\r\n ويأتي الكتاب اليوم ليتناول هذا السيناريو بالتفصيل ضمن سيناريوهات عدة تختلف الآراء بشأن أيها سترتب في إطاره الأوضاع في العراق. \r\n \r\n وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مايقدمه المؤلفان في هذا الكتاب، فإنه يشكل وجهة نظر سائدة في دوائر صنع القرار الأميركي، وقد تتحول الى واقع بين يوم وليلة، ومن هنا تأتي أهمية محاولة تفهمها واستيعابها، ومن ثم تحديد أسلوب التعامل معها سواء فكريا أم على صعيد الواقع السياسي. \r\n \r\n وينطلق المؤلفان بموضوع دراستهما من محاولة وضع تصور لما يمكن أن تصل اليه الأوضاع في العراق، مقدمين سيناريوهات عديدة تطرح خطوطا عامة دالة بشأن السيناريو الذي يجب أن يتم اعتماده. وتتحدد أهمية ما يقدمه المؤلفان في ضوء تخصصهما في دراسة شؤون العراق الذي قد يجعل صوتهما مسموعا وذا تأثير، فالباحث الأول المساهم في تأليف الكتاب. \r\n \r\n وهو ليام أندرسون، استاذ العلوم السياسية في جامعة رايت واختصاصي بدراسة شؤون العراق، أما الثاني، غاريث ستانسفيلد فهو عضو في معهد الشؤون الخارجية بجامعة اكستر، وعمل مستشارا لدى الحكومة البريطانية بالنسبة للشؤون العراقية والكردية. \r\n \r\n سيناريوهات ثلاثية \r\n \r\n وحسبما يبدو من عنوان الكتاب فإن الفرضية الاساسية التي ينصرف اليها جهد الباحثين هي محاولة استشراف مسار المستقبل العراقي في ضوء التطورات التي ألمت به إثر إسقاط نظام صدام حسين على يد قوات التحالف التي تقودها الولاياتالمتحدة في أبريل 2003. \r\n \r\n وبشكل عام، وبعيدا عن السيناريو الذي يرجحانه، فإن المؤلفين يشيران الى أن هناك ثلاثة احتمالات بشأن المستقبل العراقي، تتركز في تولي حاكم دكتاتوري جديد زمام الأمور في العراق، أو إقامة نظام حكم ديمقراطي، أو أن تؤول الأوضاع الى التقسيم. \r\n \r\n وعلى ذلك فإن جهد الباحثين ينصرف الى محاولة البحث في أبعاد المستقبل العراقي، في ضوء الأهداف التي اعلنتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا كأهداف لتبرير غزوهما للعراق تحت دعوى إسقاط نظام صدام حسين باعتباره نظاما دكتاتوريا وإحلال بديل محله يعتمد النهج الديمقراطي. \r\n \r\n \r\n السؤال الذي يبحث الكتاب عن إجابة له يتمثل في إمكانات تحقق هذا التصور. من سياق تناول المؤلفين وحسبما يصلان اليه من نتائج، فإنه اذا كان التدخل العسكري في العراق قد نجح في تحقيق هدفه الرئيسي والمتمثل في الإطاحة بصدام بسرعة، فإن واقع الأمور يشير الى صعوبة تحقيق ما يلي ذلك من أهداف وعلى رأسها تشكيل عراق ديمقراطي جديد. \r\n \r\n وتنبغي الإشارة هنا الى أن المؤلفين لا يسلمان في ذلك بالأهداف المعلنة من قبل الإدارة الأميركية حيث يشيران الى أهداف أخرى سعت الولاياتالمتحدة الى تحقيقها وإنما يتخذان من الهدف المتعلق بالديمقراطية نقطة بداية كمدخل للمناقشة باعتبار أنه المبرر المعلن على الاقل الذي تم على أساسه تغيير الأوضاع في العراق. \r\n \r\n ويصل المؤلفان الى اعتبار تحقق هدف نشر الديمقراطية في العراق أمرا شبه مستحيل، إنطلاقا من رؤيتهما لطبيعة الأوضاع في العراق والتي تتمثل في الطبيعة الغريبة لتركيبة الشعب العراقي ثم مجموعات متعددة من الطوائف والأعراق المتناحرة . \r\n \r\n فيما بينها، فالشعب العراقي منقسم على المستوى العرقي الى عرب وأكراد، وعلى المستوى الطائفي الى سنة وشيعة الأمر الذي يعقد أي عملية سياسية في