الحكومة توضح الهدف من ملاحظات السيسي على قانون الإجراءات الجنائية    رئيس جامعة العريش يسلم شهادات انتهاء البرنامج التدريبي الخاص بتأهيل وتدريب المعيدين الجدد    آخر تحركات الدولار أمام الجنيه بعد قرار المركزي خفض الفائدة    بسبب اعتراض أسطول الصمود، بلجيكا تستدعي سفيرة إسرائيل    أمين عام الناتو يدعو لتعزيز التعاون مع المفوضية الأوروبية لدعم القدرات الدفاعية    سعر الدولار ينخفض لأدنى مستوى عالميًا مع قلق الأسواق من الإغلاق الحكومي الأمريكي    نجل زيدان بقائمة منتخب الجزائر لمواجهتي الصومال وأوغندا بتصفيات المونديال    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    طاقم حكام سوداني لمباراة بيراميدز ونهضة بركان في السوبر الأفريقي    مصر في المجموعة الأولى ببطولة العالم لكرة اليد تحت 17 عام بالمغرب 2025    نتائج 6 مواجهات من مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    عودة لاعب ريال مدريد.. قائمة منتخب فرنسا لمواجهتي أذربيجان وأيسلندا    ضبط صانعي محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو تتضمن ألفاظًا خارجة تتنافى مع قيم المجتمع    التعليم: امتحان الإنجليزي لطلاب الإعادة بالثانوية العامة على المنهج المطور    العثور على جثة مسن داخل مسكنه بالشرقية    «النار دخلت في المنور».. كيف امتد حريق محل ملابس إلى عقار كامل في الهرم؟ (معايشة)    فريق عمل يوميات عيلة كواك يحتفل بإطلاق المسلسل    تركي آل الشيخ يكشف السر وراء نجاح موسم الرياض    خبير علاقات دولية ل"اليوم": ما فعله الاحتلال ضد قافلة الصمود إرهاب دولة    «هل الأحلام السيئة تتحقق لو قولناها؟».. خالد الجندي يُجيب    انطلاق النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال 30 يناير    مصر تبحث مع البنك الدولي تعزيز التعاون بمجالي الصحة والتنمية البشرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    البابا تواضروس الثاني يلتقي رهبان دير القديس الأنبا هرمينا بالبداري    «الوزراء» يوافق على تحويل معهد بحوث السادات إلى كلية التكنولوجيا الحيوية    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    نجل غادة عادل يكشف كواليس علاقة والدته بوالده    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لدعم حملة ترشح خالد العنانى فى اليونيسكو    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: ذكرى نصر أكتوبر تأتى فى ظل ظروف استثنائية شديدة التعقيد    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    القائم بأعمال وزير البيئة في جولة مفاجئة لمنظومة جمع قش الأرز بالدقهلية والقليوبية    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكتب بعد عودته من الخرطوم: السودان يشهد نهضة كبرى ولذلك يصعد الأعداء هجومهم
نشر في الشعب يوم 17 - 03 - 2007

مجدى حسين يكتب بعد عودته من الخرطوم:
السودان يشهد نهضة كبرى ولذلك يصعد الأعداء هجومهم
أكبر مؤتمر علمى عن الاسلام فى افريقيا يعقد فى الخرطوم
وأمريكا ترى السودان العدو الوحيد فى القارة
صندوق النقد يؤكد ان معدل النمو وصل 11%
السودان يصنع الذخائر والقنابل والدبابات وناقلات الجنود
انتاج البترول 500 ألف برميل يومياً والشركاء الصين وماليزيا والهند
تصنيع المعدات الزراعية والسيارات وتصدير الأدوية
وحصيلة ديوان الزكاة 24 مليار دينار
ندعو الله أن يثبت السودان حتى تستيقظ مصر


عندما وطأت قدماى أرض السودان لأول مرة كان ذلك بعد أيام من الانتفاضة التى أطاحت بحكم نميرى فى مايو 1985، ومن فرط حبى للسودان ولأهله لم أنشغل كثيراً بالمتاعب المادية التى تحيط بحياة السودانيين. الخرطوم العاصمة تكاد تكون جرداء من كثير من المظاهر التى تجدها فى عواصم العالم. ولذلك عندما تزور الخرطوم فى 2007 فإنك ستجد فرقاً مهولاً، فأنت أمام عاصمة تزداد جمالاً وتنسيقاً وبناء، وستجد أمامك العديد من مظاهر الانتعاش الاقتصادى والاجتماعى والنفسى.
انطباع الزائر مهم وليس خادعاً، وإذا نظر بعين فاحصة فإن رؤيته تكون أهم من كل لغة الأرقام.
معلوماتنا عن السودان شحيحة، وكما نقول دائماً فهى مسئولية متبادلة، الاعلام السودانى ليس على المستوى، والاعلام العربى مقصر بالتأكيد خاصة الاعلام المصرى الذى يفترض فيه أن يهتم بالسودان بشكل خاص. ولذلك نهتم – فى جريدة الشعب – بتقديم جرعة من المعلومات، بل أكبر جرعة ممكنة. فإن المتخصصين فى شئون السودان فى مصر على قلتهم لا يكتبون إلا عن دارفور واحتمالات انفصال الجنوب، ورغم أهمية القضيتين إلا أن الاقتصار فى الحديث عليهما يعطى إنطباعاً أن السودان ما هو إلا مجموعة قلاقل!! وإن كان ذلك لا يخلو من حقيقة إلا أنه ليس الحقيقة الوحيدة أو الرئيسية، بل إن نهضة الانقاذ منذ 1989 حتى الآن هى الحدث الأبرز والأكبر فى حياة السودان والأمة العربية، ولكن حكامنا متخصصون فى إهدار الفرص التاريخية. بل إن ما يتعرض له السودان من قلاقل ومؤامرات خارجية هو بحجم الانجاز التاريخى الذى حققه ويحققه نظام الانقاذ.
عندما علم أحد الأصدقاء أننى فى الخرطوم قال سأرسل لك بعض الكتب حتى نلتقى فى اليوم التالى. وتوقعت أن يرسل لى 4 أو 5 كتب قيمة عن السودان. ولكننى وجدته أرسل لى "قنبلة نووية". فقد علمت لأول مرة أن السودان نظم فى شهر نوفمبر الماضى مؤتمراً علمياً كبيراً بعنوان (الاسلام فى إفريقيا) فى ذكرى مرور 14 قرناً على دخول الاسلام فى افريقيا، شارك فى تنظيمه جامعة افريقيا العالمية ووزارة الأوقاف من السودان وجمعية الدعوة الاسلامية العالمية من ليبيا، شارك فيه أساتذة وباحثون أكاديميون من كل بلدان القارة: 118 من بينهم 23 من مصر. وصدرت عن المؤتمر أبحاث بلغ حجمها 6159 ورقة من الدراسات الجادة حول أوضاع الاسلام والمسلمين فى القارة الافريقية تاريخياً حتى الاوضاع المعاصرة.
ولكن الاعلام المصرى لم يسمع عن ذلك شيئاً لأنه مشغول بما هو أكرم "هالة سرحان.. وهل هى على حق أم صواب" ومشغول "بتسويد وتشويه وجه الاخوان المسلمين". كما أن الفضائيات التى أضحت المصدر "المعرفى" و"الثقافى" و"المعلوماتى" لجمهرة النخبة والمثقفين، فهى لم تنتبه لهذا الحدث، قدر اهتمامها بأى ندوة سخيفة تعقد فى واشنطن أو فى أى عاصمة عربية حول أى موضوعات مستهلكة.
هذا الاهتمام السودانى بدوره الاسلامى الافريقى هو ما يزعج الاعداء، لذلك يقول جارى جرانت المدير السابق للشئون السودانية فى الخارجية الامريكية (النظام السودانى لديه القدرة على إثارة المشاكل والاضطرابات فى شمال افريقيا والمغرب العربى ويجب العمل على ردع هذا النظام). وظل المسئولون الامريكيون يصفون السودان بأنه الدولة الوحيدة فى افريقيا جنوب الصحراء التى تهدد المصالح الامريكية. (السودان فى الاستراتيجية الأمريكية – حسن صالح)
وفى لقائنا (كأمانة مؤتمر الأحزاب العربية) مع على عثمان طه نائب رئيس الجمهورية أشار إلى دراسة استراتيجية أمريكية حول تزايد الاهتمام الامريكى بافريقيا وجاء فيها أن البترول الافريقى يشكل 15% من احتياجات أمريكا وأن هذه النسبة سترتفع خلال 10 سنوات الى 30%.
والحقيقة فإن هذا يلقى الضوء على القرار الامريكى بتشكيل مركز قيادى عسكرى للقطاع الافريقى، وعلى العلاقات العسكرية المتنامية مع بلدان شمال وغرب افريقيا بما فى ذلك القيام بمناورات مشتركة تحت شعار محاربة الارهاب.
السودان هو الجسر الذى يحمل المشروع الحضارى الاسلامى إلى قلب القارة، بينما يسعى الامريكيون والغرب إلى ربط الشعوب الافريقية بهم عبر التبشير الكنسى ورغم معلوماتى السابقة حول أن عدد المسلمين بالقارة حوالى 60% إلا أن دراسات هذا المؤتمر العالمى تهبط بالنسبة الى 48%. عدد المسيحيين فى افريقيا 330 مليون (40% من القارة) بينما كان عدد المسيحيين فى افريقيا لا يتجاوز المليون الواحد فى بداية القرن العشرين حيث تم تحويل مناطق بأكملها من الاسلام إلى المسيحية كمالاوى وموزمبيق. ويبلغ عدد المتفرغين فى كنائس الغرب لعملية التبشير فى العالم 16 مليون متفرغ. (افريقيا: الحوار الاسلامى/ المسيحى وحيوية التنصير – د. حسن مكى)
والسودان يبدو كأنه يخوض غمار هذه المعركة الكبرى وحيداً، ولكن لا شك أن كثيراً من الخيرين والدعاة المتصلين بالدعوة فى افريقيا يقدرون هذا الدور ويشاركون فيه قدر الطاقة. والمطلوب أمريكياً وغربياً وصهيونياً.. حصار هذا المشروع الاسلامى فى شمال السودان بإثارة القلاقل فى دارفور، مع مواصلة التغلغل الصهيونى والغربى فى جنوب السودان فى ظل السلام، وإثارة نعرة الأفرقة ضد العروبة والاسلام، وإنجاز مشروع السودان الجديد الموحد (العلمانى - الزنجى) وهو مشروع جون قرنق، الذى يقول رفيقه د. منصور خالد أنه المشروع الذى يتفهمه يوسف والى وحسنين هيكل!! أى الحديث عن توحيد السودان لا الحديث عن توحيد مصر والسودان، والمقصود توحيد السودان الافريقى ثم إيجاد صيغة للتعامل مع العروبة. والحقيقة أن هذا المشروع يعتبر العروبيين فى السودان قلة استولت على السلطة ولابد من إخراجهم منها واستعادة الزنج لها!
الوجه الآخر لملحمة الانقاذ نجده فى مشروع النهضة الاقتصادية الاجتماعية، وهو أيضاً سبب آخر لإثارة كيد الأعداء، فإن الوجه المشرق والناجح للتجربة الاسلامية فى السودان سيزيد من امكانيات الترويج لها فى افريقيا، فهى ليست مجرد خطر ايديولوجى، بل خطر أيديولوجى مربوط بقوة المثال والنموذج.
"فأولئك هم المضعفون".
هكذا وصف القرآن أصحاب الأضعاف من الحسنات فى الدنيا والآخرة، الذين يؤتون الزكاة.
ولكننى تذكرت هذا الوصف القرآنى وأن أتابع الأرقام التنموية فى السودان، فكل الأشياء تضاعفت فى عهد الانقاذ مرة واحدة على الأقل إن لم يكن مئات المرات.
كانت هذه المرة أكثر المرات التى اهتممت بها بجمع معلومات فى الجوانب الاقتصادية وساعد على ذلك لقاؤنا مع بدر الدين محمود عباس نائب محافظ بنك السودان المركزى.. كان اللقاء على متن سفينة فاخرة تمخر عباب نهر النيل الجميل الذى لم تمتد إليه يد الحضارة الملوثة بصورة كبيرة، ما يزال بكراً يافعاً.
