بمناسبة شهر رمضان الفضيل - شهر القرآن - رأى الدكتور مجدي قرقر كتابة هذه السلسلة حول التفسير الموضوعي للقرآن كمنهج مهم لتدبره على أن يبدأ بعد رمضان سلسلة جديدة حول الاستقلال الاقتصادي وحول التنمية المستدامة من منظور إسلامي. وترجع أهمية هذه الدراسة أنها تلخص هذا الموضوع العلمي تلخيصا غير مخل يفيد غير المتخصص ولا يعدم فيه المتخصص بعض الخير ، وكل عام وأنتم بخير. "الشعب"
مناهج المفسرين في التفسير الموضوعي للقرآن (2) د. مجدي قرقر في البداية كلمة لابد منها: كان عنوان الجزء السابق من الدراسة "مناهج تفسير القرآن وحاجتنا للتفسير الموضوعي" وظن البعض من قراءة العنوان قبل قراءة متن الدراسة أن كلمة "موضوعي" نسبة إلى "الموضوعية أو المنطقية والواقعية" وكأن باقي التفاسير غير موضوعية وغير واقعية، في حين أن كلمة "موضوعي" هنا في ملولها اللفظي نسبة إلى "موضوع السورة أو موضوع المبحث القرآني" وليست نسبة إلى المدلول الخاطئ السابق، ونظرا لاحتمال اللبس الخاطئ كان لابد من هذه البداية. أشرنا في الجزء السابق من الدراسة إلى أن القرآن الكريم هو المحدد لعقيدة أمة الإسلام ومنهجها، وهو مصدر التشريع الأول لها، ومن هنا تأتي أهمية فقه معانيه وتدبرها والتنقيب عن أسراره ثم العمل بما فيه لتتحقق مرضاة الله سبحانه وسعادة الأمة وأبنائها. ولأن الناس غير متساوين في فهم ألفاظ القرآن وعباراته وتدبر معانيه فإنه يلزم وجود تفاسير القرآن للمساعدة في تدبر معانيه. وأشرنا إلى أن أنواع تفاسير القرآن تتعدد وفقا لمدخل التفسير والهدف منه والقائم عليه، وتتعدد أيضا مناهج التقسيم وفقا لمعيار التقسيم. وأن ابن عباس رضي الله عنه جعل التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب مِن كلامها، وتفسير لا يعذر أحدٌ بجهالتِه، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. كما يمكن تقسيم التفاسير إلى نوعين إما بالمأثور وإما بالرأي (الدراية) وقد يضاف إليهما التفسير الإشاري وأن هناك أوجه مفاضلة وأوجه نقد لكل من هذه الأنواع الثلاثة. وانتقل بنا الحديث إلى أن هناك أربعة أساليب للتفسير (التفسير التحليلي - التفسير الإجمالي - التفسير المقارن والتفسير الموضوعي)وتطرقنا إلى مفهوم كل منهم. واختتمنا الجزء السابق من الدراسة بالإشارة إلى تعدد التفاسير وفقا للخلفية العلمية للقائم بالتفسير، ومن بين أنواع التفاسير المختلفة عددنا عشرة أنواع وفقا لمدخل التفسير والهدف منه وخلفية القائم عليه من علماء برعوا في علوم مختلفة، فكان كل منهم يغلب في تفسيره الفنِّ الذي برع فيه ( التفسير وفقا للمأثور - التفسير الأَخباري ويهتم بالقصص واستيفاؤها - التفسير اللغوي والذي يعتمد على الفهم الدقيق للغة العربية - التفسير النحويّ - التفسير اللفظي - التفسير البلاغي - التفسير الفقهي - التفسير العقلي (الفلسفي) - كتب تنقية التفاسير من الإسرائليات ) ثم التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وهو موضوع هذا الجزء من الدراسة. ***** التفسير الموضوعي للقرآن الكريم أولاً - تعريفه: التفسير لغةً من الفسر وهو كشف البيان أو إظهار المعنى المعقول. والتفسير اصطلاحاً: هو الكشف عن معاني القرآن الكريم. والموضوع لغةً: من الوضع ؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي ، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده. ولقد عرف "التفسير الموضوعي" اصطلاحا عدة تعريفات لعل من أدقها وأكثرها اختصارا: "علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر"
ثانيا - مناهجه: قلنا في جزء الدراسة السابق أن التفسير الموضوعي يتبع أحد منهجين وقد يزيدهما البعض منهجا ثالثا: 1. المنهج الأول لا يفسر فيه صاحبه الآيات القرآنية حسب ترتيب المصحف بل يجمع كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد فيفسرها مجتمعة – وبالترتيب الذي يراه مناسبا لعرضه - ويستنبط الحكم المشترك منها ومقاصد القرآن فيها، ومن هنا عرف البعض التفسير الموضوعي بأنه علم يتناول القضايا حسب مقاصد القرآن العليا من خلال سورة أو أكثر. 2. والمنهج الثاني يربط فيه التفسير الموضوعي بين موضوع السورة والسورة السابقة والسورة اللاحقة لها إضافة إلى تأكيد الترابط في الموضوع بين آيات السورة وبعضها البعض. 3. المنهج الثالث هو منهج المفردة القرآنية وهو دراسة لدلالة المصطلحات والمفردات القرآنية داخل القرآن الكريم وفي حدوده فحسب ، وبالرغم من أن هذا النوع من التفسير لكلمات القرآن يعتمد مبدأ " الوحدة العضوية " أو " البنائية " للقرآن الكريم فإن بعض الباحثين لا يعتبره من التفسير الموضوعي ، ذلك أنه لا يعطي صورة كاملة عن موضوع ما أو سورة ما. ويجدر التنبيه هنا إلى أن هذا النوع من التفسير يجد جذوره في علم "الأشباه والنظائر" أو "الوجوه والنظائر" المعروف في علوم القرآن الكريم ، وقد بدأ الاهتمام به في وقت متأخر، ذلك أنهم اكتشفوا أن المشكلة الأساسية في أي تفسير تكمن في التعامل مع القرآن مجرّد تعامل لغوي دون الانتباه إلى إمكانية أن يكون في تلك المفردات ما هو اصطلاح قد يغير جذرياً التفاسير المعهودة . ويستبدل أحياناً ب "الوحدة الموضوعية" هنا "الوحدة العضوية" حسب مصطلح الدكتور محمد عبد الله دراز ، أو "الوحدة البنائية" حسب اصطلاح الدكتور طه جابر العلواني . كما قد يخلط البعض بين التفسير الموضوعي والتفسير الموضعي، لذا يوضح فضيلة الشيخ محمد الغزالي في كتابه المشتهر "نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم" بين التفسيرين الموضوعي والموضعي فيقول "إن التفسير الموضعي يتناول الآية أو الطائفة من الآيات فيشرح الألفاظ والتراكيب والأحكام! بينما التفسير الموضوعي يتناول السورة كلها يحاول رسم "صورة شمسية" لها تتناول أولها وآخرها، وتتعرف على الروابط الخفية التي تشدها كلها، وتجعل أولها تمهيدا لأخرها، وآخرها تصديقا لأولها".
ثالثاً – نشأته: لا شك أن مصطلح "التفسير الموضوعي" مصطلح حديث عندما تقرر تدريسه كمقرر في قسم التفسير بكلية أصول الدين جامعة الأزهر منذ أقل من مائة عام ولكن هذا لا ينفي أن هذا اللون من التفسير كان موجودا منذ عهد النبوة كما يقول الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري أستاذ علوم ودراسات القرآن بالمملكة السعودية كما يلي: 1. تفسير القرآن بالقرآن: وهو التفسير الأول والأهم ضمن التفسير بالمأثور إلا أنه بالقطع هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته كما يقول الشيخ الدكتور محمد الخضيري. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه عليها. ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة - رضوان الله عليهم- من الجمع بين الآيات القرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التفسير تقتضي بأن أول ما يرجع إليه المفسر القرآن الكريم ، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطلق في آية إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه في سورة أخرى، وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله. 2. آيات الأحكام: قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض ، وذكروا ما نص عليه وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك ، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي. 3. الأشباه والنظائر: وهو تتبع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة، مثال ذلك: كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حسبما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر) ، وهي : المال : كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً))[البقرة 180] ، والإيمان كقوله : ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ))[الأنفال 23] ، والإسلام كقوله : ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ))[القلم 2] ، وبمعنى أفضل كقوله : ((وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ))[المؤمنون 109]، والعافية كقوله : ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[الأنعام 17]، والأجر كقوله : ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ))[الحج 36]، والطعام كقوله : ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)) [القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله : ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً))[الأحزاب 25]. وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي ، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن موضوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده. 4. الدراسات في علوم القرآن: اهتم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات،لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجدل والأمثال وغير ذلك ، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات ، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم )، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه "إدوار مونتيه" وخرجا في كتاب واحد. إلا أنني أود أن أضيف أن كل هذه النماذج التي أشار إليها الشيخ الدكتور محمد الخضيري تقع في إطار المنهج الأول من منهجي التفسير الموضوعي الذي أشرت إليه في البند ثانيا. رابعاً: أهميته: تظهر أهمية التفسير الموضوعي في حاجتنا إلى تدبر القرآن وربطه ببعضه البعض وأيضا بقضايا العصر. ومن بين أوجه التفسير الموضوعي يعدد الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري ما يلي: 1. إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم – غابت عن علماء التفسير السابقين - مواكبة لمُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه. 2. التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير ونُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته ، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه. 3. إسهام التفسير الموضوعي للقرآن الكريم في تلبية حاجات الإنسان المتغيرة والتعامل مع الأفكار الجديدة والنظريات العلمية الحديثة بتتبع آيات القرآن ، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل ذلك. إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع ، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة. 4. إثراء المعلومات حول قضية معينة. ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة. 5. تأصيل الدراسات وتصحيح مسارها فلقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل ما يسمى ب (الإعجاز العلمي في القرآن )، فقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط. وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل وإعادة تقويم، كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع ، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح ، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليه في القرآن الكريم ، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها. ***** مناهج المفسرين في التفسير الموضوعي للقرآن أشرنا في الجزء السابق من الدراسة أن من أكثر من اهتم بالتفسير الموضوعي في عصرنا الحديث: * الدكتور محمد عبد الله دراز (دستور الأخلاق في القرآن الكريم). * الشيخ سيد قطب (في ظلال القرآن). * الشيخ محمد الغزالي (نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم). * الدكتور عبدالستار فتح الله سعيد (المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم). * الدكتور محمد نبيل غنايم (نماذج من التفسير الموضوعي(. * الشيخ سعيد حوى (الأساس في التفسير). * دكتور مصطفى مسلم (مباحث في التفسير الموضوعي ).
ونعرض في الجزء التالي لمنهج البعض منهم في التفسير الموضوعي: ( 1 ) العلامة الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز ( 1894م – 1954م ) حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الأديان بمرتبة الشرف الأولى عام 1947من جامعة السوربون وتألفت رسالته من دراستين: الأولى "مدخل إلى القرآن الكريم" وهي دراسة تمهيدية موجزة حول تاريخ القرآن، والثانية "دستور الأخلاق في القرآن الكريم" وتقع في حوالي ثمانمائة صفحة، قدم خلالها رؤية متكاملة للنظرية الأخلاقية القرآنية في شقيها النظري والعملي. وإنجاز الرسالة الأساسي أنها استخلصت -للمرة الأولى- الشريعة الأخلاقية من القرآن في مجموعها، وقدمت مبادئها وقواعدها في صورة بناء نظري متماسك مستقل عن كل ما يربطه بالمجالات القريبة منه، وهو ما أحدث انتقالا بها من دائرة التعاليم الوعظية التي تستهدف تقويم السلوكيات إلى الدائرة المعرفية. وتعتبر هذه الدراسة بهذا المنهج – من وجهة نظرنا - نموذجا للمنهج الأول في التفسير الموضوعي للقرآن والذي يجمع كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد (الأخلاق) فيفسرها مجتمعة – وبالترتيب الذي يراه مناسبا لعرضه - ويستنبط الحكم المشترك منها ومقاصد القرآن فيها. ولقد أكمل العلامة الشيخ محمد علي دراز هذه المنظومة بكتابه الثالث "النبأ العظيم". وتكمن أهمية كتاب "النبأ العظيم, نظرات جديدة في القرآن" في أن مؤلفه استطاع أن يثبت بالأدلة العقلية والتاريخية والحالية بأن القرآن كلام الله, وأنه يستحيل أن يكون مكذوبا أو مختلقا أو محرفا, ويشعر القارئ لهذا الكتاب بأنه أمام مشروع عقلي ضخم لا يجد أمامه إلا التسليم بقوة أدلته وصرامة منهجيته, وهو بحق من أبدع ما كتبه المعاصرون، ومن أقوى ما يؤسس القناعة بصدق القرآن ومن أشد ما يبدد الشكوك حول مصدره وصدقه. عرف عن دراز مقارباته القرآنية التي تفرد بها عما سواه ممن سبقوه أو خلفوه، وإنجازه الأساسي أنه استطاع التوفيق بين طرفين يتعذر الجمع بينهما نظريا حين انتظمت مقارباته الآليات المنهجية (الموضوعية) والتجربة الإيمانية (الذاتية) على حد سواء فأتت طرازا فريدا في بابها، وتعد نظراته حول فاتحة الكتاب نموذجا لهذا النظم، وهي تجمل منهجه في النظر إلى النص القرآني في كليته وارتباط أجزائه بعضها ببعض، والسعي إلى الكشف عن الوحدة الكامنة فيه. نظر دراز إلى الفاتحة نظرة جديدة فلم يكتف بالوقوف عند حدود آياتها ومعانيها، وإنما نظر إليها في علاقتها بباقي سور القرآن، مفترضا أنها على صغر آياتها تجمل مقاصد القرآن الكلية؛ وأن بقية السور ما هي إلا تفصيل وبيان لذلك الإجمال الذي حوته. على مستوى آخر من التحليل نظر دراز سورة "الفاتحة" من جهة أسلوب الخطاب مقارنة بعموم الخطاب القرآني؛ فوجد أنها السورة الوحيدة التي أتت على لسان البشرية على حين أتي بقية السور جاءت على لسان الربوبية ويفسر دراز الاختلاف في وجهة الخطاب إلى أن الفاتحة تجسد سؤال البشرية وحاجتها للهدي على حين أن باقي القرآن هو الهدى المطلوب. وتعرض مجلة "الأزهر" لجزء من كتابه "مدخل إلى القرآن الكريم" في عدد ( رمضان 1436 ه - يوليو 2015 م) يتحدث فيه الشيخ دراز عن الإعجاز القرآني في الوحدة الموضوعية والبلاغية لسوره رغم نزول القرآن منجما. يعرض الشيخ إلى تجربته في جامعة الأزهر في تدريس إحدى السور المدنية "البقرة" وسورتين مكيتين "يونس وهود" - وهي سور مقررة في البرنامج الدراسي ولم يكن له قصد في اختيارها – ودراسة التناسق بين أجزائها والتوافق في تركيبها فيقول "لقد وضح لنا بما أثار دهشتنا أن هناك تخطيطا حقيقيا واضحا ومحددا يتكون من ديباجة وموضوع وخاتمة، فتوضح الآيات الافتتاحية الأولى من السورة الموضوع الذي ستعاجله في خطوطه الرئيسية ثم يتبع ذلك التدرج في عرض الموضوع بنظام لا يتداخل فيه جزء مع جزء آخر، وإنما يحتل كل جزء المكان المناسب له في جملة السورة، وأخيرا تأتي الخاتمة التي تقابل الديباجة" ويضيف الشيخ العلامة "هذه الوحدة من العجائب نظرا للظروف التي تتم فيها وتجعلها مستحيلة بالنسبة للقوى البشرية، فإذا أخذنا في الاعتبار التواريخ التي لا حصر لها والتفتيت المتناهي في نزول الآيات، ولاحظنا أن هذا الوحي كان بوجه عام مرتبطا بظروف ومناسبات خاصة، فإن ذلك يدعونا إلى التساؤل عن الوقت الذي تمت فيه عملية تنظيم كل سورة على شكل وحدة مستقلة". ثم يعرض للخصائص التالية لا تتسع الدراسة لتفصيله كما جاء في المتن: "الانفراد في تجميع الأجزاء القرآنية مما يثبت وجود خطة سابقة – تصميم يتحدى الطبيعة ونجاحه معجزة المعجزات – فضلا عن هذا التخطيط المنطقي والأسلوبي فقد اتبع الوحي مسلكا تربويا" ويختتم هذا الجزء بقوله عن القرآن "كتاب يقرأ مكون من وحدات كاملة، لكل منها نظامها الأدبي والمنطقي، لا يقل روعة عن النظام التربوي العام، فهذا هو التخطيط المزدوج الذي لا يمكن أن يصدر عن علم بشر". يقول شيخنا الفقيه محمد الغزالي في مقدمة كتابه "نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم": "لقد عنيت عناية شديدة بوحدة الموضوع في السورة، وإن كثرت قضاياها، وتأسيت في ذلك بالشيخ "محمد عبد الله دراز" عندما تناول سورة البقرة – وهي أطول سور القرآن الكريم – فجعل منها باقة واحدة ملونة نضيدة، يعرف ذلك من قرأ كتابه "النبأ العظيم" وهو أول تفسير موضوعي لسورة كاملة، فيما أعتقد. وعلماء القرآن أجهزة استقبال لما يؤتيهم الله من فهم فيه، فالفضل أولا وآخرا لمن أسدى تبارك اسمه! (يال أدب العلماء مع مشايخهم ومع الخالق سبحانه وتعالى الذي يرجع إليه بالفضل كله!!). كان دراز "ابن الأزهر، وابن السوربون" كما وسمه الدكتور يوسف القرضاوي. وقد أتاحت له الدراسة المعمَّقة لكلٍّ من الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية من منابعهما الأصلية بناء رؤية تركيبية تحليلية فريدة، بعيدا عن السطحية التبسيطية، وعن "سوء الهضم العقلي" الذي أصاب الكثيرين ممن وقفوا عند حدود الثقافة الموروثة الراكدة أو الغريبة الوافدة. كان متعمقا في روحانيات الغزاليوالحكيم الترمذيوأبي طالب المكي، متضلعا بفلسفة "ديكارت" و"كانت" و"برجسون". وقد امتاز دراز بفضل هذا الفكر التركيبي برحابة الأفق، وعمق التحليل، ودقة الاستدلال، مع حجاج مقنع، وبلاغة ساحرة استمدَّها من بلاغة القرآن الكريم. ***** ( 2 ) الشيخ سيد قطب ( 1906م – 1966م ) ويعتبر الشيخ سيد قطب من الرواد المحدثين بعد الشيخ محمد عبد الله دراز والشيخ أمين الخولي وقد أخذ بالمنهج الأول في التفسير الموضوعي في كتابه "التصوير الفني في القرآن" إذ قام بجمع الصور الفنية في القرآن الكريم واستعراضها معتمدا على خلفيته الأدبية المتميزة وبين طريقة التصوير الفني فيها والتناسق الفني الرائع في إخراجها دون التعرض للمباحث اللغوية أو الكلامية أو الفقهية أو سواها من مباحث القرآن الكريم. وبرع الشيخ سيد قطب في استخدام المنهج الثاني في التفسير الموضوعي في كتابه "في ظلال القرآن" الذي يربط فيه بين موضوع السورة والسورة السابقة والسورة اللاحقة لها إضافة إلى تأكيد الترابط في الموضوع بين آيات السورة وبعضها البعض. ويعتمد في منهجه على الدراسة الإجمالية للسورة في البداية يقسم السورة إلى مقاطع أو دروس مكونة لفكرة شاملة ومتكاملة ويورد نص المقطع مباشرة قبل تفسيره. ومع كل مقطع يحاول وضع يد القارئ على مفتاحه بعرض الفكرة المحورية التي يعالجها، والأفكار الثانوية المكونة له، وقد يستطرد إلى مناقشة بعض القضايا العقدية أو الاجتماعية أو الصياغة الأدبية التي تسمو بالقارئ وكأنه في جنة وارفة الظلال. ولا يمنع ذلك من قيامه بتفسير الآيات المكونة لكل مقطع وعرض أفكارها الرئيسية والثانوية ثم يجمع هذا الشتات مرة أخرى ليستخلص العبرة أو الموعظة من السورة الكريمة. ***** ( 3 ) الشيخ محمد الغزالي (1917م - 1996م) يقول شيخنا الفقيه محمد الغزالي في مقدمة كتابه "نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم" كما أشرنا: "لقد عنيت عناية شديدة بوحدة الموضوع في السورة، وإن كثرت قضاياها، وتأسيت في ذلك بالشيخ "محمد عبد الله دراز". وعلماء القرآن أجهزة استقبال لما يؤتيهم الله من فهم فيه، فالفضل أولا وآخرا لمن أسدى تبارك اسمه!. ويضيف الشيخ " وقد شعرت – على ضوء ما أحسست من نفسي – أن المسلمين بحاجة إلى هذا اللون من التفسير! كيف؟ لقد صحبت القرآن من طفولتي، وحفظته في سن العاشرة، ومازلت أقرؤه وأنا في العقد الثامن من العمر. بدا لي أن ما أقبس من معانيه قليل، وأن وعيي لا يتجاوز المعاني القريبة والجمل المرددة، فقلت: إني ماقضيت حق التدبر فيه كما أمر منزله العظيم!. يجب أن أغوص في أعماق الآية لأدرك رباطها بما قبلها وما بعدها، وأن أتعرف على السورة كلها متماسكة متساوقة. ثم شعرت بأن همتي دون هذه المهمة!! وكدت أتوقف! ثم قلت: لأن أقطع شوطا أو شوطين في هذا الطريق أفضل من أن أستسلم للعجز في المراحل الأولى. ولكن الله أعان ووفق فقطعت الطريق وبلغت نهايته". "وأكرر أنني مستكشف قاصر" – يضيف الشيخ – "وأن الوادي الذي أستقي منه يسيل على قدري أنا – وهو محدود – ولكنه يحث الخطى إلى ما هو أبعد، ويحدو أولي الألباب إلى الشأو الأعلى في خدمة القرآن، وإماطة اللثام عن روائعه وبدائعه. إنني أختار من الآيات ما يبرز ملامح الصورة، وأترك غيرها للقارئ يضمها إلى السياق المشابه، وذلك حتى لا يطول العرض ويتشتت، والإيجاز مقصود لدي. وأنبه إلى أن هذا التفسير الموضوعي لا يغني أبدا عن التفسير الموضعي بل هو تكميل له وجهد ينضم إلى جهوده المقدورة". "وهناك معنى آخر للتفسير الموضوعي لم أتعرض له! وهو تتبع المعنى الواحد في طول القرآن وعرضه وحشده في سياق قريب، ومعالجة كثير من القضايا على هذا الأساس. وقد قدمت نماذج لهذا التفسير في كتابي – المحاور الخمسة للقرآن الكريم – و – نظرات في القرآن – ولا ريب أن الدراسات القرآنية تحتاج إلى هذا النسق الآخر، بل يرى البعض أن المستقبل لها! وعلى كل حال فالقرآن الكريم دستور الإسلام ومعجزته الباقية، والمورد الذي نتردد عليه فنحس الحاجة إليه آخر الدهر". ***** ( 4 ) الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ( مولده 1931م ) أشار الدكتور عبد الستار فتح الله في مقدمة كتابه " المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم " إلى أن هذا العلم الآن في مدارج التكوين والاستحكام، ليأخذ طورا جديدا في وجهته،وطريقة عرضه وبحثه، وفي الغاية التي يستهدفها، وفي النتائج والآثار التي يتوخاها، حتى يصبح فنا من فنون التفسير القرآني قائما برأسه، ومتميزا بحدوده ومعالمه، ليجلي عظمة القرآن في هذا الزمان، وليبرز لونا جديدا من وجوه إعجازه، وحقائقه المترابطة، رغم ما بين أجزائها من فواصل الزمان في نجوم القرآن. ويعد كتابه مرجعا مهما في مجال التفسير الموضوعي حيث ضمنه: * مقدمة علمية ومدخل للعلم تضبط قواعده، وتحدد معالمه، وتميز طرقه وأهدافه، وتدل على مصادره ومراجعه. وأشار في هذه المقدمة أنه استفاد في إعداده إلى بحوث سابقة من بينها بحث للشيخ الدكتور أحمد الكومي بعنوان "التفسير الموضوعي في القرآن الكريم" وكتاب للشيخ الدكتور عبد الحي الفرماوي بعنوان "البداية في التفسير الموضوعي". وتعرض الشيخ في مقدمته المؤصلة للعلم إلى: ( حقائق التفسير الموضوعي وأصوله ومناهجه ونشأته وتطوره وأهميته – القواعد الحاكمة للتفسير الموضوعي – رد الشبهات) * أتبع تلك المقدمة بنماذج تطبيقية.