شذى حسون تحيي حفلاً غنائيًا بمهرجان موازين 23 يونيو    الرئيس السيسي يصدق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" لرعاية أبناء الشهداء القصر    حزب الجبة الوطنية يطلق منصة إعلامية شاملة لتغطية قضايا المواطنين    "إعلام القاهرة" تحتضن فعاليات النسخة الثانية من ملتقى " إيجيكا 2025"    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    السيسي يصدّق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" لرعاية أبناء الشهداء    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    رئيس زراعة النواب: طفرة في المحاصيل الاستراتيجية بعد تحديد أسعار التوريد    الطيران المدني: تعزيز تجربة السفر وتفعيل آليات الشكاوى داخل المطارات    الرقابة المالية تمهد مهلة توفيق أوضاع الشركات العاملة بالتأمين عام آخر    محافظ المنيا: توريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025    الانتهاء من المخططات الاستراتيجية والتفصيلية ل 9 مدن بالمنيا    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    مطار الإمام الخميني ينفي استهدافه من قبل إسرائيل    بعد كاليفورنيا.. ترامب يحاصر 5 مدن ديمقراطية جديدة بالقوات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    ألونسو: الريال يستعد لبدء حقبة جديدة وهدفنا نهائي مونديال الأندية    الرئيس الإيراني يهدد برد أكثر إيلاما حال استمرار العدوان الإسرائيلي    الاهلي يراقب مباراة بورتو وبالميراس في كأس العالم للأندية    "اعتماد جون والمدرب الجديد".. اجتماع عاصف في الزمالك بحضور لبيب    فرانك يفتتح عهد توتنهام بالتعاقد مع تيل ودانسو.. خيارات جديدة في الهجوم والدفاع    حارس إنتر ميامي بعد حصوله على جائزة رجل المباراة: "الشناوي يستحقها"    نقيب المعلمين: 3 آلاف جنيه منحة علاجية لمصابي امتحانات الثانوية العامة بسوهاج    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    الإعدام لعامل قتل أسرة كاملة حرقا فى الإسكندرية    ضبط المتهم بالتعدى على كلب ضال وقتله بالقاهرة    تحريات لكشف تفاصيل اتهام موظف بسرقة أدوية فى الطالبية    ضبط 4 أطنان سلع مجهولة المصدر في حملة تموينية مكبرة بمركز ومدينة بسيون    قرارات رئاسية مهمة لصالح صندوق تكريم الشهداء والمصابين وأسرهم    دينا نبيل عثمان رئيسًا لقناة النيل الدولية (Nile TV)    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل.. دمار واسع ومخاوف من موجة هجمات جديدة    "قرية قرب الجنة".. فيلم صومالي يتألق عالميًا ويحصد خمس جوائز كبرى    مكتبة الإسكندرية تطلق جائزة كبرى لدعم المبدعين الشباب في 7 مجالات    المتحف المصري الكبير يستقبل الزائرين.. وإلغاء قرار الغلق بداية من اليوم    حالة الطقس غدا الاثنين 16-6-2025 في محافظة الفيوم    طرق بسيطة لمساعدة الأطفال على التركيز بشكل أفضل.. اتبعها    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    احذر هذه الأعراض.. الصحة تكشف الفارق بين الإجهاد الحراري وضربات الشمس    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    ظهور باهت لزيزو مع الأهلي رغم أرقامه الجيدة    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    تفاصيل بوابة التاجر في البنك التجاري الدولي    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    تعرض مقر وزارة الدفاع الإيرانية في طهران لهجوم إسرائيلي    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 15 - 08 - 2012


محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن أجلَّ علم صرفت فيه الهمم، علم الكتاب المنزل ، إذ هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه الهدى والشفاء، والرحمة والبيان، والموعظة الحسنة والتبيان، فلو أنفقت فيه الأعمار ما أدركت كل غوره، ولو بذلت الجهود كلها ما أنضبت من معينه شيئاً يذكر، ومن هنا اجتمعت كلمة علماء الأمة على العناية بتفسيره، وبيانه ودراسته، واستدرار كنوزه ، والنهل من معينه العذب النمير، ولأجل انكبابهم على دراسته، تنوعت طرائقهم في عرض علومه، واختلفت مشاريعهم في إيضاح مكنوناته، وكان القدح المعلى لعلم التفسير من ذلك كله، ولهم في تناول هذا العلم والكتابة فيه أربعة أساليب:
أولاً: التفسير التحليلي :
يتولى فيه المفسرون بيان معنى الألفاظ في الآية، وبلاغة التركيب والنظم، وأسباب النزول، واختلاف المفسرين في الآية، ويذكر حكم الآية وأحكامها، وقد يزيد بتفصيل أقوال العلماء في مسألة فقهية أو نحوية أو بلاغية، ويهتم بذكر الروابط بين الآيات والمناسبات بين السور ونحو ذلك. وهذا اللون من التفسير هو أسبق أنواع التفسير وعليه تعتمد بقيتها، ويتفاوت فيه المفسرون إطناباً وإيجازاً، ويتباينون فيه من حيث المنهج ، فمنهم من يهتم بالفقهيات ، ومنهم من يهتم بالبلاغيات ، ومنهم من يطنب في القصص وأخبار التاريخ ، ومنهم من يستطرد في سرد أقوال السلف ، ومنهم من يعتني بالآيات الكونية أو الصور الفنية أو المقاطع الوعظية أو بيان الأدلة العقدية. وبذلك يكون هذا اللون من التفسير هو الغالب على تواليف العلماء وأكثر كتب التفسير على هذا النمط.
ثانياً: التفسير الإجمالي :
وهو بيان الآيات القرآنية بالتعرض لمعانيها إجمالاً مع بيان غريب الألفاظ والربط بين المعاني في الآيات متوخياً في عرضها وضعها في إطار من العبارات التي يصوغها من لفظه ليسهل فهمها وتتضح مقاصدها، وقد يضيف ما تدعو الضرورة إليه من سبب نزول أو قصة أو حديث ونحو ذلك.
وهذا اللون أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية للقرآن الكريم،وهو الذي يستخدمه من يتحدث بالإذاعة والتلفاز لصلاحيته لعامة الناس ومن أمثلته (تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي ).
ثالثاً: التفسير المقارن :
وهو بيان الآيات القرآنية باستعراض ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة، والموازنة بين آرائهم ، وعرض استدلالاتهم ، والكرّ على القول المرجوح بالنقض وبيان وجهه ، وتوجيه أدلته ، وبيان الراجح وحشد الأدلة وغير ذلك.
رابعاً: التفسير الموضوعي :
وهذا اللون من التفسير هو مجال بحثنا، ومدار حديثنا، ولأجله كتبت هذه الخلاصة:
أولاً: تعريفه :
يتألف مصطلح (التفسير الموضوعي ) من جزأين ركبا تركيباً وصفياً فنعرف الجزأين ابتداء ثم نعرف المصطلح المركب منهما.
فالتفسير لغةً : من الفسر وهو كشف البيان ، قال الراغب : "هو إظهار المعنى المعقول ".
واصطلاحاً: الكشف عن معاني القرآن الكريم..
والموضوع لغةً: من الوضع ؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض ، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان ، تقول العرب : ناقة واضعة : إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح ، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي ، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده.
أما تعريف (التفسير الموضوعي ) علماً على فن معين ، فقد عرِّف عدة تعريفات نختار منها ما نظنه أجمعها وأخصرها وهو: علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر..
ثانياً: نشأة التفسير الموضوعي :
لم يظهر هذا المصطلح عَلَمَاً على علم معين إلا في القرن الرابع عشر الهجري ، عندما قُرِّرت هذه المادة ضمن مواد قسم التفسير بكلية أصول الدين بالجامع الأزهر، إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير كانت موجودة منذ عهد النبوة وما بعده ، ويمكن إجمال مظاهر وجود هذا التفسير في الأمور التالية :
1- تفسير القرآن بالقرآن : لا ريب أن تفسير القرآن بالقرآن هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه عليها، فقد روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر مفاتح الغيب في قوله تعالى: ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ))[الأنعام 59] ، فقال : مفاتح الغيب خمسة: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان 34].
ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجمع بين الآيات القرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التفسير تقتضي بأن أول ما يرجع إليه المفسر القرآن الكريم ، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطلق في آية إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه في سورة أخرى، وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله.
2- آيات الأحكام : قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض ، وذكروا ما نص عليه وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك ، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
3- الأشباه والنظائر: وهو اتجاه نحاه بعض العلماء في تتبع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة، مثال ذلك : كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حسبما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر) ، وهي : المال : كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً))[البقرة 180] ، والإيمان كقوله : ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ))[الأنفال 23] ، والإسلام كقوله : ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ))[القلم 2] ، وبمعنى أفضل كقوله : ((وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ))[المؤمنون 109]، والعافية كقوله : ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[الأنعام 17]، والأجر كقوله : ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ))[الحج 36]، والطعام كقوله : ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))[ القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله : ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً))[الأحزاب 25]
وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي ، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن موضوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده.
4- الدراسات في علوم القرآن: اهتم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات،لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجدل والأمثال وغير ذلك ، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر.
