عندما يعلن المفسدون أنهم سيخطون خطوة جديدة نحو الاصلاح، فأبشر بطول سلامة يا فساد! منذ بدأ حكم مبارك فى الحديث عن الاصلاح السياسى وأحوال البلاد تتردى بمعدلات أسرع مما سبق، وتتآكل مقومات المجتمع بأسرع من تآكل سواحلنا الشمالية أو أراضينا الزراعية. يتقدم رأس النظام الفاسد ب34 تعديلاً جديداً للدستور من أجل الاصلاح، مع أن الاصلاح لم يعد له سوى معنى واحد.. رحيل رأس السلطة الفاسدة، وانهاء احتكار السلطة من قبل الطغمة الحاكمة الموالية لأعداء الأمة، واعادة السلطة المغتصبة إلى الشعب. ولقد كانت قوى المعارضة الحقيقية (لا المعارضة الرسمية المعينة من قبل النظام) أكثر ادراكاً هذه المرة، ولم ترحب بالمبدأ، وتشرع فى المناقشة الجادة للتفاصيل كما فعلنا أثناء تعديل المادة 76. فكل المخلصين والأذكياء رفضوا هذه التعديلات من حيث المبدأ، وأشاروا إلى التلاعب الواضح فيها.
والحقيقة أننا لم نكن أبداً نعانى من سوء نصوص القانون أو الدستور بقدر معاناتنا من الهوى وسوء استخدام السلطة دون أى نوع من التقيد بالقانون. وبالتالى فإن هذه الطغمة الحاكمة التى تريد أن تحكمنا للأبد هى المشكلة الوحيدة فى طريقنا للاصلاح. وبالتالى فإن طريقنا للتغيير لن يكون عبر مناقشة تعديلات الدستور ولكن عبر إحياء فكرة تجييش الشعب من جديد فى الشارع واعلان المقاومة السلمية (أو العصيان المدنى) حتى اسقاط حكم مبارك. ومع ذلك فإن هذه التعديلات المقترحة لم تخلو من صفاقة فهى ليست مجرد تعديلات شكلية لا تؤخر ولا تقدم، بل هى تتضمن خطوات واضحة للخلف، وفى هذا دليل كاف على أن حوار الاصلاح مع عصابة الحكم هو نوع من اللغو الفارغ يجب ألا يتورط فيه شريف أو عاقل- فنحن أمام تعديلات تلغى عملياً الاشراف القضائى وتضمن التزوير وتفتح باب انتهاك الحريات الشخصية وحرمة المساكن والمراسلات الخاصة وتعطى صلاحيات أكبر للرئيس فى حل البرلمان!!
فى ندوة حضرتها مؤخراً حول "النظام الانتخابى الأمثل" خرج شيخ القانونيين د.ثروت بدوى وقال كلمة حاسمة مضمونها أن حوارنا حول تعديل قانون الانتخابات كلام فارغ وأن هذا النظام لابد أن "يفور" بأكمله. أى تغيير النظام بأكمله. وأكد د.حسام عيسى نفس المعنى وقال "ان وزير الداخلية لا شك يجلس فى مكتبه الآن يضحك علينا ونحن نناقش فى قانون الانتخابات، فهو فى النهاية الذى يجرى الانتخابات ويخرج نتائجها كما يريد". حقاً إننا أمام مشكلة صراع ارادات ولا يمكن الاصلاح بدون عصيان مدنى.
نحن الآن أمام صفحة سوداء جديدة لهذا النظام الضال، وكل حادثة تكشف حالة من الدمار الشامل الذى أصاب المجتمع. كجسم- والعياذ بالله- مصاب بالسرطان الشامل كلما أخذت عينة من أى مكان بالجسد وجدت النتيجة "إيجابية".
حادثة "اغتصاب رجل فى قسم شرطة" بشريط فيديو كشفت عن أن هذه الممارسة شائعة فى الأقسام.
حادثة عصابة أولاد الشوارع كشفت أن لدينا 2 مليون طفل فى الشارع.
قلت من قبل إننا تجاوزنا معارضة النظام لأسباب سياسية، إننا نعارضه لأسباب مجتمعية شاملة، فاستمرار هذا النظام يعنى مزيداً من الانهيار الشامل للمجتمع المصرى: قيم، أخلاق، روابط اجتماعية، صلة رحم..الخ.
أولاد الشوارع تحولوا إلى مؤسسة تدار بمنتهى الانتظام، ولها فروع شتى: دعارة- تسول- سرقة..الخ.
ونشرت إحدى الصحف مؤخراً أن قسم شرطة كفر الزيات يكاد يدير (بمعنى أنه يحمى ويستفيد) بيت دعارة من خمسة أدوار. وان داعرات هذا البيت هن من بنات الشوارع والأسواق اللائى يتم انتشالهن من الشوارع وتنظيفهن واعدادهن كمومسات بأسعار رخيصة أو مدعمة!
العصابات التى قامت باغتصاب أطفال الشوارع واستخدامهم فى السرقة ثم قتلهم، عصابات متشعبة وتعمل فى المحافظات وليس فى القاهرة والاسكندرية وحدهما. عصابة واحدة متهمة باغتصاب وقتل العشرات. وهى أمور ما كانت لتحدث فى مصر أبداً، إلا فى ظل هذا النظام الكئيب، الذى يدفعنا للهاوية.
هذه فضيحة اجتماعية مدوية، وليس لها حل بسيط لأنها إحدى النتائج المتراكمة لتوقف عملية التنمية الاقتصادية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 29%.
ان احصاء عدد أولاد الشوارع ب2 مليون هو احصاء قديم (عام 1999) فربما لامس العدد الآن 3 مليون.
وهذ النظام فاقد الاحساس والوعى يتعامل مع المشكلة التى طفحت على السطح كأنها مشكلة جزئية عارضة يمكن حلها بشكل جزئى عارض. فهم يتحدثون عن دور رعاية الأطفال، ودور مجلس رعاية الطفولة برئاسة زعيمة الاصلاح زوجة الحاكم بدلاً من أن تتوارى خجلاً أمام نتائج أعمالها وادعاءاتها المظهرية الفارغة التى تذكرنا بالأدوار الاجتماعية للشهبانو (زوجة شاه ايران).
طبعاً هذه المشكلة أكبر من هذه الجمعيات حتى لو كانت مخلصة.. نحن أمام حالة انسداد اقتصادى- اجتماعى- تحل على مستوى التخطيط الاقتصادى الشامل فى ظل سلطة وطنية شريفة وليس فى ظل النظام الحالى. ولكن المثير للغثيان هو ادعاء أن مجلس الطفولة سينزل الميدان بثقله ليحل المشكلة!! وهذه هى المتاجرة بآلام الجماهير بدلاً من حلها.
اذا تركنا هؤلاء المفسدين يصلحون ستكون الكوارث أكبر بما لا يقاس. ففى صحف 31 ديسمبر2006 نقرأ تصريحات مفزعة لوزيرى الزراعة والتضامن الاجتماعى خلاصتها ان الوزارتين تفكران فى تجميع أطفال الشوارع ووضعهم فى الصحراء. وأتصور أن النظام أعجز من أن ينفذ هذا المشروع. ولكنه مشروع خطير اذا نفذ إنه يعنى انشاء معازل فى الصحراء (توشكى- شرق العوينات) كى تترعرع فيه كل الجرائم والانحرافات كما يحدث فى المعتقلات المكتظة بالجنائيين. نحن أمام وزراء وحكام يتعين الحجر عليهم ومنعهم من التصرف لأن أفكارهم مدمرة وتتسم بالغيبوبة فهؤلاء لا يعرفون أن هذه المشروعات فى عمق الصحراء فشلت بالفعل ولا تنفع أولاد شوارع ولا أولاد ذوات.
فى هذا العيد استنفرت الشرطة قواتها ووضعت كاميرات أمام دور السينما وهو اعتراف متأخر بأن أحداث العيد الماضى عن التحرش الجنسى لم يكن مبالغاً فيها أو مختلقة كما ادعت الشرطة. وأكرر مرة أخرى ان أحداث التحرش الجنسى الجماعى التى حدثت فى عيد الفطر الماضى لا مثيل لها فى أى مجتمع آخر على وجه البسيطة.
