ومن جهته فقد درج \"بولتون\" على المجاهرة بازدرائه لمنظمة الأممالمتحدة حيث صرح في عام 1994 قائلاً: \"لا يوجد ما يشير إلى وجود شيء اسمه الأممالمتحدة بل هنالك مجتمع دولي تقوده القوة الحقيقية الوحيدة في العالم وهي الولاياتالمتحدة الأميركية\". وبصرف النظر عن الكلمات التي تفوّه بها في حق المنظمة الدولية إلا أن من الغباء التقليل من شأن \"بولتون\" الذي يشغل الآن منصب مساعد وزير الخارجية واعتباره كأحد غلاة المحافظين المتطرفين. وفي الحقيقة فإن الحزب الجمهوري الأميركي لديه سجل تاريخي حافل في تعيين أشد المنتقدين للأمم المتحدة كسفراء لأميركا في هذه المنظمة، وهو تقليد برهن على الفعالية والنجاح في معظم الأحوال. \r\n \r\n لقد بدأ هذا الأمر مع الرئيس \"فورد\" عندما عمد إلى تعيين \"دانييل باتريك موينهان\" كسفير لدى الأممالمتحدة في عام 1975. ولم يكتف \"موينهان\" بإظهار ازدرائه للأمم المتحدة، بل عبر عن ذلك الغضب بشكل إيجابي عبر أدائه داخل أروقة المنظمة. فعندما أجازت الجمعية العمومية قراراً يدمغ الصهيونية بالعنصرية تصدى \"موينهان\" لتلك المبادرة قائلاً: \"إنها كذبة بشعة\". وبعد أن تحدث الرئيس الأوغندي الأسبق \"عيدي أمين\" إلى الجمعية العمومية في أكتوبر من عام 1975 مطالباً ب\"إزالة دولة إسرائيل\" لم يلجأ \"موينهان\" للتخفي وراء الأقنعة الدبلوماسية، وهاجم \"عيدي أمين\" واصفاً إياه ب\"السفاح العنصري\". بل إن \"موينهان\" استمر طيلة فترة حياته يدافع عن الديمقراطية الليبرالية ضد ما أسماه دول العالم الثالث الاستبدادية الرجعية التي ظلت تقف حجر عثرة أمام اضطلاع الأممالمتحدة بمهامها الحقيقية. \r\n \r\n وتكرر نفس الأمر مع مجيء السفيرة \"جين كيركباتريك\" إبان إدارة الرئيس \"رونالد ريجان\" التي أعربت عن نفاد صبرها مما اعتبرته حماقات ظلت ترتكبها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشجيع من سلفها السفير \"أندرو يونج\" إبان إدارة الرئيس \"كارتر\". وشأنها شأن زميلها من المحافظين الجدد \"موينهان\" شنت \"كيركباتريك\" هجوماً سافراً على \"حركة عدم الانحياز\" التي تتألف من دول العالم الثالث. وبعد تحرير \"جرينادا\" في عام 1983 وقفت \"كيركباتريك\" لتقول أمام مجلس الأمن إن وثيقة الأممالمتحدة \"لا تلزم هذا الشعب بالخضوع للإرهاب ولا تطالب جيرانه بعدم الاكتراث لانتشار الأعمال الإرهابية\". \r\n \r\n إن \"بولتون\" مثله مثل سابقيه \"موينهان\" و\"كيركباتريك\" طالما عرف بعدائه وانتقاداته لمنظمة الأممالمتحدة، وهو أمر يعني أنه الرجل المناسب للقيام بمهمة إعادة بناء المنظمة التي باتت تفتقد إلى الكثير من مصداقيتها. وبخلاف ما كان عليه سلفه الأكثر حيادية \"جون دانفورث\" الذي غادر مقعده كسفير لدى الأممالمتحدة في يناير الماضي دون أن يخلف وراءه أثراً يذكر أثناء فترته هناك، فإن \"بولتون\" ربما يستطيع إقناع اليمين بأن المنظمة أصبحت في طريقها تجاه التغيير والإصلاح في نفس الوقت الذي يستمر فيه في ممارسة الضغوط من أجل ضمان حدوث هذا التغيير على أرض الواقع. وفي الحقيقة فإن \"بولتون\" أخذ يتسم بمصداقية أكثر ممن سبقه من السفراء في أوساط المحافظين. وبالإضافة إلى ذلك فهو شخصية تحظى بإعجاب السيناتور \"جيسي هيلمز\" الذي حاول في السابق حرمان المنظمة من مستحقاتها المالية على الولاياتالمتحدة في حقبة التسعينيات مشترطاً أولوية إجراء الإصلاحات في داخل المنظمة. \r\n \r\n على أن \"بولتون\" قد اكتسب أيضاً العديد من الخبرات والأفكار في أوساط النخبة من المحافظين الجدد بعد أن أنفق فترة وهو يعمل في معهد \"أميركان أنتربرايز\" بالإضافة إلى نجاحه في توثيق علاقته بنائب الرئيس \"ديك تشيني\" مما مكنه من تجسير الهوة بين المعسكرين. ويذكر أن الهجوم على الأممالمتحدة حظي باحترام النخبة من المفكرين فقط عند انضمام المحافظين الجدد لهذه الحملة إبان حقبة السبعينيات. ومنذ ذلك الوقت فإن مشاعر الغضب تجاه المنظمة الدولية ظلت تنسب حصرياً إلى الصقور في جناح اليمين. ولكن غضب المحافظين من الأممالمتحدة في هذه الأيام قد بلغ ذروته. فخلال التجمع السنوي لمؤتمر المحافظين في فبراير الماضي، جعل اليمين من الأممالمتحدة هدفه الرئيسي حيث صب \"واين لابيير\" المدير التنفيذي ل\"جمعية الأسلحة الوطنية\" جام غضبه على منظمة الأممالمتحدة لمحاولتها مصادرة الأسلحة الصغيرة في جميع أنحاء العالم، بينما عمد \"ديك تشيني\" إلى منح جائزة إلى السيناتور \"نورم كولمان\" تقديراً لجهوده في التحقيقات الخاصة ببرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق. \r\n \r\n وبالطبع فإن معظم المحافظين قد أدركوا أن الانسحاب من الأممالمتحدة أو محاولة التخلص منها أمر غير وارد الآن، بل عوضاً عن ذلك العمل على إصلاحها وتفعيلها بحيث تصبح قادرة على تنفيذ المهام المنوطة بها. وهذه الاستراتيجية الجديدة كان قد تطرق إليها \"دوري جولد\" السفير الإسرائيلي الأسبق لدى الأممالمتحدة في كتابه بعنوان \"برج بابل: كيف عملت الأممالمتحدة على تأجيج الاضطرابات في العالم\"، حيث يتمحور الحل الذي تقدم به في ضرورة خلق كيان يتألف من الدول الحرة بما فيها دول أوروبا الشرقية بحيث يعمل على تعزيز الأجندة والأفكار الغربية. وفي الوقت الذي يمضي فيه الرئيس بوش قدماً في إرساء قيم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط فإن \"بولتون\" سيجد الفرصة سانحة لشجب وإحباط تردد الأممالمتحدة في اجتثاث جذور \"الإرهاب\" وحمايتها للطغاة، وهو الأمر الذي ظل يسود داخل أروقتها لعقود طويلة. لقد استمرت هذه المنظمة تعمل وكأنها مختبر للأنشطة المضادة لأميركا لذا فإن لهجة \"بولتون\" الانتقادية الواضحة ربما تصبح السبيل الوحيد لتحقيق النتائج المرجوة. \r\n \r\n \r\n جاكوب هيلبورن \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"