مفاوضات شرم الشيخ: اختبار جديد لخطة ترامب لإنهاء حرب غزة    يلا كورة بث مباشر.. مشاهدة السعودية × النرويج YouTube بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | مباراة ودية دولية 2025    تامر حسني يرد على تكريم نقابة المهن التمثيلية برسالة مؤثرة: "الحلم اتحقق بفضل شباب المسرح المصري"    الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة يطلقان النسخة الرابعة من محاكاة قمة المناخ COP30    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    وزارة الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    وزير خارجية الكويت: مجلس التعاون ينظر إلى الاتحاد الأوروبي كشريك أساسي في دعم الاستقرار الدولي    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    حبس المتهم بسرقة هاتف محمول من داخل محل بالسلام بعد تنفيذ 4 وقائع    حبس المتهمين بإدارة نادي صحي لممارسة أعمال منافية في مدينة نصر    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    هيثم الشيخ: البرلمان القادم سيشهد تمثيلاً تاريخياً لمعظم الأطياف السياسية والمعارضة    وزير الخارجية يلتقى عددًا من المندوبين الدائمين بمنظمة اليونيسكو    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    أسعار اللحوم فى أسيوط اليوم الاثنين 6102025    وكيله يفجر مفاجأة.. فيريرا رفض تدريب الأهلي قبل التعاقد مع موسيماني    خبر في الجول – اجتماع بين لبيب وجون إدوارد.. وانتظار عودة فيريرا لاتخاذ القرار المناسب    تفاصيل الجلسة العاصفة بين حسين لبيب وجون إدوارد    تحديث مباشر ل سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 06-10-2025    سعر السمك البلطى والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض الأبيض والأحمر في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    بارد ليلا..اعرف حالة الطقس اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    وزير التربية والتعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان عددًا من المشروعات التعليمية الجديدة    لحظة مصرع عامل إنارة صعقا بالكهرباء أثناء عمله بالزقازيق ومحافظ الشرقية ينعاه (فيديو)    وفاة مسن داخل محكمة الإسكندرية أثناء نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه    ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    5 أبراج «بيفشلوا في علاقات الحب».. حالمون تفكيرهم متقلب ويشعرون بالملل بسرعة    هل استخدم منشار في قطعها؟.. تفاصيل غريبة عن سرقة اللوحة الأثرية الحجرية النادرة بسقارة (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6-10-2025 في محافظة الأقصر    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    أسعار الحديد فى الشرقية اليوم الاثنين 6102025    عوقب بسببها بالسجن والتجريد من الحقوق.. حكاية فضل شاكر مع «جماعة الأسير»    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر قبل السفر للمغرب لملاقاة جيبوتى    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي إلى وضعه الطبيعي    أتلتيكو مدريد يعود لنتائجه السلبية بالتعادل مع سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    سعر الذهب اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025.. عيار 14 بدون مصنعية ب 3480 جنيها    السويد: إذا صحت أنباء سوء معاملة إسرائيل لثونبرج فهذا خطير جدا    آمال ماهر تتألق بأغانى قالوا بالكتير ولو كان بخاطرى وأنا بداية بدايتك بحفل عابدين    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    مدير المركز الإعلامي لغزل المحلة: كستور يتحمل العصور رسالة وطنية لإعادة إحياء رموزنا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل: زلزال بقوة 5 درجات يضرب باكستان.. وزير دفاع أمريكا يهدد بالقضاء على حماس إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النار.. ترامب: مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة تسير بشكل جيد للغاية    محافظ الشرقية ينعي فني إنارة توفي أثناء تأدية عمله الزقازيق    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور البنات مع المشاهير؟.. دار الإفتاء تجيب    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    محمد شوقى يمنح لاعبى زد راحة 48 ساعة خلال توقف الدورى    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    ما هي مراحل الولادة الطبيعية وطرق التعامل معها    نائب وزير الصحة لشؤون السكان: «دليل سلامة حديثي الولادة» خطوة فارقة في حماية الأطفال    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    ننشر عناوين مقرات توقيع الكشف الطبي على المرشحين لمجلس النواب في الإسكندرية (تعرف عليها)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 15 - 08 - 2012


محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن أجلَّ علم صرفت فيه الهمم، علم الكتاب المنزل ، إذ هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه الهدى والشفاء، والرحمة والبيان، والموعظة الحسنة والتبيان، فلو أنفقت فيه الأعمار ما أدركت كل غوره، ولو بذلت الجهود كلها ما أنضبت من معينه شيئاً يذكر، ومن هنا اجتمعت كلمة علماء الأمة على العناية بتفسيره، وبيانه ودراسته، واستدرار كنوزه ، والنهل من معينه العذب النمير، ولأجل انكبابهم على دراسته، تنوعت طرائقهم في عرض علومه، واختلفت مشاريعهم في إيضاح مكنوناته، وكان القدح المعلى لعلم التفسير من ذلك كله، ولهم في تناول هذا العلم والكتابة فيه أربعة أساليب:
أولاً: التفسير التحليلي :
يتولى فيه المفسرون بيان معنى الألفاظ في الآية، وبلاغة التركيب والنظم، وأسباب النزول، واختلاف المفسرين في الآية، ويذكر حكم الآية وأحكامها، وقد يزيد بتفصيل أقوال العلماء في مسألة فقهية أو نحوية أو بلاغية، ويهتم بذكر الروابط بين الآيات والمناسبات بين السور ونحو ذلك. وهذا اللون من التفسير هو أسبق أنواع التفسير وعليه تعتمد بقيتها، ويتفاوت فيه المفسرون إطناباً وإيجازاً، ويتباينون فيه من حيث المنهج ، فمنهم من يهتم بالفقهيات ، ومنهم من يهتم بالبلاغيات ، ومنهم من يطنب في القصص وأخبار التاريخ ، ومنهم من يستطرد في سرد أقوال السلف ، ومنهم من يعتني بالآيات الكونية أو الصور الفنية أو المقاطع الوعظية أو بيان الأدلة العقدية. وبذلك يكون هذا اللون من التفسير هو الغالب على تواليف العلماء وأكثر كتب التفسير على هذا النمط.