قال السيد بدر الدين ما يلخص الموقف.. كانت الموازنة عام 1989 تعتمد بنسبة 80% على المعونات الخارجية، أما الآن فإن 98% من الموازنة تعتمد على الموارد المحلية. فى أواخر الثمانينات كان معدل النمو سالباً ولا يرتفع لأكثر من 1.6%، أما متوسط معدل النمو الآن فهو 8.5%، ويشير لذلك صندوق النقد الدولى الذى يرتفع بمعدل النمو إلى 11% وهو من أعلى المعدلات فى العالم. (فى عام 1994 كان الصندوق قد جمد عضوية السودان لعدم التزامه بسداد ديونه).
الأرض الزراعية زادت رقعتها من 16 مليون إلى 60 مليون فدان.
الصادرات ارتفعت من 480 مليون دولار 1989 إلى 8 مليار دولار 2006 أى تضاعفت 16 مرة. والواردات زادت بدورها من 1.2 مليار دولار إلى 7 مليار دولار، أى مع فائض تجارى لصالح السودان، وتوفر النقد الاجنبى فى احتياطيات تكفى 5 شهور للاستيراد.
عندما تسير فى شوارع الخرطوم وتجد مظاهر الرفاهية والرواج، كشركات الليموزين بالعشرات (50 شركة) لم تكن هذه الخدمة معروفة فى السودان. وتجد المطاعم والمحلات التجارية القشيبة، والمبانى الفارهة والفخيمة، تتذكر أنه فى عام 1989 لم يكن يجد السكر لشهور طوال قبل أن تنتج وتوزع على الناس بالحصة والأوقية؟ وأتذكر زيارتى للخرطوم عام1991 وكيف كانت الوجوه عابسة، وتعب الدنيا كله تراه ظاهراً فى عيون كل من تلقاه فى الطريق. فى هذه المرة وجدت عملية استكمال إنشاء مراكز المعلومات الالكترونية فى جميع الولايات، وبدء عملية التخاطب الحكومى فى مجالات متزايدة عن طريق الe-mail ، وبدء تحول الأرشيف الحكومى إلى الأساليب الالكترونية.
ثم إنشاء هيئة التصنيع الحربى فى عام 1993 وهى الآن تنتج:
الذخيرة بمختلف أنواعها بما فيها قنابل الطائرات- المدفعية الثقيلة وذخائر المدفعيات والمدفعية الخفيفى والرشاش والبندقية والمسدسات، إنتاج الدبابات وناقلات الجنود، انتاج أجهزة تحديد المدى وأجهزة تعمل بالليزر. أجهزة الرؤية الليلية والنهارية، مجمع لصيانة المقاتلات والطائرات المروحية وطائرات النقل وتجميع الطائرات الخفيفة وصيانة وتأهيل الرادارات.
فى مجال الاستثمار الاجنبى، الصين هى الشريك الأول وأبرز المشروعات، استخراج البترول وخطوط الأنابيب والتكرير، وبناء سد مروى، وبناء عدد من المحطات الكهربائية. ويلى الصين عدد من الدول الآسيوية فى مقدمتها ماليزيا وأندونيسيا وكوريا الجنوبية التى شاركت فى بناء مصنع جياد للسيارات، وفى زيارة سابقة زرت هذا المشروع العملاق الذى هو مجموعة من المصانع المنتجة لسيارات ركوب، وسيارات شحن، وقلابات، وأسلاك..، ومن بين ذلك مصنع سيارات إيرانى، وعمليات تصنيع السيارات تقوم على التجميع مع زيادة المكون السودانى تدريجياً، والإنتاج بالغ الجودة، ويسد حاجة السوق السودانى إلى حد كبير.
كما بدأت الهند وباكستان وإيران الولوج إلى ساحة الاستثمار فى البترول.
إن السودان نموذج للاستفادة من الواقع الدولى الجديد- الذى طالما تحدثنا عنه فى مقالاتنا- وكيف أن ثقل القيادة العالمية يتحول تدريجياً من أمريكا- الغرب إلى آسيا وإن أخذ الشكل الاقتصادى فى البداية.
وبدأ الغرب يأتى متأخراً، فجاءت فرنسا للاستثمار فى مجال الذهب والنفط والكهرباء. وبدأ التعاون يظهر مع بلاد مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا.
بالنسبة للمؤشر العام للتنمية البشرية انتقل السودان من قائمة الدول الأقل نمواً إلى قائمة الدول المتوسطة ووفقاً لمؤشرات الدخل أصبح ترتيب السودان 51 من 95 من الدول النامية.
على صعيد موازنة الدولة كان العجز عام 1989 (وهو عام بداية الانقاذ) 98% من الناتج المحلى الاجمالى أما فى الأعوام الأخيرة فكان المتوسط السنوى 2.6% من الناتج المحلى الإجمالى. وأصبح تمويل الموازنة بموارد محلية بنسبة تتراوح بين 93، 99%!!
أصبحت عائدات البترول تشكل 49% من الإيرادات العامة وكانت 9.5% عام 1999 وهو أول عام لتصدير البترول.
وقصة البترول فى السودان قصة كفاحية، وليس كإنتاج البترول فى بلاد أخرى تابعة لأمريكا، فقد كانت قصة كفاح ضد الهيمنة الأمريكية على سوق البترول وانعدام الموارد فى البحث والتنقيب، وقلة الخبرات.
عندما استلمت الانقاذ السلطة كانت الدولة متداعية بكل معانى التداعى (الاعتماد على المعونات كما ذكرنا شبه كلى) وكانت شركة شيفرون الأمريكية قد توقفت بقرار سياسى عن إنتاج البترول بعد اكتشافه، واستسلمت الحكومة السودانية السابقة على الانقاذ.
روى لى أحد قادة الانقاذ منذ أكثر من عشر سنوات طرفة تلخص موقف إنهيار الدولة السودانية قبل الانقاذ، حيث قال أنه بعد انسحاب شركة شيفرون اعتبر موضوع البترول منتهياً حتى أن وزارة البترول لم تعد تهتم بالاحتفاظ بالوثائق، حتى لقد وجدنا إحدى الخرائط البترولية مستخدمة كأحد قوائم إحدى الطاولات.
ووجد الانقاذ ضالته فى الصين وماليزيا، وبدأ مشروع البترول العملاق، بخط أنابيب هو الأطول فى كل قارة إفريقيا. والآن فإن ماليزيا قد استردت كل ما دفعته وتربح 300 مليون دولار سنويا.
وبلغ الانتاج اليومى 500 ألف برميل يومياً. وقد قمنا بزيارة الشركة الكبرى لتكرير البترول شمال الخرطوم ب70 كيلو متر، وهى شركة سودانية- صينية يتم فيها الاحلال السودانى على مستوى العمالة ورأس المال، بهدف أن تصل الى 90% سودانى 10% صينى.
وهذه الشركة برأسمال مليار دولار تكرر 100 الف برميل يومياً، بها ألف عامل وفنى حالياً (700 سودانى و300 صينى) ويتم زيادة العمالة السودانية كل سنة ب65 وظيفة، وهذا المعمل تم بناؤه خلال عامين فقط (1998- 2000)، والمعمل ينتج البوتاجاز، والبنزين، وبنزين الطائرات.
استمعنا لكل هذا الشرح فى قاعة فخمة كان بها الرئيس الصينى منذ أيام عندما كان فى زيارة السودان. والصينيون يعملون بجد لا تسمع لهم صوت رغم أن معظمهم تعلم العربية.
وتجربة الصين فى التعاون الدولى تجربة مذهلة بكل المقاييس، إنها تعطى بكل إخلاص وسخاء، وتحصل على حقها ومكاسبها الاقتصادية، ولا علاقة لها بالشئون الداخلية. فهل ستظل الصين هكذا تقدم نموذجاً فريداً للدولة العظمى غير الاستعمارية.
