تناولنا فى مقال الأول من يناير 2013 قضية "الإسلام والتعددية"، وأشرنا فيه إلى أن قضية التعددية فى الإسلام ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية الشورى، وأن التعددية سنة من سنن الله، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وأشرنا إلى أن الشرط الذى يضعه الإسلام هو ألا يكون هناك نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة حتى تجوز التعددية فى تلك المسألة، وألا تتعارض هذه الرؤى مع الثوابت الإسلامية أو مع النصوص القطعية أو ما اصطلح عليه فقهاء الإسلام بما هو معلوم من الدين بالضرورة. التعددية فى الإسلام تعنى أن هناك اجتهادات متعددة أو اختلافات فقهية فى مسألة واحدة، والاختلاف الفقهى قد ينشأ عند تنزيل الأحكام الإسلامية على الواقع المعاش، ومن ثم فإن الاجتهاد يتعدد باختلاف عناصر ثلاثة متغيرة (اختلاف الزمان - اختلاف المكان - اختلاف الحال، وهو ما أسميته بالخصوصية الحضارية للمجتمعات). والمساحة قطعية الثبوت والدلالة فى القرآن والسنة لها الأولوية الأولى فى الأحكام الفقهية والتى لا تحتمل اللبس (الفرض – الواجب – الحلال – الحرام – المنهى عنه) بينما المساحة الظنية فيها (المستحب – المتشابه – المكروه). والمساحة القطعية هى المساحة الأصغر بينما المساحة الظنية هى المساحة الأكبر، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ حيث يتفق الفقهاء فى المساحة الصغيرة القطعية الثبوت والدلالة. بينما يرد الخلاف فى المساحة الكبيرة الظنية، فمن رحمة الله وجود هذه المساحة الظنية الكبيرة والتى تحتمل الاجتهاد والخارجة عن المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة. ويوضح الدكتور القرضاوى الثابت فى الشريعة بما يلى: (مقاصد الشريعة - القواعد الشرعية - الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة). كما يوضح المتغير (المرن) فى الشريعة بما يلى: (الفروع - منطقة العفو)، ونتعرض فى هذا المقال إلى الشبهات التى يثيرها العلمانيون أحيانا والإسلاميون أحيانا أخرى. 1- شبهة الإسلام لا يحتمل التعددية البعض يذهب وبعض الجماعات الإسلامية تذهب إلى أن الإسلام لا يحتمل التعددية؛ فإما حزب الله وإما حزب الشيطان، هذا كلام مضبوط هناك حزب الله وحزب الشيطان، لكن داخل حزب الله نفسه يمكن أن توجد فصائل متعددة كلها حزب الله طالما أنها تتبنى الحل الإسلامى والمنهج الإسلامى والمرجعية الإسلامية منهجًا للحياة، أى أن حزب الله يتسع لكافة التيارات الإسلامية داخل الإطار الإسلامى الأوسع، هنا قد يحتج البعض بالحديث المشتهر الذى رواه أحمد وأبو داود "ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة"، ومنها من حديث عبد الله بن عمرو: " ... قالوا ومن هى يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابى". وتفسيرنا لهذا الحديث أن المقصود بالشعبة أو الملة أو الفرقة هنا هو العقيدة أو المذهب العقيدى، وبالتالى فإن الجماعات التى ينقسم إليها الإسلام هى جماعات خارجة عن الإسلام وعندها خلل فى البعد العقائدى، أما الجماعة الناجية فهى كل جماعة تأخذ بالكتاب والسنة، أى أن المسألة لها بعد عقائدى وليس بعد فقهى أو سياسى. التعدد فى الرؤى والاجتهادات من مصلحة الأمة ولكن البعض يضيق واسعا بأن الإسلام لا يقبل التعددية، الكثير من الجماعات تظن أنها جماعة المسلمين وأنها ليست جماعة من المسلمين وأنها الجماعة الناجية وما عداها هالك، هناك بعض الجماعات حسمت هذه القضايا، على سبيل المثال (الإخوان المسلمون) حسموا هذه القضية، فى الخمسينيات من القرن الماضى –وداخل السجون- كان هذا التساؤل مطروحا (هل نحن جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟) حسموا القضية بأنهم جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين. وحتى ما قبل ثورة 25 يناير كان هناك من الفرق الإسلامية من تظن أنها جماعة المسلمين ومَنْ خارج هذه الجماعة ليسوا على الطريق الصحيح. 