ثانياً: التفسير الإجمالي :
وهو بيان الآيات القرآنية بالتعرض لمعانيها إجمالاً مع بيان غريب الألفاظ والربط بين المعاني في الآيات متوخياً في عرضها وضعها في إطار من العبارات التي يصوغها من لفظه ليسهل فهمها وتتضح مقاصدها، وقد يضيف ما تدعو الضرورة إليه من سبب نزول أو قصة أو حديث ونحو ذلك.
وهذا اللون أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية للقرآن الكريم،وهو الذي يستخدمه من يتحدث بالإذاعة والتلفاز لصلاحيته لعامة الناس ومن أمثلته (تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي ).
ثالثاً: التفسير المقارن :
وهو بيان الآيات القرآنية باستعراض ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة، والموازنة بين آرائهم ، وعرض استدلالاتهم ، والكرّ على القول المرجوح بالنقض وبيان وجهه ، وتوجيه أدلته ، وبيان الراجح وحشد الأدلة وغير ذلك.
رابعاً: التفسير الموضوعي :
وهذا اللون من التفسير هو مجال بحثنا، ومدار حديثنا، ولأجله كتبت هذه الخلاصة:
أولاً: تعريفه :
يتألف مصطلح (التفسير الموضوعي ) من جزأين ركبا تركيباً وصفياً فنعرف الجزأين ابتداء ثم نعرف المصطلح المركب منهما.
فالتفسير لغةً : من الفسر وهو كشف البيان ، قال الراغب : "هو إظهار المعنى المعقول ".
واصطلاحاً: الكشف عن معاني القرآن الكريم..
والموضوع لغةً: من الوضع ؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض ، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان ، تقول العرب : ناقة واضعة : إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح ، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي ، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده.
أما تعريف (التفسير الموضوعي ) علماً على فن معين ، فقد عرِّف عدة تعريفات نختار منها ما نظنه أجمعها وأخصرها وهو: علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر..
ثانياً: نشأة التفسير الموضوعي :
لم يظهر هذا المصطلح عَلَمَاً على علم معين إلا في القرن الرابع عشر الهجري ، عندما قُرِّرت هذه المادة ضمن مواد قسم التفسير بكلية أصول الدين بالجامع الأزهر، إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير كانت موجودة منذ عهد النبوة وما بعده ، ويمكن إجمال مظاهر وجود هذا التفسير في الأمور التالية :
1- تفسير القرآن بالقرآن : لا ريب أن تفسير القرآن بالقرآن هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه عليها، فقد روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر مفاتح الغيب في قوله تعالى: ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ))[الأنعام 59] ، فقال : مفاتح الغيب خمسة: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان 34].
ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجمع بين الآيات القرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التفسير تقتضي بأن أول ما يرجع إليه المفسر القرآن الكريم ، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطلق في آية إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه في سورة أخرى، وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله.
2- آيات الأحكام : قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض ، وذكروا ما نص عليه وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك ، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
3- الأشباه والنظائر: وهو اتجاه نحاه بعض العلماء في تتبع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة، مثال ذلك : كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حسبما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر) ، وهي : المال : كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً))[البقرة 180] ، والإيمان كقوله : ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ))[الأنفال 23] ، والإسلام كقوله : ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ))[القلم 2] ، وبمعنى أفضل كقوله : ((وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ))[المؤمنون 109]، والعافية كقوله : ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[الأنعام 17]، والأجر كقوله : ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ))[الحج 36]، والطعام كقوله : ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))[ القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله : ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً))[الأحزاب 25]
وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي ، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن موضوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده.
4- الدراسات في علوم القرآن: اهتم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات،لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجدل والأمثال وغير ذلك ، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر.
