تنسيق الجامعات 2025.. 35 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الأولى    لجنة المنشآت في جامعة بنها تتابع معدلات تنفيذ المشروعات الحالية    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    من الجيزة إلى نجع حمادى ..انقطاع الكهرباء عرض مستمر وحكومة الانقلاب تنفذ تخفيف أحمال عبر محطات مياه الشرب    رئيس الوزراء: مكافحة الاتجار بالبشر ليست مجرد التزام قانوني بل واجب أخلاقي وإنساني    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    شركة UEG الصينية تعلن استعدادها لتعزيز استثماراتها في مصر    انخفاض أرباح بورشه بنسبة 71% في النصف الأول من 2025    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بالقاهرة الجديدة    فيديو.. مراسل القاهرة الإخبارية: قرابة 4 آلاف طن مساعدات مصرية دخلت إلى غزة    نادي الأسير: الإفراج عن قاتل الفلسطيني عودة الهذالين ترسيخ للتوحش الإسرائيلي    الجيش الأردني يعلن إسقاط طائرة مسيّرة حاولت تهريب مواد مخدرة على الواجهة الغربية في المنطقة العسكرية الجنوبية    زيارة تبون لإيطاليا.. اتفاقيات مع روما وانزعاج في باريس    قائد الجيش اللبناني: ماضون بتنفيذ مهامنا في بسط سلطة الدولة وفرض سيطرتها على جميع أراضيها    صلاح يقود تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما الودية    رسميا.. بايرن ميونخ يعلن التعاقد مع لويس دياز    مفاجأة.. الزمالك يستهدف التعاقد مع أليو ديانج برعاية ممدوح عباس    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    في حوار خاص ل"الفجر الرياضي".. مكتشف كاظم إبراهيما: شوقي حسم الصفقة ووليد رشحه لريبيرو    بعد أنباء عودته للزمالك.. شوبير يكشف عن تحرك الأهلي تجاه إمام عاشور    ضبط مالك سرك وقائد سيارة بتهمة إلقاء 29 شوال بقايا حيوانات في الشارع بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. نشاط للرياح وانخفاض تدريجي في الحرارة والعظمى تصل إلى 31 درجة    أمن المنافذ: ضبط 40 قضية أمن عام وتهريب خلال 24 ساعة    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بكفر الشيخ    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    بصمة لا تُنسى في كل مشهد.. لطفي لبيب يرحل بعد إرث من التميز    إيرادات فيلم المشروع X تتخطى 140 مليون جنيه في 10 أسابيع عرض    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    أسعار رمزية وخيارات معرفية متنوعة قِسمٌ مخصّص ل "الكتب المخفّضة" في معرض المدينة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    الرعاية الصحية تطلق مشروع رعايتك في بيتك لتقديم خدمة طبية متكاملة داخل المنازل    محافظ أسوان يوجه بسرعة الانتهاء من المبنى الجديد لقسم الغسيل الكلوي في المستشفى    تحرير (145) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    تعليم الفيوم تعلن عن مسابقة لشغل الوظائف القيادية من بين العاملين بها    براتب 550 دينار .. العمل تعلن عن 4 وظائف في الأردن    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    «البترول» تعلن السيطرة على حريق سفينة حاويات بمنطقة رأس غارب    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    الدكتورة ميرفت السيد: مستشفيات الأمانة جاهزة لتطبيق التأمين الصحي الشامل فور اعتماد "Gahar"    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«البحيرى»: إسرائيل زرعت رجال «الموساد» فى أفريقيا للالتفاف حول السودان وإضعاف مصر
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 01 - 2011