2- شبهة أن الإسلام لا يمكنه التعايش مع الآخر وكما أشرنا فإن الرأى الآخر كان موجودا دائمًا فى الخبرة الإسلامية، وخير دليل على هذا الصحيفة التى حررها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مجتمع المدينة بعد الهجرة من مكة إلى المدينةالمنورة، انظر إلى مجتمع المدينة نجد أنه نسق غريب ومتعدد يجمع المسلمين والنصارى واليهود، يجمع بين الأنصار والمهاجرين من المسلمين بين الأوس والخزرج، كان مجتمع المدينة مجتمعا متعددا أشبه بالفسيفساء، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحى به الله إليه وبما ألهمه سبحانه وتعالى بأن يؤسس أكبر إمبراطورية فى مدى زمنى قصير لم يتعدَ العشر سنوات، وكانت الوثيقة الحاكمة لهذا المجتمع المتعدد هى صحيفة المدينة التى حررها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليتعايش مجتمع المدينة بكل هذه التكوينات المختلفة. النصوص القرآنية أشارت إلى الاختلاف بين الناس وأن الله سبحانه وتعالى أرادنا مختلفين، وفى النص القرآنى نجد أن القرآن الكريم يخاطب المؤمنين أحيانًا ويخاطب المسلمين أحيانًا أخرى، لكنه فى الغالب ما يخاطب الناس والبشر كافة، وبما يعنى أن الخطاب موجه للبشر كافة بمسلميه ومسيحيه وبكافة الملل والديانات وحتى المشركين. 3- شبهة أن الإسلام ضد الحزبية وقد أثبتنا فيما سبق أن الإسلام مع التعددية ومن ثم فإن الحزبية إذا عكست هذه التعددية فلا حرج، طالما كانت داخل الإطار الإسلامى، والقاعدة الفقهية المقرة من الفقهاء أن الاتفاق فى الأصول واجب، أما الفروع فمساحة الحركة فيها واسعة.. هذا هو الإطار الإسلامى اتفاق فى الأصول وحركة واسعة فى الفروع ولكنها حركة منضبطة. وحتى ما قبل ثورة 25 يناير كان هناك من الفرق الإسلامية من ينكر الحزبية ومَنْ يمارس الحزبية يشق الصف الإسلامى، وأن الإسلام لا يعرف سوى حزب واحد هو حزب الله، وإذا بالتيار السلفى الآن -على سبيل المثال- ينقسم إلى ما يقرب أو يزيد على عشرة أحزاب، رغم أنهم كانوا يخطئوننا فى ذلك التوقيت عندما كنا نقول إن الإسلام لا يتعارض مع الحزبية. وهنا يثور التساؤل متى تكون الحزبية مرفوضة؟! من المفروض أن مفهومنا للحزبية أو للجماعة أن هذا الحزب أو الجماعة هو وسيلة لتحقيق غاية أكبر هى التمكين لدين الله سبحانه وتعالى فى الأرض بتحكيم شريعته وربط المجتمع بالإسلام ليلتزم به فهما وسلوكا، إذن انتماؤنا الأكبر هو للعقيدة والفكرة التى نؤمن بها وهى التمكين لدين الله سبحانه وتعالى فى الأرض، وأن أمة الإسلام مأمورة بأن يكون فيها جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ووجود هذه الجماعة فرض كفاية، بمعنى أنه إذا وجدت هذه الجماعة كفت الأمة، وإذا لم توجد تأثم الأمة جميعًا، وتسأل الأمة جميعًا أمام الله سبحانه وتعالى لماذا لم تدعُ إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهَ عن المنكر، إذن فالغاية الأكبر هى التمكين لدين الله فى الأرض والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا سبق انتماؤنا الحزبى انتماءنا للعقيدة التى نؤمن بها فإن المسألة يصبح فيها شىء خطأ، ويتمثل الخطأ فى أننا جعلنا من الوسيلة هدفا وغاية فى حين أن الوسيلة –وهى هنا الحزبية- ما هى إلا سبيل لتحقيق هذه الغاية، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يقيض هذه الفئة أو الجماعة المسلمة لينتصر بها الدين فهذه إرادة الله سبحانه وتعالى، وإذا لم توفق هذه الجماعة فعليها أن تحاول فى اتجاه آخر، لكننا يجب ألا نتعبد فى محراب الحزب أو الجماعة، ولهذا يجب ألا يسبق انتماؤنا التنظيمى ولاءنا العقائدى. لماذا تحدثنا عن (التعددية) ولم نتحدث عن (الحزبية)؟ لأننا نحاول أن نفرق بين التعددية فى الإطار الإسلامى والحزبية فى الإطار الغربى. الحزبية أو الليبرالية الغربية إبداع غربى أبدعه الغربيون طبقًا لظروفهم المكانية والحضارية... إلخ، وكان من الأولى أن نبدع نحن كمسلمين نظامًا تعدديًا مناسبًا لنا، وهو ما نسميه بالشورى. 