من التفسير الموضوعي ضمنها عدة موضوعات: الوحدانية والتوحيد في القرآن – المعية في ضوء القرآن الكريم – التبعية في ضوء القرآن – العلم والعلماء في ضوء القرآن الكريم – الآخرة ومشاهدها في ضوء القرآن) ***** ( 5 ) الشيخ سعيد حوى ( مولده 1935م حماة) تعريفا بكتاب "الأساس في التفسير" للشيخ "سعيد حوى" كتب ابنه الدكتور "محمد سعيد حوى" أن الكتاب يعد أضخم عمل علمي قدمه الشيخ للمكتبة الإسلامية المعاصرة، وكان محلا لاهتمام الباحثين والدارسين وموضوعاً لعدد من رسائل الدكتوراة والماجستير تناولت : ( نظرية الوحدة القرآنية في تفسير سعيد حوى - سعيد حوى ومنهجه للتفسير) وأضاف "ولعل المقالة التي نشرت في جريدة المدينةالمنورة في 11 شعبان 1407ه عدد 729 للأستاذ عبد الله الشيخ ويس تحت عنوان "الأساس في التفسير . . كتاب يحتاجه الربانيون" تعطي صورة صادقة موجزة عن هذا التفسير مما جعل الشيخ "سعيد حوى" يثبتها في كتابه "هذه تجربتي وهذه شهادتي، ص 157 – 160" يشير الأستاذ عبد الله الشيخ ويس أن هذا الكتاب يأتي ضمن سلسلة الأساس في المنهج التي كتبها "الشيخ سعيد حوى" تتألف من أقسام ثلاثة: ( الأساس في التفسير - الأساس في السنة - الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص). ثم يعدد الكاتب خصائص ومميزات هذا التفسير فيوجزها فيما يلي: 1. يقدم لأول مرة نظرية جديدة متكاملة في موضوع الوحدة القرآنية وقضية الربط والمناسبة بين الآيات في السورة الواحدة وبين سور القرآن بعضها مع بعض على ضوء نظرية شاملة مستوعبة لآيات القرآن وسوره وتجيب على تساؤلات كثيرة من جملتها موضوع فواتح السور إلى ما هنالك من قضايا وأسرار تترتب على هذه النظرية. 2. الاستفادة من أوثق ما توفر من المراجع من كتب دينية قديمة والنقل عنها مباشرة والعزو إليها مع نقد ما ينبغي نقده مع تبيان نقاط الضعف فيها والاستفادة من علوم عصرنا وتخصصاته وما أنتجه ذلك من قضايا تبرز معجزات في القرآن تتأكد بها الحجة القائمة على الخلق. 3. عدم وجود حشو فيه وليس فيه إلا ما له علاقة بصلب التفسير مع استبعاد كل قضية لا تعتبر عملية علمية. 4. التبسيط والتقريب مع الاحتفاظ إلى حد كبير بعبارات المفسرين أو بدفة طرائقهم في الأداء. 5. ربط المسلم بقرآنه وتبصرته بواقعه فلا يحسن بكتاب معاصر في التفسير أن يغمض مؤلفه عينه عن ذلك في ضوء القرآن ومن ثم فقد راعى المؤلف هذه الناحية بشكل بارز. 6. محاولة بيان من هم أهل السنة والجماعة وما هي مدارسهم الإعتقادية والفقهية والروحية والسلوكية والأصولية ومن يقرب من ذلك ومن يبعد. 7. بيان أن القرآن أعطى الجواب على كل شيء إما بشكل مباشر أو بما أحال عليه من السنة أو بما أحال القرآن والسنة على طرائق ووسائل يعرف بها حكم الله. 8. أنه كتاب علم ودعوة وتربية وجهاد بآن واحد. 9. ومن مزايا هذا التفسير أنه عمل على أن يكون أداة لرفع درجات اليقين والارتقاء به مع تصحيح التصورات وزيادة العلم وخدمة قضية زيادة الإيمان وإصلاح الاعتقاد والعمل. 10. نقل من الظلال ما يعتبر زبدته وأرقى ما فيه وانتقى أزاهيره مع الابتعاد عما يمكن أن يكون فيه ملحظ لعالم راسخ وبالتالي فإن قارئ هذا التفسير يكون قد أخذ من الظلال أرقى ما فيه. والمؤلف –كما يقول عن نفسه- لا يكلف نفسه عناء صياغة شيء يحتاجه الكتاب إذا كان غيره قد صاغه الصياغة التي يرضاها أو التي تقتصر عنها عبارته أصلاً حيث أن الهدف وجه الله ليس إلا. ***** ( 6 ) دكتور مصطفى مسلم ( مولده 1940م سوريا ) يعرض الدكتور مصطفى مسلم في كتابه " مباحث في التفسير الموضوعي" لبيان الجانب المنهجي للتفسير الموضوعي، وهو الموضوع الذي لم يهتم به كثيرا- في رأي المؤلف-بالمقارنة مع ما ألف في قضايا أخرى في موضوع التفسير الموضوعي للقرآن. يعرض الكاتب في المقدمة أهمية التفسير الموضوعي المتجلية في استنباط دلالات ومعان وتوجيهات للوفاء بحاجات البشر ومشكلاته المتجددة - والمتعددة والتي فرضت نفسها في هذا العصر ولم