\r\n ويتزامن ذلك مع برود في علاقات تركيا مع إسرائيل بقيادة أرييل شارون. فالحلف الاستراتيجي الذي شكلته هاتان القوتان في عقد التسعينيات- والموجّه ضدّ سوريا في المقام الأول- بات الآن في أزمة. وعلى نقيض ذلك، أصبحت العلاقات السورية- التركية تتصف بالثقة بل إنها صارت علاقات ودّية. \r\n وهناك عوامل عديدة ساهمت في حدوث هذا التغيير في اتجاه العلاقات التركية. ففي الماضي، كانت اتصالات إسرائيل المباشرة ضمن تركيا هي الجيش والدوائر الاستخباراتية في المقام الأول. لكن إسرائيل لا تتمتّع اليوم بعلاقات حميمة كتلك مع الحركة الإسلامية المعتدلة التي ينتمي إليها أردوغان ولا مع حزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى السلطة في تشرين اول عام 2002 . \r\n ويضاف إلى ذلك أن الرأي العام التركي أصيب بالذعر بفعل الدور الذي لعبته إسرائيل وأصدقاؤها الأميركيون في الضغط على الولاياتالمتحدة لكي تهاجم العراق؛ وقد عارض الرأي العام التركي المشاركة التركية في الحرب، وأغضبه دعم إسرائيل المتواصل لمسألة الاستقلال الكردي على حساب وحدة العراق، كما ثارت حفيظته بسبب قمع إسرائيل الوحشي ل«الانتفاضة» الفلسطينية فلم يتردّد أردوغان في اتهام حكومة أرييل شارون بممارسة «إرهاب الدولة». \r\n وفي طهران، من المتوقع أن ينضم أردوغان إلى الزعماء الإيرانيين في التعبير عن تأييد وحدة أراضي العراق وإعادة إعماره ومستقبله الديمقراطي واستقلاله عن السيطرة الأجنبية. وعلى رغم اهتمامه بالاستقرار الإقليمي، يتركز اهتمام أردوغان على قمة الاتحاد الأوروبي التي ستنعقد في 17 كانون اول المقبل. ففي تلك القمة، سيكون على الدول ال25 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بشأن بدء أو عدم بدء المفاوضات مع تركيا حول انضمامها إلى عضوية الاتحاد. ومن شأن اتخاذ قرار سلبي بهذا الخصوص أن يسدد ضربة شديدة إلى أردوغان شخصياً وإلى المساعي الرسمية الشجاعة والثابتة التي تبذلها تركيا نحو تحقيق ما يسمّى ب«معايير كوبنهاغن» التي تم وضعها في عام 1959، وهي تلك القواعد السياسية التي وضعها «النادي الأوروبي» بخصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق وحماية الأقليات. \r\n وفي العامين الماضيين، أقرّت حكومة أردوغان قوانين تضمن حرية التعبير وتشكيل التجمّعات؛ وقامت أيضاً بإلغاء عقوبة الإعدام واعتبرت أن التعذيب يشكل جريمة جنائية؛ وكبحت سلطة الجنرالات، \r\n وبدأت تمنح الحقوق الثقافية وغيرها من الحقوق للمجتمع الكردي الواسع في تركيا. وفي قبرص، أبطل أردوغان عقوداً من السياسة التركية، حيث اتكل على القبارصة الأتراك وحصل على تأييدهم لقبول تسوية ومصالحة في الأزمة القبرصية، وذلك إلى حد أن القبارصة اليونانيين-وليس القبارصة الأتراك- هم الذين عارضوا في وقت سابق من هذه السنة إعادة توحيد الجزيرة بموجب خطة تقدّم بها الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة كوفي عنان. \r\n وفي شهر تشرين ثاني المقبل، ستصدر المفوضية الأوروبية تقريراً يصرّح بما إذا كانت هذه الأخيرة تعتقد بأن أنقرة قد اتخذت بالفعل خطوات كافية تؤهلها لعضوية الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يكون التقرير في مصلحة تركيا، وهو سيكون بلا شك مرشداً للزعماء الأوروبيين في اتخاذهم القرار في شهر كانون اول المقبل. فما هي احتمالات ودلائل تحقق ذلك؟ \r\n تقدّمت تركيا لأول مرة بطلب الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي منذ 41 عاماً، أي في عام .1963 ومنذ 5 أعوام، وفي قمة عقدها الاتحاد الأوروبي في مدينة هيلسنكي في عام 1999، تم الاعتراف رسمياً بتركيا كمرشح لعضوية الاتحاد. وستكون الخطوة التالية هي بدء مفاوضات دخول تركيا إلى الاتحاد، وهي المفاوضات التي تؤدي إلى دخول عضوية الاتحاد في غضون 5 إلى 10 سنوات، أي في عام 2015 مثلاً. \r\n وفي رأي الكثير من المراقبين وبالنظر إلى طلب تركيا القديم القائم للانضمام إلى عضوية الاتحاد وإلى المساعي الكبيرة التي تبذلها حكومة أردوغان، فإن من المستبعد جداً أن تغلق أوروبا الباب في وجه تركيا. وقد أشار زعماء كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا إلى تأييدهم لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الأتراك يحظون أيضاً بدعم من هولندا التي تتولى الآن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. \r\n وبعد دعوته أردوغان إلى مأدبة غداء أقيمت في قصر الأليزيه يوم 20 تموز الجاري، أدلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بتصريح قال فيه إن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي أمرٌ «مرغوب فيه حالما يصبح ممكناً». وقد بدا أن هذه طريقة لقول ما يلي: إن شيراك يؤيد بدء المفاوضات حول عضوية تركيا، لكن تركيا ليست جاهزة بعد للعضوية. \r\n والرأي العام الفرنسي، بما في ذلك «حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية« UMP الذي ينتمي إليه جاك شيراك نفسه، يعارض عموماً انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك باعتبار أنها في المقام الأول بلد آسيوي ومسلم. ويتحجج المنتقدون بأن ضم الاتحاد الأوروبي ل 70 مليون تركي هو أمرٌ من شأنه أن يقوّض هوية أوروبا وأن يهدّد عملية الاندماج الأوروبي السياسي المستمرة منذ 50 عاماً. ويعتقد البعض أن تركيا ستكون كحصان طروادة أميركي ضمن أوروبا. وهناك آخرون- وعلى وجه الخصوص اللوبي الأرمني القوي- يريدون أن تعترف تركيا بمسؤوليتها عن مذابح الأرمن في عام 1915 . \r\n وفي أثناء زيارته إلى فرنسا، حاول أردوغان تخفيف حدّة هذه المخاوف، وصوّر تركيا كبلد منفتح ومسالم ويبعث على الاطمئنان ويلتزم بالمستقبل الأوروبي. وأكّد أردوغان على مودّته تلك بتقديم طلب لشراء 36 طائرة من طراز إيرباص بقيمة 3 مليارات دولار تقريباً. ويتم تزويد أسطول الطائرات المدني التركي حتى الآن بطائرات من شركة بوينغ. ودعا أردوغان أيضاً رجال الأعمال الفرنسيين إلى الاستثمار في تركيا وأشار إلى أن تركيا تتطلع إلى الحصول من فرنسا- وهي أكبر منتج للطاقة النووية في أوروبا- على المساعدة في بناء مشاريع لتوليد الطاقة النووية لأغراض مدنية. \r\n ويدرك الزعماء الأوروبيون أنه سيكون لمسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي أثر عميق في علاقة الغرب الصعبة مع العالم الإسلامي. ذلك أن ضم دولة ديمقراطية مسلمة كتركيا من الممكن أن يساعد على إزالة مشكلة التوترات القائمة مع المجتمعات المسلمة. وعلى نقيض ذلك، سيكون من شأن رفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أن يذكي نار العداء وأن يعطي شعوراً بالارتياح إلى أولئك الذين يتنبأون بوقوع «صراع حضارات» محتوم. \r\n