا أراد بوش استمرار الدعم الشعبي لحرب العراق فإنه يتوجب عليه ان يبدأ بالحديث مع الأميركيين ويخبرهم بالحقائق‚ أولى هذه الحقائق ان الأهداف التي وضعها لن تتحقق أبدا‚ \r\n \r\n ان على الرئيس ان يقول أيضا ان الجيش العراقي والأجهزة الأمنية العراقية بما فيها الشرطة لا يزال أمامها الكثير من الوقت حتى تتمكن من تحمل مسؤولياتها في مجال الأمن القومي وان المزيد من الدماء الأميركية ستراق وان الكثير من الدموع ستذرف قبل ان تعود القوات الأميركية إلى بلادها‚ \r\n \r\n ان الأوضاع في العراق سيئة للغاية وتسير في الطريق الخطأ والاعتراف بذلك هو الخطوة الأولى على طريق تصحيح الأوضاع‚ \r\n