كل هذه الأمور والحقائق تدلنا على أن التفسير الموضوعي ليس بدعاً من العلوم أفرزته عقول المتأخرين ، وغفلت عن الاهتمام به أفهام الأولين. لكن بروزه لوناً من التفسير له كيانه وطريقته لم يوجد إلا في العُصُر الأخيرة - تلبية لحاجات أهلها - التى وجد فيها من المذاهب والأفكار كما وجد فيها من الآراء والموضوعات ما اضطر علماء الشريعة إلى بحثها من وجهة النظر القرآنية ليقينهم بأنه الكتاب الذي يحوي دراسة وعلاج كل موضوع يطرأ في حياة الناس ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ))[الملك 14] .
ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات ، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال ، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات ، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم )، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه ) وخرجا في كتاب واحد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً.
ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي :
الأول : أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم ، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات القرآنية مصطلحات قرآنية ك(الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة.. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، مما أبقى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية..
أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن ، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعجاز القرآني ، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمقدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل ، وممن اعتنى بهذا اللون من المعاصرين الدكتور أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي ) أصدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض) ، و(فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و(الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها..
الثاني : تحديد موضوع ما ، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق ، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل ، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان.
خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب معالجة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عالم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله.
وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع ، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتأملاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات ، ثم ينسق بين تلك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع.
ويكون منطلق العرض والاستدلال والدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم ، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد.
وعلى الباحث أن يتجنب خلال بحثه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات ، فلا يذكر القراءات، ووجوه الإعراب ونحو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتصالاً أساسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومقاصده ، ليتمكن القارئ من فهم الموضوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات ، وبيان الإشارات بأوضح العبارات. وهذا اللون من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص ، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي ) لا يكاد ينصرف إلا إليه ، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين :
ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً.
2- تجدد الموضوعات والمشكلات التي تحتاج إلى بحث من وجهة نظر قرآنية فالأولون صدروا من القرآن ، والآخرون وردوا إلى القرآن. وكلاهما بحر و لا ساحل له ، لا تكاد تنتهي موضوعاته أو تقف عند حد.
3- البحث عن موضوع من خلال سورة من القرآن بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف ودراسته من خلال تلك السورة. وهذا اللون شبيه بسابقه إلا أن دائرته أضيق.
وطريقة البحث فيه : أن يحدد الباحث الهدف أو الأهداف الأساسية للسورة ثم يختاره أو يختار إحداها إن كانت ثمة أهداف متعددة ثم يحاول إبراز عناصر بحث هذه السورة للموضوع وتقسيمها وتبويبها، ثم يدرس علاقة كل المقاطع بهذا الهدف بدءاً بمقدمة السورة، وانتهاءً بخاتمتها، مع التعرف على أسباب نزولها، ومكان نزولها، وترتيبها من بين سور القرآن ويبين علاقة كل ذلك بهدف السورة عنوان البحث ، وسيجد الباحث الصلة بينه وبين الرابطة جلية عند إحالة النظر وإمعان الفكر، وسيعلم أن للسورة هدفاً واضحاً ترمي إلى إيضاحه وبيانه والاستدلال له وبه ، وتفصيل جوانبه وأبعاده ، وكل سورة من القرآن لها شخصية مستقلة تعلم عند البحث فيها، بل ويمكن أن يكون للسورة أهداف متعددة بينها من الترابط والتعاضد والتداخل شيء يصعب معه التفريق بينهما أو إفراد إحداهما بالبحث مع إغفال البواقي.
وليعلم أنه ينبغي عند البحث في هذا اللون ألا ينطلق الباحث في دراسة موضوع السورة من آيات لم ترد فيها، بل يكون منطلقه آيات ومباحث ومقاطع السورة وأما غيرها فتذكر استئناساً لا تأسيساً، وتوكيداً لا تأصيلاً، واستشهاداً لا استناداً.
وهذا اللون ظفر بعناية القدماء بل جاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كالذي فعله البقاعي في كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور). وأما في العصر الحديث فقد أولع به سيد قطب في تفسيره (الظلال) حيث يقدم لكل سورة ببيان أهدافها الرئيسية أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدث السورة عنه، وقد أفردت بحوث كثيرة في هذا اللون من التفسير الموضوعي منها سلسلة (من مواضيع سور القرآن ) التي يكتبها الشيخ (عبد الحميد طهماز) وقد صدر منها (العواصم من الفتن في سورة الكهف ).
رابعاً: أهمية التفسير الموضوعي :
ويمكن تلخيص أجدر جوانبها في الأمور التالية:
الأول : إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم ، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة - من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.
الثاني : التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه أو تقصير منه ، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه ، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته ، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.
الثالث : إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع آيات القرآن ، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.
إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع ، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.
الرابع: إثراء المعلومات حول قضية معينة. غالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.
الخامس : تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها :
لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط ، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.
وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل ، وإعادة تقويم كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع ، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح ، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليه في القرآن الكريم ، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.