فى الوقت الذى بدأت فيه الأحد عملية الاستفتاء فى جنوب السودان ليقرر مصيره، يصبح السودان كدولة فى منعطف خطير، وفى مفترق طرق، بين أن يظل موحداً عربياً وأفريقياً، قوياً معافى، تزيده عوامل الاختلاف العرقى والثقافى والاقتصادى قوة ومنعة فى مواجهة التيارات العاتية وبين أن ينفصل جنوبه عن شماله، وذلك أمر ليس هيناً لأن معناه تجزئة السودان، والإضرار بوضعه الاستراتيجى المتوغل فى قلب أفريقيا، والتأثير على مصر ومصالحها فى مياه النيل والسودان وأفريقيا.. وحول ذلك الموضوع المهم نجرى هذا الحوار مع الدكتور زكى البحيرى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية آداب بجامعة المنصورة، المتخصص فى الشؤون السودانية والأفريقية، الذى يؤكد أن مشكلة الجنوب أوجدتها عوامل عرقية وتاريخية، سياسية وإقليمية ودولية، وإلى نص الحوار:
■ بصفتك متخصصاً فى الشؤون السودانية والأفريقية، ما أساس مشكلة جنوب السودان وما حقيقة ما يجرى هناك؟
- مشكلة جنوب السودان فى الواقع مشكلة مزمنة، وُجدت منذ وقت مبكر، يرجع إلى القرن التاسع عشر، إلا أن الذى أوصلها إلى الحالة التى هى عليها، هو السياسة الإنجليزية، حين عمل حاكم عام السودان خلال الحكم الثنائى على خلق كيان فى الجنوب مختلف عنه فى الشمال، وأصدروا قانون المناطق المقفلة لمنع الشماليين من النزول إلى الجنوب أو الإقامة فيه، ومنع الجنوبيين من الصعود للشمال، وفى المراحل التالية تم منع استخدام اللغة العربية فى الجنوب، والتأكيد على استخدام اللغة الإنجليزية أو اللغات المحلية كلغات النوير، والدنكا، والشُلك، كبديل للعربية، وصدرت الأوامر إلى مديرى المديريات الجنوبية ورؤساء المراكز بترحيل الموظفين والتجار الشماليين المسلمين من الجنوب، طبقا لتعليمات كبار رجال الإدارة من الإنجليز.
■ ولكن منذ متى بدأت هذه السياسة الجنوبية التى تشير إليها والتى هى فى رأيكم مسؤولة عن تنفيذ سياسة الفصل بين الجنوب والشمال؟
- فى الحقيقة تعتبر البعثات التبشيرية المسيحية هى البداية العملية للفصل بين شمال وجنوب السودان، منذ العقد الأول من القرن العشرين، وصدر قانون المناطق المقفلة المشار إليه آنفا فى سنة 1922، لمنع العرب المسلمين من النزول إلى جنوب السودان، ثم جاءت تعليمات هارولد ماكمايكل السكرتير الإدارى (وزير الداخلية) - المخطط الحقيقى للسياسة الجنوبية، تلك السياسة التى رسخت إلى حد كبير الاختلافات العرقية والثقافية والدينية وسياسة الفصل بين الجنوب والشمال - بتنفيذ السياسة الجنوبية للفصل بين الشمال والجنوب فى خطاب سرى موجه إلى مديرى مديريات الجنوب من الإنجليز فى 1930.
■ كيف تطورت المشكلة، وما المسار الذى اتخذته بعد ذلك؟
- رغم أن سياسة فصل الجنوب قد استمر تنفيذها طيلة الثلاثينيات ومعظم الأربعينيات فإن الجنوبيين فى مؤتمر جوبا للإدارة وتقرير وضع جنوب السودان فى 1947 الذى حضره ممثلون عن الجنوب والشمال، كما حضره ممثلو الإدارة من الإنجليز وفى مقدمتهم السكرتير الإدارى قرروا أن يظل الجنوب جزءا من دولة واحدة تضم شمال وجنوب السودان على حد السواء، ولم يقبلوا أى أفكار لفصل الجنوب عن بقية السودان، أو ضمه لشرق أفريقيا فى حكومة أو دولة واحدة كما كان يقترح الإداريون الإنجليز.
■ وإذا كان هذا هو موقف الجنوبيين فى أواخر الأربعينيات، فما الذى غيّر رأيهم إلى حد أنهم يطالبون حاليا بتقرير المصير الذى يعنى إمكانية الانفصال عن حكومة الخرطوم؟.
- يرجع السبب فى تغيير الموقف الجنوبى أيضا إلى الدور الإنجليزى فى السودان، ذلك لأنه خلال الحكم الثنائى، تم إهمال المناطق المتطرفة من البلاد وفى مقدمتها الجنوب والغرب (دارفور) فى جميع برامج التنمية، بل كان رجال البعثات التبشيرية المسيحية يوصون الإدارة البريطانية فى الجنوب بألا يرفعوا رواتب الجنوبيين، لأنهم لا يستطيعون العمل إلا فى جو يسوده الفقر والمعاناة، وعلى كل حال فقد تركزت مشروعات التنمية فى السودان الأوسط الذى ضم بورسودان، والخرطوم، وكُوستى، ومدنى، والأُبيض، لأن مشروعات زراعة القطن اللازم لمصانع لانكشير فى إنجلترا والصمغ العربى المطلوب فى بريطانيا وغيرها، كانت تقع فى تلك المناطق الوسطى، خاصة فى الجزيرة وكردفان، ولذلك فإن خطوط السكك الحديدية تركزت فى تلك المناطق ولم تمتد إلى الجنوب أو إلى الغرب، ولما استقل السودان 1956، ظلت للأسف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على ما هى عليه، بما فيها من تهميش الجنوب والغرب والشرق.
■ ما السبب فى استمرار حالة تهميش المناطق النائية من السودان خاصة فى الجنوب والغرب؟
- السبب فى استمرار حالة التهميش هو أولا: استمرار خطط الإدارة والتنمية على السياسة نفسها التى رسمتها بريطانيا قبل الاستقلال بتركيز التنمية فى وسط البلاد وإهمال الأطراف كما ذكرنا. وثانيا: أن نظام الحكم فى السودان سار فى دورة حكم جهنمية تنتقل ما بين حكومات ليبرالية منتخبة قصيرة العمر إلى حكومات عسكرية، والعكس صحيح، مما أشاع حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار بشكل شبه دائم. ثالثا: نشوب الحرب بين الجنوب والشمال عام 1955 بسبب تمرد الكتيبة الاستوائية فى الجنوب، وقد استمرت حالة الحرب والتمرد حتى 1972 حين عُقدت اتفاقية أديس أبابا فى عهد حكم جعفر نميرى. رابعا: سعى الحزبين الكبيرين، «حزب الأمة والحزب الوطنى الاتحادى (الاتحادى الديمقراطى فيما بعد)» لأن يظلا هما المحركان الأساسيان للحكم، والحياة السياسية فى السودان، مع تجاهل أو إضعاف القوى الأخرى التى عبرت عن أفكار إصلاحية وتقدمية حقيقية لشعب السودان كله. خامسا: دور القوى الخارجية المتمثلة فى البعثات التبشيرية التى كانت قد نقلت بعض نشاطها التبشيرى إلى الدول المجاورة للسودان كأوغندا وكينيا، خاصة مع تسرب رجال المخابرات والموساد الإسرائيلى إلى الجنوب عن طريق إثيوبيا وأوغندا.
ومما لاشك فيه أن للقوى الخارجية خاصة إنجلترا والولايات المتحدة دوراً فعلياً فى تكريس فصل الجنوب وخلق دولة مختلفة دينيا وثقافيا فيه، دولة تنتمى لدول أفريقيا جنوب الصحراء، وليس أفريقيا العربية فى الشمال، تلك التى تشتمل على مصر، مركز الثقل العربى فى شمال شرق أفريقيا.
■ هل سعت الحكومات السودانية للحد من تفاقم مشكلة جنوب السودان، من خلال تطوير أحواله الاقتصادية، وتغيير الاتجاهات السياسية والاجتماعية التى تؤثر على سكان الجنوب، وتزيد من ارتباطهم بالوطن الواحد؟
- فى محاولتنا للإجابة عن هذا السؤال لابد من العودة للتطور التاريخى للمسألة، فلقد توقفت الحرب الأهلية فى جنوب السودان بعد أن عُقدت اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين جعفر نميرى، رئيس جمهورية السودان، وجوزيف لاجو، ممثل الجنوب، وأصبح الجنوب كله إقليما واحدا له حكومة محلية فى إطار الحكم الذاتى، واستمر الأمر كذلك حتى 1983 حين أتى جعفر نميرى على إنجازه التاريخى بإلغاء هذه الاتفاقية المهمة التى كانت قد أوجدت استقرارا فى الجنوب إلى حد معقول، ولو أن عمليات التنمية فى الجنوب حتى فى وقت الحكم الذاتى لم تكن ملحوظة، وبعد إلغاء الحكم الذاتى.
