رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    تحرك جديد في أسعار الذهب.. والأسواق تترقب بيانات التضخم الأمريكية    دعم اوروبي 10 ملايين يورو لنفاذ مياه الشرب إلى المناطق المحرومة في إفريقيا وآسيا    «المصري للفكر والدراسات»: مصر أكدت رفضها تصفية القضية الفلسطينية من مضمونها    بين أوكرانيا وإسرائيل وغيرهم.. الكونجرس يتبنى حزمة مساعدات دسمة    الرئيس البيلاروسي يتوقع المزيد من توسع «الناتو» وتشكيل حزام من الدول غير الصديقة حول روسيا وبيلاروس    مواعيد مباريات الجولة 20 من الدوري المصري.. عودة القطبين    ضبط 65 كيلو مخدرات بقيمة 4 ملايين جنيه بمحافظتين    بعد مقتل ربة منزل على يد زوجها فى ملوى فى لحظة غضب ..نصائح هامة يقدمها طبيب نفسى    نقابة الموسيقيين تنعى مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    بكلمات مؤثرة.. ريهام عبدالغفور توجه رسالة لوالدها الراحل في حفل تكريمه    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    تطرح مرحلتها الأولى اليوم للمستفيدين... مدينة رفح الجديدة" درة تاج التنمية" على حدود مصر الشرقية بشمال سيناء ( صور)    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    إزالة إشغالات وحالات بناء مخالفة في دمياط الجديدة    أنطوي: أطمح للفوز على الزمالك والتتويج بالكونفدرالية    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    محافظ القليوبية يتفقد أعمال النظافة بمدينتي الخصوص وأحياء شرق وغرب شبرا الخيمة    وزير التنمية المحلية يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    بالصور .. بدء طباعة وتظريف امتحانات الترم الثاني 2024    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    «المحامين» تعلن موعد جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بجميع الفرعيات    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآثار الداخلية لكامب ديفيد - الحصيلة النهائية بعد ربع قرن
نشر في الشعب يوم 24 - 03 - 2007


بقلم:مجدى أحمد حسين

Magdy [email protected]



تستحق اتفاقية كامب ديفيد بعد أكثر من ربع قرن أن نقف أمامها وقفة تقييم لدراسة حالة مصر وكيف آلت فيها الأمور من جراء هذه الاتفاقية. فنحن فى الحقيقة أمام حقبة تاريخية ولسنا أمام مجرد اتفاقية. ولعل الآثار الوخيمة لها لا تكتشف من مجرد تحليل نصوصها. فهذه الاتفاقية كانت بمنزلة كلمة السر أو الراية أو العلامة على افتتاح مرحلة من العلاقات الاستراتيجية بين مصر واسرائيل والولايات المتحدة، أى بالأحرى مرحلة من التبعية المصرية للحلف الصهيونى الأمريكى. ولقد أدت إلى حالة من الانهيار المخيف لكافة أوضاع البلاد بما لا يمكن لدراسة واحدة أن تحيط بها. إن عواقب كامب ديفيد تعنى تاريخ مصر منذ 1978 حتى 2006، وبالتالى فاننا لا نملك إلا الإشارة إلى العلامات الأساسية.

إن كامب ديفيد ليست بعيدة عن نظام الحكم فى البلاد، وطابعه الفرعونى، والدور الزائد عن الحد للحاكم، حيث يؤدى قرار الحاكم الفرد إلى تغيير مجرى تاريخ الأمة إيجاباً أو سلباً. وقد صور السادات زيارته للقدس باعتبارها من وحى السماء، وأن الفكرة طرأت له وهو يركب السحاب فى طائرته من رومانيا إلى تركيا. وهذه صورة وإن بدت كاريكاتيرية، إلا أنها لا تخلو من حقيقة. فزيارة القدس لم تكن من وحى السماء أو حتى من وحى الفكر، بل كانت تحت وطأة وسوسة الشياطين، وكانت مطروحة دوماً فى الاتصالات مع الولايات المتحدة، وتم التمهيد للزيارة بلقاءات التهامى وديان فى المغرب، تحت رعاية الملك الحسن. ومع ذلك فان ما ذكره السادات لا يخلو من مغزى، وهو أن القرار كان قراره فى المحل الأول، وأن النظام الفردى الفرعونى يمكن أن يسمع للمستشارين (وهم قلة قليلة) ولكن القرار قراره فى النهاية وساعتها عليهم جميعاً السمع والطاعة. وبالاطلاع على مذكرات من شاركوا فى مباحثات كامب ديفيد من كافة الأطراف: المصرية والاسرائيلية والامريكية فقد كان واضحاً أن القرارات الحاسمة اتخذها السادات وحده. العواقب الوخيمة لكامب ديفيد بعد ربع قرن تؤكد على ضرورة الإصلاح السياسى وإنهاء الحكم الفرعونى كواجب وطنى وضرورة وطنية.

وإذا أردنا أن نجمل الصورة العامة لحال مصر الآن فإننا لن نجد أدق ولا أصفى ولا أكثر حدة فى الحق مما أعتبره الوصية الأخيرة للمفكر الكبير الدكتور جمال حمدان. فرغم أن أحوالنا تدهورت بشدة بعد رحيله، إلا أنه لا يمكن أن نصف أحوال مصر بأشد من تلك العبارات الناصعة. ورغم أن جمال حمدان لم يحسب أبداً على المدرسة "الليبرالية" إلا أنه أدرك فى أيامه الأخيرة خطورة الطابع الفرعونى للحكم، وأن مفتاح خروج مصر من أزمتها هو ضرب الأساس البيروقراطى الفرعونى. (إن قليلاً من البلاد التى يلعب بها الجهاز الإدارى مثل الدور الذى يلعبه فى مصر أو يأخذ الحجم المتورم والثقل الضاغط الذى يأخذه فيها).. (لا نعرف بلداً يتأثر أهله بالحكم صالحاً أو فاسداً كما يتأثر أهل مصر ولا نعرف بلداً يسرع إليه الخراب إذا ساءت إدارته كمصر).. (قضية إعادة بناء الإنسان المصرى هى ببساطة قضية هدم الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول، ودك صرحها الاجرامى العاتى المتهرئ، وتصفية الطغيان الفرعونى المخضرم المتقيح البغيض جسدياً وأبدياً، وهو قلعة الاستبداد المصرى الشوهاء المشئومة).

(إن مصر تبدو اليوم فى أسوأ حالاتها، أسوأ مما كانت فعلاً فى أى يوم مضى، إنها ما زالت تبدو حتى الآن عتيقة شاخت ولا تتجدد أبداً. مريضة ولكنها لا تموت أبداً. ذلك أنها قد تعايشت مع المرض وتعودت عليه).

إن مصر المأزومة والمهزومة المحرومة الجريحة الكسيرة الأسيرة لابد أن تنفجر، لأن التغيير أصبح شرط البقاء والاختيار صار بين التغير والموت. فان تلك المرحلة هى بلا ريب مرحلة الخلاص). (1)

**************

مقايضة سيناء باستقلال مصر:

إن جوهر اتفاقية كامب ديفيد، أن النظام الرسمى رأى أن يستعيد سيناء المحتلة بأى ثمن أو على الأقل بثمن بخس، ورأى الحلف الصهيونى الأمريكى الأهمية الاستراتيجية لفصل مصر عن أمتها العربية، لأنه بمنزلة فصل الرأس عن الجسد وبذلك يمكن التهام الجميع، ورأى هذا الحلف المعادى أن ضم مصر لمعسكره أضحى ضرورة ملحة ومستعجلة، فى لحظة كانوا يفقدون فيها إيران كحليف وركن ركين لهم بالمنطقة. (2)

استعادت مصر سيناء منزوعة السلاح والسيادة مقابل التخلى عن دورها القيادى التحررى العربى، بل والأخطر من ذلك، هو تخليها عن استقلالها ذاته. وقد تم نسج خطوط التبعية للحلف الصهيونى الامريكى خصوصاً وللغرب عموماً على مدار ربع قرن، بطريقة نسج خيوط العنكبوت، بصورة هادئة متدرجة متشعبة حتى وصلت إلى أركان البلاد قاطبة.

إن اتفاقية كامب ديفيد لم تكن مجرد اتفاقية ثنائية بين مصر واسرائيل لانهاء حالة الحرب تحت رعاية أمريكية، بل نحن إزاء حلف ثلاثى، علاقة مثلثة بين الاطراف الموقعة عليها. فالعلاقات المصرية- الاسرائيلية مشبوكة بصورة عضوية بالعلاقات المصرية الامريكية، أما العلاقات الاسرائيلية –الامريكية فهى علاقات استراتيجية ذات طابع مؤسسى، وبالتالى فالجديد هو التحاق مصر بهما من موقع التبعية الذليلة.

ولقد ترافقت المعونة الامريكية لمصر ب2.2 مليار دولار سنوياً مع معونة موازية لاسرائيل 3.2 مليار دولار واعتبرتا معاً معونة سلام. وكل عام عندما يتم تجديد المعونة لمصر فى الكونجرس توضح الإدارة الامريكية أنها مكافأة سلام، ومقابل التزام مصر بالتطبيع مع اسرائيل. إن علاقات مصر بأمريكا تجاوزت هذه المعونة بكثير، ولكن ظلت المعونة بوابة ورمز لعلاقات التبعية. فهناك آلاف من الامريكيين مقيمين فى مصر ويتابعون كافة مؤسسات البلاد تحت بند متابعة تنفيذ اتفاق المعونة فى المجالات المختلفة. إن استمرار حصول مصر على المعونة كان علامة الرضاء (والاشارة الخضراء) للنظام المصرفى الغربى للتعامل مع النظام المصرى وحقنه بالقروض والمنح عند اللزوم بالمعدلات الضرورية لابقائه حياً، وفى إطار مزيد من الشروط السياسية. وقد تعجب البعض خلال السنوات الاخيرة أثناء الانتفاضة الفلسطينية وكيف أن النظام المصرى لم يتخذ قراراً واحداً ضد التطبيع مع اسرائيل، حتى على سبيل محاولة كسب الشعبية كطرد السفير، كوقف شركة العال للطيران، أووقف أفواج السياحة الاسرائيلية، وقد فات هذا البعض المتعجب، أن علاقات هذا النظام مع اسرائيل مسألة استراتيجية عليا لا تسمح امريكا بالتلاعب فيها!! والنظام المصرى يدرك ذلك جيداً، بل هناك اتفاقات وتفاهمات سرية عديدة غير معلنة تكبله بقيود غير منظورة. وبالتالى فإن الحديث عن الآثار الداخلية لكامب ديفيد من المفترض أن يشمل بالأساس آثار التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، ولكننا سنتناول فى هذا البحث ما هو متعارف عليه وهو التركيز على علاقات التطبيع مع الكيان الصهيونى، حفاظاً على طابع الندوة التى نشارك فيها، ولأن تناول العلاقات مع الولايات المتحدة موضوع أوسع بكثير ويحتاج لبحث أكثر استفاضة. ولكن كان لابد من وضع الأمور فى نصابها التاريخى الصحيح. أى أنه لا توجد علاقات مصرية – اسرائيلية ثنائية، بل هى علاقات مثلثة الطابع وهو ما يزيد من التكبيل المصرى، ويحولها إلى علاقات استراتيجية على حساب العلاقات الاستراتيجية الأصلية الصحيحة مع العرب والمسلمين ثم مع بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولكن قبل أن ندخل لملفات التطبيع مع الكيان الصهيونى، لابد من الاشارة إلى عناوين التبعية للولايات المتحدة باعتبارها الآثار الوخيمة لهذه العلاقات المثلثة:

من الناحية العسكرية والاستراتيجية منعتنا أمريكا من تطوير الأسلحة خاصة فى مجال الصواريخ والأسلحة فوق التقليدية وارتياد الفضاء والالكترونيات الأمر الذى أدى إلى تواصل اتساع الفجوة التكنولوجية مع العدو الصهيونى، وفى المقابل اعتمدنا بشكل أساسى على التسليح الأمريكى ودخلنا فى برنامج مشترك مع الجيش الأمريكى للتدريبات، والمناورات الدورية (النجم الساطع) وقدمنا للأمريكان تسهيلات عسكرية مفتوحة فى البر والبحر والجو(3)، وشاركنا فى مهام عسكرية خارج البلاد وفقاً للمشيئة الامريكية (الكويت- الصومال- البوسنة- تيمور الشرقية).

على الصعيد الاقتصادى تم قصم ظهر العمود الفقرى للاقتصاد المصرى من خلال الضغوط المتواصلة من أجل الخصخصة لصالح الأجانب والصهاينة، وبينما وصلت التقديرات الرسمية المصرية لقيمة القطاع العام الى 1500 مليار جنيه فإنه قد تم بيع معظمه بعشرات قليلة من المليارات(4). فى عام 2004/ 2005 بيعت مشروعات ب5 مليار جنيه وفى عام 2005/ 2006 بيع 66 مشروعاً ب15 مليار جنيه(5). وعندما نشرت مجلة نيوزويك الامريكية فى مصر عن رهن قناة السويس فإن النظام المصرى لم ير أى أهمية لنفى أو تأكيد ذلك. ولكننا تذكرنا جميعاً الخديو اسماعيل! المهم أن الولايات المتحدة استخدمت صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتحديد كافة سياساتنا الاقتصادية، وبعد محاولات متكررة للرفض والمماطلة، فقد التزم النظام المصرى فى النهاية بكل شئ تقريباً، وتبقى المسألة: مسألة وقت فحسب بالنسبة لهذه النقطة أو تلك. فى السياسات السكانية- لأنها تهم الحلف الصهيونى- الامريكى- فقد تحول تحديد النسل إلى أحد الثوابت العقائدية للنظام المصرى.

ومن وقت مبكر وتحت ستار المعونة الامريكية وشعار بناء ألف مدرسة، حدث تدخل أمريكى واسع النطاق فى نظمنا ومناهجنا التعليمية. ولا شك أن التدخل فى أنظمة التعليم الجامعى لم تكن أقل. وأضف إلى ذلك الاختراقات فى المجال الاعلامى والثقافى ووصل الأمر إلى التدخل فى قوانين الأحوال الشخصية، وأخيراً وليس آخراً التحكم فى ثوابت سياستنا الخارجية. بكلمة: لقد أصبحت مصر العظيمة فى قبضة الحلف الصهيونى- الامريكى ولا حول ولا قوة إلا بالله.

نموذج النمو بالتبعية لا يصلح لمصر:

إن الوجود الصهيونى على حدود مصر يجعل نموذج التنمية فى اطار التبعية الذى وجدنا نموذجاً له فى بعض التجارب الآسيوية (كوريا الجنوبية- تايوان) غير مطروح على الاطلاق. فالتحالف الصهيونى مع الولايات المتحدة يجعل للطرفين مصلحة واحدة فى إضعاف مصر كهدف فى حد ذاته. لأن مصر هى القوة المرشحة لمجابهة الخطر الصهيونى، وتوحيد الأمة العربية فى قوة اقليمية عظمى.

فالهدف إذن هو الحفاظ على النظام المصرى مستقراً، وتحويل مصر إلى مجرد مجتمع استهلاكى لمنتجات الآخرين، ويستمد الحياة من الخارج لا من الداخل، وعدم إعطاء مصر أى فرصة لبناء حد أدنى من القاعدة الانتاجية والعلمية القادرة على دفعها للأمام فى عملية تنمية متمحورة حول الذات. وفى هذا الاطار زحف الاختراق اليهودى الصهيونى إلى نخاع الدولة والمجتمع، ولا يمكن فهم أبعاد ذلك التطور الخطير إذا حصرنا رؤيتنا فى التطبيع المباشر مع اسرائيل، فعناصر اليهود الصهيونية أتت إلينا من كل حدب وصوب بمختلف الجنسيات وجوازات السفر، والشركات والهيئات الاوروبية والامريكية.

ولا نقصد بالاختراق، التجسس بالمعنى الضيق للكلمة، ولكن خلق مصالح مشتركة مع مجموعات رجال الاعمال والمثقفين وغيرهم، نشر ثقافة الاستسلام وأن التصدى لاسرائيل مسألة عبثية وغير ممكنة، خلق علاقات عضوية بين مؤسسات الدولة وأفرادها، بهيئات غربية أو أمريكية أو اسرائيلية. فيروس التجسس أشبه بالانفلونزا، أما فيروس الاختراق الشامل لشخصية وعقيدة الأمة أشبه بفيروس الإيدز، الذى يؤدى إلى انهيار جهاز المناعة.



ملفات التطبيع مع العدو الصهيونى


رغم تحفظى على المبالغة فى قوة العدو الصهيونى، وأنه عندما يقرر شيئاً يفعله، وقد أثبتت حرب لبنان الأخيرة فى يوليو2006 أن العدو قرر ولم يفلح، ومن قبل انسحب عام 2000 من لبنان رغم ارادته، كما أجبرته الانتفاضة الفلسطينية على الانسحاب من غزة والتمترس خلف الجدار فى الضفة الغربية. أى أن خطط العدو لا تنجح إلا بسبب عدم وجود خطط مضادة لهزيمتها وافشالها. ومما يؤسف الله أن العدو الصهيونى لم يفلح- بعد اقامة كيانه فى عام 1948- على أى جبهة وعلى أى صعيد فى تحقيق أهدافه إلا على الجبهة المصرية بفضل اتفاقية كامب ديفيد.

(إن ما تدبره اسرائيل لغزو الاقتصاد المصرى ووضع الخطط لذلك لم يكن وليد الصلح المنفرد عام 1979. بل يرجع إلى منتصف الستينيات ففى عام 1965 وبتكليف من رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير أعد "بنك اسرائيل" ما سمى فيما بعد باسم "المشروع الاقتصادى الاسرائيلى لمصر" ونشر المشروع لأول مرة عام 1977 وفيما يلى مفردات هذا المشروع:

1. مشروع نقل مياه النيل إلى النقب.

2. مشروع شراء مليار متر مكعب من مياه النيل.

3. مشروع الاستغلال المشترك للمياه الجوفية فى سيناء.

4. مشروعات رفع انتاجية الزراعة فى مصر.

5. مشروعات البترول والطاقة.

6. مشروع شمعون ينتاح (عالم الذرة) لاقامة مركز ذرى مشترك فى سيناء.

7. مشروع شركة الكهرباء الاسرائيلية فى العريش.

8. مشروعات النقل والمواصلات (نقل برى وجوى).

9. المشروعات السياحية (وكالات سياحية مشتركة وشركات للنقل السياحى).

10. مشروعات لتشغيل خطوط ملاحية بين الاسكندرية والموانى الاسرائيلية(6)

والأمر المذهل أن ست نقاط من هذه النقاط العشر قد تم تنفيذها بالفعل وعلى أوسع نطاق (الزراعة- البترول- الكهرباء- النقل والمواصلات- السياحة- الخطوط الملاحية البحرية). وأن النقاط الأربع الأخرى يجرى الإعداد لها وهى الخاصة بالتعاون فى مجالى المياه والذرة!!

وقبل الدخول فى ملفات التطبيع لابد من الاشارة إلى ثلاث ملاحظات :

1. التحول الكبير الذى حدث عام 2004/ 2005 وعلى لهيب مشكلة التمديد والتوريث، حيث قام النظام بالتقرب للولايات المتحدة عن طريق فتح كل الجسور والسدود أمام التدفق اليهودى الاسرائيلى المباشر مع مصر وانهاء كل التحفظات على التطبيع الكامل تحت حجة انتظار التسوية الشاملة. وقد حدثت لحظة الانكسار خلال صفقة الافراج عن عزام عزام الجاسوس الاسرائيلى، والاعلان عن اتفاقية الكويز فقد كانت هذه هى الإشارة لإلغاء أى تحفظات على التطبيع فى أى مجال من المجالات. والآن أصبح الاقتصاد فى قبضة اليهود الصهاينة بدون أى مبالغة، حيث يترافق ذلك مع بداية بيع بنوك القطاع العام وهناك كما ذكرنا علاقة وطيدة بين هذين المحورين: التطبيع والخصخصة.

2. الملاحظة الثانية تتعلق بمشروع الشرق الأوسط الجديد، فالبعض ما يزال يناقشه باعتباره خطراً محتملاً أو قادماً، بينما الواقع أن هذا السوق قد بدأ عمله بالفعل بدرجات متفاوتة بين مصر واسرائيل والأردن كأساس علنى، مع امتدادات شبه علنية مع تونس والمغرب وقطر وباكستان وامتدادت غير معلنة مع باقى دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى. وبالنسبة لمصر فقد كانت اتفاقية الكويز نقطة تحول حاسمة، فقد أصبحنا أمام سوق شرق أوسطى ناشئ بالفعل بين مصر واسرائيل من ناحية والأردن واسرائيل من ناحية أخرى وأن اسرائيل واحتياجاتها وأولوياتها هى التى تحدد أولويات هذا السوق، فقد بدأ بالبترول ثم الغاز، بدأ بالسياحة والزراعة ثم انتهى بالصناعة فى المجالات التى ترغبها اسرائيل (النسيج) وتستهدف فيها الاستفادة من الصناعة المصرية فى هذا المجال. وعندما نتناول معلومات التطبيع سنجد أنها كلها تتم وفقاً لمصالح اسرائيل واحتياجاتها وأولوياتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. وإنها سوق بين سيد (اسرائيل بحماية امريكية) وعبيد (مصر- الاردن)، وتأتى فى سياق المشروع الذى اعلن عنه الرئيس الامريكى جورج بوش عام 2003 لإنشاء منطقة تجارة حرة فى الشرق الاوسط عام 2013 ويعول الاعداء على نمو هذا المشروع على حساب مشروعات: السوق العربية المشتركة أو السوق الاسلامية المشتركة أو اتفاقية الكوميسا التى ولدت ميتة بالنسبة لمصر على الأقل (وهى اتفاقية تحرير التجارة مع شمال ووسط افريقيا). وانحياز النظام المصرى لمشروع الشرق الاوسط هو فى حد ذاته انحراف وطنى وقومى، وانحراف عن العقيدة الاسلامية (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

3. الملاحظة الثالثة:

ان ما ننشره لاحقاً ليس استقصاء حصرياً لكل ما جرى فى مجال التطبيع ولا استقصاء حصرياً لكل خسائره، فهذا يخرج عن حدود هذه الورقة والزمن الذى كتبت فيه، ولكنها الملامح والمعلومات الرئيسية، خاصة أن المطلوب هو إلغاء هذه المعاهدة، وليس تواصل البحث حولها، وكفانا بحثاً لمدة ربع قرن، إن ما ننشره الآن يحاول أن يكون صرخة أخيرة للتحرك العملى لاسقاط هذه المعاهدة الجائرة. كذلك لابد من ملاحظة أن التقييم الاعلامى فى هذا المجال ما يزال مستمراً بل لقد وصل الأمر إلى حد اعلان وزير البترول أن سعر تصدير الغاز من المعلومات السرية!!


والسرية تكشف أن الحكام يدركون إنهم يفعلون شيئاً معيباً أو محرماً مع العدو الصهيونى، وبالتالى فإن اخفاء بعض أو كثير من المعلومات يكون ضرورياً لعدم إعطاء العدو (الشعب المصرى ونخبته المعارضة) مادة للاستفزاز ثم للهجوم والتعبئة ضدهم.

ونبدأ بالملفات التقليدية للتطبيع ثم ننتقل إلى الملفات المستحدثة:

1. السياحة: الملف السياحى كان من أهم الملفات التى تهم الصهاينة لعدة أسباب، ودائماً السبب السياسى الاستراتيجى هو الأول، فدخول آلاف الاسرائيلين كل عام الى مصر يقضى على ما تبقى من الحاجز النفسى الذى حطمه السادات فى مبادرته عام 1977، وعبر الافواج السياحية سيكون لاسرائيل ألف جسر وجسر مع المجتمع المصرى، ولا أقصد الجانب الأمنى فحسب (دس الجواسيس) فهذا بديهى ويحدث فى كل الأزمنة ولكنها عملية تواصل واسعة النطاق مع قطاعات من الشعب المصرى. كذلك تستخدم هذه الافواج فى ترويج ما يضر المجتمع (مخدرات- أسلحة- دولارات مزيفة- بذور وتقاوى مهجنة...الخ). والسياحة خاصة فى سيناء تقدم خدمة رخيصة للصهاينة فى واحدة من أجمل بقاع الارض، وتعزز لديهم الاحساس أنهم لم يفقدوا سيناء بالانسحاب منها. ولذلك عقدت اتفاقيات خاصة تبيح تسهيل دخول الاسرائيليين إلى سيناء تحديداً، بدون تأشيرة مسبقة، مع البقاء لمدة أسبوعين، كذلك نصت على الحفاظ على بعض الرموز والنصب التذكارية اليهودية التى أنشأتها اسرائيل أثناء احتلالها لسيناء. وقد حدث هنا شئ مفارق ففى حين أن المشروع الذى وضعته أجهزة الأمن القومى المصرى لتعمير سيناء وتوطين من 3-5 مليون مصرى قد تم تسويفه والغاؤه بقرار امريكى- صهيونى. بينما ظلت سيناء مرتعاً للاسرائيليين. وقد وصل الأمر الى حد أن عدد السياح الاسرائيلين كان يصل فى الشهر الواحد الى 89 ألف اسرائيلى، وهو شهر أغسطس عام 2004 كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الاسرائيلية، وأن الرقم كان 74 ألف سائح اسرائيلى فى أغسطس 2003. وذلك مقابل 44 ألف سائح اسرائيلى فحسب إلى الأردن.(7)

وبعد تفجيرات طابا وغيرها من تفجيرات سيناء انحسرت السياحة الاسرائيلية مؤقتاً ولكنها عادت الى ارقام كبيرة فمنذ بداية عام 2006 دخل سيناء أكثر من 580 الف اسرائيلى مقابل 702 الف خلال ذات الفترة من العام الماضى بنسبة انحفاض 17%.(8)

إذن الأعداد تتراوح بين ثلاثة أرباع مليون ونصف مليون سائح اسرائيلى فى العام (بل فى الحقيقة خلال 9 شهور). وكنت أتمنى معرفة احصاء عدد المصريين الذى يترددون على جنوب سيناء وهل يصلون الى هذا الرقم؟! كذلك هل يتعرض الاسرائيليون لما يتعرض له المصريون من التوقيف على الحواجز الأمنية عدة مرات وتفتيش سياراتهم أو حقائبهم وكأنهم يدخلون الى دولة اجنبية. المعروف أن سيناء تعرضت لمؤامرة انجليزية (كجنوب السودان) وهى اعتبارها منطقة مقفلة لا يدخلها المصرى إلا بتصريح من المخابرات البريطانية!! والطريف أن نظام يوليو لم يتنبه لهذا التاريخ السلبى، ولم يهتم بربط سيناء بالوادى. والجريمة ما تزال تتكرر بعد 25 عاماً من استعادة سيناء، حيث لا نفهم من التعمير إلا السياحة، وهى سياحة اسرائيلية وغربية بالأساس، ثم يأتى المصريون فى المحل الثانى. مع ملاحظة أن المصريين مجرد سواح ولا يستقرون فى سيناء لتعميرها ولحمايتها من أى احتلال محتمل فى المستقبل.

ومن ضمن التسهيلات المقدمة للاسرائيليين إمكانية الدخول لسيناء بالسيارات الخاصة (عبرت مصر 21 ألف سيارة فى عام 2006 مقابل 25 ألف سيارة فى عام 2005) (9)، وأن يثبت الاسرائيلى أن معه 100 جنيه مصرى!! (وياله من مبلغ كبير). ومن مخاطر هذا الملف السياحى، وهو تنفيذ إحدى توصيات جولدا مائير!! (وكالات سياحية مشتركة) فبغض النظر عن وجود هذه الوكالات بصورة تنظيمية، فالمهم أن جوهر مهمتها يتحقق، فكثير من الأفواج السياحية الغربية التى تأتى الى سيناء ومصر تأتى عبر اسرائيل أى فى اطار أفواج سياحية تجمع بين زيارة اسرائيل ومصر، وربما اسرائيل وسيناء فحسب. وهذا يؤسس لحالة من التبعية الاقتصادية فى قطاع السياحة (التى تضعها الحكومة فى أول سلم الأولويات) تبعية تجاه اسرائيل مباشرة. وقد ظهر هذا الواقع جلياً، إذ أن المرافق السياحية فى سيناء انهارت مع اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية واقترب الاشغال من الجانب الى الصفر. فالأجانب لا يأتون غالباً إلا عبر اسرائيل، وكانوا قد توقفوا عن الذهاب لاسرائيل غير الآمنة.

والمؤكد أن سيناء منطقة آمنة لا علاقة لها بالانتفاضة ومع ذلك انقطعت السياحة الاجنبية لأنها لا تأتى الا عبر اسرائيل أساساً. وفى اطار "الصحوة التطبيعية" الراهنة تم مؤخراً اعادة تشغيل اتوبيس (القاهرة- تل ابيب) ب17 دولار للتذكرة ذهاب و34 دولار للتذكرة ذهاب واياب، وكانت الشركة الاسرائيلية قد أوقفت الخط عام 1996 بسبب الخسائر الاقتصادية لعدم الإقبال عليه. بينما ظلت شركة العال للطيران الاسرائيلى تعمل مهما كانت نسبة الاشغال لأسباب سياسية، مقابل شركة طيران مصرية خاصة تنظم رحلات لاسرائيل. وقد نشرت تقارير صحيفة عديدة عن دور هذه الافواج الاسرائيلية فى نشر المخدرات والفجور والرذيلة والايدز، ومن بين ذلك ما نشر عن دور السياح الاسرائيليين فى نشر أفكار "عبدة الشيطان" عن طريق الاختلاط مع بعض الشباب المصرى فى المنطقة المصرح فيها بدخولهم الى الاراضى المصرية بدون تأشيرة (أى فى طابا وجوارها). وقد أكدت تحقيقات النيابة التى شملت 140 فرداً من تنظيم عبدة الشيطان أن عدد أفراد الجماعة يبلغ فى مصر ألفى عضواً منهم مذيعات وأبناء فنانين وموسيقيين كبار، وتبين أن هناك محلات متخصصة فى ملابس عبدة الشيطان وفى موسيقاهم وأندية خاصة ومطاعم تستقبلهم وتتخصص لهم. واعترفت القيادات الرئيسية بالتنظيم أن جذور اعتناق الشباب المصرى لهذه الأفكار من خلال مجموعة من الاسرائيليين عبر منفذ طابا عن طريق استدراجهم بالجنس والمخدرات والخمور.(10)

كان ذلك فى أواسط التسعينيات وهى نفس الفترة التى وافقت فيها الحكومة المصرية على إلغاء شرط الحصول على تصريح أمن مسبق لمن يرغب فى السفر الى اسرائيل، والغاء أجهزة الأمن المصرية شرط حصول شركات السياحة التى تنظم رحلات الى اسرائيل على تصاريح أمنية لهذه الرحلات. والموافقة على انشاء خط جوى جديد تابع لإحدى الشركات الخاصة لنقل الركاب بين مصر واسرائيل، وبدء تشغيل خطوط الاتصال التليفونى المباشر بين مصر واسرائيل.(11)

البترول والغاز
نشير إلى هذا القطاع فى عجالة سريعة رغم أهميته نظراً لأن د.عمرو حمودة المتخصص فى هذا الشأن يتناوله فى هذه الندوة. ولكن كان لابد من التعرض له فى هذه الورقة لإعطاء الصورة الكاملة والكئيبة.

البترول من الموضوعات التطبيعية التى تم النص عليها فى ملاحق معاهدة السلام العلنية، لإلزام الحكومة المصرية بها، وحتى يصبح وقف تصدير البترول لاسرائيل خرقاً للمعاهدة!!

وأرادت اسرائيل أن تؤكد أنها لم تخسر شيئاً من انسحابها من سيناء، فعلى المستوى الأمنى حققت الاستفادة من سيناء كمنطقة عازلة أمنية، وعلى المستوى النفسى والاقتصادى كرست اتفاقات السياحة، وعلى المستوى الاقتصادى أصرت على حقها فى شراء كمية ثابتة من بترول سيناء وكأنه من حقها وكأنه لم يكفها ما قامت به من استنزاف لحقول البترول فى سيناء طوال فترة الاحتلال. وأعلن السادات التزام مصر ببيع 2 مليون طن من البترول سنوياً لاسرائيل (أى ربع اجمالى احتياجات اسرائيل السنوية) ولم يكشف النقاب عن تفاصيل الاتفاق من حيث السعر والمدى الزمنى. وجاء فى الملحق الثالث للمعاهدة المصرية- الاسرائيلية (اتفق على أن هذه العلاقات الاقتصادية سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر الى اسرائيل).

ولكن فى يناير 1980 أعلن مصدر وثيق الصلة برئاسة مجلس الوزراء الاسرائيلى أن مصر ستبيع لاسرائيل بترولاً بسعر يقل عن السعر الذى تبيع به لسائر المشترين بمقدار خمسة دولارات للبرميل الواحد، وهو الأمر الذى أكده أيضاً اسحاق موداعى وزير الطاقة الاسرائيلى فى ذلك الوقت.

وقد جعل هذا الاتفاق اسرائيل فى مقدمة مستوردى البترول المصرى. وقد بدأ توريد البترول لاسرائيل حتى قبل إتمام الانسحاب الأولى من سيناء.(12)

ويأتى اتفاق تصدير الغاز لاسرائيل مؤخراً فى اطار الانهيار الشامل أمام الصهاينة، وبينما كانت الحجة دائماً أن تصدير البترول جزء من المعاهدة. فإن تصدير الغاز يأتى فى اطار السوق الشرق أوسطى الجديد وإنهاء أى تحفظات فى العلاقات مع اسرائيل، مع استمرار احتلالها لفلسطين والقدس والجولان وارتكابها الجرائم فى حق الأمة العربية.

الزراعة:

كتبنا فى جريدة الشعب كثيراً عن التطبيع فى المجال الزراعى ويمكن العودة الى مؤلفنا الرئيسى فى هذا المجال (الخيانة- الملف الاسود للزراعة فى مصر).

والزراعة كانت من المجالات "الرائدة" فى التطبيع حيث جاء شارون كوزير للزراعة والتقى مع الرئيس السادات الذى بحث معه التعاون الزراعى وأمر بإحضار طائرة له ليطير فوق الوادى ويدرس الموقف.(13)

ولنلحظ كيف أن الدائرة بدأت ترسم بقطاعات رئيسية: البترول- السياحة- الزراعة والآن تكتمل فى الصناعة.

كان التطبيع الزراعى نموذجاً تطبيقياً لروح ونصوص كامب ديفيد، فقد كان علاقة مثلثة مصرية- اسرائيلية- امريكية. وكانت امريكا حاضرة كراع وكقائد ومستفيد ومهندس لهذه السوق الشرق أوسطية المصغرة، التى نشأت بين القطاع الزراعى فى مصر واسرائيل. وقد فرض الجانب الصهيونى- الامريكى جدول أعماله علينا، بمساعدة واقتناع من يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة وأمين عام الحزب الحاكم. وهى سياسة أدت الى ضرب المحاصيل الاستراتيجية (القمح- القطن- الذرة) وهى المحاصيل التى تمثل العمود الفقرى للأمن الغذائى وللصناعة المصرية، وكان التوجه لزراعة الفراولة والكانتلوب بتقاوى اسرائيلية على أمل التصدير والحصول على العملة الصعبة تجربة فاشلة حتى اننا فى عام واحد صدرنا 7 أطنان فراولة(14).‍‍‍‍‍ ويلخص موقفنا الزراعى ما ذكره د.محمد عباس وكيل اول وزارة الزراعة فى احد تقاريره:

· صادرات مصر الزراعية لا تصل الى مليون طن من جميع المنتجات وتستورد فى المقابل 12 مليون طن.

· مصر هى المستورد الاول للقمح فى العالم حيث تستورد ربع انتاج الولايات المتحدة وتسبق فى ذلك اليابان، وسكانها ضعف سكان مصر ولا تتوافر بها اراضى زراعية كما تسبق مصر بلاد كثيفة السكان كاندونيسيا.

· باكستان (ضعف سكان مصر) اكتفت من الأرز وتصدره، فى ظل عجز مصر عن التصدير.(15)

والأخطر من كل ذلك هو ربط الزراعة المصرية بالعجلة الاسرائيلية فى كل حلقات الانتاج والتسويق (بنفس منهج السياحة) : تقاوى- بذور- أسمدة- كيماويات- مكافحة- تدريب- معدات (خاصة الرى)- تسويق. وتم اغراق البلاد بالتقاوى المهرمنة والمبيدات المسرطنة ومنتجات الهندسة الوراثية وكان الأمر أشبه بتوجيه ضربة كيماوية أو بيولوجية للشعب المصرى، حيث انتشرت الامراض الخطيرة بصورة وبائية وبالأخص مثلث: الفشل الكلوى- الكبدى- السرطان.

إن الأنفاق بين مصر وفلسطين المحتلة صناعة اسرائيلية فبعد الانسحاب من سيناء استخدمت اسرائيل أنفاق لتهريب المبيدات والتقاوى والهرمونات والاسلحة والمخدرات والدولارات المزيفة بالاشتراك مع بعض تجار رفح وقامت السلطات المصرية باكتشافها (عشرة انفاق)، وقدرت الاجهزة المصرية الكميات المهربة خلال الأعوام الماضية بما يزيد على مليار دولار من بينها المبيدات القاتلة والمخصبات الاسرائيلية المحظورة وبلغ عددها 85 نوعاً بعضها مكتوب عليه بالعبرى "غير مصرح بزراعتها فى اسرائيل".(16)‍

وأكد اللواء/ محمد جمال مظلوم أن المخطط الاسرائيلى فى مجال الهندسة الوراثية يهدف الى تدمير صحة الانسان من خلال مشروع رصدت له اسرائيل نحو مليارى دولار أطلق عليه اسم "شلوع" واستهدف انتاج اسلحة تعتمد على توظيف الهندسة الوراثية فى مجال الانتاج الزراعى بالاعتماد على أجهزة كمبيوتر لها قدرة خارقة فى مجال الحسابات المعقدة، وتقترب وحدة شلوع من انتاج برتقال يؤثر على الجهاز العصبى ويصيب بالتوتر والإجهاد الذهنى، وانتاج مخصبات مشعة تستخدم فى انضاج الطماطم سريعاً تؤدى الى الاصابة بالسرطان والتأثير القاتل على الحيوانات المنوية.(17)

وتصور الناس ان إخراج يوسف والى من وزارة الزراعة ومن مجلس الوزراء ومن موقع أمين عام الحزب الوطنى، وسجن ومحاكمة كل قيادات وزارة الزراعة (عدا والى) بنفس هذه الوقائع التى كانت قد نشرتها صحيفة الشعب وأدت الى حبس رئيس تحريرها ومحرريها. تصور الناس أن النظام قد انحاز أخيراً للشعب وانحاز لإنقاذ صحته. وتصور الناس أن التطبيع عموماً والتطبيع الزراعى خصوصاً قد وجهت اليه ضربة نجلاء.

ويبدو أن ذلك مع الأسف غير صحيح فبعد تضاربات فى أقوال وأعمال الوزير الليثى، جاء الوزير الحالى أباظة، بسياسة تستند الى التعتيم الاعلامى، مع استمرار التعاون مع الصهاينة. ففى 30 يونيو 2005 أعلن أن الاعداد يجرى لاقامة منطقة زراعية مشتركة بين مصر واسرائيل على جانبى الحدود، واستئناف التعامل بالشيكل فى الاسواق وتجديد اتفاق التبادل التجارى وفق مبدأ "معاملة الأفضل". وأعلن أيرليخ وزير الزراعة الاسرائيلى السابق "ان المشاريع الزراعية المشتركة مع العرب تعتمد على الخبرة والتجربة والتكنولوجيا الاسرائيلية، وأن أى محاولة لانهاء دور اسرائيل فى هذا المجال ستكون متعذرة لأن معنى ذلك التسبب فى خسائر اقتصادية كبيرة".(18) وفى 27/7/2005 تسرب نبأ اجتماع اللجنة الزراعية المصرية- الاسرائيلية الذى أحيط بسرية كاملة، وكان الفضل فى كشف ذلك لزميلنا/ صلاح بديوى شريك الجهاد فى هذه الجبهة على مدار سنين ولأهمية التقرير أرى أن أنشره كاملاً لأنه أهم وثيقة تؤكد استمرار التطبيع الزراعى على أوسع نطاق مع اسرائيل، وان الإطاحة بيوسف والى لم تكن انحيازاً للشعب المصرى وصحته، وانما فتح الطريق لجمال مبارك ليصبح القائد الفعلى للحزب الوطنى الحاكم، وكان وجود يوسف والى أميناً عاماً للحزب عقبة كؤود أمام تحقيق هذا الهدف.

لجنة التطبيع الزراعى المصرية/ الاسرائيلية تستأنف نشاطها
كتب صلاح بديوى
فى سرية تامة، وبعد مقصود عن الحضور الاعلامى انعقدت فى صباح يوم الخميس الموافق 21 من شهر يوليو الجارى وفى المقر الرئيسى لوزارة الزراعة بالقاهرة اجتماعات اللجنة الزراعية المصرية الاسرائيلية العليا المشتركة برئاسة كل من أحمد فؤاد أبو هدب مستشار وزير الزراعة المصرى ونائبه ومنسق عام الجانب المصرى‍ باللجنة ونظيره المدعو دان ليفانون كبير علماء وزارة الزراعة الاسرائيلية ومنسق عام الجانب الاسرائيلى فى الاجتماعات. وجاءت تلك الاجتماعات فى اطار ما يصفه المحللون والخبراء بأنه انطلاقة تطبيعية جديدة فى العلاقات ما بين الحكومتين المصرية و"الاسرائيلية" وهى الاجتماعات التى تمت تحت رعاية الدكتور يوسف والى والذى التقى أعضاء اللجنة وأكد لهم على ايمان الرئيس مبارك بالتعاون والتكامل الزراعى بين البلدين وكان الوفد الاسرائيلى قد عقد سلسلة لقاءات مع كبار المسئولين المصريين فى مجال الزراعة وانتهت تلك الاجتماعات والتى يعتبرها الاسرائيليون مهمة للغاية بإقرار خمسة بروتوكولات من أجل استئناف التعاون بكافة المجالات الزراعية واقامة مشروعات تطبيع مشتركة جديدة وتزامنت تلك الاجتماعات والتى يعتبرها الصهاينة استراتيجية مع صدور تعليمات مشددة للجانبين من حكومتيهما بابعاد فعالياتها عن الاعلام وذلك لعدم احراج القيادة المصرية وهى مقبلة على استحقاقات انتخابية معقدة وملف "التطبيع" له حساسيته فى الاوساط السياسية والشعبية.

جدير بالذكر ان هذه اللقاءات من المفترض انها تتم بشكل دورى وتبادلى كل ستة أشهر مرة فى القاهرة وأخرى فى "تل ابيب" الا انها للتوترات التى طرأت تم تعليقها منذ خمس سنوات حتى تم تحريك ملفها فجأة وبصورة سرية حيث يتردد ان الحكومة المصرية بصدد انشاء وزارة خاصة تتولى كافة الملفات المتصلة بشؤون التطبيع ومن المرجح أن يتولاها الدكتور يوسف والى والاسم المقترح للوزارة الجديدة هو: وزارة التعاون الاقليمى والمشروعات الكبرى.

وفى نهاية اجتماعات اللجنة وقعت الحكومة المصرية والكيان الصهيونى سلسلة اتفاقات أو بروتوكولات اهمها الاتفاق على انطلاقة للمشروعات المشتركة فى سيناء عبر تشييد منطقة زراعية حرة كبرى مشتركة فى سيناء على الحدود مع فلسطين المحتلة فى المنطقة الحدودية قرب مدينة "نيتساناه" فى صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة حسبما ذكرت مصادر لنا فى حين قالت الاذاعة الاسرائيلية الاربعاء الماضى: ان اسرائيل ومصر قررتا اقامة منطقة زراعية مشتركة فى المنطقة الحدودية بينهما قرب "نيتساناه" فى النقب بحيث ستخصص لبحث وتطوير المحاصيل الزراعية واشارت الاذاعة الصهيونية ان وفداً "اسرائيلياً" رفيعاً سيعقد لقاءات مع كبار المسؤولين المصريين فى مجال الزراعة وذلك فى اطار جلسات للجنة المشتركة المصرية- "الصهيونية" لشؤون الزراعة. ونقلت الاذاعة عن نائب وزير الزراعة المصرى "فؤاد أبو هدب" قوله: إنه تم خلال اللقاءات وضع جداول زمنية محددة لتنفيذ مشاريع زراعية مشتركة لكل من مصر و"اسرائيل" والاردن والسلطة الفلسطينية وخلال اجتماع اللجنة وقع الجانبان بروتوكولا أيضاً يسمح باستخدام المعبر الحدودى فى "نيتساناه" لتنقل العمال الزراعيين من مصر وإلى "اسرائيل" لنقل البضائع بين البلدين اضافة الى بروتوكولات أخرى تتعلق بالتعاون بمجالات مكافحة الآفات والامراض وتطوير السلالات ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات والتدريب والتجارة البينية.(19)

وكانت إحدى الصحف المستقلة قد نشرت خبراً عن قيام وفد من الخبراء اليهود يزيد عددهم على عشرة افراد فى سرية تامة بزيارة أحد المراكز البحثية الزراعية بمحافظة الغربية. واستضافة مجموعة من الخبراء المصريين باحدى القرى السياحية بالقرب من قرية شبرا النملة قبل توجههم الى محافظة البحيرة لزيارة قبرابوحصيرة اليهودى الذى يتم الاحتفال بمولده فى ينايرمن كل عام(20) ويشير هذا الخبر الى تواصل وصول الوفود الزراعية ولكن فى اطار من التكتم الشديد.وأكد نواب بمجلس الشعب فى سبتمبر 2006 انه تم استيراد تمر وياميش رمضان من اسرائيل(21). وكانت لجنة الصحة بمجلس الشعب قد بحثت فى وقت سابق موضوع ضبط صفقات سماد اسرائيلى مشع تم نقله عن طريق حاويات سماد اسرائيلية لموانئ بور سعيد ودمياط والسويس بعد تزوير شهادات المنشأ الخاصة لها على انها قادمة من الهند. وطالبت اللجنة بمعاقبة المستوردين والشركات واصدار قرار فورى بحظر التعامل مع الموانئ والسفن الاسرائيلية(22). وبالطبع لم تستجب السلطة التنفيذية لهذه التوصيات.

وان يستمر التطبيع بعد كل ما تم الكشف عنه وصدقته النيابة والقضاء فإننا أمام كارثة وطنية بكل معنى الكلمة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

النقل البحرى:

من قطاعات التطبيع "الرائدة" أيضاً قطاع النقل البحرى، حيث تعاملت مصر مع شركة زيم الاسرائيلية للنقل البحرى ووكيلها هو أمين الحزب الوطنى بالاسكندرية (سابقاً).

ان اسطولنا التجارى يتراجع عبر السنين بصورة مخيفة، فقد تراجع عدد السفن التى تحمل العلم المصرى من 144 الى 89 باخرة (احصاء عام 2000) كما أن نسبة 75% من السفن الباقية يزيد عمرها على 15 سنة بالمخالفة لقانون سلامة السفن. ويعانى الخط الملاحى الى دول شرق افريقيا "الكوميسا" من خسائر بالملايين (لجنة النقل بجمعية رجال الاعمال المصريين).(23)

وفى مجلس الشورى وجه بعض الاعضاء انتقادات شديدة للحكومة بسبب قيام الخطوط الملاحية الاسرائيلية بنقل البضائع المصرية الى افريقيا ووصف الاعضاء نقل الصادرات المصرية على السفن الاسرائيلية بأنه يهدد الامن القومى المصرى(24). وهنا نصل الى الطامة الكبرى حيث أذيع ان الخط الملاحى الاسرائيلى "زيم" يستحوذ على نقل 40% من تجارة مصر الخارجية. بينما يتم نقل 5% فقط من السلع المصرية عبر الخط البحرى المصرى، بالاضافة لاحتكار خط الملاحة (زيم) خط النقل لافريقيا وبعض الموانئ العربية خصوصاً موانئ دول الخليج، وهو خط "يقدم خدمات افضل وارخص للتجار العرب مما يغريهم بالتعامل معه ومفضلين اياه على الخط المصرى المتهالك والمرتفع الثمن".(25)

التطبيع الرياضى:

الواقع ان هذا الجزء ينضم حتى الآن للقطاع السياحى لانه يهدف للتنشيط السياحى وليس فى المجالات الرياضية الأشهر. ولكنه يتميز بالتواتر فى زمن حرارة التطبيع الذى وصل أوجه 2005/2006. فقد شارك متسابقون اسرائيليون فى سباق رالى الفراعنة لعام 2005 (سباق سيارات).

وفى نفس العام- وعام التمديد- انطلق فى 3/3/2005 50 يختاً من ميناء ايلات الاسرائيلى مروراً بالعقبة الاردنى وصولاً الى بور سعيد، تحت عنوان "مهرجان سلام البحر الاحمر" فى سابقة فريدة. وقد تزامن "التطبيع باليخوت" مع اعادة مصر والاردن لسفيريهما لتل ابيب. ومن المفترض أن يتكرر هذا الموكب كل عام. وهذه المرة شارك 500 شخص كما جرت رحلات لمئات الاسرائيلين انطلاقاً من بور سعيد الى القاهرة. وعلى طريقة العلاقات المثلثة شاركت يخوت امريكية فى السباق!

وذكرت صحيفة " معاريف" الاسرائيلية ان المسابقة تتكلف ربع مليون دولار أمريكى سيتكفل بها المنظمون والشركات الراعية للمهرجان.