البلاد لا تعترف بهذه الحقيقة والتركيبة، وهو ثبت صحته، وفقا للمؤلفين، على مدار التاريخ العراقي الحديث الذي أهمل الاعتراف بهذه الحقيقة. \r\n \r\n وعلى هذا الأساس يصل المؤلفان الى الرؤية التي يحاولان بالتالي اقناعنا بها والمتمثلة في أن الحل الوحيد الممكن في العراق ليس الديمقراطية وإنما التقسيم. الأمر الذي يعززه من وجهة نظرهما أن العراق مقسم بالفعل، فالجنوب عربي شيعي في الأساس، والوسط عربي سني بشكل رئيسي، أما الشمال فهو كردي سني. \r\n \r\n ومن دون الدخول في تفنيد أطروحات المؤلفين قبل استعراضها كاملة، فإننا نشير بداية الى أن هذه الأطروحة والتي تمثل صلب الكتاب إنما تتجاهل التداخل في التكوين العرقي والطائفي في العراق مع الإقرار بوجودهما . \r\n \r\n حيث أن الوسط ليس كما يذهب المؤلفان مقتصراً على العرب السنة، وإنما هو يضم الى حد كبير أعدادا لا بأس بها من الشيعة الأمر نفسه يكاد ينطبق على الجنوب. وإن كانت الحقائق تشير في الوقت ذاته الى أن الشمال بفعل مجموعة من العوامل المختلفة مؤهل للانفصال إن لم يكن منفصلا بالفعل. \r\n \r\n وفي محاولتهما رسم صورة عما يمكن أن تؤول اليه الأوضاع المستقبلية في العراق، يعود المؤلفان الى جذور التاريخ العراقي الحديث وبالتحديد خلال القرن الماضي. \r\n \r\n وهما يشيران بناء على رؤية تاريخية شاملة على مدى عقود القرن الماضي الى أن ما يحدث في العراق يجد جذوره مترسخة في التاريخ العراقي، معتبرين أن ما يسميانه أمراض العراق المعاصرة والمتمثلة على حد تشخيصهما، في القمع الداخلي والاستخدام الواسع للعنف، فضلا عن التهديد الذي يمثله العراق لجيرانه. \r\n \r\n . تلك كلها أمور تعود الى الظروف التي ساهمت في تشكيل العراق الحديث، حيث أنه منذ عام 1920 وحتى سقوط صدام حسين لم يشهد العراق أي استقرار سياسي حقيقي، وكان يلزمه حسبما يشير المؤلفان، حكم ديكتاتوري لكي تهدأ الأمور فيه. \r\n \r\n وهنا يلقي المؤلفان باللوم على الإنجليز ودورهم في تشكيل الأوضاع في العراق، معتبرين على هذا الأساس أن العراقيين يدفعون ثمن الأخطاء التي وقع فيها الإنجليز . \r\n \r\n وعلى وجه الخصوص تشرشل. ويحدد المؤلفان خطأين رئيسيين ارتكبهما الإنجليز كانا وراء كل المشكلات التي عانى ويعاني منها العراق، بل ودفع ثمنها أنظمة الحكم سواء الملكي أم الجمهوري أم البعثي، الأول إلحاق ولاية الموصل مع ولاية بغداد والبصرة لانشاء عراق ذي قدرة على احتواء «المتمردين» الأكراد في هوية الدولة العربية. \r\n \r\n وقد أدى هذا الأمر الى انخراط كل قادة العراق في الجهود المختلفة للوصول الى حل لهذه المعضلة، وفي التحليل الأخير فإن أغلبهم، إن لم يكن جميعهم تقريباً، تعاملوا معها من خلال العنف. \r\n \r\n \r\n أما القرار الثاني الذي يعتبر المؤلفان أنه يمثل خطأ كبيرا من جانب الإنجليز في العراق فهو تفضيل البريطانيين للأقلية العربية السنية، حسبما يذكران، على حساب الأكثرية الشيعية والأكراد كذلك، وهو ما يشير وفق ما يذهبان اليه، الى أن الزخارف الدستورية بشأن الديمقراطية لا تعدو أن تكون صورا زائفة. \r\n \r\n ويشير المؤلفان الى أن هذه السياسة أدت من ناحية أخرى الى اتباع سياسة «فرق تسد» من حيث تفضيل بعض فصائل الشيعة على حساب أخرى مما أدى بدوره الى انقسام الشيعة على أنفسهم وحسب المؤلفان فإنه اذا لو كان الإنجليز سلموا الحكم بشكل ديمقراطي الى أغلبية الشعب لما حصلت كل