حض مُشرّعون أميركيون من الحزبين إدارة اوباما على تبني سياسة أقسى حيال فنزويلا التي تتشقق تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية على حكومة نيكولاس مادورو. بيد أن الهدف الحقيقي لبعض المشرعين في الكابيتول هو كوبا. يوجه الديموقراطيون والجمهوريون هؤلاء ضغطهم صوب بلد مثّل شوكة في خاصرة مصالح الولاياتالمتحدة في أميركا اللاتينية في الأعوام الماضية. وفي الوقت الذي يقدم دعاة فرض العقوبات على المسؤولين الفنزويليين المشاركين في قمع الاحتجاجات، طلباتهم هذه إلى منظمة الدول الأميركية، مثل عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ماركو روبيو، يدفعون بذريعة ثانية: عقوبات أشد على فنزويلا تشكل فرصة لزعزعة شريان حياة النظام الشيوعي في كوبا الذي يعتمد اقتصاده اعتماداً كبيراً على النفط المدعوم وغيره من الهدايا التي تقدمها كراكاس. ويشكك عدد من المشرعين البارزين منذ زمن بجهود إدارة أوباما حيال كوبا بعد أكثر من خمسين سنة على الحظر الاقتصادي الأميركي المفروض على الجزيرة. وأثارت جهود أوباما لتخفيف القيود على السفر والتحويلات المالية، خصوصاً عن الأميركيين من أصل كوبي، غضب النواب من أمثال روبيو الذي يعتمد على أصوات الأميركيين الكوبيين. اشتد هذا القلق في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بعدما صافح الرئيس باراك أوباما الرئيس الكوبي راؤول كاسترو اثناء جنازة نلسون مانديلا. حصل ذلك بعد شهر على إعلان أوباما أن الولاياتالمتحدة قد تحتاج إلى إعادة التفكير في الحظر. وقال روبيو في خطاب حماسي أمام مجلس الشيوخ قبل أيام، إنه هو أيضاً يريد تطبيع العلاقات مع كوبا «ديموقراطية حرة، ولكن هل تريدون منا التواصل وتطوير علاقات ودية مع منتهك متسلسل لحقوق الإنسان، يدعم ما يجري في فنزويلا وكل فظاعة أخرى على الكوكب؟». كوباوفنزويلا مرتبطتان كتحدِّيَيْن للسياسة الخارجية عند العديد من المشرعين (الأميركيين) بسبب الصلات بين النظامين الاشتراكيين. كان الزعيم الفنزويلي السابق مؤيداً حازماً لفيديل كاسترو وساعد في ضمان استخدام فنزويلا ثروتها النفطية لدعم الاقتصاد الكوبي العليل. وبحث تشافيز تكراراً في كوبا عن علاج لمرض السرطان الذي أصيب به وأودى به في النهاية. واستمرت العلاقات الوثيقة بين البلدين حتى مع انتقال الحكم إلى زعيمين آخرين. وكان مادورو من الضيوف الذين احتفت بهم كوبا الصيف الماضي، عندما أحيت ذكرى ستين سنة على انطلاق الثورة الكوبية. ويقدّر بعضهم حجم المساعدة الفنزويلية إلى كوبا بأكثر من 130 ألف برميل من النفط يومياً، إضافة إلى رواتب آلاف الموظفين الكوبيين العاملين، ما يجعل المساعدة عشرة بلايين دولار سنوياً أو ما يتراوح بين خُمس وسُدس إجمالي الناتج المحلي الكوبي. ويقترب حجم المساعدة هذه من الدعم الاقتصادي الذي كانت كوبا تتلقاه من الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات قبل أن ينهي الانهيار السوفياتي فجأة مساعدة موسكو الاقتصادية لفيديل كاسترو. بكلمات ثانية، يعتقد بعض المشرّعين أن مزيداً من الاضطراب أو حتى التغيير في نظام الحكم في فنزويلا قد يشكل تهديداً مباشراً لحكم فيديل وراؤول كاسترو في كوبا. بيد أن أموراً كثيرة تغيرت منذ نهاية الحرب الباردة. سعت كوبا في إصلاح بطيء وعثرت على أكثر من راعٍ سخي لمساعدتها، ومنهم البرازيل التي تزيد استثماراتها وتجارتها مع كوبا وساهمت في بناء مرفأ كبير غير بعيد عن هافانا. وتدرك كوبا المجازفة التي يشكلها الاعتماد على النفط الفنزويلي، وسعت مرات إلى التنقيب عما تعتقد أنه احتياطات ضخمة من النفط في خليج المكسيك ولكن من دون نجاح حتى الآن. وتستبعد الخبيرة في شؤون أميركا اللاتينية في «مجلس العلاقات الخارجية» جوليا سفيغ، أن يؤدي خنق فنزويلا إلى انهيار كوبا، وتقول: «أعتقد بأن كوبا تخطط لذلك منذ أمد بعيد، وحتى لو لم تكن مستعدة مئة في المئة، فهي مستعدة كفاية». وتشمل الاستعدادت العلاقات الاقتصادية العميقة مع البرازيل والاتحاد الأوروبي وكندا والصين. والنفط في صميم الدعم الفنزويلي لكوبا، لكنه أيضاً في قلب متاعب كراكاس. وفي الوقت الذي يأخذ فيه روبيو وغيره على وزارة الخارجية الأميركية عدم تبني موقف قاسٍ حيال فنزويلا، اتخذ أحد أقسام الوزارة خطوة مهمة في 26 شباط (فبراير) قد توجه ضربة اقتصادية قاسية إلى مادورو والحكومة الفنزويلية. إذ قرر المفتش العام لوزارة الخارجية أن مراجعته البيئية لخط الأنابيب «كيستون إكس أل» المثير للجدال، لا تنطوي على تضارب في المصالح. بذلك يكون رفع واحدة من العقبات الأخيرة أمام منح إدارة أوباما موافقتها النهائية على بناء خط الأنابيب الذي سينقل 800 ألف برميل نفط يومياً، من كندا إلى مصافي شاطئ الخليج الأميركية. وبذلك تكون فنزويلا التي تصدّر يومياً الكمية ذاتها من النفط الثقيل إلى الولاياتالمتحدة لتشغيل هذه المصافي، الخاسر الأكبر. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية