رئيس الرقابة المالية يستعرض مع رؤساء التحرير تطوير القطاع المالي غير المصرفي    القسام تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال السنوار.. وتنشر فيديو يظهر فيه    أرتيتا: اتحاد الحكام يناقض نفسه مرة أخرى    رئيس الوزراء يصدر قرار بقواعد تشغيل نظام البكالوريا بالمدارس الخاصة    عبد الحميد حسن: رحيلي عن قناة الأهلي بسبب احتفالي بعيد ميلاد الخطيب    وزير الري للأجيال: لا تطبعوا مع السد الإثيوبي إلا إذا حدث اتفاق ملزم    العاهل الأردني: توافق عربي دولي واسع على خطة ترامب بشأن غزة    ولاء السلامين: الاحتلال يغلق مداخل نابلس وقلقيلية بعد عملية دهس    قرار عاجل من المترو قبل ساعات من مباراة الأهلي والزمالك (التفاصيل)    حملات فى هضبة الأهرام لرفع الإشغالات وتحسين مستوى النظافة    مطروح تبحث القضايا السكانية والتنمية في حوار مجتمعي موسع    حجز إعادة إجراءات محاكمة المتهم الأول في "أحداث شغب عابدين" للحكم    مقتل شاب على يد 3 من أصدقائه بطلق ناري في شبرا الخيمة    بعد طرح البوسترات الرسمية.. هذا هو موعد عرض مسلسل لينك    المائدة الرابعة لمهرجان «القاهرة للعرائس» توصي بإنشاء بنك للنصوص ورابطة لفناني الطفل    كزبرة يستعد لتصوير فيلم كأولى بطولاته السينمائية.. ومسلسل في رمضان 2026    غدا.. صالون ثقافي بعنوان من الفكرة للإبداع بدار الأوبرا المصرية    أول تعليق من أحمد السقا بعد نجاته من حادث مروع    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الاثنين 29سبتمبر2025 في المنيا    وزارة الصحة ل الشروق: مزايدة لتأجير العيادات الخارجية في 3 مستشفيات حكومية    صحة شمال سيناء تفعل بروتوكول الجراحات الكبرى للأسنان مع جامعة سيناء بمستشفى العريش العام    اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية لنادي السلام البحري في بورسعيد    رئيس جامعة المنيا: نسعى لتحقيق ميزة تنافسية وبيئة جامعية محفزة للتميز والإبداع    صندوق تطوير التعليم: 3 أشهر مدة البرنامج المكثف لتأهيل الطلاب لسوق العمل الدولي    وكيل تعليم الفيوم: نظام البكالوريا يهدف لبناء طالب مفكر ومبدع    خالد الجندي: في حاجة اسمها تشجيع الفاحشة بالقلب    بشير جبر: الاحتلال يدمر برج مكة في غزة بالكامل ويواصل التهجير تحت النيران    مودريتش يقود تشكيل ميلان أمام نابولي في الدوري الإيطالي    تأجيل محاكمة 7 متهمين بخلية العملة    التحقيق مع عاطلين في مطاردة توكتوك طريق الواحات بعد نشرها ب"اليوم السابع"    محافظ الدقهلية ورئيسة القومي للمرأة يشهدان انطلاق "معًا بالوعي نحميها"    الرئيس السيسي ينيب وزير الدفاع لإحياء ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر    تحصين الثروة الحيوانية ضد مرض الحمى القلاعية بالإسماعيلية    وزيرا العدل والاتصالات يطلقان عددًا من المشروعات الرقمية    الفيوم تحتفل باليوم العالمي للسياحة برحلة ترفيهية للمزارات السياحية والأثرية    إزالة 6 أكشاك وفتارين مخالفة بشارع الجامع بإمبابة    استشهاد 41 فلسطينيا منذ فجر اليوم في غزة والاحتلال يهدد بقصف برج مكة    ممثل كندا بالأمم المتحدة: اعترافنا بفلسطين يعكس سيادتنا ولا علاقة له بواشنطن    طائرة كويتية تصل العريش محملة بمساعدات غذائية جديدة لغزة    وزير الصحة: إجراء 60.5 مليون فحص لطلاب المدارس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم    المجلس العالمي للسياحة يعقد مؤتمرًا صحفيًّا قبل انطلاق "قمة روما"    ترامب: لدينا فرصة حقيقية لتحقيق إنجازات عظيمة في الشرق الأوسط    موريتو: تشافي يدخل دائرة المرشحين لقيادة اتحاد جدة    قطاع التدريب بوزارة الداخلية يحتفل بتخريج الدفعة ال 15 من الجنود الجدد والخفراء النظاميين    محافظ البنك المركزي: احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي مُتوافرة عند مستويات مُطمئنة للغاية    قائمة بيراميدز في رحلة رواندا    سحل سيدة على يد زوجها وشقيقه بالشرقية    ممثل جامعة الدول العربية يدعو لتوحيد الجهود لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية    ضبط 3 أشخاص لقيامهم ببيع خطوط هواتف محمولة مُفعلة ببيانات آخرين بالموسكي    الحكومة: 7898 شكوى من ذوي الهمم تلقتها المنظومة خلال 3 أشهر    بالصور.. عمرو دياب يتألق في حفل جديد بالأهرامات    «الصحة»: انطلاق التقييم الميداني بالمنيا استعدادًا لتطبيق منظومة التأمين الشامل    الاتحاد الأوروبي: العقوبات على إيران لا تعني نهاية المسار الدبلوماسي النووي    مجموعة مصر - تشيلي تخطف انتصارا مثيرا أمام نيوزلندا في الدقيقة 97 بكأس العالم للشباب    دعاء الفجر| اللهم اشرح صدورنا وارزقنا القبول والرضا    "مش من حقهم".. محسن صالح يقتح النار على لاعبي الأهلي بشأن زيادة عقودهم    العد التنازلي ل144 يومًا.. موعد شهر رمضان 2026 وأول أيامه فلكيًا    آذان الفجر..مواقيت الصلاة اليوم اليوم الأحد 28-9-2025 في بني سويف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. ما بعد زلزال الجنوب
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 01 - 2011

يشهد جنوب السودان اليوم أكبر زلزال يتعرض له العالم العربى منذ إقامة الدولة الصهيونية فى فلسطين فى عام 1948.. لا يقل زلزال السودان اليوم فى تأثيره وتوابعه عن ضياع فلسطين فى نطاق مؤامرة دولية ما زلنا حتى الآن ندفع ثمنها.. وإذا كانت مأساة فلسطين قد فرضها علينا واقع استعمارى بغيض منذ أكثر من ستين عاما فإن ضياع جنوب السودان جريمة شاركت فيها أطراف كثيرة عربية ودولية.. اليوم وفى هذه الساعات يتقرر مصير جنوب السودان ليصبح دولة مستقلة وتنشطر أكبر دولة عربية إلى جزءين ولا أحد يعرف المستقبل الغامض الذى ينتظر السودان بعد ذلك وهل ستكون هناك دول أخرى مستقلة فى دارفور وأخرى فى شرق السودان.
المهم علينا الآن أن نعيد قراءة الأحداث والتوقعات فى ظل كيان جديد أصبح لزاما علينا أن نعترف به كأمر واقع وأن نتعامل معه فى ظل حسابات جديدة سوف تفتح ألف باب لاحتمالات لم تكن فى الحسبان.
اليوم يقرر سكان الجنوب فى السودان مصير وطنهم بعد سنوات طويلة من الحروب والانتظار والمؤامرات والهزائم.. يقف المواطن الجنوبى اليوم حائرا بين وطن كان موحدا اسمه السودان لم يحافظ على وحدته وهويته وتعدد أديانه ولغاته وثقافاته.. وبين وطن جديد يولد اليوم بكل ما يحمله المستقبل الغامض من تحديات لهذا الكيان الجديد.. نحن أمام كيان تمزق اسمه السودان وكيان آخر يولد وما بين وطن كبير يتمزق ووطن يعانى متاعب الميلاد تبدو الصورة وفيها الكثير من الانتظار والألم والمعاناة.
السودان العجوز ينظر اليوم إلى هذا الوليد الصغير ويأسف كل شىء فيه أن جزءا من الوطن يذهب بعيدا ليس فقط من حيث التواصل والمكان ولكن من حيث الأهداف والأحلام والرؤى.
لقد أخطأ أصحاب القرار فى الشمال حينما قررت الحكومة السودانية يوما تطبيق الشريعة الإسلامية على السودان.. كل السودان وهى تعلم أن الملايين الذين يعيشون فى الجنوب ليسوا جميعهم مسلمين.. وأن لغتهم ليست اللغة العربية وأن لهم ثقافة أخرى وجذورا مختلفة.. بعيدا عن الواقع المختلف فإن الجنوب ومنذ خرج الاحتلال الانجليزى يعانى ظروفا اقتصادية صعبة فلم تكن حكومات الشمال فى أى لحظة حكما عدلا فى توزيع الموارد والثروات والاهتمام بالبشر.
