موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    مصر تستعد لوظائف المستقبل    تتراجع الآن أسعار الذهب اليوم فى السودان وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    برلماني: الحوار الوطني وضع خريطة استثمارية في مصر للجميع    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    قبل بداية الصيف.. طرق لخفض استهلاك الأجهزة الكهربائية    «الألماني للسياحة»: توقعات بزيادة الليالي السياحية خلال بطولة يورو لكرة القدم يوليو المقبل    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان    العاهل الأردني: سيطرة إسرائيل على معبر رفح ستفاقم الكارثة الإنسانية في غزة    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    المصري يتمسك بالمشاركة الأفريقية حال اعتماد ترتيب الدور الأول    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    تفاصيل زيادة الحضور الجماهيري بالمباريات المحلية والأفريقية    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    الحديدي: كولر «كلمة السر» في فوز الأهلي برباعية أمام الاتحاد السكندري    آنسات الأهلي يهزم الزمالك في بطولة الجمهورية للكرة الطائرة    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    مصدر أمني يكشف تفاصيل إطلاق النار على رجل أعمال كندي بالإسكندرية    ارتفاع درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تؤثر على حالة الطقس الساعات المقبلة (تفاصيل)    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    زاهي حواس: عبد الناصر والسادات أهديا قطعًا أثرية إلى بعض الرؤساء حول العالم    الأبراج التي تتوافق مع برج العذراء في الصداقة    ياسمين عبد العزيز: فيلم "الدادة دودي" لما نزل كسر الدنيا    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    ياسمين عبدالعزيز تكشف حادثًا خطيرًا تعرضت له لأول مرة.. ما القصة؟    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    الكرخ: نرفض عقوبة صالح جمعة القاسية.. وسلكنا الطرق القانونية لاسترداد حقوقنا    طبيب الأهلي يكشف تفاصيل إصابة الثنائي ربيعة وكوكا    سليمان جودة: بن غفير وسموتريتش طالبا نتنياهو باجتياح رفح ويهددانه بإسقاطه    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    أسامة كمال يشيد بدور الشيخ إبراهيم العرجاني ويترحم على نجله الشهيد وسيم    ياسمين عبد العزيز: النية الكويسة هي اللي بتخلي الشغل ينجح    اليوم.. ذكرى رحيل فارس السينما الفنان أحمد مظهر    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 15 - 08 - 2012


محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن أجلَّ علم صرفت فيه الهمم، علم الكتاب المنزل ، إذ هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه الهدى والشفاء، والرحمة والبيان، والموعظة الحسنة والتبيان، فلو أنفقت فيه الأعمار ما أدركت كل غوره، ولو بذلت الجهود كلها ما أنضبت من معينه شيئاً يذكر، ومن هنا اجتمعت كلمة علماء الأمة على العناية بتفسيره، وبيانه ودراسته، واستدرار كنوزه ، والنهل من معينه العذب النمير، ولأجل انكبابهم على دراسته، تنوعت طرائقهم في عرض علومه، واختلفت مشاريعهم في إيضاح مكنوناته، وكان القدح المعلى لعلم التفسير من ذلك كله، ولهم في تناول هذا العلم والكتابة فيه أربعة أساليب:
أولاً: التفسير التحليلي :
يتولى فيه المفسرون بيان معنى الألفاظ في الآية، وبلاغة التركيب والنظم، وأسباب النزول، واختلاف المفسرين في الآية، ويذكر حكم الآية وأحكامها، وقد يزيد بتفصيل أقوال العلماء في مسألة فقهية أو نحوية أو بلاغية، ويهتم بذكر الروابط بين الآيات والمناسبات بين السور ونحو ذلك. وهذا اللون من التفسير هو أسبق أنواع التفسير وعليه تعتمد بقيتها، ويتفاوت فيه المفسرون إطناباً وإيجازاً، ويتباينون فيه من حيث المنهج ، فمنهم من يهتم بالفقهيات ، ومنهم من يهتم بالبلاغيات ، ومنهم من يطنب في القصص وأخبار التاريخ ، ومنهم من يستطرد في سرد أقوال السلف ، ومنهم من يعتني بالآيات الكونية أو الصور الفنية أو المقاطع الوعظية أو بيان الأدلة العقدية. وبذلك يكون هذا اللون من التفسير هو الغالب على تواليف العلماء وأكثر كتب التفسير على هذا النمط.
