حملت صدمة إسقاط انفصاليين أوكرانيين تدعمهم موسكو الطائرة الماليزية، القادة الغربيين على تشديد العقوبات على روسيا. والانفصاليون الأوكرانيون يندحرون، ويخسرون المعارك. ويبدو ان فلاديمير بوتين يجد نفسه في مأزق لا فكاك منه، لكن الأوروبيين والاميركيين قلقون، فحين تحشر الطريدة في الزاوية، تقدم على ما لا يُتوقع. وفي كتابه «ضمير المتكلم» الصادر في 2000، يروي بوتين نشأته في مبنى يعمّه الخراب في لينينغراد، ويروي مشاغل طفولته: مطاردة الجرذان بعصا: «ذات مرة لمحت جرذاً ضخماً فلاحقته وحشرته في زاوية، ولم يكن أمامه مفر. فقفز عليّ وهاجمني. تفاجأت وشعرت بالرعب. فالادوار انقلبت، والجرذ يهاجمني». وخطوات الرئيس الروسي في الأشهر الستة الأخيرة فوجئت المراقبين: ضم القرم، وانتهاج سياسة خارجية ترمي الى حماية «العالم الروسي» دولاً في الاتحاد السوفياتي السابق، وتوكيل شخصيات هامشية قومية متطرفة إعلان تمرد في شرق اوكرانيا. والقادة الغربيون في حيرة من أمرهم، لا يعرفون الى أي حد سيتمادى بوتين في أوكرانيا. ونتائج العقوبات الغربية على موسكو الرامية الى ردعها ومعاقبتها، تحمل بوتين على حسبان ان الغرب يرمي الى تغيير النظام في روسيا وليس في أوكرانيا فحسب، وأن تراجعه لم يعد ممكناً. الحكومات الغربية قطعت جسور الحوار مع موسكو. فكل الشخصيات البارزة في سلم القرار الروسي، مدرجة على لائحة العقوبات. ويأمل الغرب بأن يعدل بوتين عن التصعيد أو يفقد دعم النُخب والروس له. ولكن الوقت ينفد، ومصالح اوكرانيا والغرب على المحك. فموسكو تحصن مواقع قواتها على الحدود مع أوكرانيا، واحتمالات تدخل بوتين عسكرياً تتعاظم. ولن تخلّف العقوبات القاسية على المصارف العامة الروسية أثراً يذكر في القريب العاجل. فاحتياط العملات الاجنبية في موسكو كبير، وكلما طالت الحرب وتناسلت فصولها، تفاقمت مشكلات الاقتصاد الاوكراني المتهاوي مع اقتراب الشتاء. إن الحؤول دون تشكيل روسيا محمية تابعة لها في شرق اوكرانيا أو تجميد النزاع، هو أولوية طارئة. وتبرز الحاجة الى الحوار مع بوتين والدائرة المقربة منه، وحري بأوباما تقديم 3 اقتراحات الى نظيره الروسي، أولها يقضي بوقف النار بإشراف الاممالمتحدة أو منظمة الامن والتعاون في أوروبا، ونقل كييف صلاحيات الى الحكومات المحلية وحماية اللغة الروسية وتنظيم انتخابات مباشرة للمسؤولين المحليين، وحوار بين الغرب وروسيا حول مستقبل أوكرانيا. وثمة إجماع على ضرورة بقاء البلد هذا محايداً. وقد لا يرحب بوتين بهذه الاقتراحات، ولكن في وسع أوباما التلويح بأن الوقت لن يطول قبل دعم أميركا الأوكرانيين عسكرياً وتعزيز «الناتو» مرابطته على الحدود مع روسيا. نوع المقال: روسيا