تلك الهزات التي شهدها العراق على مدار تاريخه الحديث. \r\n \r\n حيث أن تحكم الأقلية السنية العربية في الأغلبية الشيعية وكذلك الأكراد أدى الى تكرار الانتفاضات الشيعية والكردية بين وقت وآخر واللجوء الى قمعها من قبل الحكومة المركزية في بغداد التي تسيطر عليها النخبة العربية السنية. \r\n \r\n وأدى مجمل هذه الأوضاع في النهاية الى استمرار الأقلية السنية في السيطرة على السلطة، وهو الأمر الذي ظل قائما، حسبما يشير مؤلفا الكتاب، خلال فترة الحكم الملكي الهاشمي من 1920 وحتى 1958 وهي الفترة التي كان العراق خاضعا فيها للانتداب البريطاني، الذي نصب فيصل الأول ملكا على العراق، تم تتابعت ذريته على العرش من بعده حتى سقوط النظام الملكي على يد عبد الكريم قاسم عام 1958. \r\n \r\n مرحلة فاصلة \r\n \r\n ينتقل المؤلفان الى تناول مرحلة أخرى فاصلة في تاريخ الشعب العراقي وهي مرحلة الجمهورية ويطلقان عليها مرحلة «الجمهورية والثورة والنهضة» فيشيران الى أنه مع يوليو سنة 1958 سقطت السلالة الهاشمية، على يد مجموعة من الضباط الأحرار، كانت مشكلة على غرار النموذج المصري. \r\n \r\n وذلك إثر مجزرة راح ضحيتها الملك وعدد كبير من أفراد عائلته وحاشيته. وحاول نوري السعيد، الذي كان ينظر اليه على انه الرمز البغيض للنظام المخلوع، الهرب خارج البلاد، متنكراً في زي امرأة، لكن أمره اكتشف وتم سحله. \r\n \r\n ثم قام عبدالكريم قاسم بتصفية رفاقه وسيطر على الحكم وحده لينتهي بذلك عهد النظام البرلماني في العراق وليعلن قيام النظام الجمهوري ويلبي رغبة الشعب في إنهاء الانتداب البريطاني في 24 مارس عام 1959 عندما أعلن رسميا انسحاب العراق من حلف بغداد. \r\n \r\n وفي تناولهما لفترة ما بعد الثورة وتشكل النظام الجمهوري على أنقاض النظام الملكي القديم (1958- 1968)، يشير المؤلفان الى أن هذا العقد اتسم بكونه الأشد اضطراباً وعنفاً، بالنسبة للدولة العراقية، الى الحد الذي يجعلهما يشيران الى أنه بمقارنة تطورات هذه الفترة بما حدث في الماضي يمكن القول أن النظام الملكي يعد بحراً من الاستقرار والهدوء. \r\n \r\n وهنا يشير المؤلفان الى أنه اذا كان النظام الملكي فشل في إيجاد هوية شاملة للدولة يمكن أن يشترك فيها كل العراقيين، فإنه بعد نحو عقد من الجمهورية كان تشكيل هذه الهوية الجماعية يعتبرأمراً بعيداً عن التحقق بشكل كبير، بل على العكس فإن الجمهورية سجلت تراجعا أكبر نتيجة استمرار أسباب الاحتقان الداخلي المتمثل في فشل الدولة في استيعاب الفصائل المختلفة الأمر الذي جعل من هذه الأخيرة تعمل على امتلاك أسباب النصر على السلطة. \r\n \r\n وكنتيجة لذلك فإن الأكراد استمروا في صراعهم المسلح ضد السلطة المركزية عبر معظم فترات هذا العقد. وعلى المنوال نفسه بالنسبة للحكام السابقين فإن زعماء الجمهورية افتقدوا القدرة على إيجاد صيغة للتكامل مع الأكراد في الدولة العراقية. وعلى ذلك فإن الآمال التي علقها الشعب على حكم قاسم سرعان ما ثبت عدم تحققها إزاء فشل النظام في تجاوز المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع العراقي . \r\n \r\n ومنها مشكلة الانقسام العرقي الطائفي ما بين عرب وأكراد وسنة وشيعة مما اضطر نظام قاسم الى خوض مجموعة من الحملات العسكرية لقمع تمرد الأكراد. ودخل العراق بذلك في مرحلة جديدة من التصفيات الدموية والحملات القمعية ضد فئة من أبناء شعبه. \r\n \r\n