لقد اهتمت حكومات الشمال بكل مظاهر الحياة فيما يخص سكانها ونسيت أن هناك الملايين من المواطنين السودانيين يعيشون فى الجنوب بلا تعليم أو استقرار أو رعاية.. اتجهت ثروة السودان إلى تعمير الشمال ونسى المسئولون فيه أن الجنوب يعانى كل مشاكل الحياة جهلا وفقرا وأمراضا..
ولم ينس الإنجليز كعادتهم قبل أن يتركوا السودان أن يزرعوا بذور الفرقة فى أرجاء الجنوب تركوا تراثا مسموما فى نفوس الجنوبيين.. هذا التراث تنقل بين أجيالهم المختلفة طوال سنوات الاحتلال من عام 1898 وحتى عام 1955.
ترك الإنجليز فى جنوب السودان شعاراتهم المسمومة:
أنتم سكان الجنوب العبيد السود من الزنوج الأفارقة وسكان الشمال هم العرب الذين باعوكم يوما فى أسواق العبيد.. أنتم سكان الجنوب الخدم فى بيوت الأثرياء العرب.. أنتم تدينون بالمسيحية.. وتتحدثون الإنجليزية ولكم ثقافتكم المختلفة وتعيشون مع الجهل والأمراض والعبودية وسكان الشمال ينعمون فى موارد السودان وثرواته.. هذه البذور التى غرسها الإنجليز فى أرض الجنوب تحولت إلى ثورة شعب غاضب وكانت الحرب الأهلية التى استمرت 20 عاما ومات فيها أكثر من 2 مليون مواطن سودانى من الشمال والجنوب هى الثمن الذى دفعه السودان وطنا وشعبا ومستقبلا.
ومع بداية عام 1955 كان أول تمرد فى الجيش السودانى بين قوات الجنوب بدعم من إنجلترا قبل أن ترحل ولم ينس الإنجليز أن تصبح اللغة الإنجليزية هى اللغة الرسمية لأبناء الجنوب منذ عام 1928.
خلال نصف قرن من الزمان كان الانجليز قد رسموا مستقبل السودان كما رسموا مستقبل فلسطين فى وعد بلفور عام 1917.. شجع الإنجليز انتشار اللهجات المحلية وتحويلها إلى لغات مكتوبة ووضعوا خطة لإحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين وابعدوا الموظفين المسلمين وأخرجوا قوات الجيش المصرى من مدن الجنوب ومعهم الموظفون المصريون وابتعدوا بالجنوب تماما عن تأثيرات الثقافة الإسلامية وحرصوا على نشر التعصب الدينى وجعلوا عطلة المؤسسات الحكومية والشعبية يوم الأحد وليس الجمعة وانتشرت الإرساليات التبشيرية بين سكان الجنوب الوثنيين.. كانت هذه الألغام التى تركها الإنجليز هى البداية التى قام عليها مشروع الانفصال بين الشمال والجنوب والذى انتهى إلى حرب أهلية دامية.
فى المقابل لم تحاول حكومات الشمال بعد استقلال السودان أن تعالج أو تواجه الألغام التى تركها الإنجليز بل إن بعض هذه الحكومات شارك فى إشعال المزيد من الفتن حتى اشتعلت المعارك ولم يوقفها أحد.
وقف السودان حائرا أمام جبهتين وأمام حزبين كلاهما يسعى إلى السلطة.. كان حزب المؤتمر الوطنى فى الشمال وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الجنوب ووقع السودان فريسة غريمين كل منهما يسعى إلى السلطة وكانت النهاية فى هذا الصراع الدامى اتفاقا بتوزيع الغنيمة على أساس استفتاء يجرى فى الجنوب يحدد هويته ومستقبله الذى يريد.
لا يوجد أحد الآن فى جنوب السودان يتحدث عن الوحدة لكى يبقى السودان وطنا للجميع.. ولا أحد فى الشمال الآن يتصور أن يبقى السودان دولة واحدة.. إن كل طرف من أطراف السلطة فى الشمال والجنوب يريد أن يبقى فيها حتى ولو خرج بنصف وطن المهم هو قضية البقاء فى السلطة..
إن المسئولين فى الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الجنوب قاموا بترتيب كل شىء لإعلان الاستقلال عن الشمال وإقامة دولتهم ابتداء بالنشيد الوطنى الذى يذاع الآن فى كل أرجاء الجنوب باللغة الإنجليزية وانتهاء بالجيش والشرطة وأجهزة الأمن والاستعداد للحرب إذا فرضت عليهم.. إن فى الجنوب الآن ترسانة من الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية ومن دول أوروبية أخرى.. وفى الجنوب تم تدريب قوات الشرطة على يد رجال الأمن القادمين من واشنطن.. وهناك أجندة كاملة لاعترافات دولية سريعة بالدولة الجديدة فى جنوب السودان.
والمسئولون فى الشمال أرسلوا مبكرا باقات الورود إلى دولة السودان فى الجنوب ولم ينس الرئيس البشير أن يذهب فى رحلة وداع إلى جوبا ليلقى نظرته الأخيرة على جزء من وطنه ينشطر أمامه ويعلن أمام الجميع أنه لن يقف فى طريق استقلال الجنوب إذا كان ذلك رغبة شعب..
على جانب آخر فإن المعارضة السودانية فى الشمال سواء اتفقت على استقلال الجنوب فى بعض فصائلها أو رفضت فكرة الاستقلال من البداية إلا أنها أمام التهديد الواضح من حكومة البشير باستخدام القوة لن تفعل شيئا وحتى إذا فعلت شيئا فسوف يكون ذلك بعد فوات الأوان.
كان من أغرب التصريحات التى أعلنها الترابى أن يطالب الشعب السودانى بالخروج وإسقاط نظام الرئيس البشير بعد استقلال الجنوب.. على جانب آخر فإن الصادق المهدى الزعيم المعارض يعلن صراحة أنه أمام خيارين إما أن يتغير النظام الحاكم أو يعتزل العمل السياسى.. والحقيقة التى ينبغى أن يعترف بها الجميع أن انفصال الجنوب شهادة فشل للحزب الحاكم فى الخرطوم والمعارضة السودانية بكل تاريخها.
ما يحدث اليوم فى جنوب السودان إقرار بالفشل الذريع من السلطة السودانية ممثلة فى حزب المؤتمر الوطنى الذى وصل بالبلاد إلى هذا المنحنى الخطير ولم يستطع أن يحافظ على وحدة السودان.. وهو أيضا إقرار بفشل الأحزاب السياسية من هذا المصير المؤلم.
إن القضية الآن ربما تتجاوز ما يحدث فى الجنوب فيما يتعلق بمستقبل السودان نحن أمام خريطة جديدة يجرى تنفيذها فى أكبر دولة عربية تتعرض لعملية تقسيم واضحة.. لم تكن هذه الخريطة بعيدة عن حسابات أصحاب القرار لا فى السودان ولا فى مصر ولا فى الدول العربية الأخرى.
نحن أمام تصورات نشرتها وثائق غربية منذ سنوات حول تفتيت الدول العربية.. إن العراق ينتظر مستقبلا غامضا فى ظل ثلاث دويلات: كردية، وشيعية، وسنية.. والسودان ينتظر مصيره فى أربع دويلات: عربية سنية، وأفريقية وثنية، ودولة مسيحية.. وهناك أيضا دويلات أخرى ربما فى اليمن والسعودية ومصر ولبنان.. هذا التقسيم الجديد لخريطة الدويلات العربية يصب فى النهاية فى مصلحة إسرائيل وخدمة الأهداف الأمريكية فى المنطقة.
والآن يطرح هذا السؤال نفسه: هل أصبح استقلال جنوب السودان قضية منتهية.. وهل يحسم الاستفتاء اليوم الإجابة عن هذا السؤال؟
فى آخر مواعظ الكهنة والقساوسة فى كنائس جنوب السودان يوم الأحد الماضى كانت هناك دعوة جامعة شاملة لسكان الجنوب بالتصويت على الاستقلال.. وفى آخر تصريحات زعيم الجنوب ورئيس حكومته سلفاكير دعوة صريحة بالاستقلال والانفصال عن الشمال وإقامة دولة الجنوب المستقلة.. وفى آخر التصريحات التى خرجت من البيت الأبيض تأكيد على رغبة شديدة فى إقامة دولة الجنوب المستقلة.
من هنا فإن العالم كله ينتظر إعلان قيام دولة جنوب السودان وإذا كانت هناك جهات سوف تحتفل بهذا الميلاد وتجنى ثمار ذلك فإن هناك أطرافا أخرى سوف تدفع الثمن.
إن جنوب السودان لا يمكن أن يكون دولة كبيرة لأنه بحكم التعداد السكانى والموقع الجغرافى لابد وأن يبحث عن كيان يحميه والواضح أن هذه الحماية ستكون من الجنوب وليس من الشمال.. وهذا يعنى أن الدولة الجديدة سوف تبحث عن حمايتها فى دول محيطة أقربها إثيوبيا وهى الكيان الأكبر الذى يسعى إلى تشكيل دور جديد وكيان متكامل من دول حوض النيل.
يضاف لهذا أن امتداد دولة الجنوب الثقافى والعرقى والدينى هو الأقرب إلى الدول المحيطة بها جنوبا وغربا وهى إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى.. هذه الدول هى الأقرب عرقيا حيث تنتشر القبائل الأفريقية وهى موزعة بين هذه الدول ولا تمنعها الحدود.. وحيث تنتشر العقائد الوثنية.. وتنتشر أيضا المسيحية واللهجات المحلية بجانب التلاحم الجغرافى بين هذه الدول ودولة الجنوب.
هناك أيضا العالم الخارجى الذى يتطلع إلى بترول الجنوب وهو يمثل 85% من إنتاج السودان من البترول يأتى فى مقدمة الدول الصين وأمريكا والهند وإسرائيل.. إن هذه الدول تعتبر دولة الجنوب دولة بكرا فيها الكثير من مشروعات المستقبل فى البنية الأساسية والطرق والمنشآت والمدن الجديدة بجانب مشروعات الزراعة حيث تتوافر مساحات كبيرة من الاراضى حيث تبلغ مساحة دولة الجنوب 700 ألف كيلو متر مربع بينما لا يزيد عدد سكانها على سبعة ملايين نسمة.
فى جانب آخر تقف دول أخرى سوف تدفع ثمنا غاليا لهذه الكارثة. أول هذه الدول هو السودان الموحد أكبر دولة عربية وصاحب أكبر مصادر الثروة الزراعية التى كان من الممكن ان تغطى احتياجات العالم العربى من الإنتاج الزراعى.. سوف يخسر السودان ما يقرب من ثلث مساحته من المراعى والأراضى والغابات.. وسوف يخسر إنْ عاجلا أو آجلا أهم مصادره من البترول.. وسوف يدفع السودان الشمالى فاتورة الديون الخارجية وهى تقترب من 40 مليار دولار.. وسوف يخسر السودان أيضا ثلث قوته البشرية ممثلة فى سكان الجنوب.. وقبل هذا كله سوف يواجه السودان مجموعة أزمات مع دولة الجنوب حول ترسيم الحدود خاصة منطقة ابيى التى تضم حقول البترول الرئيسية وتقسيمها بين قبائل أفريقية وأخرى عربية واحتمالات الصراع بين هذه القبائل أمر محتمل جدا وقد يفتح أبواب الحرب مرة أخرى بين العرب فى الشمال والأفارقة فى الجنوب..
كان السودان دائما مرشحا أن يكون فى صدارة الدول العربية من حيث الدور والثروة والموقع.. إن السودان هو أهم امتداد جغرافى عربى فى قلب أفريقيا وهو بحكم المساحة والثروة كان مرشحا لأن يكون من دول المقدمة وبعد أن انشطر فى هذا الواقع الجديد يصبح من الصعب بل من المستحيل أن يبقى فى الصدارة.
نأتى فى نهاية المطاف إلى تأثيرات هذا الانفصال على موقف مصر وهى بلا شك من الأطراف الرئيسية التى ستدفع الثمن.
تأتى أزمة المياه فى مقدمة السلبيات التى ستلحق بمصر خاصة إذا تم توزيع حصة مياه السودان بين دولتى الشمال والجنوب.. وربما ستضار مصر من هذا التوزيع.. الجانب الثانى أنه لأول مرة فى التاريخ تنفصل مصر من خلال كيان جغرافى وإنسانى وسياسى جديد عن منابع النيل.. إن مصر والسودان كانا دائما وطنا واحدا وما بينهما من الروابط الثقافية والدينية والجغرافية والإنسانية كان أكبر من كل تقلبات السياسة ولكن هناك طرف جديد أصبح الآن يقف بيننا وبين منابع النيل يختلف فى لغته وثقافته وتاريخه وجذوره ومصالحه عن هذه المنظومة القديمة التى جمعت مصر والسودان.
ومع الدور الأمريكى الإسرائيلى المتوقع فى جنوب السودان يمكن أن تكون هناك حسابات أخرى خاصة مع تلك الأزمات التى ظهرت أخيرا بين مصر والسودان من جانب ودول حوض النيل من جانب آخر.. والأرجح بل والمؤكد أن دولة جنوب السودان سوف تتجه جنوبا حيث مصالحها مع دول حوض النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.