وهكذا وعلى هذا المنوال كل حادث يكشف عن كارثة فى المجال الخاص به.. حادث انفلونزا الطيور.. وضع مصر فى مقدمة دول العالم (من الخمس الأوائل) من حيث عدد الوفيات البشرية.
حادث عبارة السلام.. كشف انهيار مرفق النقل البحرى بأسره. حوادث القطارات..كشفت انهيار قطاع النقل بالسكة الحديد على مدار مصر بأسرها.
الادعاء بأن مصر تفكر فى مشروع نووى، كشف فساد استيلاء مافيا السياحة من أصدقاء ابن الحاكم على أراضى المشروع بالضبعة، رغم أنه هو الذى أعلن عن المشروع فى مؤتمر الحزب لتلميع نفسه وبعد الاتفاق مع امريكا واسرائيل. وحتى الآن فإن المشروع النووى مجرد كلام فى كلام. ولم يعقد اجتماع واحد لعلماء الذرة المصريين لمناقشته حتى كتابة هذه السطور.
على الصعيد القومى العربى والاقليمى ولا أقول على صعيد السياسة الخارجية عموماً، فان وزن مصر قد تلاشى تقريباً، مصر الرسمية لم تنبس ببنت شفة بينما أثيوبيا تستولى على الصومال. ومصر الرسمية لم تعد مسموعة فى العراق ولا يوجد أى تأثير لها إلا مجرد اعلان مبارك كل فترة (مناشدة الأمريكان عدم الانسحاب)، فى لبنان مصر الرسمية تنحاز للحكومة الموالية لأمريكا، ولكنها غير مؤثرة فى الصراع، والسفير السعودى أكثر تأثيراً من السفير المصرى، بل ان السفير المصرى يدور على القوى اللبنانية كى يتم تصويره معهم للظهور لثوان فى الفضائيات وفى أركان بعض الصحف اللبنانية. ومصر لا وجود لها فى ليبيا أو السودان، أما فى فلسطين فهى بانحيازها لعباس وزمرته جعلت من نفسها مجرد مقبض باب فى يد أمريكا واسرائيل لفتح واغلاق معبر رفح.
أما العملية الجنونية الكبرى الآن فهى فى الداخل، وهى محاولة شطب الاخوان المسلمين من الخريطة السياسية، وهى عملية انتحارية لن يخسر فيها إلا النظام. لدينا عدد من الملاحظات حول كيفية ادارة الاخوان المسلمين للصراع ونحن نتشاور معهم حولها. ولكن أى ملاحظات لا علاقة لها برفضنا المطلق لهذه الحملة الشعواء المفتعلة على الاخوان بمناسبة الطابور الرياضى الذى قام به طلاب الاخوان بالأزهر، ونحن نرى أن الطلاب لم يخطئوا فى شئ، ونحن ندعو كل شباب مصر لتعلم الكاراتيه والكونغ فو ليس فى ذلك خطأ أو خروج على القانون. ولكن المثير للسخرية أن هذه الحادثة البريئة تقدم الآن كحيثية كافية لإبادة الاخوان المسلمين من على ظهر البسيطة. ولا نريد الدخول فى التفصيلات، ولكننا نجزم أن النظام الحاكم هو الذى يخسر فى هذه المواجهة، لأن الاخوان أصحاب رسالة ومشروع، والنظام الحاكم تحول إلى عصابة لا أخلاق لها ولا مبادئ إلا طاعة أعداء الأمة. أصحاب الرسالات يستمرون فى طريقهم مهما كان القمع ضدهم بل لعله يكسبهم مزيداً من التعاطف الشعبى، أما المرتزقة من أولياء الشيطان فهم يخسرون عادة- باذن الله- فى الدنيا والآخرة.
إنهم يريدون تفصيل تعديلات الدستور والقانون النتخابى لمنع الاخوان خصوصاً والاسلاميين عموماً من مجرد الترشيح لانتخابات الرئاسة ومجلس الشعب.
عموماً هذه الألاعيب أصبحت فى الوقت الضائع، فلا يوجد ساذج واحد يتصور أنه سيتم تغيير هذا النظام، عبر الانتخابات.
*********
نحن ندعو إلى تنشيط العمل السياسى والجماهيرى الجبهوى تحت شعار "المقاومة السلمية" لهذا النظام الفاجر حتى إسقاطه باذن الله.