ظل خبر رحيل الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز. الحدث الأبرز علي الساحة الدولية منذ الإعلان عنه يوم الثلاثاء الماضي وحتي مواراة جثمانه الثري .. فبعد 14 عاماً من الحراك السياسي الذي أحدثه شافيز الخليفة الروحي للزعيم الكوبي فيدل كاسترو جاءت اللحظة التي يغيب فيها عن الساحة ليفتح المجال أمام العديد من التكهنات فيما يتعلق بمستقبل السياسة الخارجية ليس فقط بالنسبة لبلده فنزويلا. بل أيضاً لدول أمريكا اللاتينية بأكملها والتي كان يمثل فيها الحجر العثرة أمام امتداد الهيمنة الأمريكية. وبالنظر إلي مسيرة الراحل شافيز الذي تردد اسمه للمرة الأولي عام 1992 من خلال عملية انقلاب فاشلة علي السلطة تبرز عدة محطات هامة في تاريخه. فبعد أن صعد إلي سدة الحكم عام 1998 بدأ في إعادة صياغة الاقتصاد المحلي لفنزويلا معتمداً علي عائدات النفط الكبيرة. إذ أن بلاده تأتي في المرتبة الخامسة من حيث انتاج النفط. وقد ساعد ذلك في أن تتبوأ فنزويلا مكانة كبيرة ربما تفوق حجمها الحقيقي علي الساحة الدولية. ومن هذه النقطة بدأت تتشكل السياسة الخارجية لكراكاس. اتخذ شافيز من خندق الزعيم الكوبي فيدل كاسترو قاعدة للانطلاق في سياسة بلاده الخارجية. فأصبح الخصم الأكبر لواشنطن في أمريكا اللاتينية. وبدأ في تكوين جبهة اشتراكية مناهضة لما يسمي الإمبريالية الأمريكية. وضم إليه في تلك الجبهة كلا من كوبا وبوليفيا والإكوادور. ووقفت هذه الجبهة مدعومة بقوة شافيز في وجه أي محاولة أمريكية للسيطرة علي كافة دول القارة الأمريكية الجنوبية. قبل أن يمتد تأثير شافيز نفسه إلي العالم الخارجي. حيث أقام علاقات قوية مع الدول المناهضة لسياسات الولاياتالمتحدة. وفي مقدمتها الصين وروسيا وإيران وسوريا. كما كان أكبر المنتقدين للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وهنا يبرز قيامه بسحب سفير بلاده في تل أبيب بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة عام .2008 وبرحيل شافيز يري البعض أن المعادلة قد تتغير بالنسبة لغالبية الدول والمنظمات التي ارتبطت بعلاقات معه. فعلي سبيل المثال فقدت إيران حليفاً قوياً كان بمثابة نقطة الارتكاز في سياستها الخارجية وكان مساعداً لها في زيادة استثماراتها بدول أمريكا اللاتينية خاصة في مجال الطاقة وتصنيع البترول. وربما يزيد رحيل شافيز من محنة إيران التي تعاني بالأساس من تأثير العقوبات الدولية خاصة أن المستقبل غير واضح بالنسبة لفنزويلا نفسها. إذ ليس من المضمون أن يسير الرئيس الجديد الذي سيتم انتخابه خلال 30 يوماً علي نفس درب شافيز. وإذا كانت إيران ستتأثر اقتصادياً. فإن الحليف الآخر سوريا ربما يتأثر سياسياً في المقام الأول. حيث كان شافيز أحد الداعمين للرئيس بشار الأسد حتي قبل اندلاع الثورة في سوريا. ورحيل شافيز يعني الكثير بالنسبة للأسد. فالرئيس الفنزويلي الراحل كان الوحيد في العالم الذي أعلن استعداده لاستقبال بشار الأسد للعيش في بلاده في حال تنحيه عن الحكم. بما يعني أن الأسد فقد الملجأ الوحيد حال سقط نظامه. فضلاً عن فقدانه واحداً من أكثر الداعمين له اقتصادياً وربما لوجيتسيا حيث اعتادت السفن الفنزويلية المحملة بالنفط علي الرسو بالموانئ السورية عندما قرر المجتمع الدولي وقف ضخ البترول والسلاح إلي سوريا نتيجة العدوان علي المدنيين. ولا يقتصر تأثير رحيل شافيز علي علاقات بلاده المستقبلية مع الدول الأخري بل يمتد إلي المنظمات الدولية أيضاً. وهنا يبرز سؤال حول مستقبل سياسات منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" بعد رحيل شافيز. إذ يتذكر الجميع في تلك المنظمة أن الفضل يعود للرئيس الفنزويلي الراحل في عدم هبوط سعر برميل النفط لما هو أقل من 600 دولار. الأمر الذي عاد بالفائدة علي دول المنظمة. وأزعج العديد من الدول الأخري المستوردة للخام وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة. وقد تصدي شافيز في أكثر من مرة لمحاولات الضغط التي مورست من أجل تخفيض السعر. وهو الأمر الذي ربما يتكرر في المرحلة القادمة بعد رحيله. خلاصة القول إن رحيل شافيز يفتح المجال أمام تغول السياسة الأمريكية في القارة اللاتينية. فبعد نجاح واشنطن في استقطاب دول مثل البرازيل والأرجنتين. سيكون المجال مفتوحاً أمامها لزيادة نفوذها والتصدي للسياسات الاقتصادية لمنظمة التجارة الأمريكية الجنوبية المعروفة باسم الماركوسور والتي كثيراً ما عملت علي الاستغناء عن المساعدات الأمريكية المشروطة .. كما سيكون المجال مفتوحاً أمام إسرائيل الابن المدلل لواشنطن لإعادة صياغة علاقاتها بكاراكس. وبالتالي تتمكن من كسب حليف جديد يفتح أمامها المجال لزيادة نشاطها الاقتصادي ليس في أمريكا اللاتينية فقط بل في القارة الافريقية أيضاً حيث لعبت فنزويلا في عهد شافيز دوراً حيوياً في العديد من الدول الافريقية وفي مقدمتها أنجولا. وتكريماً للرئيس الراحل. أعلن نائب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن جثمان شافيز سوف يحنط ثم يسجي في المتحف العسكري بعد تشييعه كما حدث مع جثماني الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والزعيم السوفيتي فلاديمير لينين. وأوضح أن متحف كاراكاس العسكري والذي سينقل جثمان شافيز إليه بعد تشييعه سوف يتحول إلي متحف للثورة.. يعد متحف كاراكس العسكري المكان الذي ألقي القبض علي شافيز عام 1992 عندما قام بانقلاب عسكري فاشل وكانت المرة الأولي التي يظهر فيها علي المسرح السياسي الفنزويلي.