■ ماذا حدث بعد إلغاء اتفاقية أديس أبابا؟
- ساءت أمور جنوب السودان واستعرت الحرب الأهلية معه من جديد، خاصة مع تمكّن الجنوبيين من كسب تأييد بعض القوى الإقليمية والمواقف الدولية، ومع تمكنهم أيضا بقيادة جون جارانج والحركة الشعبية لتحرير السودان، من الحصول على السلاح بطرق خفية من مصادر مختلفة أهمها إسرائيل وإثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وفى عام 1985 قامت انتفاضة عارمة ضد جعفر نميرى بسبب إلغاء اتفاقية أديس أبابا واستئناف الحرب فى الجنوب، وبسبب أزمة السودان، ومجاعات دارفور، وتهريب الفلاشا، وبخروج نميرى من السودان جاءت بعده حكومة انتقالية برئاسة عبدالرحمن سوار الذهب عام 1985 - 1986، ثم خلفه الصادق المهدى فى رئاسة حكومة البلاد بعد الانتخابات حتى 1989، وطيلة هذا الوقت لم تتمكن أى حكومة سودانية من إطفاء نار الحرب الأهلية فى جنوب السودان.
■ لكن ما دور حكومة الإنقاذ فى هذا الصراع الأهلى بين الشمال والجنوب؟
- لقد جاءت بعد ذلك ثورة الإنقاذ فى 1989 تحمل توجهات إسلامية، وكان لها فى الحقيقة زعامتان: الأولى عسكرية على رأسها عمر البشير، والثانية مدنية على رأسها الترابى، وخلال السنوات العشر الأولى من حكم الإنقاذ سارت حكومته تتخبط ما بين خلق الصراعات السياسية مع مصر وإثيوبيا ودول الجوار الأخرى، وفى معاداة القوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وإعلان الجهاد ضد المحاربين فى الجنوب، وتلك سياسات خاطئة تماما، ووقع خلال تلك الفترة صراع على أيديولوجية نظام الحكم الذى يدير شؤون السودان، انتهى باستبعاد حسن الترابى الأصولى المنهج، وبتركيز السلطة فى يد حزب المؤتمر الوطنى بزعامة البشير، فاستقرت الإدارة السياسية إلى حد ما، ولكن على مستوى الجنوب اشتدت الحرب الأهلية، وتراوح الوضع بين تراجع جيش الحركة الشعبية الجنوبى مرة، وتراجع الجيش الوطنى فى الخرطوم مرة أخرى أمامه، فوقعت محادثات ومقابلات ومفاوضات على مستويات سودانية متعددة بين حكومة الإنقاذ، والحركة الشعبية فى الجنوب بما فيها الأجنحة المنفصلة عنها، ودخلت على الخط أحزاب الأمة، والاتحادى الديمقراطى، والحزب الشيوعى، وحزب المؤتمر الشعبى بزعامة الترابى، والتجمع الديمقراطى الذى كان يمثل كل قوى المعارضة، ولم تصل كل هذه المحاولات إلى حل ناجع لمشكلة الجنوب، وتحدثت القوى الجنوبية عن حق تقرير المصير وفى مقدمتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون جارانج بل أيدتها فى ذلك بعض أحزاب المعارضة الشمالية، ورغم ذلك لم تتوقف الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب حتى بعد عقد اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية فى ماشاكوس فى كينيا 2002 بوساطة مجموعة دول الإيجاد، وحضور شركاء الإيجاد وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولما ضُغط على حكومة الإنقاذ للاستمرار فى المفاوضات تم عقد اتفاقية السلام النهائى بين الشمال والجنوب فى نيفاشا فى كينيا أيضا فى 2005 مع الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوبيين عقب فترة انتقالية طولها ست سنوات، وهذا معناه الموافقة على حق الجنوب فى الانفصال.
■ ماذا حدث بعد توقف الحرب الأهلية؟
- توقفت الحرب الأهلية فى الجنوب، لتتحرك آلة الإعلام الغربية الرهيبة لكى تُدخل السودان فى دوامة أخرى هى دوامة دارفور التى اشتعلت فيها الحرب الأهلية بين الحركات المتمردة كحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، وقوات الحكومة المركزية وكأنه كتب على هذا البلد ألا يخرج من أزماته ومعاركه التى تستهلك معظم موارده فلا يقوى على حل مشاكله ولا تنمية أقاليمه، ويدور فى حلقة مفرغة من الحرب والاستعداد لها، إلى الدمار والصراع السياسى الذى ينتهى بتجزىء هذا البلد العربى الأفريقى الكبير، الذى يمثل قوة استراتيجية وقوة اقتصادية وقوة بشرية فى وسط وشرق أفريقيا، ويمثل ثقلاً عربياً أيضا فى تلك المنطقة.
