الوضع في أوكرانيا وفي العالم ما زال غير قابل للتنبؤ، ولا تتوقف المحاولات من قبل الأميركيين وعدد من الدول الغربية الأخرى، لإثبات طابعهم المميز وللاسترشاد في الشؤون الدولية ليس بالقانون الدولي، بل بقانون القوة. ولتحقيق هذا الهدف تُستخدم أساليب مختلفة، بما فيها أساليب غير نزيهة، وتُتخذ خطوات تمس عادة بشكل مباشر، المصالح الوطنية المشروعة لروسيا، الأمر الذي يستدعي من موسكو الحذر الشديد والاستعداد الدائم لمواجهة أية تهديدات. وقد جاءت الأزمة الأوكرانية لترفع حالة الاستعداد العسكري في روسيا إلى الدرجة القصوى، الأمر الذي أصاب العالم كله بذعر، وذكر الكثيرين بأزمة خليج الخنازير بين موسكووواشنطن، والتي كادت تتسبب في حرب عالمية نووية. وفي الوقت الذي بدأت فيه وحدات من القوات الروسية تدريباتها في جنوبروسيا، مع تزايد تداعيات الأزمة في أوكرانيا، أعلن حلف شمال الأطلسي والولاياتالمتحدة عن حشد المزيد من القوات في دول شرق أوروبا، في حين أرسلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) سفينة حربية جديدة هي فرقاطة «تايلور» إلى البحر الأسود، لتنضم هناك إلى مدمرة «دونالد كوك» التي دخلت مياه البحر الأسود في وقت سابق. ولم تعد موسكو تخفي استعداداتها العسكرية، بل إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد الأسبوع الماضي تكثيف الحشود العسكرية عند الحدود الأوكرانية، احتياطاً لاحتمال صد هجوم يستهدف الرعايا الروس في الشرق الأوكراني. وقال لافروف للصحافيين «لا بد من القيام بردّ إذا تعرضنا إلى هجوم»، مضيفا أنه لا يرى مفرا من القيام بردّ «في حال تعرضت مصالحنا المشروعة ومصالح الروس إلى هجوم مباشر، فالاعتداء على الرعايا الروس هو اعتداء على روسيا». وما زال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يذكر العالم كله بأن البرلمان الروسي قد منحه الحق في استخدام القوات المسلحة للدفاع عن الروس المقيمين في أوكرانيا. تصاعد تداعيات الموقف، طرح الحديث على الساحة العالمية حول احتمال صدام غربي روسي مسلح، الأمر الذي يعني حربا عالمية ثالثة في الطريق، فعندما يصطدم العمالقة يصبح كل شيء مباحا، حتى السلاح النووي، الذي لم تتردد واشنطن في استخدامه في اليابان في الحرب العالمية الثانية. سؤال التدخل العسكري الغربي طرح للنقاش في الغرب بشكل واسع، وفي لندن ذكرت صحيفة «ديلي ميرور» أن الاستخبارات البريطانية MI-6 أبلغت رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أن إرسال قوات عسكرية بريطانية إلى أوكرانيا قد يؤدي إلى «حرب شاملة» مع روسيا. وكشفت الصحيفة عن إرسال الاستخبارات البريطانية عملاءها سرا إلى جميع أنحاء أوكرانيا، ومنها مدن شرق البلاد التي يسكنها الروس والناطقون باللغة الروسية، كما رصد العملاء نقاط العبور الحدودية مع روسيا، وأكد مدير الاستخبارات البريطانية لكاميرون، بحسب الصحيفة، أن الرئيس بوتين «لن يقف مكتوف الأيدي إذا أرسل الغرب جنوده لدعم الحكومة الأوكرانية». ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع قوله «إن الرسالة الأساسية هي أن الأمر لا يستحق بدء حرب عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا». حاملات الطائرات الأميركية تتوجه نحو البحر الأسود، والعسكرية الروسية لا تقف صامتة ومتفرجة، بل تتدخل وبقوة وفاعلية لإثبات جديتها في مواجهة أي تدخل عسكري أجنبي في أوكرانيا أيا كان مصدره، حتى لو كان الولاياتالمتحدة أو حلف الناتو. وقد اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بأن طائرة مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 24»، حلقت فوق مدمرة أميركية في البحر الأسود، وأنها أرعبت أفراد طاقمها من الجنود الأميركيين بشكل كبير، وأصابت بعضهم بحالات عصبية مرضية. وقالت الوزارة في بيانها، إن المقاتلة الروسية حلقت على ارتفاع منخفض جدا وبسرعة فائقة للصوت، أكثر من 12 مرة بالقرب من المدمرة الأميركية «دونالد كوك»، التي ترابط حاليا في البحر الأسود. وقامت المقاتلة الروسية، حسب البنتاغون، بتمثيل هجوم قتالي على المدمرة. ووصف المتحدث باسم البنتاغون العقيد ستيفن وارن لوكالة «رويترز»، تلك المناورات بأنها مخيفة وغير مسموح بها، لأنها شلت حركة أفراد طاقم المدمرة الذين رفع 27 فردا منهم طلبا بالاستقالة من الخدمة العسكرية. وأشار وارن إلى أن المدمرة الأميركية كانت تقوم بدوريات في غرب البحر الأسود، وهي الآن راسية في ميناء روماني حيث تم توجيهها إلى هناك بشكل عاجل. ويقوم أطباء الأمراض النفسية بفحص أفراد طاقمها، بعد الرعب الذي أصابهم. يذكر أن مدمرة «دونالد كوك» هي السفينة الحربية الأميركية الثالثة التي دخلت مياه البحر الأسود في الآونة الأخيرة، واقتربت من السواحل الأوكرانية. ووفقا للقوانين الدولية، تحظر على السفن الأميركية الإقامة في البحر الأسود فترة تزيد على 14 يوما، وفي حال تخطي تلك الفترة يحق لروسيا بتوجيه ضربات إليها. الأوضاع تنذر بمخاطر شديدة، والمراقبون العسكريون يخشون وقوع أي خطأ أو إجراء متهور من أي جانب، قد يشعل حربا لا يستطيع أحد إخماد نيرانها ولا إيقاف تداعياتها على العالم كله. نوع المقال: روسيا سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية