قفزة ب340 للجنيه دفعة واحدة.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    فيريرا يصدم ثنائي الزمالك قبل ساعات من مواجهة الإسماعيلي    وزارة العمل: 50 فرصة عمل لسائقين بمرتبات 10 آلاف جنيه    مقتل 3 ضباط شرطة وإصابة اثنين آخرين في إطلاق نار بجنوب بنسلفانيا    محافظ شمال سيناء يتفقد أعمال تطوير بوابة العريش وبفتتح مقراة الصالحين لتحفيظ القران الكريم (صور)    غزل المحلة يرفض خوض إى مباراة تحت إدارة الحكم محمود بسيونى مرة أخرى    القبض على المتهمين بالتنقيب عن الآثار أسفل مستوصف طبى بقنا    وزير التربية والتعليم يعتمد نظامًا جديدًا للدراسة والتقييم في الثانوية العامة يبدأ من العام الدراسي 2025/2026    تصدرت التريند بعد أنباء زواجها بشاب، ماذا قالت إيناس الدغيدي عن الطلاق (فيديو)    90.2 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    نقيب المحامين يكرم400 طالب متفوق من أبناء محامي الإسكندرية    محمد صلاح يتجاوز ميسي ومبابي ويكتب فصلًا جديدًا في تاريخ دوري الأبطال    «نومي بار يعقوب» المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة السابقة: إسرائيل تنشر الفوضى.. و«هجوم الدوحة» يستوجب صوتًا عربيًا واحدًا (الحلقة 41)    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    لأول مرة.. ترشيح طالب من جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو 2025    أخبار × 24 ساعة.. الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية    رسميًا بعد مد فترة التقديم.. آخر موعد حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2025 لمحدودي الدخل    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    "أوبن إيه.آي" تتجه لإنتاج شريحة ذكاء اصطناعي خاصة بها.. ما القصة؟    أسامة فراج بعد محمد محسوب .. ساحل سليم تتصدر قائمة التصفية خارج إطار القانون من داخلية السيسي    مكافحة الإدمان: علاج 100 ألف مدمن خلال 8 أشهر    كنت باخد لفة بالعربية من ورا بابا، اعترافات المتهم بدهس مسن بسيارة دبلوماسية في المهندسين    مصفاة "دانجوت" النيجيرية تصدر أول شحنة بنزين إلى الولايات المتحدة    تكريم أمينة خليل.. تفاصيل حفل إطلاق النسخة السابعة من مهرجان ميدفست مصر (صور)    عمرو منسي: مهرجان الجونة مساحة أمل للمواهب وصناعة السينما    الشاعر الغنائي فلبينو عن تجربته مع أحمد سعد: "حبيت التجربة وهو بيحكيلي عليها"    أحمد سعد مداعبا المؤلف الغنائي محمد الشافعي: "بكلم مامته عشان يألف لي"    محمد عدوي يكتب: الخفافيش تعميهم أنوار الشمس    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مدينة القصاصين بعد تعرضه لوعكة صحية    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    هتتفاقم السنوات القادمة، الصحة تكشف أسباب أزمة نقص الأطباء    أسباب الإمساك عند الطفل الرضيع وطرق علاجه والوقاية منه    استشهاد 99 فلسطينيًا في غارات الاحتلال على غزة خلال يوم    عاجل| "الشعاع الحديدي": إسرائيل تكشف عن جيل جديد من الدفاع الصاروخي بالليزر    بريطانيا: زيارة الدولة الأمريكية جلبت 150 مليار باوند استثمارات أجنبية    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    إنتاج 9 ملايين هاتف محمول محليًا.. وزير الاتصالات: سنبدأ التصدير بكميات كبيرة    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا    ميدو: ياسين منصور رحل عن شركة الكرة بسبب التدخلات.. وهناك تصور لوجوده نائبًا مع الخطيب    موعد مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا بالدوري    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    رئيس جامعة طنطا يشهد حفل تخريج الدفعة ال30 من كلية الهندسة    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    سعر الموز والتفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 18-9-2025    إعلام إسرائيلي: ديرمر التقى وزير الخارجية السوري في لندن بحضور المبعوث الأمريكي براك    زي المحلات.. طريقة «أكواب الرمان» بالكركدية    دوري أبطال أوروبا.. بايرن ميونخ يكرم ضيافة بطل العالم    4 أبراج يحققون إنجازات خلال أسبوع: يجددون حماسهم ويطورون مهاراتهم ويثبتون جدارتهم في العمل    ما حكم كثرة الحلف بالطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«البحيرى»: إسرائيل زرعت رجال «الموساد» فى أفريقيا للالتفاف حول السودان وإضعاف مصر
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 01 - 2011

فى الوقت الذى بدأت فيه الأحد عملية الاستفتاء فى جنوب السودان ليقرر مصيره، يصبح السودان كدولة فى منعطف خطير، وفى مفترق طرق، بين أن يظل موحداً عربياً وأفريقياً، قوياً معافى، تزيده عوامل الاختلاف العرقى والثقافى والاقتصادى قوة ومنعة فى مواجهة التيارات العاتية وبين أن ينفصل جنوبه عن شماله، وذلك أمر ليس هيناً لأن معناه تجزئة السودان، والإضرار بوضعه الاستراتيجى المتوغل فى قلب أفريقيا، والتأثير على مصر ومصالحها فى مياه النيل والسودان وأفريقيا.. وحول ذلك الموضوع المهم نجرى هذا الحوار مع الدكتور زكى البحيرى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية آداب بجامعة المنصورة، المتخصص فى الشؤون السودانية والأفريقية، الذى يؤكد أن مشكلة الجنوب أوجدتها عوامل عرقية وتاريخية، سياسية وإقليمية ودولية، وإلى نص الحوار:
■ بصفتك متخصصاً فى الشؤون السودانية والأفريقية، ما أساس مشكلة جنوب السودان وما حقيقة ما يجرى هناك؟
- مشكلة جنوب السودان فى الواقع مشكلة مزمنة، وُجدت منذ وقت مبكر، يرجع إلى القرن التاسع عشر، إلا أن الذى أوصلها إلى الحالة التى هى عليها، هو السياسة الإنجليزية، حين عمل حاكم عام السودان خلال الحكم الثنائى على خلق كيان فى الجنوب مختلف عنه فى الشمال، وأصدروا قانون المناطق المقفلة لمنع الشماليين من النزول إلى الجنوب أو الإقامة فيه، ومنع الجنوبيين من الصعود للشمال، وفى المراحل التالية تم منع استخدام اللغة العربية فى الجنوب، والتأكيد على استخدام اللغة الإنجليزية أو اللغات المحلية كلغات النوير، والدنكا، والشُلك، كبديل للعربية، وصدرت الأوامر إلى مديرى المديريات الجنوبية ورؤساء المراكز بترحيل الموظفين والتجار الشماليين المسلمين من الجنوب، طبقا لتعليمات كبار رجال الإدارة من الإنجليز.
■ ولكن منذ متى بدأت هذه السياسة الجنوبية التى تشير إليها والتى هى فى رأيكم مسؤولة عن تنفيذ سياسة الفصل بين الجنوب والشمال؟
- فى الحقيقة تعتبر البعثات التبشيرية المسيحية هى البداية العملية للفصل بين شمال وجنوب السودان، منذ العقد الأول من القرن العشرين، وصدر قانون المناطق المقفلة المشار إليه آنفا فى سنة 1922، لمنع العرب المسلمين من النزول إلى جنوب السودان، ثم جاءت تعليمات هارولد ماكمايكل السكرتير الإدارى (وزير الداخلية) - المخطط الحقيقى للسياسة الجنوبية، تلك السياسة التى رسخت إلى حد كبير الاختلافات العرقية والثقافية والدينية وسياسة الفصل بين الجنوب والشمال - بتنفيذ السياسة الجنوبية للفصل بين الشمال والجنوب فى خطاب سرى موجه إلى مديرى مديريات الجنوب من الإنجليز فى 1930.
■ كيف تطورت المشكلة، وما المسار الذى اتخذته بعد ذلك؟
- رغم أن سياسة فصل الجنوب قد استمر تنفيذها طيلة الثلاثينيات ومعظم الأربعينيات فإن الجنوبيين فى مؤتمر جوبا للإدارة وتقرير وضع جنوب السودان فى 1947 الذى حضره ممثلون عن الجنوب والشمال، كما حضره ممثلو الإدارة من الإنجليز وفى مقدمتهم السكرتير الإدارى قرروا أن يظل الجنوب جزءا من دولة واحدة تضم شمال وجنوب السودان على حد السواء، ولم يقبلوا أى أفكار لفصل الجنوب عن بقية السودان، أو ضمه لشرق أفريقيا فى حكومة أو دولة واحدة كما كان يقترح الإداريون الإنجليز.
■ وإذا كان هذا هو موقف الجنوبيين فى أواخر الأربعينيات، فما الذى غيّر رأيهم إلى حد أنهم يطالبون حاليا بتقرير المصير الذى يعنى إمكانية الانفصال عن حكومة الخرطوم؟.
- يرجع السبب فى تغيير الموقف الجنوبى أيضا إلى الدور الإنجليزى فى السودان، ذلك لأنه خلال الحكم الثنائى، تم إهمال المناطق المتطرفة من البلاد وفى مقدمتها الجنوب والغرب (دارفور) فى جميع برامج التنمية، بل كان رجال البعثات التبشيرية المسيحية يوصون الإدارة البريطانية فى الجنوب بألا يرفعوا رواتب الجنوبيين، لأنهم لا يستطيعون العمل إلا فى جو يسوده الفقر والمعاناة، وعلى كل حال فقد تركزت مشروعات التنمية فى السودان الأوسط الذى ضم بورسودان، والخرطوم، وكُوستى، ومدنى، والأُبيض، لأن مشروعات زراعة القطن اللازم لمصانع لانكشير فى إنجلترا والصمغ العربى المطلوب فى بريطانيا وغيرها، كانت تقع فى تلك المناطق الوسطى، خاصة فى الجزيرة وكردفان، ولذلك فإن خطوط السكك الحديدية تركزت فى تلك المناطق ولم تمتد إلى الجنوب أو إلى الغرب، ولما استقل السودان 1956، ظلت للأسف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على ما هى عليه، بما فيها من تهميش الجنوب والغرب والشرق.
■ ما السبب فى استمرار حالة تهميش المناطق النائية من السودان خاصة فى الجنوب والغرب؟
- السبب فى استمرار حالة التهميش هو أولا: استمرار خطط الإدارة والتنمية على السياسة نفسها التى رسمتها بريطانيا قبل الاستقلال بتركيز التنمية فى وسط البلاد وإهمال الأطراف كما ذكرنا. وثانيا: أن نظام الحكم فى السودان سار فى دورة حكم جهنمية تنتقل ما بين حكومات ليبرالية منتخبة قصيرة العمر إلى حكومات عسكرية، والعكس صحيح، مما أشاع حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار بشكل شبه دائم. ثالثا: نشوب الحرب بين الجنوب والشمال عام 1955 بسبب تمرد الكتيبة الاستوائية فى الجنوب، وقد استمرت حالة الحرب والتمرد حتى 1972 حين عُقدت اتفاقية أديس أبابا فى عهد حكم جعفر نميرى. رابعا: سعى الحزبين الكبيرين، «حزب الأمة والحزب الوطنى الاتحادى (الاتحادى الديمقراطى فيما بعد)» لأن يظلا هما المحركان الأساسيان للحكم، والحياة السياسية فى السودان، مع تجاهل أو إضعاف القوى الأخرى التى عبرت عن أفكار إصلاحية وتقدمية حقيقية لشعب السودان كله. خامسا: دور القوى الخارجية المتمثلة فى البعثات التبشيرية التى كانت قد نقلت بعض نشاطها التبشيرى إلى الدول المجاورة للسودان كأوغندا وكينيا، خاصة مع تسرب رجال المخابرات والموساد الإسرائيلى إلى الجنوب عن طريق إثيوبيا وأوغندا.
