بعد أن قامت ثورة 25 يناير وسقط نظام المخلوع، الممانع لأي تقارب وتعاون مصري إيراني، سعى الإيرانيون حثيثاً لفتح قنوات الاتصال مع كل القوى السياسية والأمنية والعسكرية في مصر، وحاولوا بشتى الوسائل اكتساب أصدقاء وحلفاء على الساحة المصرية؛ حيث جندت إيران كل دبلوماسيتها لإيجاد موطيء قدم في كل قطاعات الحياة السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية المصرية. ولا يمكن القول بأن دول الخليج لا تفضل إعادة العلاقات المصرية - الإيرانية؛ لأن جميع هذه الدول تقيم بالفعل علاقات دبلوماسية كاملة مع طهران، وتستقبل مسؤوليها من كل المستويات وتتواصل معهم في مختلف الفعاليات وترتبط معها بعلاقات اقتصادية وتجارية متميزة، ويكفي الإشارة إلى حجم التجارة بين الإماراتوإيران الذي تجاوز في بعض السنوات 10 مليارات دولار سنويًا لتوضيح الصورة في هذا الشأن. كما أن مثل هذا الإدعاء يتعارض تماماً مع مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة والدعوات التي تطلقها دول الخليج لبعض الدول وتحديدا إيران للمطالبة بعدم التدخل في شئونها الداخلية، ويفسر ذلك عدم صدور أي تصريحات رسمية خليجية للتعليق على زيارة الرئيس محمد مرسي لطهران أو طرح رؤية دول الخليج لانعكاسات التقارب المصري الإيراني على العلاقات الخليجية مع مصر. وقد تزعج العلاقات المصرية - الإيرانيةالولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني؛ حيث إن مصر وإيران يمثلان قطبي الأمه الإسلامية في العالم فضلا عن أنهما ذاتا نفوذ قوي في آسيا وأفريقيا وتوطيد علاقة الدولتين ببعضهما سيغضب الكيان الصهيوني. وعودة العلاقات بين مصر وإيران سيضع تركيا في المعادله أيضاً فإذا استطاعت مصر وتركيا وإيران التحالف معا وتخطي الخلافات السنية - الشيعية، ستكون الدول الثلاث حكما إسلامياً قوياً يهدد نفوذ الولاياتالمتحده والكيان الصهيوني في المنطقة. ودائما ما سعت الولاياتالمتحده خلال العقود الماضية إلى سحب مصر بعيدا عن العالم الإسلامي لتجنب هذه القوة وذلك من خلال جعل الصادرات المصرية نحو السوق الأمريكي والصهيوني لتجنب إنشاء أي تحالفات إسلامية. وعلى الرغم من الإخفاقات العديدة والمستمرة للمساعي الإيرانية للتقارب مع مصر إلا أن السعي الحثيث للإيرانيين وتغير الأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية من يوم لآخر في مصر، جعل من التواصل الإيراني - المصري أمرًا حتميًا أمام القيادة الجديدة بالقاهرة بغية تحقيق بعض المكاسب فيما يتصل بالسياسية الخارجية، والأمر نفسه بالنسبة للإيرانيين الباحثين عن أي علاقة جديدة تخترق جدار عزلتهم الدولية. وبالنظر إلى ميزان المكاسب التي سيجنيها أي من الطرفين - المصري والإيراني - يبدو جليًا أن الكفة تميل لصالح الإيرانيين، حيث لا شيء يقدمونه للمصريين غير الوعود والأماني بحكم الحصار والعزلة، وفي المقابل سيجنون دفعًا إعلاميًا وسياسيًا بحكم الثقل السياسي المصري في المنطقة. وإذا كنا نقدر للدبلوماسية المصرية انفتاحها الحالي على كل المعطيات الدولية والإقليمية بغرض تحصيل أكبر قدر ممكن من العودة لدورها التاريخي على الصعيد الدولي والمحلي بما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد المتذبذب بين التداعي والصمود، إلا أن إيران بالذات أبعد ما تكون عن تحقيق أماني المصريين وطموحاتهم. وتعليل ذلك واضح من كون أي بادرة إيرانية غالبًا ما تكون مغلفة بأهداف براقة ولكن تضمر الكثير من الخراب والدمار والخطر على الأمن الوطني المصري ، وكلنا يذكر عرض إيران للمجلس العسكري المصري إبان اضطلاعه بالحكم المؤقت بعد الثورة وتكرر في عهد مرسي بإنقاذ قطاع السياحة بضخ مليارين إلى خمسة مليارات دولار سنويًا عبر ألف زائر إيراني يوميًا إلى عتبات ومزارات آل البيت في مصر، حيث وُجه هذا العرض بالتجاهل من قبل الإدارة المصرية بسبب خطورته على الأمن الوطني المصري. وعدا عن ذلك فإن إيران لا تكف عن بذل كل ما في وسعها في سبيل كسب معركتها الدائرة في سورية، التي تخوضها متخندقة مع نظام الأسد، التي يهمها جدًا أن تنحّي الدور المصري في دعم حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وإنفاذ ثورته ضد أشرس طاغية عرفته البشرية عبر التاريخ ، ومصر الثورة حكومة وشعبًا تجد لزامًا عليها الوقوف بكل قوتها في تأييد موقف الشعب السوري واحترام خياره بأن يكون له ربيعه الخاص الذي اصطبغ بالدم بعد أن أزهقت وتزهق أرواح العشرات من أبناء الشعب السوري يوميا بفعل آلة القتل التي لم تتوقف يوما منذ الثامن عشر من مارس من العام الماضي 2011. كما أن أي تقارب مصري إيراني يؤدي لا محالة إلى اصطفاف مقابل للقوى الإقليمية والدولية ضد مصر ، وبالتالي تكون النتيجة أقرب للخسارة منها للمكسب ، فأن تخسر مصر صديقا كإيران لا يعادل أبدًا خسارتها لصديق بحجم ووزن تركيا ودول الخليج العربي ناهينا عن الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة المجاهرين بالعداء والحصار لإيران ولكل تحالف معها. وعلى كل حال فإن الأيام القليلة المقبلة ستكشف تبعات اللقاءات الأخيرة بين إيران ومصر، وإن كانت إيران قد باشرت بقطف الثمار الإعلامية كونها استطاعت إذابة الكثير من الجليد الذي كسا علاقتها مع مصر، وبالتالي وجهت رسالة قوية لخصومها أنها قادرة على كسب أصدقاء بثقل وتاريخية مصر، ويبقى الدور على مصر أن تكسب بالمثل بأن تساوم على الورقة الإيرانية لتحظى بالدعم والمؤازرة المطلوبة من المجتمع الدولي في لعبة المساومات السياسية بغية تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية هي في حاجة إليها الآن وغدًا.