4- شبهة أن المناداة بالتعددية نوع من مجاراة الواقع المعادون للحل الإسلامى يشككون فى صدق التعددية فى الإسلام ويتهمون من يقول بذلك بأنه نوع من مجاراة الواقع والممالأة لخداع الرافضين للحل الإسلامى كما تردد بعض الجماعات الإسلامية الرافضة للتعددية فى الإسلام –ممن يضيقون واسعا– بأن مقولة التعددية فى الإسلام نوع من مجاراة الواقع بتقديم تنازلات إسلامية. المسألة تحتاج إلى بعض التفصيل: ونحن نتعامل مع مسألة التعددية يجب أن نعلم أننا لسنا وحدنا فى المجتمع وهناك أطر ونظم وهناك قواعد ودستور يحكم هذا المجتمع، وعلينا أن نتعامل مع هذه الثوابت الموجودة فى المجتمع، شريطة ألا نقدم أية تنازلات وألا نرضى بالدنية فى ديننا وألا نخالف المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة، صحيح أن هناك ضرورة لأن يكون هناك اجتهاد للتفاعل مع الواقع المعاش حتى يبقى للدين حيويته وديمومته ولكن شريطة ألا نقدم أية تنازلات فى ديننا، هنا يمكن للبعض أن يقول إنها نوع من الممالأة ومسايرة ما هو قائم، نقول هذا غير صحيح، نحن علينا أن نساير الواقع ونتفاعل معه بل ونتماشى مع ما هو قائم طالما لا نقدم أية تنازلات فى إسلامنا، وفى نفس الوقت يجب أن يكون لدينا تصور كامل شامل إذا قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك حكم إسلامى حتى نكون مؤهلين لنطبق الإسلام بشكل صحيح أو بشكل نظنه صحيحًا. وإذا انتقلنا بالتعددية من المستوى الوطنى –والتى أثبتنا فيها إمكانية وجود اجتهاد واختلاف فى الفتوى وإمكانية وجود تعددية داخل الإطار الإسلامى على المستوى الوطنى رغم أن المكان مكان واحد فى نفس الزمان ونفس الحال- فهل يمكن أن يكون هناك تعددية على المستوى العربى والمستوى الإسلامى؟ بالقطع فإنه من باب أولى أن نقبل بالتعددية فى المستوى الإقليمى الذى يختلف باختلاف المكان والخصوصية الحضارية. خطورة رفض التعددية وإخراج المخالفين من الملة خطورة رفض التعددية فى الإسلام أن البعض عندما يجد خلافا مع آخرين داخل الصف المسلم ولا يفهم إمكانية وجود هذا الخلاف يخرج إخوانه المخالفين من الملة ويصفهم بأوصاف لا تليق، فى حين أن هناك قاعدة إسلامية (أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، هذه القاعدة الذهبية وضعها الإمام (محمد رشيد رضا) وأكد عليها الإمام (حسن البنا). وهناك مجتمعات مسلمة خارج الدائرة العربية والتى كثيرا ما تكون اللغة عائقا لها عن الفهم الصحيح للإسلام مما قد يؤدى إلى وجود بعض الخلل الدينى فى إيمانهم وفى تطبيقهم للإسلام فهل نملك ترف إخراجهم من ملة الإسلام رغم أن أعدادهم بالملايين أم الأفضل أن نأخذ بأيديهم حتى نصل بهم وبأنفسنا إلى بر الأمان. قبل أن نتحدث عن قبول الآخر علينا أن نعذر مخالفينا داخل الصف المسلم حتى يجمعنا الله وإياهم على صحيح إسلامه. خلاصة القول: البديل للتعددية هو الرأى الواحد، والرأى الواحد يؤدى إلى الاستبداد وهو ما يرفض إسلاميًا، والدليل على هذا قول إمامنا الفقيه الشافعى أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأى الآخرين خطأ يحتمل الصواب، إذن التعددية فى الفقه والفكر الإسلامى أمر مشتهر ولم يحدث أن أحدًا من الفقهاء أقر أن رأيه هو الرأى الوحيد الصواب. ***** فيس بوك الساعة الآن الواحدة والنصف من صباح الاثنين ولم يتم بث خطاب الرئيس مرسى. يبدو أن البث لن يتم إلا بعد نوم قيادات وأعضاء جبهة الإنقاذ، وجبهة الإنقاذ فطنت لذلك وأضربت عن النوم. لم يعد هناك من حل سوى بث الحوار فى الأحلام للشعب الذى غلبه النوم بعيدا عن أعين جبهة الإنقاذ المفنجلة. إنها معركة عض الأصابع أقصد معركة شد اللحاف، من ينام قبل من؟ أهى فرصة أخلص المقال اللى مش عايز يخلص أنا لو من وزير الكهرباء أقطع الكهرباء مع استمرار البث حتى يمكن ترشيد الطاقة. وبعدين الحكومة تهيص: ضحكنا عليكم بدأ الحوار ومازلت مستيقظا.. أكاد أشك أننى أنتمى لجبهة الإنقاذ.. ولا حول ولا قوة إلا بالله