ومما لاشك فيه أن للقوى الخارجية خاصة إنجلترا والولايات المتحدة دوراً فعلياً فى تكريس فصل الجنوب وخلق دولة مختلفة دينيا وثقافيا فيه، دولة تنتمى لدول أفريقيا جنوب الصحراء، وليس أفريقيا العربية فى الشمال، تلك التى تشتمل على مصر، مركز الثقل العربى فى شمال شرق أفريقيا.
■ هل سعت الحكومات السودانية للحد من تفاقم مشكلة جنوب السودان، من خلال تطوير أحواله الاقتصادية، وتغيير الاتجاهات السياسية والاجتماعية التى تؤثر على سكان الجنوب، وتزيد من ارتباطهم بالوطن الواحد؟
- فى محاولتنا للإجابة عن هذا السؤال لابد من العودة للتطور التاريخى للمسألة، فلقد توقفت الحرب الأهلية فى جنوب السودان بعد أن عُقدت اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين جعفر نميرى، رئيس جمهورية السودان، وجوزيف لاجو، ممثل الجنوب، وأصبح الجنوب كله إقليما واحدا له حكومة محلية فى إطار الحكم الذاتى، واستمر الأمر كذلك حتى 1983 حين أتى جعفر نميرى على إنجازه التاريخى بإلغاء هذه الاتفاقية المهمة التى كانت قد أوجدت استقرارا فى الجنوب إلى حد معقول، ولو أن عمليات التنمية فى الجنوب حتى فى وقت الحكم الذاتى لم تكن ملحوظة، وبعد إلغاء الحكم الذاتى.
■ ماذا حدث بعد إلغاء اتفاقية أديس أبابا؟
- ساءت أمور جنوب السودان واستعرت الحرب الأهلية معه من جديد، خاصة مع تمكّن الجنوبيين من كسب تأييد بعض القوى الإقليمية والمواقف الدولية، ومع تمكنهم أيضا بقيادة جون جارانج والحركة الشعبية لتحرير السودان، من الحصول على السلاح بطرق خفية من مصادر مختلفة أهمها إسرائيل وإثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وفى عام 1985 قامت انتفاضة عارمة ضد جعفر نميرى بسبب إلغاء اتفاقية أديس أبابا واستئناف الحرب فى الجنوب، وبسبب أزمة السودان، ومجاعات دارفور، وتهريب الفلاشا، وبخروج نميرى من السودان جاءت بعده حكومة انتقالية برئاسة عبدالرحمن سوار الذهب عام 1985 - 1986، ثم خلفه الصادق المهدى فى رئاسة حكومة البلاد بعد الانتخابات حتى 1989، وطيلة هذا الوقت لم تتمكن أى حكومة سودانية من إطفاء نار الحرب الأهلية فى جنوب السودان.
■ لكن ما دور حكومة الإنقاذ فى هذا الصراع الأهلى بين الشمال والجنوب؟
- لقد جاءت بعد ذلك ثورة الإنقاذ فى 1989 تحمل توجهات إسلامية، وكان لها فى الحقيقة زعامتان: الأولى عسكرية على رأسها عمر البشير، والثانية مدنية على رأسها الترابى، وخلال السنوات العشر الأولى من حكم الإنقاذ سارت حكومته تتخبط ما بين خلق الصراعات السياسية مع مصر وإثيوبيا ودول الجوار الأخرى، وفى معاداة القوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وإعلان الجهاد ضد المحاربين فى الجنوب، وتلك سياسات خاطئة تماما، ووقع خلال تلك الفترة صراع على أيديولوجية نظام الحكم الذى يدير شؤون السودان، انتهى باستبعاد حسن الترابى الأصولى المنهج، وبتركيز السلطة فى يد حزب المؤتمر الوطنى بزعامة البشير، فاستقرت الإدارة السياسية إلى حد ما، ولكن على مستوى الجنوب اشتدت الحرب الأهلية، وتراوح الوضع بين تراجع جيش الحركة الشعبية الجنوبى مرة، وتراجع الجيش الوطنى فى الخرطوم مرة أخرى أمامه، فوقعت محادثات ومقابلات ومفاوضات على مستويات سودانية متعددة بين حكومة الإنقاذ، والحركة الشعبية فى الجنوب بما فيها الأجنحة المنفصلة عنها، ودخلت على الخط أحزاب الأمة، والاتحادى الديمقراطى، والحزب الشيوعى، وحزب المؤتمر الشعبى بزعامة الترابى، والتجمع الديمقراطى الذى كان يمثل كل قوى المعارضة، ولم تصل كل هذه المحاولات إلى حل ناجع لمشكلة الجنوب، وتحدثت القوى الجنوبية عن حق تقرير المصير وفى مقدمتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون جارانج بل أيدتها فى ذلك بعض أحزاب المعارضة الشمالية، ورغم ذلك لم تتوقف الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب حتى بعد عقد اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية فى ماشاكوس فى كينيا 2002 بوساطة مجموعة دول الإيجاد، وحضور شركاء الإيجاد وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولما ضُغط على حكومة الإنقاذ للاستمرار فى المفاوضات تم عقد اتفاقية السلام النهائى بين الشمال والجنوب فى نيفاشا فى كينيا أيضا فى 2005 مع الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوبيين عقب فترة انتقالية طولها ست سنوات، وهذا معناه الموافقة على حق الجنوب فى الانفصال.
■ ماذا حدث بعد توقف الحرب الأهلية؟
- توقفت الحرب الأهلية فى الجنوب، لتتحرك آلة الإعلام الغربية الرهيبة لكى تُدخل السودان فى دوامة أخرى هى دوامة دارفور التى اشتعلت فيها الحرب الأهلية بين الحركات المتمردة كحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، وقوات الحكومة المركزية وكأنه كتب على هذا البلد ألا يخرج من أزماته ومعاركه التى تستهلك معظم موارده فلا يقوى على حل مشاكله ولا تنمية أقاليمه، ويدور فى حلقة مفرغة من الحرب والاستعداد لها، إلى الدمار والصراع السياسى الذى ينتهى بتجزىء هذا البلد العربى الأفريقى الكبير، الذى يمثل قوة استراتيجية وقوة اقتصادية وقوة بشرية فى وسط وشرق أفريقيا، ويمثل ثقلاً عربياً أيضا فى تلك المنطقة.
■ وما حقيقة الدور الأمريكى فى السودان؟
- راهنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال تحرك الدول الأفريقية نحو التحرر والاستقلال، وخروج الاستعمار التقليدى الاحتلالى على أن تحل محل الاستعمار التقليدى، وتسيطر على الدول المُحررة بطريقة جديدة، تربط فيها هذه الدول التى تعانى من أزمات اقتصادية بالاقتصاد الأمريكى، مع العمل على السيطرة على الموارد الطبيعية والإنتاجية لهذه الدول، وهى سياسة أطلق عليها البعض الاستعمار الجديد، ولقد وقع السودان فى إطار المخططات الأمريكية فى هذا المجال بعد خروج إنجلترا منه فى 1956، ومن وقتها والسودان يقع فى دائرة الاهتمام الأمريكى - الصهيونى، وقد تنامى هذا الاهتمام بعد ظهور البترول فى السودان خاصة فى الجنوب، ومما زاد الرغبة الأمريكية فى التدخل فى شؤون السودان وجود حكومة الإنقاذ - التى تُصنف كحكومة إسلامية أصولية من وجهة النظر الأمريكية والغربية على الأقل - إلى جانب وقوع حادث 11 سبتمبر 2003 الذى سقط فيه بُرجا التجارة العالميان فى الولايات المتحدة الأمريكية، بواسطة مخططين ومنفذين إرهابيين من تنظيم القاعدة حسب الزعم الأمريكى أو قوى أصولية أخرى، ولذلك راهنت أمريكا، وما زالت تراهن، على إسقاط نظام الإنقاذ الإسلامى الحاكم فى السودان بزعامة البشير.