والسودان أصبح جسراً ورأس ارتكاز للصين إلى كل القارة الافريقية. (بالمناسبة أين مصر؟!). تقوم شركات سودانية بترولية بأعمال كشوف فى ثلاث بلاد افريقية منها تشاد. وهناك معمل تكرير آخر فى الأبيض غرب السودان يكرر 15 ألف برميل يومياً. وتقوم ماليزيا بإعادة تأهيل وتوسيع مصفاة بورتسودان الذى سيكرر 70 ألف برميل يومياً. وتم إنشاء 4 موانئ على البحر الأحمر لتصدير البترول والغاز.
والتعدين لا يقتصر على البترول فهو يشمل مجموعة متنوعة من المعادن ولكن يبدو فى المقدمة إنتاج الذهب الذى بدأ عام 1992 حيث يتم تصدير 5 آلاف كيلو جرام من الذهب الخالص سنوياً.
فى المجال الصناعى زاد عدد المنشآت الصناعية فى عهد الانقاذ من 6700 إلى 24 ألف منشأة، وتساهم الصناعة الآن ب25% من الناتج المحلى الإجمالى (وكانت 15%) وتنوعت قاعدة الصادرات لتشمل الجلود المدبوغة والملابس الجاهزة والصمغ المصنع والأدوية والنشا والجلوكوز والمنتجات الهندسية.
وعلى طريقة المضاعفة، تضاعف إنتاج السكر من 353 ألف طن عام 1989 إلى 755 ألف طن فى 2004. وتضاعف إنتاج الجلود 3 مرات من 3.6 مليون قطعة إلى 9 مليون قطعة وتجرى حالياً عملية إعادة تأهيل صناعة الغزل والنسيج بالتعاون مع الهند والصين."
كذلك تضاعف إنتاج الأسمنت ليغطى الاحتياج المحلى ويفيض للتصدير.
من أهم المجالات من الناحية الاستراتيجية التى اندفعت فيها الصناعة السودانية، هى عملية تصنيع المعدات والآلات الزراعية ومعدات الورش والحرفيين: كالطواحين والقشارات ومكابس البلاط والطلمبات ومصانع الطحينة والحلويات. بل وبدأ تصدير هذه المعدات. وعلى سبيل المثال فإن معظم احتياجات صناعة النسيج من قطع الغيار تصنع محلياً. وتم تصنيع 22 نوعاً من الآلات الزراعية، بالإضافة لطلمبات رفع المياه وهى بالغة الأهمية للزراعة. كذلك دخلت السودان مجال الصناعات الالكترونية: التليفونات- التلفزيونات- المسجلات- الراديو ويغطى جزءاً كبيراً من السوق.
إلا أن الملفت للنظر بصورة خاصة هى صناعة الدواء التى تغطى 70% من احتياجات البلاد و90% من الأدوية الضرورية، وبلغ عدد المصانع 37 مصنعاً وبدأت الأدوية السودانية تغزو الأسواق المجاورة.
فى الزراعة: ارتفع انتاج الحبوب الغذائية من 3 مليون طن إلى 6 مليون طن ولكن الاستهلاك زاد ولجأ السودان للاستيراد الغذائى. وقد تحدثت مع السيد بدر الدين وغيره من القادة عن خطورة الاعتماد على البترول والتراجع عن الاهتمام الزراعى والاكتفاء الذاتى، ورأيت منهم إدراكاً لهذه المشكلة، وحدثونا عن مشروع "النفير الزراعى".
عندما زرت السودان فى 1985 كان الرقم المتداول لعدد الرؤوس فى مجال الثروة الحيوانية 60 مليون، فى عام 2004 أصبح 135 مليون رأس، وهذه الثروة الحيوانية تساهم بنسبة 21% فى الناتج المحلى الاجمالى. أما صادرات الإبل فقد زادت 400 مرة فارتفعت من 323 رأساً فقط عام 1989 إلى 132 ألف عام 2004. وتضاعفت صادرات الجلود من 3 إلى 6 ملايين قطعة.
تجربة ديوان الزكاة تستحق وقفة طويلة متأنية لدراسة ايجابياتها الكبيرة وسلبياتها باعتبارها أكمل وأشمل تجربة فى هذا المجال بين البلاد العربية، وفى هذه العجالة نقول إن حصيلة الزكاة ارتفعت من 27 مليون دينار عام 1990 إلى 24 مليار دينار عام 2004.