تكن موجودة في عصر التنزيل – من خلال السياق والسباق للآيات الكريمة، وتتبع الكلمات القرآنية، واستعمالاتها، والروابط بين السور والآيات، وبين بدايات الآيات وفواصلها، وافتتاحيات السور وخواتمها. يتعرض الكتاب لتعريف التفسير الموضوعي ونشأته، وتطوره وألوانه وأهميته، ومناهج البحث في التفسير الموضوعي للقرآن، بالبحث في موضوع معين من خلال القرآن أو منهج البحث في التفسير الموضوعي لسورة واحدة، ثم تطرق إلى علاقة التفسير الموضوعي بالأنواع الأخرى من التفسير. وينتقل الكتاب لشرح العلاقة بين علم المناسبات والتفسير الموضوعي باعتبار الصلة الوثيقة بينهما، وخاصة التفسير الموضوعي للسورة الواحدة، وذلك أن الاطلاع على المناسبة بين الآيات داخل السورة لها إسهام كبير في إدراك الموضوع العام للآيات المكونة للسورة، وأهدافها ومقاصدها، وإن اختلفت مواضيعها الجزئية، وسياقاتها التاريخية اعتمادا على قاعدة: «العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب»، فتعرض الكاتب لتعريف علم المناسبات، وأهميته، وظهوره، وجهود العلماء فيه، وأنواعه المتمثلة في المناسبات في السورة الواحدة والعلاقة بين فواتح السور وخواتمها، وكذا المناسبات بين السورواعتماد ذلك القول على أن ترتيب سور القرآن ترتيب توقيفي. ويفرد الكاتب ثلاثة أرباع الكتاب المتبقية بتقديم النموذجين الأكثر شيوعا للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم: يتناول النموذج الأول "البحث في موضوع معين من خلال القرآن كله" بعنوان "الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم" مستعرضا ما جاء في القرآن الكريم من آيات وسور له علاقة بموضوعات "الألوهية والفطرة – التوحيد – أدلة الخلق والإبداع – البراهين العقلية – إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن صفات النقص" ويتناول النموذج الثاني " منهج البحث في التفسير الموضوعي لسورة واحدة" بتقديم تفسير موضوعي لسورة الكهف تحت عنوان "القيم في ضوء سورة الكهف" ويتعرض فيه لتمهيد ومقدمة بين يدي السورة وخصائصها ووقت نزولها وسببه وأهدافها والمناسبة بين اسم السورة وموضوعاتها وافتتاحية السورة وخاتمتها مقسما السورة إلى عدة مقاطع مترابطة. وبتقديم الكاتب لهذين النموذجين يكون قد شرح وفصل بطريقة عملية لما سبق أن قدمه من مدخل نظري لموضوع التفسير الموضوعي للقرآن. ***** هذا عرض وجيز حاولنا أن نتطرق فيه لأنواع تفسير القرآن الكريم، ثم أفردنا المساحة الأكبر للتفسير الموضوعي للقرآن وتعريفه ونشأته ومناهجه ونماذج منه، آملين في الجزء القادم أن نعرض لسورة من القرآن الكريم تعكس إعجازه سبحانه في الوحدة الموضوعية في معجزته الباقية القرآن الكريم نفعنا الله به وجعله هاديا ومرشدا ودستورا نستظل به. والحمد لله رب العالمين 5 يوليو 2016 المصادر: * دكتور محمد عبد الله دراز، "مدخل إلى القرآن الكريم – الجمال أو الجانب الأدبي في القرآن" – "مجلة الأزهر" عدد ( رمضان 1436 ه - يوليو 2015 م). * الشيخ محمد الغزالي 1995 – "نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم" – دار الشروق – 564 صفحة. * دكتور عبد الستار فتح الله 1986 - كتابه " المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم " – دار التوزيع والنشر الإسلامية – 284 صفحة. * دكتور مصطفى مسلم 1989 م – "مباحث في التفسير الموضوعي" – دار القلم دمشق – 374 صفحة. * دكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري، " مقدمة في التفسير الموضوعي - صيد الفوائد " - http://www.saaid.net/bahoth/12.htm * موقع إسلام ويب على شبكة المعلومات الدولية ، "المناهج المعاصرة في تفسير القرآن الكريم وتأويله" * موقع ملتقى أهل التفسير على شبكة المعلومات الدولية * موقع الشيخ الإمام سعيد حوى على شبكة المعلومات الدولية – " تعريف بكتاب الأساس في التفسير"