ثانياً: التفسير الإجمالي :
وهو بيان الآيات القرآنية بالتعرض لمعانيها إجمالاً مع بيان غريب الألفاظ والربط بين المعاني في الآيات متوخياً في عرضها وضعها في إطار من العبارات التي يصوغها من لفظه ليسهل فهمها وتتضح مقاصدها، وقد يضيف ما تدعو الضرورة إليه من سبب نزول أو قصة أو حديث ونحو ذلك.
وهذا اللون أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية للقرآن الكريم،وهو الذي يستخدمه من يتحدث بالإذاعة والتلفاز لصلاحيته لعامة الناس ومن أمثلته (تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي ).
ثالثاً: التفسير المقارن :
وهو بيان الآيات القرآنية باستعراض ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة، والموازنة بين آرائهم ، وعرض استدلالاتهم ، والكرّ على القول المرجوح بالنقض وبيان وجهه ، وتوجيه أدلته ، وبيان الراجح وحشد الأدلة وغير ذلك.
رابعاً: التفسير الموضوعي :
وهذا اللون من التفسير هو مجال بحثنا، ومدار حديثنا، ولأجله كتبت هذه الخلاصة:
أولاً: تعريفه :
يتألف مصطلح (التفسير الموضوعي ) من جزأين ركبا تركيباً وصفياً فنعرف الجزأين ابتداء ثم نعرف المصطلح المركب منهما.
فالتفسير لغةً : من الفسر وهو كشف البيان ، قال الراغب : "هو إظهار المعنى المعقول ".
واصطلاحاً: الكشف عن معاني القرآن الكريم..
والموضوع لغةً: من الوضع ؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض ، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان ، تقول العرب : ناقة واضعة : إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح ، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي ، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده.
أما تعريف (التفسير الموضوعي ) علماً على فن معين ، فقد عرِّف عدة تعريفات نختار منها ما نظنه أجمعها وأخصرها وهو: علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر..
ثانياً: نشأة التفسير الموضوعي :
لم يظهر هذا المصطلح عَلَمَاً على علم معين إلا في القرن الرابع عشر الهجري ، عندما قُرِّرت هذه المادة ضمن مواد قسم التفسير بكلية أصول الدين بالجامع الأزهر، إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير كانت موجودة منذ عهد النبوة وما بعده ، ويمكن إجمال مظاهر وجود هذا التفسير في الأمور التالية :
1- تفسير القرآن بالقرآن : لا ريب أن تفسير القرآن بالقرآن هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه عليها، فقد روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر مفاتح الغيب في قوله تعالى: ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ))[الأنعام 59] ، فقال : مفاتح الغيب خمسة: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان 34].
ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجمع بين الآيات القرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التفسير تقتضي بأن أول ما يرجع إليه المفسر القرآن الكريم ، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطلق في آية إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه في سورة أخرى، وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله.
2- آيات الأحكام : قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض ، وذكروا ما نص عليه وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك ، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
3- الأشباه والنظائر: وهو اتجاه نحاه بعض العلماء في تتبع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة، مثال ذلك : كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حسبما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر) ، وهي : المال : كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً))[البقرة 180] ، والإيمان كقوله : ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ))[الأنفال 23] ، والإسلام كقوله : ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ))[القلم 2] ، وبمعنى أفضل كقوله : ((وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ))[المؤمنون 109]، والعافية كقوله : ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[الأنعام 17]، والأجر كقوله : ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ))[الحج 36]، والطعام كقوله : ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))[ القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله : ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً))[الأحزاب 25]
وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي ، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن موضوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده.
4- الدراسات في علوم القرآن: اهتم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات،لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجدل والأمثال وغير ذلك ، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر.
كل هذه الأمور والحقائق تدلنا على أن التفسير الموضوعي ليس بدعاً من العلوم أفرزته عقول المتأخرين ، وغفلت عن الاهتمام به أفهام الأولين. لكن بروزه لوناً من التفسير له كيانه وطريقته لم يوجد إلا في العُصُر الأخيرة - تلبية لحاجات أهلها - التى وجد فيها من المذاهب والأفكار كما وجد فيها من الآراء والموضوعات ما اضطر علماء الشريعة إلى بحثها من وجهة النظر القرآنية ليقينهم بأنه الكتاب الذي يحوي دراسة وعلاج كل موضوع يطرأ في حياة الناس ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ))[الملك 14] .
ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات ، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال ، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات ، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم )، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه ) وخرجا في كتاب واحد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً.
ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي :
الأول : أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم ، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات القرآنية مصطلحات قرآنية ك(الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة.. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، مما أبقى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية..
أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن ، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعجاز القرآني ، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمقدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل ، وممن اعتنى بهذا اللون من المعاصرين الدكتور أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي ) أصدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض) ، و(فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و(الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها..
الثاني : تحديد موضوع ما ، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق ، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل ، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان.
خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب معالجة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عالم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله.
وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع ، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتأملاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات ، ثم ينسق بين تلك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع.
ويكون منطلق العرض والاستدلال والدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم ، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد.
وعلى الباحث أن يتجنب خلال بحثه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات ، فلا يذكر القراءات، ووجوه الإعراب ونحو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتصالاً أساسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومقاصده ، ليتمكن القارئ من فهم الموضوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات ، وبيان الإشارات بأوضح العبارات. وهذا اللون من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص ، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي ) لا يكاد ينصرف إلا إليه ، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين :
ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً.
2- تجدد الموضوعات والمشكلات التي تحتاج إلى بحث من وجهة نظر قرآنية فالأولون صدروا من القرآن ، والآخرون وردوا إلى القرآن. وكلاهما بحر و لا ساحل له ، لا تكاد تنتهي موضوعاته أو تقف عند حد.
3- البحث عن موضوع من خلال سورة من القرآن بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف ودراسته من خلال تلك السورة. وهذا اللون شبيه بسابقه إلا أن دائرته أضيق.
وطريقة البحث فيه : أن يحدد الباحث الهدف أو الأهداف الأساسية للسورة ثم يختاره أو يختار إحداها إن كانت ثمة أهداف متعددة ثم يحاول إبراز عناصر بحث هذه السورة للموضوع وتقسيمها وتبويبها، ثم يدرس علاقة كل المقاطع بهذا الهدف بدءاً بمقدمة السورة، وانتهاءً بخاتمتها، مع التعرف على أسباب نزولها، ومكان نزولها، وترتيبها من بين سور القرآن ويبين علاقة كل ذلك بهدف السورة عنوان البحث ، وسيجد الباحث الصلة بينه وبين الرابطة جلية عند إحالة النظر وإمعان الفكر، وسيعلم أن للسورة هدفاً واضحاً ترمي إلى إيضاحه وبيانه والاستدلال له وبه ، وتفصيل جوانبه وأبعاده ، وكل سورة من القرآن لها شخصية مستقلة تعلم عند البحث فيها، بل ويمكن أن يكون للسورة أهداف متعددة بينها من الترابط والتعاضد والتداخل شيء يصعب معه التفريق بينهما أو إفراد إحداهما بالبحث مع إغفال البواقي.
وليعلم أنه ينبغي عند البحث في هذا اللون ألا ينطلق الباحث في دراسة موضوع السورة من آيات لم ترد فيها، بل يكون منطلقه آيات ومباحث ومقاطع السورة وأما غيرها فتذكر استئناساً لا تأسيساً، وتوكيداً لا تأصيلاً، واستشهاداً لا استناداً.
وهذا اللون ظفر بعناية القدماء بل جاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كالذي فعله البقاعي في كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور). وأما في العصر الحديث فقد أولع به سيد قطب في تفسيره (الظلال) حيث يقدم لكل سورة ببيان أهدافها الرئيسية أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدث السورة عنه، وقد أفردت بحوث كثيرة في هذا اللون من التفسير الموضوعي منها سلسلة (من مواضيع سور القرآن ) التي يكتبها الشيخ (عبد الحميد طهماز) وقد صدر منها (العواصم من الفتن في سورة الكهف ).
رابعاً: أهمية التفسير الموضوعي :
ويمكن تلخيص أجدر جوانبها في الأمور التالية:
الأول : إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم ، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة - من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.
الثاني : التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه أو تقصير منه ، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه ، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته ، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.
الثالث : إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع آيات القرآن ، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.
إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع ، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.
الرابع: إثراء المعلومات حول قضية معينة. غالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.
الخامس : تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها :
لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط ، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.
وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل ، وإعادة تقويم كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع ، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح ، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليه في القرآن الكريم ، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.