وقال المنظمون: " انهم يهدفون الى التقريب بين شعوب المنطقة ودعم السياحة والاقتصاد فى الدول المطلة على البحر الاحمر وقالوا: "ان أكثر من 600 الف يخت تمخر عباب البحر الاحمر". وكشفت الصحيفة ذاتها ان منظمى المسابقة قاموا بالتنسيق مع محافظ جنوب سيناء اللواء مصطفى عفيفى، ومع وزير شئون المفاوضات الفلسطينى صائب عريقات وأضافت: "ان شركات تجارية اسرائيلية تساهم فى تنظيم المهرجان. اما السلطات المصرية فقد شجعت هذه المبادرة بتخفيض رسوم عبور اليخوت المشاركة"(26). هذا الاحتفال التطبيعى يتم فى أوج أنهار الدم المسالة فى فلسطين والعراق وافغانستان، والمقصود به استمرار محاولة فصل مصر شعورياً عن أمتها العربية والاسلامية.

مشاركة مصر فى بناء جدار الفصل العنصرى:

كنا قد فضحنا منذ سنوات على صفحات الشعب المطبوعة قصة تصدير شحنات طوب لبناء المستوطنات الاسرائيلية فى الضفة الغربية.

منذ عامين تفجرت فضيحة تسريب الأسمنت المصرى الى اسرائيل عن طريق شركات فلسطينية، وقد استخدم هذا الأسمنت لبناء الجدار الفاصل الصهيونى. وقد بلغت هذه الكمية 420 الف طن!! من سبتمبر 2003 حتى فبراير 2004. حيث كان يتم نقل ملكية الاسمنت على الجانب الاسرائيلى من معبر العوجا والتخليص عليه لصالح شركات اسرائيلية(27). وقد جاء هذا الاسمنت من شركات مصر بنى سويف وطرة والسويس، وكان الرد الرسمى للحكومة المصرية عدم التعليق!!(28). ونحن هنا امام حالة من الاختراق اليهودى المتكامل، فقد كان المصدر من الناحية المصرية يهودى يحمل جواز سفر المانياً اسمه بلنسكى دفع مليارى دولار لمحو آثار الانتفاضة على الاقتصاد الاسرائيلى وتربطه علاقات متينة مع جيش لحد فى جنوب لبنان. ويملك عدداً كبيراً من الشركات الموجود معظمها فى حيفا كان يتردد على فنادق القاهرة ويذهب بجولات الى مصانع الاسمنت المصرية ما مكنه من استيراد كميات كبيرة من الاسمنت. والطريف ان هذا الاسمنت يأتى بأسعار مخفضة جداً لأنه أصلاً لبناء بيوت الشعب الفلسطينى المهدمة من خلال نظام (الكوتا) بالسلطة الفلسطينية(29). ورغم ادعاء الحكومة المصرية انه لا علاقة لها بالموضوع، رغم انها تعرف دابة النملة فى مصر، وتحصى أنفاس المعارضين. نحن امام اسمنت مصرى يخرج بمئات الالاف من الاطنان ويذهب الى اسرائيل لبناء جدار الفصل العنصرى!



اتفاق الكويز نقطة تحول أساسية:

خطورة اتفاق الكويز انه أسس مباشرة لمفهوم السوق الحرة المشتركة، عن طريق الغاء الجمارك وتحقيق التكامل، وايضاً لقد كان الهجوم الاخير على الموقع الاخير (الصناعة) بعد الزراعة والطاقة والسياحة والتجارة والنقل والرياضة.

ان اتفاقية الكويز لا تستهدف تحقيق مكاسب اقتصادية لاسرائيل من اقتصاد مصر الذى أصبح كسيحاً على أيدى الحلف الصهيونى الامريكى. المكاسب المالية مطلوبة بطبيعة الحال ولكن ليس هذا الأساس، الأساس فى هذه اللحظة استكمال احكام السيطرة على مصر واقتصادها (رغم انه محطم) فالمطلوب الآن إحكام القبضة، اما المكاسب الاقتصادية والمالية فهى مضمونة، كانت هكذا فى السابق (من خلال البترول والزراعة والسياحة) وستكون مضمونة أكثر فى المستقبل، اذا كان الوجود الصهيونى- الامريكى فى مصر يضمن استقرار الاوضاع على ما هى عليه الى ما شاء الله.

وقد اتضح هذا المعنى السياسى على لسان السفير الاسرائيلى فى القاهرة يسرائيل تيكوشينسكى "ان الهدف من هذا الاتفاق هو تشجيع الاتصال بين الناس". وقال رئيس اتحاد الغرف التجارية الاسرائيلية: "اننا نأمل أن يأتى اليوم الذى نرى فيه أن كلمة "تطبيع" لا تعنى شيئاً سيئاً فى القاموس العربى، وهذا لن يتم إلا عبر توثيق التعاون التجارى الرسمى اضافة الى توثيق العلاقة بين رجال الاعمال المصريين والاسرائيليين".(30)

واتفاق الكويز (اختصار لعبارة Qualified industrial zones) أى المناطق الصناعية المؤهلة. أى المؤهلة للتصدير للولايات المتحدة دون جمارك من خلال ادخال مكون اسرائيلى فى صناعتها لا يقل عن 11.7%! وهذا الاتفاق يحول اسرائيل كلها الى منطقة حرة مقابل 3 مناطق فى مصر على الوجه التالى:

1. القاهرة الكبرى: 10/ رمضان (88 مصنعاً)

مدينة نصر (19مصنعاً)

شبرا الخيمة (20 مصنعاً)

جنوب الجيزة (20 مصنعاً)

15 مايو (3 مصانع )

المجموع 100 الف عامل
2. الاسكندرية:

59 مصنعاً (25 الف عامل)

3. بور سعيد:

22 مصنعاً (36 الف عامل)

والشائع ان هذه الاتفاقية خاصة بالمنسوجات وهذا غير صحيح فهى تشمل المصنوعات الجلدية والأثاث والكيماويات ومواد البناء والسلع الغذائية المصنعة وأية صناعات اخرى يتفق عليها. ووفقاً للاتفاق الحالى فانه يشمل 60% من الصناعة المصرية. وقد رفضت اسرائيل وامريكا ادخال السلع الزراعية او المنتجات الزراعية، ربما لحرمان مصر من فرص تصدير سهلة نظراً لسهولة توفير هذه المنتجات أو نظراً لادراكهما "فساد" هذه المنتجات القائمة على مدخلات اسرائيلية!! وقد جرى التركيز على المنسوجات فى المرحلة الأولى لأن هذه رغبة اسرائيل ومصلحتها. وقد لا يعلم البعض ان صناعة النسيج فى اسرائيل تحتل مكاناً مهماً فى الاقتصاد لمساهمتها فى سد حاجة السوق المحلى وفى الصادرات وتمثل 9% من اجمالى الانتاج الصناعى ونحو 9% من صادراتها ويعمل بها 19% من اجمالى العمالة الصناعية وتضم 2350 مصنعاً للنسيج والغزل(31). ولكن هذه احصاءات قديمة نسبياً، فقد شارفت صناعة النسيج الاسرائيلية على الاحتضار فى أواخر التسعينيات وتراجع وزنها النسبى فى الانتاج وفى التصدير، فانخفضت نسبتها من الصناعة الى 4.8%عام 1997وانخفضت نسبتها فىالتصدير الى 6.8% عام 1998(32)

ومن المهم الاشارة لدراسة لمعهد الصادرات الاسرائيلية رأت ان التعاون فى مجال النسيج مع مصر والأردن يهدف الى تعزيز مزايا اسرائيل كدولة منشأ لمنتجات يتم تصنيعها على أساس المقاولة من الباطن حتى تدخل تلك المنتجات أسواق الولايات المتحدة فى ظل اتفاقية التجارة الحرة معها. (تاريخ هذه الدراسة 1997 أى قبل الكويز ب7 سنوات). وبالتالى فالأهداف الاسرائيلية فى اطار المشروع الشرق اوسطى تهدف الى محاولة انقاذ هذه الصناعة من التدهور والافلاس فى هذا المجال، وبالتالى تحقيق المصالح الاقتصادية لاسرائيل على حساب الصناعات القائمة فى المنطقة وعلى رأسها صناعة الغزل والنسيج المصرية(33). ومن جانبنا فى مصر فان المنسوجات تمثل 30% من صادراتنا الصناعية. وهى تعانى من تدهور وانهيار شديد ولكن ليس الحل من خلال الكويز. ان انهيار صناعة النسيج فى مصر طلعت حرب، مصر رائدة النسيج لا يعنى أن تستخدم الآن لانقاذ صناعة النسيج الاسرائيلية، هذا الانهيار جريمة لا تغتفر لحكام البلاد فى وقت تقوم فيه تونس بتصدير منسوجات ب4 مليار دولار وبنجلاديش ب5 مليار دولار، وسوريا ب4 مليار دولار. بينما مصر تصدر ب500 مليون دولار.(34)

وينص اتفاق الكويز على تشكيل لجنة مشتركة مصرية- اسرائيلية للاشراف على تطبيقه تجتمع بصفة دورية فى كل من القاهرة والقدس بالتتابع(35) وهذا يتضمن اعترافاً بالقدس كعاصمة لاسرائيل، وينشئ مؤسسة تطبيع تشمل 60% من صناعة مصر وقابلة للتوسع والتطوير بديلاً عن مجلس التعاون الاقتصادى التابع لجامعة الدول العربية. وهو تنفيذ لخطوة على طريق مشروع جورج بوش لانشاء منظمة تجارة حرة فى الشرق الاوسط عام 2013.