وفي استعراضهما لتجربة حزب البعث في الحكم يشير المؤلفان الى أن السنوات العشرين الأولى زادت من مستوى الانتقادات والمخاوف بشأن مستقبل العراق. ويذهبان الى أن البعث يعد نتاجا للبيئة السياسية التي خرج منها. وقد نجح الحزب في الحفاظ على قبضته على السلطة في الوقت الذي سادت الفوضى السياسية. \r\n \r\n ويشيران الى أن حكم البعث كان يقوم على البقاء والقضاء على المنشقين والمعارضة، ومن هنا أقام صيغة تتسم بأكبر قدر من القمع فاقت بمراحل كل ما كان في السابق. \r\n \r\n وفي هذا الخصوص لجأ البعث الى السياسة نفسها التي اتبعتها بريطانيا من قبل، وهي سياسة فرق تسد باستمالة فصائل من الشيعة والأكراد، الأمر الذي أصبح سمة أساسية من سمات سياسات البعث الأمر الذي استهدف ضرب هذه الفصائل بعضها البعض وبالتالي تحاشى بروز معارضة قوية للنظام. وقد لعب صدام اللعبة نفسها، وبشكل خاص في كردستان العراق وإن لم يصادف الكثير من النجاح. \r\n \r\n ويخلص المؤلفان من استعراض مجمل سياسات البعث خلال هذه الفترة الى أن فترة حكمه تشكل استمرارية أكثر منها بمثابة قطيعة مع الممارسات السابقة للأنظمة التي تولت الحكم. \r\n \r\n ومع ذلك فإن النتائج لم تكن سلبية تماماً، بل على العكس فإن النظام تمكن من اختراق الطبقات الدنيا من المجتمع نتيجة التوسع الكبير لحكم الدولة ودورها في الاقتصاد وفي قطاعات الخدمات العامة وارتباط ذلك بالبنية التنظيمية لنظام البعث مما قدم للحزب درجة من السيطرة على حياة المواطنين العاديين ما زال من الصعب حتى اليوم تخيلها. \r\n \r\n وقد تطورت سيطرة الحزب على مقدرات الحياة في العراق الى الحد الذي وصل الى نوع من الحكم الشمولي اتسم بالعبادة الكلية للحاكم. فضلا عن أن الروابط المجتمعية تبعثرت بشكل تدريجي وتم إحلالها بروابط ارتباط الأشخاص بشخص الحاكم وهو صدام. \r\n \r\n تقويم تجربة البعث \r\n \r\n أما بالنسبة للجانب الإيجابي من تجربة حزب البعث فقد تمثلت في توفير تعليم أفضل نسبيا ونوع من الوفرة الإقتصادية للسكان في دولة تعد الأكثر نموا بين الدول العربية مما جعل البعث يتمتع بشعبية حقيقية وسط العراقيين العاديين خلال معظم هذه الفترة. \r\n \r\n وهنا يشير المؤلفان الى أن هذه النتيجة تبدو عصية على التفسير حيث يقرران أنه من غير المعروف ما اذا كان ذلك يعود الى مستوى المعيشة المرتفع الذي نجح النظام في تحقيقه أم الى التعبئة المتواصلة أم الى موقف النظام المعادي للصهيونية والإمبريالية والمناصر للقومية العربية. \r\n \r\n ومن المحتمل أن يكون ذلك عائدا الى توليفة من هذه المواقف جميعها ولكن الحقيقة هي أن صدام أصبح أكثر قربا من أي شخص آخر قبله على طريق تحديد وصفة لإنشاء لنظام حكومي ناجح للدولة العراقية يستثني منه الشمال العراقي بالطبع. \r\n \r\n وفي تقويمهما لحصيلة حكم البعث في ظل نظام صدام يشير المؤلفان الى أنه في نهاية هذه الفترة من العشرين عاما فإنها على صعيد العلاقات مع الأكراد كان نتاج هذه الفترة نهاية أي إمكانية لمصالحة ذات معنى بين العرب والأكراد وهو الأمر الذي بدا واضحاً، حسبما يشير مؤلف الكتاب، عندما واجه الكردي الإختيار بين العراق وإيران، حيث وقف الأكراد الى جانب إيران، الأمر الذي كان يعد من وجهة نظر البعث خيانة من الصعب نسيانها.. \r\n \r\n وعلى ذلك فإن نظام البعث كان محطة أخرى على طريق تعزيز النفور بين العرب والأكراد الأمر الذي عززه الحزب