فى مجال التعليم المضاعفة هى أيضاً لغة التقدير فزادت المدارس الأساسية بنسبة 172% والثانوية بنسبة 350%، والتعليم قبل المدرسى 70% ومن 7 جامعات عام 1989 إلى 37 جامعة 2005.
فى عام 1989 كان التعليم العالى يضم 5 آلاف طالب، وفى عام 2004 أصبح العدد 70 ألف. وانخفض تماماً الاحتياج لاستكمال التعليم العالى خارج البلاد.
إنعكست حالة الانتعاش الاقتصادى على مطار الخرطوم الذى زادت حركة الطيران فيه بنسبة 46% فى العام 2002 ثم بنسبة 83% عام 2003. وهو يتجه للتوسع ولأن يصبح مركزاً أساسياً لمختلف الطيران العالمى المتجه لإفريقيا، ورغم تطويره إلا انه بدأ الاعداد لبناء مطار دولى جديد. وبلغ عدد المطارات المحلية 8 مطارات، وهى وسيلة أساسية لربط البلاد.
وهكذا فإن شريط الاحصاءات يتواصل، وأردت أن أحشد مجموعة من البيانات الجافة على سبيل إلقاء الضوء على ما لا يلقى عليه الضوء فى الاعلام العربى رغم أنه هو الأكثر أهمية.
نحن أمام تجربة تنمية نهضوية استقلالية فى بلد بحجم مصر مرتين ونصف من حيث المساحة 2.5 مليون كيلو متر مربع مع ملاحظة أن معظم هذه المساحة مأهولة باستثناء المناطق الصحراوية الشمالية وهو أكبر دول افريقيا مساحة. وعدد السكان بلغ 40 مليون نسمة والسودن منفتح على عدد من الدول الافريقية (افريقيا الوسطى- تشاد- الكونغو- أوغندا- كينيا- أثيوبيا- أرتريا) وهو محور أساسى بين دول حوض النيل. وهو رأس حربة حضارية للعروبة والاسلام فى قلب القارة وحوله بلاد بها مسلمون: أثيوبيا 65% أرتريا50%- كينيا24%- أوغندا 16%- إفريقيا الوسطى15%- تشاد 50%- الكونغو الديموقراطية 10%.
السودان فى حد ذاته قارة افريقية مصغرة، وشعبه الحضارى الذكى يستحق كل خير حتى وإن لم يكن له مشروع لنشر الدعوة خارج الحدود. ولكن الامريكيين يرون أن ضياع السودان فى حد ذاته كارثة. وهم لن يألوا جهداً فى محاربته، وقد فعلوا بوسائل العنف من قبل مباشرة أو عبر أصدقائهم.. أو عملائهم، والآن فانهم يسعون لاستخدام وسائل سلمية لتقويض النظام. ورغم أن اتفاقية نيفاشا مليئة بالتنازلات والثغرات، لصالح الجنوب ولصالح تفكيك السودان، إلا أن أمريكا رأت أنها لم تحقق أغراضها فى تذويب طبيعة النظام السودانى، لذلك افتعلت مشكلة دارفور، ولا تزال تنفخ فيها.
من نافلة القول- وما أقوله فهو للشعب المصرى لأن حكامنا لا يجوز التوجه إليهم بأى نصيحة لأنهم لا يسمعون، وإذا سمعوا فإنهم يخربون- من نافلة القول أن مصر هى الأجدر بأن تكون سنداً للسودان دعماً استراتيجياً له، بل أن تكون هى فى معترك معركة استقلال وتنمية تتكامل مع معركة الاستقلال والتنمية فى السودان، ولكن هذا لن يفعله إلا حكام وطنيون يحبون مصر كما يحبون وادى النيل. المهم أن نستطيع أن ننجز التغيير قبل أن تتعرض التجربة السودانية لأى مخاطر جديدة. فمن المهم لنا عندما نقيم سلطة وطنية شعبية فى مصر أن يكون فى الخرطوم حكم وطنى سودانى- عروبى- اسلامى، لا موسادى!!
آخر دعوانا- إلى الله أن يثبت السودان حتى تستيقظ مصر!!
Magdy hussien @hotmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.