وقد وضعت "الكويز" المصانع الخارجة عنها فى وضع اقتصادى سيئ لانها لا تستطيع المنافسة فى التصدير لأمريكا، لذلك بدأت قيادات الشركات بالمحلة والاسماعيلية وغيرهما تطالب بالانضمام لهذه الوحدة الاقتصادية المصرية- الاسرائيلية. وتقوم هذه اللجنة المصرية- الاسرائيلية المشتركة بالاشراف على تنفيذ الاحكام المتفق عليها الخاصة بالمناطق الصناعية المؤهلة و تجتمع كل ربع عام لمراجعة تنفيذ الشركات لأحكام البروتوكول واعداد كشوف بالشركات العاملة فى هذه المناطق الراغبة فى الانضمام لهذه الترتيبات(36). وهكذا ستصبح هذه اللجنة التى تجتمع دورياً فى القدس والقاهرة أهم من المجموعة الاقتصادية لمجلس الوزراء المصرى. وتشير بعض المصادر الصحفية ان مصر لم تصدر فى اطار الكويز للسوق الامريكى الا عن طريق سبعين شركة ما قيمته 125 مليون دولار فقط، فى وقت ارتفعت فيه الصادرات الاسرائيلية لمصر ب148.5% فى الربع الاول من العام الحالى وبلغ عدد المصدرين الاسرائيلين- عموماً- الى مصر 257 مصدراً فى مجال المنسوجات والمواد الكيماوية وصناعات تكرير البترول.(37)

ولا أرى ان الاتفاقية تناقش من حيث مكاسبها وخسائرها المادية فهى مرفوضة من حيث المبدأ، فالاقتصاد لا يناقش بعيداً عن الاخلاق والمبادئ والشخصية الوطنية والقومية للبلاد، ولا يناقش بعيداً عن العقيدة، ومن المهم فى هذا المجال مراجعة الكتاب القيم للدكتور جلال أمين: المثقفون العرب واسرائيل.(38)

والمهم كما قال السفير الاسرائيلى أن تكون جسراً للاتصال بين الناس. فالحقيقة ان الحركة أصبحت ساخنة بين القاهرة وتل ابيب وأضحت تستعصى على الرصد فى ظل اصرار على التكتيم الاعلامى، وتحت راية الكويز فالناس بين جيئة وذهوباً الى تل ابيب، ولكن الأغراض شتى.

فقد أكد د.على عونى رئيس وحدة الكويز بوزارة التجارة الخارجية انه تقرر الاتفاق مع مركز تحديث الصناعة على تقديم دعم فنى لشركة دلتا الاسرائيلية والتى تقوم بتدريب عدد من الشركات بهدف زيادة قدراتها التصديرية ويبلغ عدد الشركات المصرية التى تتمرن لدى شركة دلتا الاسرائيلية 46 شركة فى مجال الغزل والنسيج وسترسل ما يقرب من ألف متدرب من كوادرها للكيان الصهيونى. وأعلن دان كاتا رئيس اتحاد المصنعين الصهاينة أن عدد الشركات الاسرائيلية العاملة فى مصر سيقفز الى 150 شركة بنهاية العام المقبل ويبلغ عددها حالياً 120 شركة. وشهدت القاهرة فى اواخر شهر سبتمبر 2006 مؤتمراً لرجال أعمال الكويز شارك فيه ممثلون عن مائتى وخمسين شركة الى جانب وفدين رسميين مصرى واسرائيلى.(39)

بالكويز تكون الدائرة قد اكتملت فى كافة القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وتبقى الاشارة الى انحدار مستوى وزن مصر، ففى حين عجزت مصر عن عقد اتفاقية للتجارة الحرة مع أمريكا وهى الآن تحاول الدخول من النافذة الاسرائيلية، فان أمريكا أبرمت اتفاقيات للتجارة الحرة مع البحرين والمغرب بدون هذه الشروط! ونحن لا نؤيد التكالب على منطقة التجارة الحرة مع أمريكا ولكن نوضح الدرك الاسفل الذى هبطت اليه مصر على يد حكامها، ونؤكد على ما ذكرناه من قبل: ان اضعاف مصر هدف استراتيجى لأمريكا واسرائيل.

الكهرباء المصرية فى طريقها الى اسرائيل:

كان لابد من اكتمال حلقات الطاقة، فكيف نتعاون فى البترول والغاز دون الكهرباء، واسرائيل لديها مشكلة كهرباء.

أنهت وزارة الكهرباء مؤخراً الاتفاق النهائى بشأن تنفيذ مشروع ربط شبكتى الكهرباء بين مصر وفلسطين. الهدف المعلن من اتمام المشروع هو تلبية احتياجات قطاع غزة من الطاقة الكهربائية والهدف الخفى هو الربط مع شبكة اسرائيل المربوطة مع الشبكة الكهربائية الفلسطينية.. المتواضعة. لم تعلن وزارة الكهرباء عن خطوات للربط الكهربائى مع اسرائيل فكما تم فى قطاع البترول من ترتيبات لتوصيل الغاز المصرى الى تل ابيب دون اعلان يحدث الآن فى قطاع الكهرباء تطبيع على أعلى مستوى لتلبية رغبة اسرائيل فى الاشتراك فى خط الربط الكهربائى العربى الذى يضم مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب من الغرب ومصر والاردن وسوريا ولبنان من الشرق ولرغبة اسرائيل المشاركة فى خط الربط الذى يتصل بأوروبا عن طريق تركيا من الشرق وعن طريق المغرب من الغرب بدأت المفاوضات السرية مع جهات عليا مصرية لاشراك اسرائيل ولو بطريقة خفية ومنذ حوالى العام حضر وزير الكهرباء فى السلطة الفلسطينية ليجرى مباحثات مع مسئولى قطاع الكهرباء المصرى الهدف منها اشراك شبكة كهرباء فلسطين ضمن خط الربط الكهربائى العربى.

الجميع كانوا مندهشين للقضية إذ كيف يتم ادخال شبكة كهرباء فلسطين المتواضعة جداً ضمن خط الربط العربى. فلو نظرنا نظرة مقارنة بين شبكة فلسطين التى تعمل على انتاج محطة كهرباء واحدة تنتج 140 ميجاوات وبين شبكة كهرباء مصر التى تنتج الآن ما يزيد على 21 الف ميجاوات لوجدنا انه من المستحيل أن تتناسب الشبكتان فى مسألة الربط الكهربائى وقتها أعلن الوزير الفلسطينى أن شبكة فلسطين مرتبطة مع شبكة الكهرباء الاسرائيلية. إذن من الضرورى عندما يتم ربط شبكة كهرباء فلسطين مع خط الربط الكهربائى العربى نكون بذلك قد ربطنا شبكة كهرباء اسرائيل ضمن الشبكة العربية للربط الكهربائى مع أوروبا.

وبسرعة البرق تم انهاء الاجراءات وزار مصر الدكتور مهندس عمر كتانة ممثلاً عن سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية للاتفاق على التفاصيل النهائية لتنفيذ مشروع الربط الكهربائى بهدف معلن هو سد العجز فى الطاقة الكهربائية الفلسطينية ولتغذية وتأمين الاحمال الكهربائية المطلوبة على الشبكة الفلسطينية وبهدف غير معلن هو تمكين اسرائيل المرتبطة مع الشبكة الفلسطينية من إقحام نفسها فى تكتل عربى نجح فى ربط شبكات كهرباء مع أوروبا من ناحية الشرق والغرب وبذلك يكون الهدف الخفى لاسرائيل قد تحقق رغم أنف الشعوب العربية.

واذا نظرنا أيضاً الى تصريحات المسئولين عن قطاع الكهرباء المصرى عندما أثير موضوع ربط كهربائى مع السودان ظهرت آراء تقول ان شبكة السودان التى تغطى حوالى 25% من استهلاك الشعب السودانى والتى تنتج من الكهرباء أضعاف ما تنتجه فلسطين.. قالوا وقتها ان هذه الشبكة لا تتناسب مع خط الربط الكهربائى العربى وانه فى حالة ربطها لابد من تطويرها وتقويتها والآن ظهرت المعجزة وتدخلت اصابع اليهود لسرعة انهاء ربط فلسطين المرتبطة مع اسرائيل فى خط الربط العربى واتفق الجانب المصرى مع الوزير الفلسطينى على انشاء خط نقل كهربائى هوائى مزدوج الدائرة بجهد 220 كيلو فولت وبطول 50 كيلو متراً داخل الاراضى المصرية يبدأ من محطة التوليد البخارية فى العريش ويمتد الى نقطة العبور فى رفح على الحدود المصرية- الفلسطينية. وقررت وزارة الكهرباء المصرية تنفيذ أعمال توسعة لمحطة العريش وانشاء محطة مفاتيح " هوائى وكابل" على الحدود وصدرت التعليمات بتسهيل كافة الاجراءات لانشاء كابل أرضى مزدوج الدائرة بجهد 220 كيلو فولت وبطول 8 كيلو مترات داخل الأراضى الفلسطينية من نقطة معبر رفح الى الموقع المقترح لإقامة محطة تحويل يتم بناؤها جنوب غزة، كما صدرت التعليمات بأن يقوم الجانب المصرى بإعداد المواصفات الفنية والتصاميم ومستندات وثائق مناقصات العطاءات لجميع متطلبات المشروع ويقوم كل جانب بترسية الأعمال المطلوب تنفيذها وتمويلها من جانبه وعلى مسئوليته الخاصة وتكوين فريق مشترك لدفع أعمال التنفيذ وتحقيق الربط الكهربائى خلال عام واحد.

أرجع مصدر بوزارة الكهرباء ان الاسراع فى مشروع ربط فلسطين بشبكة الربط الكهربائى العربى يشوبه حالة غموض إذ يفكر قطاع الكهرباء المصرى فى تنفيذ هذا المشروع بهذه الخطوات المتسارعة وهو لا يحقق جدوى اقتصادية تذكر للشبكة المصرية للكهرباء واندهش المصدر من تغير الفكر التنفيذى فى قطاع الكهرباء الذى كان متردداً لاشراك السودان التى تفوق شبكتها شبكة كهرباء فلسطين ودفعه بكل ادواته لتنفيذ مشروع الربط الكهربائى الفلسطينى المرتبط بالفعل مع اسرائيل، وارجع المصدر ان الربط مع شبكة فلسطين وهى مرتبطة مع شبكة اسرائيل يعتبر ربطاً مع شبكة اسرائيل وعلل ذلك بأن اسرائيل تعانى من نقص شديد فى الطاقة الكهربائية يجعلها تضغط بكل قوة لتنفيذ مشروع الربط الكهربائى مع فلسطين ومن ثم تحظى هى بنصيب من الطاقة من خلال دول الربط الكهربائى العربى مع أوروبا.. ورغم كل ذلك مازال المسئولون فى وزارة الكهرباء المصرية يعلنون انهم لم يتفاوضوا مع اسرائيل بخصوص الربط وأن الربط معها لن يتم إلا فى حالة إقرار سلام بالمنطقة فعلى من يلعبون والكهرباء العربية ستكون فى بيوت ومصانع اليهود بعد عام واحد فقط.(40)

وموبينيل فى اسرائيل:

ونحن نعيش صيحة المحمول، والمحمول هو سمة العصر، فلابد من امتداد التعاون مع اسرائيل فى هذا المجال، وكأن هناك من يسعى دائماً لاستكمال دائرة التطبيع وعدم ترك أى مجال يعانى من الفراغ.