كل هذه الأمور والحقائق تدلنا على أن التفسير الموضوعي ليس بدعاً من العلوم أفرزته عقول المتأخرين ، وغفلت عن الاهتمام به أفهام الأولين. لكن بروزه لوناً من التفسير له كيانه وطريقته لم يوجد إلا في العُصُر الأخيرة - تلبية لحاجات أهلها - التى وجد فيها من المذاهب والأفكار كما وجد فيها من الآراء والموضوعات ما اضطر علماء الشريعة إلى بحثها من وجهة النظر القرآنية ليقينهم بأنه الكتاب الذي يحوي دراسة وعلاج كل موضوع يطرأ في حياة الناس ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ))[الملك 14] .
ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات ، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال ، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات ، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم )، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه ) وخرجا في كتاب واحد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً.
ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي :
الأول : أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم ، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات القرآنية مصطلحات قرآنية ك(الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة.. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، مما أبقى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية..
أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن ، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعجاز القرآني ، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمقدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل ، وممن اعتنى بهذا اللون من المعاصرين الدكتور أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي ) أصدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض) ، و(فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و(الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها..
الثاني : تحديد موضوع ما ، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق ، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل ، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان.
خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب معالجة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عالم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله.
وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع ، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتأملاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات ، ثم ينسق بين تلك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع.
ويكون منطلق العرض والاستدلال والدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم ، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد.
وعلى الباحث أن يتجنب خلال بحثه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات ، فلا يذكر القراءات، ووجوه الإعراب ونحو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتصالاً أساسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومقاصده ، ليتمكن القارئ من فهم الموضوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات ، وبيان الإشارات بأوضح العبارات. وهذا اللون من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص ، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي ) لا يكاد ينصرف إلا إليه ، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين :
ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً.
2- تجدد الموضوعات والمشكلات التي تحتاج إلى بحث من وجهة نظر قرآنية فالأولون صدروا من القرآن ، والآخرون وردوا إلى القرآن. وكلاهما بحر و لا ساحل له ، لا تكاد تنتهي موضوعاته أو تقف عند حد.
3- البحث عن موضوع من خلال سورة من القرآن بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف ودراسته من خلال تلك السورة. وهذا اللون شبيه بسابقه إلا أن دائرته أضيق.
وطريقة البحث فيه : أن يحدد الباحث الهدف أو الأهداف الأساسية للسورة ثم يختاره أو يختار إحداها إن كانت ثمة أهداف متعددة ثم يحاول إبراز عناصر بحث هذه السورة للموضوع وتقسيمها وتبويبها، ثم يدرس علاقة كل المقاطع بهذا الهدف بدءاً بمقدمة السورة، وانتهاءً بخاتمتها، مع التعرف على أسباب نزولها، ومكان نزولها، وترتيبها من بين سور القرآن ويبين علاقة كل ذلك بهدف السورة عنوان البحث ، وسيجد الباحث الصلة بينه وبين الرابطة جلية عند إحالة النظر وإمعان الفكر، وسيعلم أن للسورة هدفاً واضحاً ترمي إلى إيضاحه وبيانه والاستدلال له وبه ، وتفصيل جوانبه وأبعاده ، وكل سورة من القرآن لها شخصية مستقلة تعلم عند البحث فيها، بل ويمكن أن يكون للسورة أهداف متعددة بينها من الترابط والتعاضد والتداخل شيء يصعب معه التفريق بينهما أو إفراد إحداهما بالبحث مع إغفال البواقي.
وليعلم أنه ينبغي عند البحث في هذا اللون ألا ينطلق الباحث في دراسة موضوع السورة من آيات لم ترد فيها، بل يكون منطلقه آيات ومباحث ومقاطع السورة وأما غيرها فتذكر استئناساً لا تأسيساً، وتوكيداً لا تأصيلاً، واستشهاداً لا استناداً.
وهذا اللون ظفر بعناية القدماء بل جاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كالذي فعله البقاعي في كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور). وأما في العصر الحديث فقد أولع به سيد قطب في تفسيره (الظلال) حيث يقدم لكل سورة ببيان أهدافها الرئيسية أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدث السورة عنه، وقد أفردت بحوث كثيرة في هذا اللون من التفسير الموضوعي منها سلسلة (من مواضيع سور القرآن ) التي يكتبها الشيخ (عبد الحميد طهماز) وقد صدر منها (العواصم من الفتن في سورة الكهف ).
رابعاً: أهمية التفسير الموضوعي :
ويمكن تلخيص أجدر جوانبها في الأمور التالية:
الأول : إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم ، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة - من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.
الثاني : التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه أو تقصير منه ، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه ، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته ، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.
الثالث : إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع آيات القرآن ، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.
إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع ، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.
الرابع: إثراء المعلومات حول قضية معينة. غالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.
الخامس : تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها :
لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط ، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.
وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل ، وإعادة تقويم كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع ، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح ، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليه في القرآن الكريم ، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.