■ وما حقيقة الدور الأمريكى فى السودان؟
- راهنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال تحرك الدول الأفريقية نحو التحرر والاستقلال، وخروج الاستعمار التقليدى الاحتلالى على أن تحل محل الاستعمار التقليدى، وتسيطر على الدول المُحررة بطريقة جديدة، تربط فيها هذه الدول التى تعانى من أزمات اقتصادية بالاقتصاد الأمريكى، مع العمل على السيطرة على الموارد الطبيعية والإنتاجية لهذه الدول، وهى سياسة أطلق عليها البعض الاستعمار الجديد، ولقد وقع السودان فى إطار المخططات الأمريكية فى هذا المجال بعد خروج إنجلترا منه فى 1956، ومن وقتها والسودان يقع فى دائرة الاهتمام الأمريكى - الصهيونى، وقد تنامى هذا الاهتمام بعد ظهور البترول فى السودان خاصة فى الجنوب، ومما زاد الرغبة الأمريكية فى التدخل فى شؤون السودان وجود حكومة الإنقاذ - التى تُصنف كحكومة إسلامية أصولية من وجهة النظر الأمريكية والغربية على الأقل - إلى جانب وقوع حادث 11 سبتمبر 2003 الذى سقط فيه بُرجا التجارة العالميان فى الولايات المتحدة الأمريكية، بواسطة مخططين ومنفذين إرهابيين من تنظيم القاعدة حسب الزعم الأمريكى أو قوى أصولية أخرى، ولذلك راهنت أمريكا، وما زالت تراهن، على إسقاط نظام الإنقاذ الإسلامى الحاكم فى السودان بزعامة البشير.
وبعد عقد اتفاق السلام فى الجنوب، ووقف الحرب الأهلية 2005، صعّدت أمريكا واللوبى الصهيونى الذى يخدم سياسة ومصالح إسرائيل من الهجوم على حكومة البشير، واعتبرته مسؤولاً عما يجرى من حرب أهلية أخرى، نشبت فى دارفور، ومن إبادة جماعية وقعت ضد عناصر أفريقية هناك، حسب زعمهم، فتم عرض الأمر، بوازع من أمريكا والدول السائرة فى ركابها، على المحكمة الجنائية الدولية لتدين البشير وتطالب بمحاكمته، فى سنتى 2008 و2009.
■ ما الأهداف الأساسية للدور الأمريكى فى السودان؟
- المحركات الأساسية للدور الأمريكى تتلخص فى، أولا: الحصول على البترول، بأن تكون أمريكا شريكاً فى إنتاج بترول السودان خاصة فى الجنوب، مما يضعف أو يُقوض الدور الصينى الموجود حاليا هناك، فالصين هى المسؤولة عن استخراج ونقل وتصدير البترول، وثانيا: إسقاط حكومة الإنقاذ بزعامة البشير التى رفضت بشكل قاطع الوجود الأمريكى فى السودان، كما رفضت اشتراك أمريكا فى إنتاج بترول السودان، وثالثا: محاولة التدخل فى قلب منطقة منابع النيل بما فيها السودان بدرجة تُمكّن أمريكا من التحكم فى مياه النيل بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية الراغبة فى توصيل المياه إلى إسرائيل.
■ ماذا عن الدور الإسرائيلى فى جنوب السودان؟
- إسرائيل متواجدة فى أفريقيا وجنوب السودان منذ خمسينيات القرن الماضى، وقد بدأ هذا التواجد بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 التى كان من مبادئها القضاء على الاستعمار وأعوانه، وإسرائيل بطبيعة الحال مُستعمرة استيطانية، ومُتعاونة مع الاستعمار الأوروبى والأمريكى، ولما رأت إسرائيل أنها مجرد دويلة صغيرة فى وسط قوة عربية إسلامية كبيرة، وضعت فى اعتبارها أن تخترق هذه القوة أو تحاول أن تحيط بها أو تهاجمها من الخارج، ومن هنا كان تعاونها مع الدول الاستعمارية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان القاسم المشترك بينها جميعا معاداة ثورة 1952 واتجاهاتها القومية التى تأمل أن تجعل من الشعوب العربية المشتتة قوة أو دولة موحدة، ولذلك تعاونت سويا فى توجيه ضربة لثورة يوليو حين شنت العدوان الثلاثى على مصر 1956، كما شنت إسرائيل وحدها عدوان 5 يونيو 1967.