بمساعيه المتنوعة التي فاقت أي نظام قبله لتعزيز المكون العربي في الدولة العراقية فيما كان يتم تقطيع أوصال المكون الكردي. \r\n \r\n وقد أثبت صدام خلال سنوات حكمه استبداده بشكل لم يكن يقل عن سابقه، حيث بلغت سياسة القمع مداها خاصة ضد الأكراد من خلال استخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة ثم قمعه لانتفاضة الشيعة في الجنوب، التي قامت على إثر حرب تحرير الكويت. \r\n \r\n وفي إطار رصدهما لمسيرة الدولة العراقية، يتطرق المؤلفان إلى ما يسميانه تدمير العراق وهو الأمر الذي يتناولانه من خلال رصدهما لأحداث الفترة من عام 1988 وحتى عام 2003، نهاية فترة حكم صدام حسين فمع حلول مايو 2003 لم يعد صدام رئيساً للعراق. \r\n \r\n وبدأت الدولة العراقية الطريق الطويل والخطر نحو ولادة سياسية واجتماعية اقتصادية جديدة وسط مشكلة تتمثل في ان فترة حكم صدام تركت مجتمعاً مجروحاً بشكل كبير ومنقسم على نفسه بشكل أكبر. \r\n \r\n الأكثر من ذلك ان هذه الفترة زادت من الانقسامات الداخلية داخل المجتمع العراقي من خلال زيادة حدة المشكلة الإثنية.. الانقسام العربي الكردي، وتقوية أو تعزيز السيطرة السنية في الوسط وعلى ذلك فإن التقويم العام لتلك الفترة، حسبما يذهب الكتاب، يتمثل في ان تراث صدام ترك مجتمعاً به العديد من الاختلالات يعيق أي محاولة منظمة لاقامة دولة عراقية متلاحمة تعززها المؤسسات الديمقراطية. \r\n \r\n وربما يكون الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لهذه الفترة أنها شهدت بدء تقسيم العراق الأمر الذي تجلى في اقامة وتأسيس دولة كردية في كل معانيها، باستثناء الاسم الأمر الذي كشف عن ان العراقيين ليسوا غرباء على مفهوم الديمقراطية على الرغم مما يبدو من ان الدولة العراقية في مظهرها الحالي غير متوافقة مع التطور الديمقراطي. لقد أصبح الأكراد العراقيون مستقلين منذ 1991 وينظمون شؤونهم بعيداً عن بغداد، كما ان اللغة السائدة الآن هي الكردية. \r\n \r\n والأطفال الأكراد يتربون من دون تعلم العربية، فضلاً عن ان التعليم الكردي الآن منظم على أساس جامعات قومية في كل مدينة رئيسية والإدارة الكردية انشأت قواتها الخاصة وبشكل عام.. لقد ذاق الأكراد طعم الحرية وسيعملون على الحفاظ عليها الأمر الذي يقوض من الوحدة العراقية التي تقوم في جانب آخر منها على تعزيز أوضاع العرب السنة. \r\n \r\n فضلاً عن ذلك فإن القبائل التي استفادت من نظام حكم صدام حسين خاصة من عشيرته في تكريت وغيرها لا تشعر بالرضا تجاه الأوضاع الجديدة الأمر الذي قد يدفعها إلى محاولة العمل على استعادة مميزاتها التي فقدتها. \r\n \r\n ومن تناول تاريخ العراق إلى استعراض مكونات الشعب العراقي عرقياً وطائفياً يقدم المؤلفان لمحة تاريخية عامة عن كل فئة من الفئات الاجتماعية الثلاث الأكبر في العراق، على النحو الذي يشير إلى الطبيعة الفسيفسائية للتركيبة الاجتماعية هناك، وفي إطار حديثهما عن التركيبة العراقية والدينية في العراق. \r\n \r\n يشيران إلى ان الشيعة بشكل عام يمثلون الأغلبية بما يجعل منهم مكوناً رئيسياً من السكان في العراق، وهم يتركزون بشكل رئيسي في الجنوب، فيما يتركز السنة في الشمال، وقد أدت السياسات التي اتبعها نظام صدام حسين إلى تدعيم عملية عدم الفصل بين الطائفتين إلى الحد الذي يصعب فيه حتى بالنسبة لبعض العرب تحديد ما إذا كانوا شيعة أم سنة. \r\n \r\n وساعدت