عندما تأتي المصائب فإنها لا تأتي كالجواسيس فرادى بل كتائب كتائب .. هذا هو الحال في مصر حالياً فكلما "قامت من حفرة نقع في ضحضيرة"، فخلال الفترة الماضية لم نسمع إلا أخباراً عن سقوط عقارات ومصرع العشرات وعن غرق مراكب صيد وعن حوادث قطارات بالجملة أدت إلى مصرع المئات ناهيك عن الحوادث اليومية على الطرق السريعة، وأخيرا مصرع 19 سائحا في حادث المنطاد ، لأن مصر "اللي فيها مكفيها" . مصر والجراد لم يتوقف سوء الحظ الملازم لمصر منذ فترة إلى هذا الحد، بل أن الرياح تأتي دائماً بلا ما تشتهي السفن، فبعد حادث منطاد الأقصر الذي كان له تأثيراً واضحاً على السياحة التي هي من الأساس تعاني الأمرين نتيجة ضعف الأمن والبلطجة المنتشرة في الشارع منذ ثورة 25 يناير، إلا أن الدنيا غيمت في مصر مرة واحدة عندما امتلأت سماء مصر في يوم وليلة بملايين الجراد الذي بإمكانه أن يبيد المحاصيل الزراعية في ساعة زمن. ورغم أن مصر مستهدفة من العديد من الدول الأخرى التي تسعى جاهدة بكل الوسائل والطرق إلى تدمير الاقتصاد والسياحة وغيرها، إلا أن الطبيعة هي الأخرى لم ترحم مصر، لتطل علينا بملايين الجراد الذي كان له حديثا كبيراً في الشارع المصري مؤخراً بعدما وصل إلى القاهرة ليصبح الضيف غير المرغوب فيه عند المصريين. تقصير الحكومة من جهته أكد الدكتور محمود الطنيخي استاذ الأمراض المشتركة بكلية الطب البيطري بجامعة الإسكندرية، في تصريح خاص ل "التغيير"، أن الحكومة عجزت عن التصدي لأسراب الجراد التي اجتاحات مصر حالياً، وقال :"من المعروف أنه من شهر يناير وحتى شهر أبريل يكون هناك هجرة للجراد من الجنوب إلى الشمال بأعداد مليونية". وأضاف :"أسراب الجراد الحالية قادمة من السودان .. ولم تقم الحكومة بأداء واجبها كالعادة على مستوى الحكومات المصرية المتعاقبة، حيث تنتظر الحادثة ثم تبدأ في التحرك"، مشيراً إلى أنه يجب على الحكومة وضع طرق لمكافحة أسراب الجراد قبل وصوله .. وليس التحرك بعد وصوله للعاصمة". الوضع خطير وأوضح الطنيخي أن الوضع خطير جدا في ظل الأعداد المتزايدة من الجراد خاصة بعد وصول أعداد مهولة منها إلى القاهرة وتهديدها للمحاصيل الزراعية، مطالباً الحكومة بعمل خطة دفاعية بحتة تنقسم إلى خطوط دفاعية أولى وثانية وثالثة، مشيراً إلى أن من ضمن أسباب عدم القضاء والتغلب على مشكلة أسراب الجراد هي نقص السولار التي تحتاجه سيارات المكافحة". وأضاف :"أن كل عام تقوم أسراب مليونية من الجراد بالهجرة، لكن مشكلة هذا العام أن الرياح والتكاثر والأعداد المتزايدة من الجراد تسببت في مشكلة كبيرة لمصر تسعى الحكومة لحلها ولكن الاستعداد غير الجيد لاستقبال هذا الضيف "الثقيل" لم تكن على قدر المسئولية لتقوم الحكومة بالاستعانة بالجيش لحل هذه الأزمة الطارئة". معلومات عن الجراد الجراد هو حشرات من رتبة Orthoptera أي الحشرات مستقيمة الأجنحة، يوجد ما يزيد على 20.000 نوع من الجراد في العالم، ويعتبر الجراد Locusts نوعا من حشرات الجنادب Grasshoppers التي تمتلك أرجلا خلفية قوية تساعدها على القفز، ويطلق على الاثنين معًا اسم الجراد الحقيقي True Locust .. وهناك ما يقرب من 18.000 نوع من الجندب في العالم، وهي حشرات آكلة للنبات تستطيع القفز إلى 20 مرة أطول من جسمها. مكافحته ويمكن مكافحة الجراد عبر رش المبيدات بواسطة الطائرات والمرشات المختلفة مما يؤدي إلى القضاء على الحشرات حديثة الفقس وحرقها في خنادق تحفر خصيصاً لذلك أو عبر استخدام الطريقة البيولوجية وذلك باستخدام فطر ال Metarhiziuim (على شكل زيوت ترش من الطائرات) تصيب الجدار الخارجي للحشرة، وتخترق تجويف جسم الحشرة فيتسبب الفطر في موت الجرادة خلال (4 - 10) أيام، ومن مميزات هذا الفطر أنه ينتقل من حشرة إلى أخرى سريعاً، ولا يؤذي النباتات والحيوانات والحشرات الأخرى في المنطقة كما تفعل الطرق الكيماوية. وتتركز تقنيات مكافحة الجراد حالياً على استخدام المبيدات بدلاً من الأساليب القديمة التي كانت تعتمد على أسلوب الإخافة أو الإحراق في الخنادق حيث إن المبيدات المستخدمة حالياً من الأنواع ذات التأثير