وعلى كل حال فلقد زرعت إسرائيل منذ الستينيات رجالاً من المخابرات الإسرائيلية فى الدول الأفريقية رغبة فى دخول أفريقيا، والالتفاف حول السودان واختراقه كوسيلة ضمن وسائلها لإضعاف مصر العدو الأول لإسرائيل، على مبدأ شد الأطراف حتى يضعف القلب (مصر) فيسهل ضربه، ثم توغلت الأيادى الإسرائيلية فى أوغندا وكينيا وإثيوبيا، وقد تحالفت الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اتخاذ مصر قرارا ببناء السد العالى بالتعاون مع الاتحاد السوفيتى، وليس مع الأمريكيين والكتلة الغربية، وكانت مصر قد اتخذت قرارها هذا بعد أن فشلت فى الحصول على مساعدة وتمويل البنك الدولى الذى كان قد فرض شروطا قاسية بضغط من الأمريكيين لكى يمنح مصر قرضا يجعل من مصر دُمية فى يد الغرب ويُركعها، كما ركّعتها الديون الخارجية فى عهد إسماعيل، مما كان سببا فى احتلال مصر فى القرن التاسع عشر، ولكن عبدالناصر أصر على أن تظل مصر حرة مستقلة، تمد يدها لمساعدة حركات التحرر العربى والأفريقى.
وتوغلت إسرائيل بعد ذلك فى دول منابع النيل حتى وصلت إلى جنوب السودان، الذى كانت قد بدأت فيه حركة تمرد وحرب أهلية بين الجنوب والشمال 1955، ولقد بدأت تلك العلاقات بالمساعدات الطبية، والغذائية، وقتما لجأت حركات التمرد الجنوبية إلى الغابات الأوغندية، والإثيوبية، ثم تحولت المساعدات الطبية إلى تشجيع على التمرد، فتدريب للضباط فى إسرائيل، ثم وصلت إلى المساعدات العسكرية من بنادق ورشاشات ومدفعية ثقيلة إلى عربات مصفحة ومدرعات، وكانت تذهب تلك المساعدات إلى إثيوبيا أولا ومنها إلى جنوب السودان، ولذلك أحرج جيش الحركة الشعبية بقيادة جون جارانج جيش الحكومة المركزية فى الخرطوم، مما كان سببا فى الدخول فى المفاوضات التى انتهت بحق تقرير المصير للجنوب، وحرية الانفصال الذى هو الاختيار الأكثر احتمالا فى استفتاء 9 يناير 2011.
■ أين الدور المصرى فى السودان، وسط هذا الصراع، والسودان بالنسبة لمصر مسألة أمن قومى؟.
- للأسف غابت مصر عن الساحة الأفريقية بعد 1973 حيث دخلت فى تفاهمات مع الغرب وإسرائيل، وعقدت معاهدة كامب ديفيد مما أبعدها عن القارة الأفريقية بصفة عامة ومنطقة منابع النيل بصفة خاصة، بما فيها جنوب السودان، فخلا المجال للأفاعى والثعابين لكى تزحف خفية على تلك المنابع التى تمثل البعد الاستراتيجى للسودان ولمصر، وتمثل الوجود والحياة بالنسبة لهما، وعلى كل حال فقد خُدرت مصر أو حُيدت أو قُيدت بمعاهدة السلام مع إسرائيل التى ذهبت لكى تخترق مصر والسودان خاصة بعد رفض مصر توصيل مياه النيل إلى صحراء النقب فى إسرائيل عن طريق تشجيع حركات التمرد الجنوبية فى السودان، بل تخترق مصر من الداخل عن طريق تغييب الوعى وتشويه المناهج المدرسية، حتى تنسى الأجيال الحالية والمستقبلية حقيقة أن إسرائيل دولة مغتصبة لأرض الشعب الفلسطينى، وهدفها السيطرة على البلدان العربية، ولسوف تظل مصر تدفع ثمن غيابها وإهمالها، وأول هذا الثمن هو انفصال جنوب السودان عن الدولة المركزية فى الشمال فى يناير 2011، إلا إذا توقفت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية معها عن تبنيها انفصال الجنوب حتى وصل الأمر إلى تدخل وزارة الخارجية الأمريكية بذاتها فى عملية الانتخابات لترجيح الاتجاه الانفصالى أو نزلت معجزة من السماء تمنع الجنوب من الانفصال، بعد أن ولى زمن المعجزات، ولو حدث الانفصال فلن يكون فى صالح الجنوب أو الشمال أو مصر ودول الاتحاد الأفريقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.