وبعد عقد اتفاق السلام فى الجنوب، ووقف الحرب الأهلية 2005، صعّدت أمريكا واللوبى الصهيونى الذى يخدم سياسة ومصالح إسرائيل من الهجوم على حكومة البشير، واعتبرته مسؤولاً عما يجرى من حرب أهلية أخرى، نشبت فى دارفور، ومن إبادة جماعية وقعت ضد عناصر أفريقية هناك، حسب زعمهم، فتم عرض الأمر، بوازع من أمريكا والدول السائرة فى ركابها، على المحكمة الجنائية الدولية لتدين البشير وتطالب بمحاكمته، فى سنتى 2008 و2009.
■ ما الأهداف الأساسية للدور الأمريكى فى السودان؟
- المحركات الأساسية للدور الأمريكى تتلخص فى، أولا: الحصول على البترول، بأن تكون أمريكا شريكاً فى إنتاج بترول السودان خاصة فى الجنوب، مما يضعف أو يُقوض الدور الصينى الموجود حاليا هناك، فالصين هى المسؤولة عن استخراج ونقل وتصدير البترول، وثانيا: إسقاط حكومة الإنقاذ بزعامة البشير التى رفضت بشكل قاطع الوجود الأمريكى فى السودان، كما رفضت اشتراك أمريكا فى إنتاج بترول السودان، وثالثا: محاولة التدخل فى قلب منطقة منابع النيل بما فيها السودان بدرجة تُمكّن أمريكا من التحكم فى مياه النيل بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية الراغبة فى توصيل المياه إلى إسرائيل.
■ ماذا عن الدور الإسرائيلى فى جنوب السودان؟
- إسرائيل متواجدة فى أفريقيا وجنوب السودان منذ خمسينيات القرن الماضى، وقد بدأ هذا التواجد بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 التى كان من مبادئها القضاء على الاستعمار وأعوانه، وإسرائيل بطبيعة الحال مُستعمرة استيطانية، ومُتعاونة مع الاستعمار الأوروبى والأمريكى، ولما رأت إسرائيل أنها مجرد دويلة صغيرة فى وسط قوة عربية إسلامية كبيرة، وضعت فى اعتبارها أن تخترق هذه القوة أو تحاول أن تحيط بها أو تهاجمها من الخارج، ومن هنا كان تعاونها مع الدول الاستعمارية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان القاسم المشترك بينها جميعا معاداة ثورة 1952 واتجاهاتها القومية التى تأمل أن تجعل من الشعوب العربية المشتتة قوة أو دولة موحدة، ولذلك تعاونت سويا فى توجيه ضربة لثورة يوليو حين شنت العدوان الثلاثى على مصر 1956، كما شنت إسرائيل وحدها عدوان 5 يونيو 1967.