على ذلك سياسة صدام القائمة على عدم تصنيف القطاعات الإسلامية في إطار الإحصاء الوطني مما عزز من المساهمة في هذا الغموض. ومع ذلك فإن صحوة الشيعة والشعور بهويتهم والرابطة المحتملة بين الحوزة والجماهير تشير الى أن المستقبل السياسي للعراق يجب أن يتغير. \r\n \r\n وعلى ذلك فإن وضع الشيعة يعد من القضايا الرئيسية بالنسبة لأي عملية تخطيط لعراق جديد وبشكل خاص في إطار دستوري في ضوء حقيقة أن التغير الذي تحقق في النظام السياسي في العراق بسقوط نظام صدام حسين سيفتح الباب واسعا أمام مشاركة تتسم بقدر أكبر من الفعالية للشيعة. \r\n \r\n \r\n أما في إطار حديثهما عن السنة، فيشير المؤلفان الى أنهم أكثر من أي جماعة عرقية أخرى كانوا على الدوام أقرب الى مركز السلطة، ويشيران كذلك الى أن وضع السنة في العراق تم الاعتراف به باعتبار أنهم قوة محركة في إدارة المنطقة حتى قبل تشكيل العراق لعدة مئات من السنين نظرا لصلتهم الإقليمية بالعديد من الدول العربية الأخرى. \r\n \r\n وعلى ذلك يشير المؤلفان أيضا الى أن هذه الخصيصة إنما يمكن أن تساعد في عملية بناء مستقبل العراق خاصة اذا ما اتجهت أي عملية للبناء السياسي في العراق الى تغيير طبيعة تركيبة الحكم هناك سواء لصالح الأكراد أم لصالح الشيعة. \r\n \r\n ويشيران الى أنه في حالة استمرار الأوضاع على ما هي عليه بالحفاظ على وحدة العراق مع وجود حكومة تحكم من بغداد دون اتخاذ تدابير احتياطية بتقسيم السلطة فإن السيطرة السنية رغم أنها قد تحقق نظاما أكثر استقرارا إلا أنه من المرجح أن يكون الحكم ديكتاتوريا. \r\n \r\n كلام عن الخصوصية \r\n \r\n أما في تناولهم للأكراد يشير المؤلفان الى أنه لعل ما يمكن أن يعبر عن وضعهم ما يذهب اليه البعض من أن: القول ان الأكراد لم يتمتعوا بقرن عشرين سهل عليهم يعد فهماً ناضجاً للقضية. \r\n \r\n وتنبع مشكلتهم من كونهم أقلية غير عربية في دولة عربية في الأساس الأمر ا لذي جعل تاريخ الأكراد في العراق يتسم الى حد كبير بالمأساوية، فانتفاضات الأكراد كانت متكررة على مدار تاريخ العراق الحديث، وفي كل مرة كانت الحكومة المركزية في بغداد ترسل جيشها لقمع هذه الانتفاضات الشئ الذي يتسبب في عداء وهوة نفسية سحيقة بين العرب والأكراد الامر الذي ترك أثره العميق على العلاقات بين الجانبين. \r\n \r\n غير أن المؤلفين يعودان ليشيرا الى أن القرن الجديد يبشر بتحسن كبير بالنسبة لوضع الأكراد في العراق يمثل تغيرا كبيرا عما كان عليه وضعهم في القرن الماضي الأمر الذي يجعل من تجربتهم بمثابة نموذج يمكن تطبيقه على العراق ككل وهو التقسيم. فلقد تغيرت الأمور الى الدرجة التي أصبح معها الأكراد الذين كانوا في لحظة ما بمثابة «الدمل المؤلم» لجهة إنكار شرعية الدولة العراقية مفتاح التحول السلمي هناك عبر التقسيم. \r\n \r\n لقد تمكن الأكراد عبر التنوع والاستقلال الذاتي من انتهاج مواقف بدا أنها ضد رغبات الجميع ومع ذلك خدموا المنطقة بشكل يعبر عن قدر كبير من الكفاءة من خلال النموذج الذي قدموه لتجربتهم إثر انتفاضهم على نظام حكم صدام والذي أثبتوا من خلاله قدرتهم على بلورة هوية قابلة للتحقق في شكل الدولة . \r\n \r\n وأثبتت كردستان أنها تعد بحق الأكثر قربا من تحقيق الفكرة الديمقراطية في الشرق الأوسط وعلى ذلك فإنه اذا كان تحقق هذا الأمر يتطلب قيام دولة كردية مستقلة فإنه حينئذ يصبح خيارا يمكن البحث فيه. \r\n \r\n