القاتل بالملامسة، حيث تقتل الحشرة بمجرد ملامستها لقطرات المبيد بشكل مباشر أو عن طريق ملامسة النباتات المرشوشة أو بابتلاع أوراق النبات المرشوشة، وهناك مبيد الميتاريزيم الذي حقق نجاحاً في المكافحة الفعالة للجراد أو النطاطات ومن الضروري استخدام الرش الجوي في المناطق المصابة على نطاق واسع. غرائب الشعوب ومن غرائب الشعوب مع الجراد، كان الليبيون القدماء إذا هجم عليهم الجراد قاموا بقتله من أجل أكله وذلك بفصل الرأس والأجنحة والأرجل ثم يشمس حتى يجف وأخيرا يتم بشره على حليب الابقار أو الماعز للشرب، ولقد ذكر هيريدوت هذه القصة في كتابه التاريخ في الجزء الخامس المخصص بليبيا وقبائلها وعاداتهم وتقاليدهم. ولقد ظل هذا الأمر حتى ثلاثينات القرن الماضي فلقد كان يقلى بدون زيت ولكن ليس كل نوع من الجراد بل الذي يصل طوله من (10 سنتيمتر) فما فوق. وفي تشاد وعند بعض القبائل البدوية يعتبرون الجراد لعنة من الله ولهذا يختبئون بعيداً عن هجوم الجراد. مصر تتعرض للهجوم وقد تعرضت مصر مؤخرا إلى هجوم واسع من الجراد وكشف المهندس محسن عبده، رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن أن سبب تفاقم أزمة الجراد، هو قلة عدد فرق المكافحة وإعداد اللجان والآلات الموجودة بالسودان، مقارنة بالمناطق الشاسعة والصحراوية، التي تنتشر بها أسراب الجراد هناك، مما يزيد المساحات المفتوحة على الحدود المصرية السودانية التي يهاجم منها الجراد الأراضي المصرية، إضافة إلى قوة الرياح، التي جعلته ينتشر على مساحات كبيرة داخل الأراضي المصرية. وقال عبده في أثناء تواجده بأسوان لمتابعة مكافحة الجراد هناك :"إن لا صحة لما تردد من أنباء عن وصول أسراب جراد إلى السويس"، مؤكدا أن القواعد المتمركزة في الزعفران ورأس غارب والسويس أكدت عدم وجود أي أسراب قامت بمهاجمة السويس كما تردد. وأضاف أنه تم حتى الآن التخلص من 80% من أسراب الجراد الموجودة في أسوان، وذلك بعد التخلص من الأسراب، التي ضربت الحدود الجنوبية في حلايب وشلاتين وساحل البحر الأحمر وسفاجا والغردقة ومناطق بالساحل الشمالي الشرقي. وقال عبده "إن البطء في التخلص من أسراب الجراد سببه، أنه لا يمكن رش الجراد للقضاء عليه وهو طائر، حيث ينبغي أن نتتبع تحرك الأسراب حتى تستقر على الأرض أو الجبال ليلا ويتم وقتها ضرب تلك الأسراب بالمبيدات"، مؤكداً أن مصر تمتلك بؤر ولجان كثيرة مزودة بأحدث المعدات للقضاء على أسراب الجراد، إلا أن ضعف المكافحة واتساع الأراضي في السودان هو ما يجعل مصر مهددة دائما بأسراب جديدة بين وقت وآخر. وعن إمكانية دخول فرق المكافحة المصرية للأراضي السودانية لمكافحة الجراد داخلها قبل أن تهاجم الأراضي المصري، قال عبده "إن مهمة المكافحة على الأراضي السودانية شأن الحكومة السودانية وتساعدها في ذلك منظمة الفاو سواء بالتدريبات أو المعدات وغيرها". أسراب جديدة وقد توقعت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي قدوم أسراب جديدة من الجراد من شمال السودان وجنوب شرق مصر خلال الأسابيع القليلة القادمة. وذكرت الوزارة أنه حال عدم سقوط أمطار قد تتحرك هذه الأسراب إلى داخل مصر وتعبر البحر الأحمر وتتجه إلى الممكلة العربية السعودية، مؤكدا استمرار أعمال مكافحة الجراد وتكثيف لجان البحث والاستكشاف في مناطق جنوب شرق بحيرة ناصر. وأكدت الوزارة استمرار أعمال مكافحة الجراد في مناطق "أبوسمبل جنوبأسوان، وجرف حسين والعلاقي وأبو رماد على الحدود المصرية السودانية"، وكذلك في عمق الصحراء الشرقية في الشيخ الشاذلي وأبرك وساحل البحر الأحمر وشلاتين وحماطة ومرسى علم وسفاجا والغردقة وطريق رأس غارب. وأشار البيان إلى أن الأجهزة المعنية سيطرت على الجراد منذ بداية ظهور أسرابه في 8 نوفمبر عام 2012 وحتى الآن، خلال الهجرة الموسمية السنوية له من مناطق التكاثر الصيفي عبورا بمصر إلى مناطق التكاثر الربيعي على سواحل البحر الأحمر. ورغم كل هذا وذاك .. هل تتعلم الحكومة الحالية أو القادمة من تلك التجارب، أم أنها تظل تنتظر المصائب والكوارث لتبدأ في التحرك لحلها بعد أن "خراب مالطا"؟!