وعلى كل حال فلقد زرعت إسرائيل منذ الستينيات رجالاً من المخابرات الإسرائيلية فى الدول الأفريقية رغبة فى دخول أفريقيا، والالتفاف حول السودان واختراقه كوسيلة ضمن وسائلها لإضعاف مصر العدو الأول لإسرائيل، على مبدأ شد الأطراف حتى يضعف القلب (مصر) فيسهل ضربه، ثم توغلت الأيادى الإسرائيلية فى أوغندا وكينيا وإثيوبيا، وقد تحالفت الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اتخاذ مصر قرارا ببناء السد العالى بالتعاون مع الاتحاد السوفيتى، وليس مع الأمريكيين والكتلة الغربية، وكانت مصر قد اتخذت قرارها هذا بعد أن فشلت فى الحصول على مساعدة وتمويل البنك الدولى الذى كان قد فرض شروطا قاسية بضغط من الأمريكيين لكى يمنح مصر قرضا يجعل من مصر دُمية فى يد الغرب ويُركعها، كما ركّعتها الديون الخارجية فى عهد إسماعيل، مما كان سببا فى احتلال مصر فى القرن التاسع عشر، ولكن عبدالناصر أصر على أن تظل مصر حرة مستقلة، تمد يدها لمساعدة حركات التحرر العربى والأفريقى.
وتوغلت إسرائيل بعد ذلك فى دول منابع النيل حتى وصلت إلى جنوب السودان، الذى كانت قد بدأت فيه حركة تمرد وحرب أهلية بين الجنوب والشمال 1955، ولقد بدأت تلك العلاقات بالمساعدات الطبية، والغذائية، وقتما لجأت حركات التمرد الجنوبية إلى الغابات الأوغندية، والإثيوبية، ثم تحولت المساعدات الطبية إلى تشجيع على التمرد، فتدريب للضباط فى إسرائيل، ثم وصلت إلى المساعدات العسكرية من بنادق ورشاشات ومدفعية ثقيلة إلى عربات مصفحة ومدرعات، وكانت تذهب تلك المساعدات إلى إثيوبيا أولا ومنها إلى جنوب السودان، ولذلك أحرج جيش الحركة الشعبية بقيادة جون جارانج جيش الحكومة المركزية فى الخرطوم، مما كان سببا فى الدخول فى المفاوضات التى انتهت بحق تقرير المصير للجنوب، وحرية الانفصال الذى هو الاختيار الأكثر احتمالا فى استفتاء 9 يناير 2011.
■ أين الدور المصرى فى السودان، وسط هذا الصراع، والسودان بالنسبة لمصر مسألة أمن قومى؟.
- للأسف غابت مصر عن الساحة الأفريقية بعد 1973 حيث دخلت فى تفاهمات مع الغرب وإسرائيل، وعقدت معاهدة كامب ديفيد مما أبعدها عن القارة الأفريقية بصفة عامة ومنطقة منابع النيل بصفة خاصة، بما فيها جنوب السودان، فخلا المجال للأفاعى والثعابين لكى تزحف خفية على تلك المنابع التى تمثل البعد الاستراتيجى للسودان ولمصر، وتمثل الوجود والحياة بالنسبة لهما، وعلى كل حال فقد خُدرت مصر أو حُيدت أو قُيدت بمعاهدة السلام مع إسرائيل التى ذهبت لكى تخترق مصر والسودان خاصة بعد رفض مصر توصيل مياه النيل إلى صحراء النقب فى إسرائيل عن طريق تشجيع حركات التمرد الجنوبية فى السودان، بل تخترق مصر من الداخل عن طريق تغييب الوعى وتشويه المناهج المدرسية، حتى تنسى الأجيال الحالية والمستقبلية حقيقة أن إسرائيل دولة مغتصبة لأرض الشعب الفلسطينى، وهدفها السيطرة على البلدان العربية، ولسوف تظل مصر تدفع ثمن غيابها وإهمالها، وأول هذا الثمن هو انفصال جنوب السودان عن الدولة المركزية فى الشمال فى يناير 2011، إلا إذا توقفت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية معها عن تبنيها انفصال الجنوب حتى وصل الأمر إلى تدخل وزارة الخارجية الأمريكية بذاتها فى عملية الانتخابات لترجيح الاتجاه الانفصالى أو نزلت معجزة من السماء تمنع الجنوب من الانفصال، بعد أن ولى زمن المعجزات، ولو حدث الانفصال فلن يكون فى صالح الجنوب أو الشمال أو مصر ودول الاتحاد الأفريقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.