اشترى نجيب ساويرس رجل الأعمال المصرى الذى يرأس مجلس ادارة شركة أوراسكوم للاتصالات (موبينيل) 9.9% من حصة إحدى شركات المحمول فى تل ابيب. وتعد هذه الصفقة هى الأكبر فى التاريخ من حيث قيمتها الاستثمارية التى بلغت قيمتها حوالى 150 مليون دولار التى ينفذها مستثمر من دولة عربية فى الدولة اليهودية.

ويتحدث نجيب من مكتبه الذى يقع فى الطابق السادس والعشرين فى احدى العمارات التى تطل على وسط مدينة القاهرة ونهر النيل واهرامات الجيزة قائلاً: انها خطوة كبيرة جداً فأنا أراهن على أن السلام سيعم فى نهاية الأمر. ويقول وزير التجارة والصناعة المصرى رشيد محمد راشد: لا يوجد مفر، فعلينا أن نجعل المنطقة تتكامل مع بقية العالم وعلينا أن نكون منافسين. وبالنسبة للوزير رشيد فإن نجيب ساويرس نموذج للشخص العربى المؤمن بالعولمة. لقد كان مصمماً على أن يجعل شركة أوراسكوم تحتل مكاناً ليس أقل من الشركة الأولى فى العالم فى مجال تشغيل التليفونات الخلوية والصمام الذى يهيمن على القطاع. ويعد استثماره الأخير فى اسرائيل مجرد جزء من 3.1 مليار من مشتريات أوراسكوم حيث اشترى نسبة 3.19% من حصة هيتشسون تليكم التى مقرها هونغ كونغ فى شركة المحمول الاسرائيلية. ويقول ساويرس: ان العولمة ليست طريقاً من اتجاه واحد انها مسار طويل من أجل بلوغ الهدف.(41)

هل المياه فى طريقها الى اسرائيل؟
لم يبق من برنامج جولدا مائير سوى مجالين: التعاون المائى، والتعاون الذرى فى مجال السلم.

والحقيقة انه لا يوجد أى رادع اخلاقى أو وطنى يمنع حكامنا من توصيل مياه النيل لاسرائيل واذا مرت كل النقاط السابقة بدون رد فعل مكافئ فلماذا لا يقومون بذلك يوماً ما قد يكون قريباً.

على أى حال فان كل التجهيزات قد تمت، فترعة السلام المتجهة الى شمال سيناء لا تفيدنا فى الزراعة حيث الارض شديدة الملوحة (فى سهل الطينة) وكان يجب للترعة أن تتجه للوسط حيث التربة الصالحة للزراعة. وهو ما يؤكد أن الترعة متجهة لاسرائيل وهذا واضح أيضاً من اسمها. والمسألة تنتظر القرار السياسى والتنفيذ لن يأخذ أياماً أو أسابيع بنفس طريقة شبكة الكهرباء سيتم توصيلها لغزة ثم اسرائيل، والمياه سيعلن انها متجهة لغزة ثم اسرائيل. والمسألة مسألة وقت.

التعاون الذرى أصبح مطروحاً، فأولمرت أعلن تأييده لقرار جمال مبارك باقامة مفاعل نووى لانتاج الكهرباء. والتعاون النووى الاسرائيلى- المصرى سيكون مطروحاً فى اطار علاقة مثلثة مع أمريكا. ويكون الوقود النووى مصنعاً خارج مصر فيحتكرون كهرباء مصر فى المستقبل بعد نفاذ البترول والغاز. وبدون ذلك لن تكون هناك مشروعات نووية فى هذا العهد.

**********

الآن اكتملت الصورة الكئيبة ولم يبق لمصر الا ان تقول لا.. وتتحك لاسقاط اتفاقية كامب ديفيد.. انها كما ترون مسألة حياة أو موت.



الهوامش



1. الاسلام والحكم- مجدى احمد حسين- المركز العربى للدراسات- الطبعة الثانية 2005 القاهرة- ص 157-160 نقلاً عن كتاب شخصية مصر- الجزء الرابع- د.جمال حمدان.

2. راجع القصة الكاملة فى (من كامب ديفيد الى مدريد) مجدى احمد حسين- الطبعة الثانية 2003 القاهرة.

3. لا. مجدى احمد حسين- الطبعة الاولى- 2005- القاهرة ص 122-124.

4. الكتاب الاسود للفساد فى قطاع الاعمال وبيعه للصهاينة- على القماش- الطبعة الاولى 1999- القاهرة ص299. والكتاب مرجع مهم فى رصد هذه الجريمة الكبرى فى حق الوطن.

5. الخصخصة فى مصر.. العجلة تدور- محمد فؤاد- الاهرام 17/9/2006.

6. الشرق أوسطية مخطط امريكى صهيونى- مكتبة مدبولى- تحرير حلمى شعراوى لمجموعة من الكتاب، وتشترك فى النشر اللجنة المصرية لمقاومة التطبيع ومواجهة الصهيونية. الطبعة الاولى 1998 ص164-165.

7. مصر العربية- 30/9/2004- مقع على الانترنت- احمد هاشم.

8. تراجع مؤقت فى السياحة الاسرائيلية لسيناء- المصور 1/12/2006.

9. تراجع مؤقت- مصدر سابق

10.عبدة الشيطان- مجلة أقلام الثقافية- موقع على الانترنت.

11.الدور الاقليمى لمصر فى الشرق الاوسط- ندوة- تحرير د.عبد المنعم المشاط- مركز البحوث والدراسات السياسية- جامعة القاهرة1995- الطبعة الاولى- القاهرة ص306.

12.(من كامب ديفيد الى مدريد) ص61، 62- مرجع سابق

13.7 سنوات فى بلاد المصريين- مذكرات أخطر سفير اسرائيلى فى مصر- موشيه ساسون. دار الكتاب العربى- القاهرة- دمشق- الطبعة الاولى-1994 ص237 حتى ص272.

14.سياسة خراب مصر فى وزارة والى- سعيد السويركى- العربى العدد900.

15.الخيانة- الملف الاسود للزراعة فى مصر- عادل حسين وآخرون- الطبعة الاولى- 2003- القاهرة ص69.

16.مخاطر التخريب الصهيونى فى المياه والزراعة- مهندس حسام رضا- ملتقى الحوار العربى الثورى الديمقراطى- الطبعة الاولى- 1996- طرابلس- الجماهيرية ص103 حتى ص123.

17.وقائع تدمير صحة المصريين- سعيد السويركى- العربى- العدد930.

18.التطبيع الاقتصادى بين مصر واسرائيل الى أين؟- عبد العزيز حسونة- مكتب شرق المتوسط للخدمات الصحفية والاعلامية- 30/6/2005- موقع على الانترنت.

19.المصريون- 27/7/2005- موقع على الانترنت.

20.الاسبوع- محمد عوف- طنطا- نوفمبر 2006.

21.الاسلام اليوم- 28/9/2006- موقع على الانترنت.

22.العربية نت- حسام على- القاهرة- 23/6/2004 الموقع الالكترونى لقناة العربية.

23.الجهاد صناعة الامة- مجدى احمد حسين- الطبعة الثانية- 2003- القاهرة ص305.

24.الدور الاقليمى لمصر فى الشرق الاوسط- مرجع سابق- ص309.

25.العربية نت- مرجع سابق.

26.إسلام أون لاين- فبراير2005- موقع على الانترنت.

27.عرب تايمز- فضيحة الاسمنت وتورط وزراء ومسئوسلين فلسطينيين فيها تفتح ملف الفساد والخيانة على أوسع أبوابه- موقع على الانترنت.

28.العربية نت- مرجع سابق.

29.عرب تايمز- مرجع سابق- ص12.

30.الطريق الى قلب أمريكا يمر عبر اسرائيل- خليل العسلى 14/12/2004- شبكة الانترنت للاعلام العربى- موقع على الانترنت.

31.تسوية الصراع العربى- الاسرائيلى- دور مصر الاقيمى- تحرير د.عبد العليم محمد تأليف مجموعة من الباحثين- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام- الطبعة الاولى 1997- القاهرة ص162.

32.اقتصاد اسرائيل- على مشارف القرن الحادى والعشرين- فضل مصطفى النقيب مؤسسة الدراسات الفلسطينية- لبنان- الطبعة الاولى- بيروت اغسطس 2001 ص113.

33.تسوية الصراع العربى- الاسرائيلى- مرجع سابق ص163.

34.الجزيرة نت- اتفاقية الكويز-21/11/2005 الموقع الالكترونى لقناة الجزيرة.

35.فضح الكويز- المجموعة المصرية لمناهضة العولمة- الطبعة الاولى- يناير 2005- القاهرة ص 55.

36.خطوة تتبعها خطوات- اسلام مصطفى- يناير2005- محيط- موقع الكترونى.

37.شرطان ضروريان- مجدى أحمد حسين- موقع حزب العمل الالكترونى-29/10/2006 نقلاً عن اهرام 27/9/2006 التى نقلت بدورها عن صحيفة يديعوت أحرنوت الاسرائيلية.

38.المثقفون العرب واسرائيل- د.جلال أمين- دار الشروق- الطبعة الاولى- 1998- القاهرة راجع بالأخص الفصل الثالث بعنوان: المثقفون العرب والشرق أوسطية من ص79 حتى ص174.

39.المصريون- 2/10/2006- مرجع سابق.

40.أمل الأمة.نت- الكهرباء المصرية فى طريقها للوصول الى اسرائيل 28/7/2006 موقع الكترونى.

41.موقع قاطع دوت كوم- نوفمبر 2006 نقلاً عن جريدة الراية القطرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.